الرئاسـة الإيرانيـة بين نقيضين..  بيزشكيان وجليلي فـي جولـة الإعـادة

دخلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية مرحلتها الحاسمة إذ حظي الإصلاحيون على مرشح للتنافس على الرئاسة، لكن يبقى السؤال هي يستطيع المرشح الإصلاحي في حال الفوز أن يغير من الأجندة السياسة الإيرانية أم تظل للمرشد الكلمة الفصل في النهاية؟


أظهرت النتائج النهائية للجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الإيرانية المبكرة بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر مع العديد من كبار المسؤولين الآخرين، أن النائب الإصلاحي "مسعود بيزشكيان" والمتشدد "سعيد جليلي" سيتوجهان إلى جولة الإعادة في 5 يوليو، وذلك بعدما حصل بيزشكيان على 42.5% من الأصوات المدلى بها، وجليلي على 38.6%، أخرجت النتائج المرشحين الآخرين من السباق؛ وهم: محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان المحافظ، ومصطفى بورمحمدي، وزير العدل والداخلية السابق، ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الجولة الأولى 40% من الأصوات، وهو مستوى قياسي منخفض.

انتخابات مبكرة

لطالما ادعت المؤسسة السياسية الإيرانية أنها تستمد شرعيتها من الإقبال القوي للناخبين، لكن المشاركة الضعيفة في الانتخابات الأخيرة والاحتجاجات الشعبية شكلت تحديًا لشرعية القيادة الحالية، تشير نسبة المشاركة المقدرة بـ 40% في الجولة الانتخابية الأولى (نحو 24.5 مليونًا من بين نحو 61 مليون ناخب مؤهل) التي أقيمت في 28 يونيو إلى اللامبالاة بين العديد من الإيرانيين الذين سئموا من المشاكل الاقتصادية المستمرة والعزلة الدولية التي تعاني منها البلاد، وقد دعت المعارضة الإيرانية في الخارج إلى المقاطعة، قائلةً إن التصويت السابق فشل في تحقيق التغيير، لقد انعكست حالة عدم الرضا العام عن قدرة أي رئيس جديد على إحداث التغيير في نسبة المشاركة الهزيلة، ولا شك أن المجاميع المنخفضة في التصويت بمثابة ضربة لرجال الدين الحاكمين في البلاد، الذين جعلوا مشاركة الناخبين علامة على شرعية الانتخابات، وكانوا يأملون في تحقيق نسبة إقبال تفوق الـ 50%.

 

 كان بيزشكيان من أشد المدافعين بقوة عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تم التوصل إليه بين إيران والقوى العالمية خلال إدارة زميله الإصلاحي حسن روحاني

في بلدٍ يتمتع المرشد الأعلى "علي خامنئي" بالكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة، ولا يتمتع الرئيس بنفوذ كبير في العديد من القضايا الرئيسية؛ يتم فحص المرشحين المنصب الرئاسي بعناية شديدة وتتم الموافقة عليهم من قبل مجلس صيانة الدستور، وهي هيئة رقابة دستورية غير منتخبة يتم تعيين أعضائها بشكل مباشر وغير مباشر من قبل المرشد الأعلى، من غير المرجح أن تؤدي نتيجة الانتخابات إلى تحولات كبيرة في السياسات، ولكنها قد تؤثر بشكلٍ ما في المستقبل على خلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عامًا، والذي يتولى منصبه منذ عام 1989م.

بيزشكيان.. أمل الإصلاحيين

مسعود بيزشكيان هو نائب مخضرم يُمثّلَ مدينة تبريز الشمالية الغربية في البرلمان الإيراني منذ عام 2008م، كما أنه أيضًا وزير سابق للصحة في حكومة محمد خاتمي (2001-2005)، رغم أنه شخصية سياسية غير بارزة نسبيًا، إلا أن تفوقه على خصومه في الانتخابات الرئاسية وحصوله على أكبر عدد من الأصوات أمرٌ مذهل لكثيرين، حتى وقتٍ قريب لم يكن بيزشكيان معروفًا على نطاق واسع في المجال العام، ورغم أنه يمتلك العديد من نقاط القوة وأبرزها عدم وجود فساد خطير داخل عائلته وحقيقة أن أولاده يعيشون في إيران بخلاف قادة بارزين غيره، سبق وأن واجه مساءلة برلمانية في السابق بسبب مشاكل تتعلق بالتعيينات وسياسات الأدوية والتعريفات الطبية والرحلات الخارجية، ومع ترشحه الأخير للرئاسة واجه انتقادات عديدة مفادها أنه مجرد مرشح آخر وافق عليه النظام، لذا كانت أمامه مهمة صعبة تتمثل في إقناع مجموعة متنوعة من الناخبين بدعمه.

ولد بيزشكيان لأب أذربيجاني وأم كردية في عام 1954م بمهاباد في محافظة أذربيجان الغربية، وبعد أن أنهى خدمته العسكرية في عهد الشاه، تابع دراسة الطب، وخلال الحرب العراقية الإيرانية، قام بمعالجة الجرحى في الخطوط الأمامية، باعتباره طبيبًا لأمراض القلب؛ كان يرأس سابقًا جامعة تبريز للعلوم الطبية، إحدى المؤسسات الطبية الرائدة في شمال إيران، سبق وأن خاض تجربتين فاشلتين في السباق الرئاسي في عامي 2013 و2021 على التوالي، ففي عام 2013م انسحب من السباق في المراحل اللاحقة لصالح الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، وتم انتخابه نائبًا لرئيس البرلمان العاشر في عام 2016م، وفي عام 2021م تم رفض ترشيحه من قبل مجلس صيانة الدستور، أعلى هيئة تدقيق في البلاد، وباعتباره المرشح الإصلاحي الوحيد في السباق هذه المرة، والذي يدعمه الائتلاف الإصلاحي الرئيسي في البلاد، انخرط بيزشكيان في حملة انتخابية محمومة في الأسابيع القليلة الماضية، وقد تعززت حملة بيزشكيان بوجود العديد من السياسيين والوزراء الإصلاحيين السابقين، بما في ذلك جواد ظريف، الذي شغل منصب وزير الخارجية لفترتين في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، اختار بيزشكيان لحملته شعار "من أجل حب إيران"، وكتب عبارة "من أجل حياة طبيعية" على بعض ملصقاته.

 

ظهر اسم جليلي كمرشح محتمل لمنصب وزير الخارجية بعد فوز رئيسي بالرئاسة في عام 2021م، وكان جليلي، البالغ من العمر 58 عامًا، أحد أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015

قبيل الانتخابات؛ أظهرت استطلاعات الرأي دعمًا كبيرًا لبيزيشكيان، خاصةً بعد المناظرات الرئاسية الخمس المتلفزة التي تحدث فيها عن قضايا السياسة الداخلية والخارجية، خطابه الفريد ومكانته كمرشح مختلف ودعم الإصلاحيين ساهمت في جاذبيته، وقد أعطى بيزشكيان مؤشرات على أنه أكثر انفتاحًا على التعامل الدبلوماسي مع العالم، لا سيما مع الغرب، كما أشار اعتزامه إلى البدء في إجراء إصلاحات في المجالين الاقتصادي والثقافي، كما أكد على أن العقوبات الغربية كانت بمثابة حاجز في طريق جذب الشركاء التجاريين وأن تحقيق معدل نمو بنسبة 8٪ مستحيل دون فتح الحدود، كان بيزشكيان من أشد المدافعين بقوة عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تم التوصل إليه بين إيران والقوى العالمية خلال إدارة زميله الإصلاحي حسن روحاني، كما أنه من أصحاب الآراء المخالفة نوعًا ما لرؤية النظام بشأن القضايا التي تتمحور حول المرأة، وسبق وأن أعرب عن معارضته لمشروع القانون البرلماني بشأن تطبيق قانون الزي الإسلامي الذي تم تقديمه بعد وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني في أواخر عام 2022، وانتقد بيزشكيان قمع الاحتجاجات التي خرجت في أعقاب وفاة أميني، ودعا إلى إنشاء لجنة تحقيق. لكنه أصدر لاحقاً بياناً أدان فيه التمرد، معتبرًا إياه يتعارض مع مصالح الشعب.

جليلي.. رجل خامنئي

سعيد جليلي يعدّ من أبرز الشخصيات السياسية الإيرانية المحافظة، وهو دبلوماسي رفيع المستوى، كان عضوا في قوة الباسيج شبه العسكرية التابعة للحرس الثوري وشارك بشكل وثيق في الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات وفقد جزءًا من ساقه بعد إصابته في الخطوط الأمامية، تم تكليفه بعدد من المهام البارزة على رأسها قيادة المحادثات النووية مع الولايات المتحدة خلال الفترة بين عامي 2007 و2013 في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، كما شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وهي أعلى هيئة أمنية مؤثرة في البلاد، وقبل ذلك كان نائب مدير إدارة أمريكا الشمالية والوسطى في وزارة الخارجية الإيرانية، وفي عام 2013 قدّم جليلي أول ترشيح له للرئاسة لكنه حلّ في المرتبة الثالثة، وفي نفس العام تم تعيينه من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهي جمعية إدارية قوية مكلفة بحل النزاعات السياسية في البلاد، وفي عام 2021 انضم إلى السباق مرة أخرى لكنه انسحب في النهاية لصالح الفائز النهائي، إبراهيم رئيسي.

ظهر اسم جليلي كمرشح محتمل لمنصب وزير الخارجية بعد فوز رئيسي بالرئاسة في عام 2021م، وكان جليلي، البالغ من العمر 58 عامًا، أحد أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وهو الموقف الذي سلط الضوء عليه في حملته الانتخابية، بما في ذلك في المناظرات المتلفزة، وأظهرت استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات أن جليلي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف يستعدان للفوز بالتساوي، لكن الناخبين خالفوا هذه التوقعات تمامًا، حيث احتل قاليباف المركز الثالث بحصوله على 3.3 مليون صوت فقط، أي ما يقرب من ثلث الأصوات لصالح جليلي.

كان جليلي من أوائل المرشحين الذين أعلنوا ترشحهم لرئاسة إيران في اليوم الأول للترشح لمنصب الرئاسة في 30 أبريل الماضي، يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه المفضل لدى المرشد الأعلى والمؤسسة الدينية الإيرانية، وبعد تقديم طلب ترشحه تحدث جليلي عن "الفرصة التاريخية التي تواجه الأمة الإيرانية الآن"، وتعهد بالحفاظ على إرث الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وخلال المناظرات الرئاسية؛ قال جليلي إنه "سيجعل العدو يندم على أفعاله المتمثلة في فرض عقوبات على إيران"، مضيفًا أن لديه خطة عمل للقيام بذلك إذا تم انتخابه رئيسًا، ونفى جليلي المزاعم القائلة بأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 أفاد البلاد اقتصاديًا، بحجة أن النمو الاقتصادي كان "صفرًا وسالبًا" عندما تم توقيع الاتفاق، كما دعا جليلي بقوة إلى فرض الحجاب متهمًا الغرب بـ "إخفاء الدور المجيد للمرأة الإيرانية في مختلف المجالات".

رئيس بصلاحيات محدودة

يشترط القانون الإيراني أن يحصل الفائز على أكثر من 50% من مجموع الأصوات المدلى بها، وإذا لم يحدث ذلك، فإن أكبر مرشحين في السباق سيتأهلان إلى جولة الإعادة بعد أسبوع، ومن بين 13 انتخابات رئاسية سابقة أجريت في إيران منذ ثورتها في عام 1979م، أدت انتخابات واحدة فقط إلى جولة إعادة في عام 2005م عندما تفوق محمود أحمدي نجاد على الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، في الانتخابات الحالية كان مجلس صيانة الدستور، الذي يتولى فحص المرشحين للانتخابات في إيران، قد وافق في البداية على 6 متنافسين، لكن قبل يوم واحد من الانتخابات، انسحب مرشحان من السباق، هما: عمدة طهران المحافظ علي رضا زاكاني ونائب رئيس رئيسي أمير حسين غازي زاده هاشمي.

قبيل الانتخابات؛ فشلت الجهود للحشد خلف مرشح محافظ متفق عليه، لا سيما مع عدم رغبة محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي في الانسحاب لصالح الآخر، أعرب المحافظون عن قلقهم من أن الافتقار إلى الوحدة قد يؤدي إلى انقسام الأصوات لصالح الإصلاحي مسعود بيزشكيان، وهو ما حدث بالفعل، وانتهى الأمر بجولة إعادة بين بيزشكيان وجليلي، وقد حصل بيزشكيان على نسبة تفوق جليلي، بأي حال سيواجه الاثنان الآن بعضهما البعض في جولة الإعادة، ويظل من غير الواضح ما إذا كانت جولة الإعادة بين مرشحين يمثلان طرفين مختلفين من الطيف السياسي ستلهم المزيد من الناخبين للخروج، في حين ترى أعداد كبيرة من الإيرانيين المرشحين كجزء من نظام يريدون رفضه بالجملة.

الحسابات الظاهرية تشير إلى أن جليلي سيتجاوز نسبة 50% إذا حصل على أصوات قاليباف، لكن المثير أنه في استطلاعات سابقة قال معظم من صوّتوا لصالح قاليباف إنهم لن يدعموا جليلي، لكن بغض النظر عن النتيجة، سيكون الرئيس الإيراني القادم مواجهة معاناة 85 مليون إيراني يعيشون تحت ضغوط معدلات التضخم المرتفعة والبطالة الكبيرة، والانخفاض القياسي في قيمة العملة الوطنية، والعزلة الدولية، ورغم هذه التحديات التي ستواجه الرئيس المقبل في إدارة الدولة إلا أنه سيكون مكبل اليدين في ظل السلطة المطلقة التي يتمتع بها المرشد الأعلى.

 

أعلى