• - الموافق2025/03/11م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إيران وتركيا.. ماذا بعد؟

شكل سقوط النظام السوري الموالي لطهران وصعود نظام جديد أقرب لتركيا، حالة من التنافس في العلاقات بين البلدين، فهل تقبل طهران بهزيمة مشروعها السياسي في سوريا، أم ستحاول المناورة والعودة من جديد؟ وهو ما سينعكس على شكل العلاقات بين البلدين في المستقبل.


المتابع لمجريات الأحداث في سوريا يدرك تمامًا أن إيران فقدت أهم قواعدها العسكرية في المنطقة والتي كانت متواجدة في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث اضطرت إيران إلى مغادرة سوريا التي استثمرت فيها على مدى 13 عامًا، خاصة في المجال العسكري، وقد نشرت وسائل إعلام إيرانية منذ بدء عمليات "ردع العدوان" وحتى سقوط دمشق والأيام التي تلت ذلك، تقارير شديدة اللهجة ضد تركيا، كما قام المرشد الأعلى الإيراني "آية الله خامنئي" بتوجيه اتهامات ضمنية لتركيا دون ذكر اسمها صراحة، وأثارت تلك التصريحات تساؤلات حول مستقبل العلاقات "التركية - الإيرانية" في المستقبل القريب والبعيد، خاصة بعد تراجع نفوذ المحور الشيعي في المنطقة لصالح المحور السني، وهو الأمر الذي من شأنه أن يغير حجم المعادلة الجيوسياسية للمنطقة بأكملها.

تنافس قديم الأزل

لطالما شهدت العلاقات بين تركيا وإيران تقلبات منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى اليوم، فمنذ عام 1470، كانت الدولتان منافستين جديتين على النفوذ الإقليمي، حيث هدأت هذه المنافسة تارة، واحتدت تارة أخرى، ويعكس التاريخ الطويل للعلاقات "التركية الإيرانية" إشارات على الكيفية التي قد تتشكل بها العلاقات بين البلدين بعد سقوط نظام الأسد.

وتشير التطورات إلى أن إيران فقدت مجال نفوذها في سوريا، وبالنظر إلى تراجع قوة حزب الله بعد الخسائر التي تكبدها في الحرب مع إسرائيل وتقلص تأثيره، يمكن القول بأن نفوذ إيران قد يضعف أيضًا في العراق واليمن، حيث كانت طهران تتمتع بتأثير كبير في كلا الدولتين، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعيد اشتعال حجم التنافس بين كل من تركيا وإيران مجددًا في ظل التغيرات الإقليمية الكبيرة التي مرت بها المنطقة خلال الأشهر الماضية.

تلميحات خامنئي

تبادل المسؤولون الإيرانيون والأتراك خلال الأيام الماضية، الانتقادات من دون أن يأتي أحدهم مباشرةً على ذكر الآخر، وعلى رأس هؤلاء كان المرشد الأعلى الإيراني "آية الله خامنئي" الذي حمّل في أول كلمة له بعد سقوط الأسد، الولايات المتحدة وإسرائيل المسؤولية الرئيسية عما جرى في سوريا، ومن دون أن يأتي على ذكر تركيا، انتقد الخامنئي دورها الذي وصفه بـ"السافر" في إطاحة النظام السوري.

 

ومع تولي ترامب منصب الرئاسة ووصوله للبيت الأبيض وتصاعد العقوبات الاقتصادية على إيران، يُتوقع أن تفضل إيران التعامل مع تركيا كداعم دبلوماسي ضد العقوبات بدلًا من رؤيتها خصمًا

حتى إن هذه الانتقادات غير المباشرة لتركيا، نُشرت أيضًا في منشور باللغة التركية عبر حسابات خامنئي في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جاء فيها: «إن حكومة مجاورة لسوريا اضطلعت بدورٍ سافر في التطورات السورية، وهي تفعل الشيء ذاته في الوقت الحاضر، بيد أن مراكز التآمر وغرفة القيادة الرئيسية تقع في أمريكا والكيان الصهيوني، لدينا أدلة لا تدع مجالاً للشك في هذا الخصوص»، وهي التصريحات التي تُظهر بجلاء حجم التذمر الإيراني الواضح إزاء السياسة الخارجية التركية.

التمهيد للتدخل الإيراني

يبدو أن التطورات الأخيرة في سوريا، أحدثت هزة عنيفة في توازن العلاقات بين البلدين؛ إذ ترى إيران أن دعم تركيا إسقاط الأسد، هو بمنزلة هجوم يستهدف سياستها الإقليمية، غير أن التصريحات الجديدة للمرشد الأعلى تُظهر أن بلاده لا تعتبر الوضع الجديد في سوريا نهائيًا، بل تراهن على الحالة المتغيّرة والمتقلبة فيها.

وخلال الفترة الماضية وصف خامنئي في كلمة له، الحكام الجدد في سوريا بأنهم "مجموعة من مثيري الشغب"، كما وصف تغيّر النظام في سوريا بـ«الفوضى»، فيما تحدّث أيضًا عن نهضة "الشباب السوري الغيور"، واحتمالية ظهور مجموعة مشرّفة قوية تؤثر في مستقبل سوريا، في إشارة إلى احتمال تشكيل مجموعات جديدة لكي تثور ضد الوضع الجديد في سوريا، على نحو يمكن أن يشكل تحديًا جادًا أمام المشروع التركي الرامي للتعاون والاستثمار في سوريا الجديدة تحت إدارة رئيسها الحالي "أحمد الشرع".

أردوغان هو الآخر يرد

وعلى الجانب الآخر، ومن دون أن يشير هو الآخر مباشرةً إلى تصريحات خامنئي حول نهضة "الشباب السوري الغيور"، قال الرئيس التركي "أردوغان" إن حلفاء بشار الأسد حزينون على فقدانه، وهم بصدد "الثأر"، وأضاف: "بعض حلفاء نظام بشار الأسد هم في حداد منذ أسابيع على فقدانه، ويريدون الآن صبّ جام غضبهم على رؤوس الشعب السوري المظلوم".
ويُفهم من رد أردوغان أنه أراد أن يُلاعب إيران بنفس الأسلوب الذي انتهجته في إظهار غضبها من الموقف التركي، ليؤكد بذلك على الندية حتى في نهج التصريح والتلميح وإرسال الرسائل التي يجب أن تصل.

إدارة الخلاف

يُظهر تبادل المسؤولين الإيرانيين والأتراك الهجمات الكلامية صدعًا جديدًا في العلاقات بين البلدين، غير أن إحجام كل طرف إلى الآن، عن ذكر الآخر بصورة مباشرة، يُعد مؤشرًا إلى سعيهما إلى إدارة الخلافات بينهما.

ومن أبرز الدلائل على إدارة هذا الخلاف القائم حاليًا بين الدولتين، أن تصريحات المرشد "خامنئي" تزامنت مع وجود وزير التجارة التركي، عمر بولات، في طهران للمشاركة في الدورة الـ 29 للجنة الاقتصادية المشتركة "الإيرانية - التركية"، وخلال زيارته التقى بولات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وناقشا معًا موضوعات هامة مثل رفع حجم التجارة بين البلدين إلى 30 مليار دولار، وتطوير مراكز التجارة الحدودية وتدشين ممرات حدودية جديدة، وذلك بحسب ما أعلن عنه الوزير التركي.

وهكذا استطاعت طهران وأنقرة على مدى العقدين الأخيرين زيادة تعاونهما، على الرغم من الخلافات والتنافس الدائر بينهما، وبالتالي الإبقاء على علاقتهما في وضعية متعادلة.

إفشال مخطط الانقلاب في سوريا 

كشفت "صحيفة تركيا" (Türkiye Gazetesi)، عن اجتماع سري عُقد في مدينة النجف العراقية، شارك فيه قادة من الحرس الثوري الإيراني ومسؤولون بارزون في النظام السوري السابق، بهدف التخطيط لانقلاب عسكري في دمشق واغتيال الرئيس السوري "أحمد الشرع".

وقد شارك في هذا الاجتماع مدير عمليات الاستخبارات الخاصة في طهران، وقائد الحرس الثوري "أمير علي حاجي زاده"، بالإضافة إلى عدد من العسكريين السوريين السابقين في نظام الأسد، من بينهم اللواء أسعد العلي، واللواء محمد حلوف، والعميد عادل سرحان.

وأشارت الصحيفة التركية إلى أن الهدف من هذا الاجتماع كان وضع خارطة طريق لانقلاب محتمل في سوريا، بدعم من إيران ومجموعات مسلحة تشمل "حزب الله" اللبناني، و"الحشد الشعبي" العراقي، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بالإضافة إلى التنسيق مع تنظيم "حزب العمال الكردستاني" الكردي المسلح، وعدو تركيا اللدود منذ سنوات طوال.

وأضافت الصحيفة أن إيران وعدت بدعم لوجستي وعسكري واسع للقادة السوريين السابقين، مع توفير الأسلحة والذخائر عبر المعابر الحدودية بين سوريا والعراق، بالإضافة إلى إمدادات بحرية من مدينتي طرطوس واللاذقية.

وتمت مناقشة إمكانية إشعال انتفاضات في مناطق متعددة مثل السويداء واللاذقية وطرطوس وحمص والرقة، مع استمرار التنسيق مع بعض الفصائل الكردية ودعم خلايا سرية في مناطق العلويين.

وبحسب الصحيفة، فإنه تم الاتفاق على أن يلعب حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي دورًا رئيسيًا في تنفيذ الخطة، في حين سيتم إدخال مقاتلين شيعة من الطاجيك والأفغان والباكستانيين إلى سوريا لدعم عمليات الفوضى والتخريب، كما أنه ستُستخدم خطوط بحرية وبرية لتهريب الأسلحة والمقاتلين من لبنان وقبرص والحدود العراقية.

ويتضح مما سبق أن الإعلان عن كل هذه التفاصيل بهذه الدقة وعبر ذكر أسماء الأشخاص الذي تجمعوا في اجتماع سري كهذا يدل بشكل واضح على أن المعلومات المسربة للصحيفة هي معلومات استخباراتية، قدمها للصحيفة جهاز الاستخبارات التركي، وهي رسالة صريحة من تركيا لإيران بإعلان الرفض التام لأي محاولات تدخل عسكرية في سوريا لتغيير الإدارة الحالية أو إلحاق الضرر بها.

تأثير سياسة ترامب

بعد تسلّم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، يمكن التطرق إلى سؤال مهم يطرح نفسه وبقوة في إطار الموضوع الذي نتحدث حوله، وهو الأثر الذي ستتركه سياسات ترامب على العلاقات "التركية - الإيرانية"، في ظل ما يتم تداوله والتكهن به عن إعادة تفعيل ترامب لسياسة الضغوط القصوى على إيران، علمًا أن تلك السياسة التي من المتوقع أن تضع إيران في أزمة اقتصادية جادة، ليست هي السيناريو المحبّذ لأنقرة، التي تقيم علاقات واسعة في مجال الطاقة والتجارة مع طهران.

ووفقًا لمعطيات مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، فقد بلغ حجم التجارة بين البلدين في عام 2016 -أي السنة الأولى لرئاسة ترامب- أكثر من 10 مليارات دولار، لكنه تراجع إلى نحو 6 مليارات دولار في 2023.

وخلال الفترة المذكورة منحت واشنطن -على الرغم من العقوبات القاسية التي تفرضها على طهران- إعفاءات لثماني دول من بينها تركيا؛ لتتمكن من مواصلة استيراد النفط الإيراني.

والجدير بالذكر أنه من بين أحد السيناريوات الأخرى المطروحة حول ما تنوي أمريكا القيام به مع إيران خلال الفترة المقبلة، هو دعم الإدارة الأمريكية لخطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وكما نعلم فإن سيناريو كهذا من شأنه أن يساهم في زيادة فرص واحتمالات اندلاع حرب إقليمية، وفي حال نشوب حرب كهذه فلا شك أن تركيا لا تريد أن تتورط فيها، ولا سيما أنها وإيران ترتبطان بحدود مشتركة يصل طولها إلى 560 كيلومترًا، ما يعني أن التطورات الأمنية في أيّ من الدولتين سوف تلقي بظلالها على البلد الآخر، وهو الأمر الذي يعيه جيدًا قادة كلا الدولتين.

وبناء على ما سبق، يمكن القول بأنه من المتوقع أن تزداد حدة المنافسة القديمة بين تركيا وإيران في المستقبل، خاصة في الساحة العراقية، ولكن مع ذلك يُرجح أن تظل هذه المنافسة متوازنة، دون أن تؤثر سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

ومع تولي ترامب منصب الرئاسة ووصوله للبيت الأبيض وتصاعد العقوبات الاقتصادية على إيران، يُتوقع أن تفضل إيران التعامل مع تركيا كداعم دبلوماسي ضد العقوبات بدلًا من رؤيتها خصمًا، حيث إن تركيا لم تدعم من قبل إدخال الاقتصاد الإيراني في أزمات خانقة، وفضلت الحفاظ على استقرار المنطقة، وبالتالي قد ترى إيران في تركيا شريكًا يمكنها الاعتماد عليه للتخفيف من وطأة العقوبات المتوقعة في عهد ترامب.

كلمة أخيرة

تُوفر التطورات والمتغيرات المستجدة إقليميًا ودوليًا في السنوات الأخيرة دوافع ملموسة لإحداث تغير جذري في طبيعة ودينامية العلاقات بين تركيا وإيران، بما يخفف من مساحات الاحتكاك والاستنزاف، ويقوّي الطرفين في مواجهة التحديات الكثيرة التي بات بعضها مشتركًا، كما أن خروج إيران من الواقع السوري يتطلب عدة خطوات استراتيجية شاملة، نظرًا للتعقيدات العسكرية والسياسية التي كانت تحيط بتدخلها في سوريا من قبل في عهد النظام البائد.

ولا شك أن إيران ستعيد عاجلاً أم آجلاً تقويم استراتيجياتها في المنطقة؛ لأن مصالحها ونفوذها تراجعا على أكثر من جبهة، ومن ثم فإن الطريق نحو ذلك يمر عبر تقليص تدخلها في الكثير من الملفات الإقليمية ومراجعة سياساتها في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وإن كان لا يوجد مؤشرات حقيقية بعد إلى أن طهران جاهزة لفعل ذلك.

 

أعلى