• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العودة إلى الإتفاق النووي.. إيران تتودد وأمريكا تتردد

التهديدات الإيرانية بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم، والتي تربطها دائما بمواعيد نهائية مصطنعة، قد تكون بلا قيمة عند الأمريكيين، لأن مرور الوقت يضغط الاقتصاد الإيراني بصورة أسوأ


"أول من سيعود للإتفاق هو من غادر طاولة المفاوضات أولًا ولم يف بوعوده، وليس من التزم بها، وبالرغم من ذلك؛ إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق هذه الساعة، فسنعود في الساعة التالية"؛ كانت هذه هى كلمات الرئيس الإيراني حسن روحاني، معلقًا بها على إمكانية عودة بلاده للإتفاق النووي المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وذلك بعد تعالي الأصوات الأمريكية المطالبة للرئيس الجديد جو بايدن بالعودة إلى الإتفاق القديم أو إبرام إتفاق جديد مع الإيرانيين، سياسيًا.. قد يكون من الصعب إحياء اتفاق تم تعطيله لسنوات، خاصةً بعد نقضه وهدمه بشكل مفاجئ، لكن بعد أن دخلت الولايات المتحدة عهدًا جديدًا أبرز سماته هى الخصومة مع سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بدأت تتكاثر الأسئلة حول قدرة ساكن البيت الأبيض الحالي على ترميم الإتفاق القديم، لا سيّما وأنه قد وعد بذلك خلال حملته الانتخابية، ورحبت إيران حينها بهذا التوجه.

في يوليو 2015؛ كان الاتفاق الإيراني أحد أبرز الإنجازات الدبلوماسية التي توجت فترة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، لكنه في نفس الوقت فتح بابًا واسعًا للجدل، لا يقل اتساعًا عن باب المؤيدين لهذه الصفقة التي احتاجت إلى عامين من المناقشات المكثفة، واستمرت في خلق حالة من الاستقطاب والانتقادات والآثار الجيوسياسية، وصولًا إلى مايو 2018؛ حيث أعلن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب عن انسحاب بلاده من الاتفاق، كان هذا القرار واحدًا من أكثر قراراته إثارةً للجدل فيما يخص سياسته الخارجية التي اتخذها منذ دخوله البيت الأبيض، لا سيما بالنظر إلى أن ثلاثة من حلفاء واشنطن الرئيسيين، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، عارضوا هذه الخطوة بشدة، كان الانسحاب الأمريكي مفاجئًا وبمثابة شرارة إشعال للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث وصلت هذه التوترات إلى مستويات تاريخية خلال عهد ترامب، حينها قامت إدارة ترامب بفرض عقوبات اقتصادية خانقة على طهران، فيما اتخذت الأخيرة خطوات تدريجية للابتعاد عن الاتفاق ردًا على حملة الضغط الأقصى التي يشنها ترامب ضدها. في سبتمبر الماضي؛ قال جو بايدن إن الولايات المتحدة ستنضم مرة أخرى إلى الاتفاقية النووية كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات، أعرب الرئيس المنتخب حديثًا عن رغبته في ذلك، لكن بشرط أن تعود إيران إلى الالتزام الصارم بتقييد برنامجها النووي، يرى بايدن في ذلك أنه "أفضل طريق لتحقيق بعض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط"، معتبرًا أن "آخر شيء ملعون نحتاجه في هذا الجزء من العالم هو تعزيز القدرة النووية".

تمتلك الولايات المتحدة وإيران تاريخًا معقدًا للغاية من الخلافات، يبدأ بانقلاب دبرته وكالة الاستخبارات المركزية في الخمسينيات من القرن الماضي، ثم الإطاحة بالشاة الموالي لأمريكا في عام 1979 عبر ثورة الملالي، ثم أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، وصولًا إلى اغتيال بعض القادة والشخصيات الإيرانية البارزة، لعل أخرهم الجنرال قاسم سليماني، والعالم النووي البارز محسن فخري زاده، يُضاف إلى ذلك رصيد طويل من التهديدات المستمرة من القادة الإيرانيين لأمريكا، وإسرائيل التي تعدّ أكبر حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، ولاشك أن شعارات "الموت لأمريكا" المنتشرة في كافة الشوارع الإيرانية لا تساعد مطلقًا على تحسين الأمور.

لمدة عام تقريبًا بعد إعلان ترامب انسحابه الأحادي من الاتفاق النووي، ظلت إيران ملتزمة ببنود الاتفاق، لكن مع الوقت خطت إيران خطوة تلو أخرى بعيدًا عن تلك البنود، فأعلنت أنها ستبدأ في تطوير أجهزة طرد مركزي أكثر تقدمًا، ثم سمحت بتخصيب اليورانيوم بشكل أسرع، قبل أن تخطو نحو رفع كافة القيود عن البحث والتطوير، بالرغم من ذلك فإن إيران تدرك جيدًا قوة العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي تسببت في انهيار الاقتصاد الإيراني، وزيادة التضخم، وتآكل القوة الشرائية للإيرانيين العاديين، بل وعزل إيران فعليًا عن النظام المالي العالمي واستهداف القطاعات الرئيسية فيها، بما في ذلك قطاعي الطاقة والتصنيع، كما لا تزال صادرات النفط ـ وهي أهم مصدر للعملة الصعبة لإيران ـ معطلة إلى حد كبير بسبب العقوبات. تدرك إيران جيدًا أن استقرار اقتصادها على المدى الطويل يعتمد في جزء كبير منه على العلاقات مع واشنطن، لذا فإنها ستحاول منع بايدن من الاستفادة من نفوذ العقوبات، حينًا من خلال التودد إلى إدارته وإظهار حسن النية للعودة إلى الاتفاق القديم، وحينًا من خلال إنشاء ساعة موقوتة في برنامجها النووي، تبرز من خلالها سلسلة من التواريخ التي تتخذ فيها خطوات نووية جديدة، بهدف تحفيز بايدن، والحلفاء الأوروبيين من قبله، للإسراع نحو طاولة المفاوضات، وفي الإطار.. تواصل طهران تعزيز قواتها في المنطقة، وهو تذكير للأمريكيين بقدرتها على إحداث القلاقل وتهديد المصالح الغربية في المنطقة، بالرغم من أن استعراض القوة الإيرانية قد يؤدي في النهاية إلى هزيمة ذاتية، لأنها تقلب المزيد من دول العالم ضدها.

لكن إذا كان التودد سائدًا في طهران، فإن التردد هو المسيطر في واشنطن، فالعديد من القادة السياسيين هناك، لا سيّما المحافظين، ما زالوا يشعرون بأن الاتفاق النووي الإيراني لم يذهب بعيدًا بما يكفي للحد من قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية، وقد يوافقهم الصواب في شكوكهم تلك، فالاتفاق يحتوي على بنود تنتهي بانقضاء المدة، إذ تنتهي القيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية بعد 10 سنوات (أيّ في عام 2025)، وبعدها تنتهي القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم بعد 5 سنوات أخرى (أيّ في عام 2030)، وبالتالي فإنه بمجرد انتهاء صلاحية هذه القيود، يمكن لإيران تطوير سلاح نووي بسرعة فائقة، وقد عبّر ترامب عن ذلك علانيةً بقوله: "من الواضح بالنسبة لي أننا لا نستطيع منع قنبلة نووية إيرانية في ظل الهيكل الفاسد للاتفاق الحالي، فالاتفاق معيب في جوهره، وإذا لم نفعل شيئًا، فإننا نعرف بالضبط ماذا سوف يحدث في النهاية". لكن بايدن وفريقه يملكون الأفضلية فيما يخص الأزمة الإيرانية برمّتها، سواء فيما يخص عامل العقوبات والنفوذ الاقتصادي، أو فيما يتعلق بعامل الوقت، وبالتالي فإن التهديدات الإيرانية بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم، والتي تربطها دائما بمواعيد نهائية مصطنعة، قد تكون بلا قيمة عند الأمريكيين، لأن مرور الوقت يضغط الاقتصاد الإيراني بصورة أسوأ.

بغض النظر عن إرث ترامب وأسلوبه غير المنتظم تجاه إيران، فإن بايدن ليس جديدًا على الملف الإيراني، لقد شارك ولعب دورًا رئيسيًا في تأمين الاتفاق عام 2015 عندما كان نائبًا للرئيس، وبالتالي فإنه سيكون قادرًا على التفاوض مجددًا وبنهج أكثر واقعية، وستعتمد الطريقة التي يقرر بها بايدن المضي قدمًا مع إيران جزئيًا على أولوياته الأخرى، فضلاً عن وجهات نظر حلفاء الولايات المتحدة، وبشكل عام فإن إدارة بايدن لا تبدو في عجلة من أمرها للتفاوض مع الإيرانيين أو العودة إلى الاتفاق، وقد أشار ثلاثة من كبار أعضاء الإدارة الأمريكية إلى ذلك بوضوح، فمديرة الاستخبارات الوطنية، أفريل هينز، قالت بشأن الانضمام مجددًا إلى الاتفاق النووي، "ما زلنا بعيدين عن ذلك"، أما وزير الخارجية أنتوني بلينكين فعلّق بكلمات مماثلة: " يتعين علينا تقييم ما إذا كانوا سيعودون إلى الامتثال لالتزاماتهم، نحن بعيدون جدًا عن هناك"، أما السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين بساكي، فقالت: "سنستمر من خلال دبلوماسية المتابعة، سنسعى إلى إطالة وتعزيز القيود النووية على إيران ومعالجة القضايا الأخرى ذات الأهمية".

يرى البعض أن هذا التريث يمكن أن يكون بمثابة تكتيك تفاوضي، حيث يتم اتخاذ موقف متشدد في البداية من أجل بناء مساحة للمناورة، ثم يتم تقديم التنازلات لاحقًا، لكن من الممكن أيضًا أن يؤخر هذا التكتيك - أو حتى يُهلك - احتمالية العودة إلى المسار الدبلوماسي بين الخصمين اللدودين، لكن المشكلة الكبرى هي أن إيران مقبلة على انتخابات رئاسية هذا الصيف، وحسن روحاني، الذي كان رئيسًا عندما تم توقيع الاتفاق النووي وراهن كثيرًا على مستقبله السياسي من خلال تحقيق الصفقة، سيترك منصبه بعد انتهاء فترته الثانية والأخيرة، وإذا كانت الانتخابات الامريكية قد جاءت برئيس يريد إنقاذ الاتفاق النووي، فإن الانتخابات الإيرانية ليست مضمونة في ان تأتي برئيس إيراني لديه ذات الميول بشأن الاتفاق، وفي ظل هذا التعقيد، سيستغرق الأمر قدرًا كبيرًا من التفاوض والمد والجزر حتى يتفق الطرفان على صيغة مستساغة لكليهما، يمكن أن تكون نواة لاتفاق نووي جديد.

 

أعلى