الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه أجمعين، وبعدُ:
للقوة المادية صوتٌ عالٍ، ويدٌ باطشة، وقدراتٌ على الفِعْل والمكر في العلن والخفاء، لكنَّ حوادث التاريخ، وشواهد العصر يُثبتان أنها ليست العامل الحاسم وَحْدها! هذا الإثبات نتيجة يقينية يعلم بها المؤمن من تلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأحاديث النبوية الشريفة، والأصل أن هذا اليقين لا يُقْعِدنا عن فعل الأسباب، فهي جزء من القدَر، وجزء من الواجب.
إنّ البشر بكل ما يملكونه، والعالَم بما ومن فيه، لن يخرجوا عن تدبير الله العزيز الحكيم، ولا عن تقدير ربنا العليم الخبير، ولا عن حُكْم الواحد القهار، ولذلك فالمستقبل وَلُود بالعجائب، وبما لم يحتسب له أكثر الناس دقةً في الرسم والتخطيط، ولا أعرفهم بالواقع والأحوال، أو أبعدهم خيالًا متفائلًا كان أم متشائمًا!
فرُبَّ ضعيفٍ ماديًّا، وليس لديه ما يُضيفه إلى رصيده المادي، لكنه وازَن ضعفه المادي بقوة معنوية ترتبط بالمولى الحميد، ثم تستند إلى الوعد الصادق بإحدى الحسنيين، وإلى الحق الراسخ في الوجدان، وحينها لا يخسر هذا الضعيف؛ لأن القويّ معنويًّا لا ينكسر وإن هُزِمَ، والقويّ مادِّيًا قد يفوز لكنَّه مُحطَّم مهزوم من الداخل.
ومن تدبير خالقنا القوي القدير: أن يكون للأحداث آثارٌ وعواقبُ لم تَرِد في الحسابات البشرية، ولا في مُخرجات الذكاء الاصطناعي، فيتولّد عن الشر خيرٌ عظيمٌ لم يَطْرأ على بال أحد، ويقود الحدث إلى تغييرات في الموازين والإجراءات نتيجةً لواقع جديد على الأرض لا مناصَ من التعاطي معه ولو كرهًا على كرهٍ! والعكس صحيح، وكله بتقدير الخبير البصير الحكيم -سبحانه-.
كما أن غلبة الرب وحُكْمه وعِلْمه بالغيب قد جعلت لكل حدث أثرًا مباشرًا أو غير مباشر، متوقعًا أو محتملًا، أو غير متوقع أو مستبعَدًا. وبعض هذه الآثار يأتي على عَجل، أو رويدًا على مهل، ومنها ما يهبط فجأةً على حين غرة. ومنها ما هو واضح الارتباط، وفيها ما يحتاج إلى دقة استنباط، وهذا كله يدفع المؤمن لأن يمضي والجَنَان مطمئن، والروح مستقرَّة، والثقة بما لدى مولاه لا يُدانيها شيء، ولا يزحزحها شيء، ولا يهزّها شيء.
إن المشهد لمُعبِّر! فإذا استحضرنا التاريخ السابق عليه، وحَصَرْنا الاحتمالات المترافقة معه، فلن تجد مع الحيرة، وصعوبة توقُّع ما حدث؛ إلا أن تقول: سبحان المُدبِّر الذي غلب تدبيره كلّ تدبير، وتعالى القويُّ الذي تتهاوى عند أمره جميع القوى.
وسوف نَعْلم يقينًا، ويعلم غيرُنا، أن كثيرًا من الجهود والنفقات كانت نَطْح صَخْر بلا جدوى، ثمّ آلت إلى هباء منثور!