عامٌ من الاضطرابات والتوترات في إيران

كان العام 2023م مليئًا بالاضطرابات والتوترات في إيران، خاصة وأن النسيج الإيراني معقد بخيوط المعارضة السياسية والمشاكل الاقتصادية والضغوط الدولية، وقد عانى النظام الإيراني طوال العام من أحداث جعلت المشهد الطبيعي للبلاد يحيد في كثيرٍ من الأحيان عما هو معتا


احتجاجات وحملات قمع

بدأ العام 2023 بحالة من السخط الشديد في إيران بسبب ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات على مستوى البلاد، بلغت ذروتها في فبراير حيث أججتها دعوات لإجراء إصلاحات اقتصادية وزيادة الحريات السياسية، لم يسلم المتظاهرون من حملة قمع قاسية من قبل السلطات، وقد سلطت الاعتقالات وأعمال العنف التي تلت ذلك الضوء على الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإيراني وقبضة الحكومة المشددة على المعارضة، وقد حاول النظام إنهاء الاحتجاجات والإضرابات من خلال المسارعة في محاكمة المحتجين وتنفيذ حكم الإعدام بحق المدانين منهم، لكن هذه السياسة لم تنجح في نزع فتيل الاحتجاجات .

ولا تزال تداعيات الاحتجاجات مستمرة، وقد وجهت طهران أصابع الاتهام إلى القوى الغربية - كعادتها - بالوقوف وراء الاضطرابات عبر شنّ حرب هجينة ضدها، وقد تزايدت الاتهامات الإيرانية للغرب بعدما أُعطيت جائزة نوبل للسلام للناشطة الإيرانية نرجس محمدي، فيما منح الاتحاد الأوروبي جائزة ساخاروف لحرية الفكر إلى مهسا أميني، الفتاة التي فارقت الحياة في 16 سبتمبر 2022م في العاصِمة طهران عقبَ إلقاءِ القبض عليها من قِبل شرطة الأخلاق الإيرانية، وتسببت وفاتها في خروج مظاهرات واسعة شملت مختلف مناطق البلاد.

 

قالت الوكالة في أحدث تقرير لها صدر في نوفمبر الماضي، إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وصل إلى 128.3؛ وهو ما يكفي لتطوير 3 قنابل نووية

اضطرابات وهجمات

شهد العام 2023 أيضا تكثيفًا للانتقادات المتبادلة داخل النظام السياسي الإيراني، حيث اشتبك المتشددون مع المعتدلين حول قضايا عديدة مثل الإصلاحات الاجتماعية والتعامل مع الغرب، مما زاد من الجو العام لعدم الاستقرار السياسي.

* اضطراب سياسي

في خضم الاضطرابات التي شهدتها إيران، أقدم الرئيس إبراهيم رئيسي على تعديل وزاري في مارس، وهو ما فسره الكثيرون على أنه محاولة لمعالجة المظالم العامة وتحقيق الاستقرار في الحكومة، خاصةً بعد أن واجه كل من المسؤولَين المقالَين وحكومة رئيسي انتقادات لاذعة بشأن أدائهم بشكل عام، ومع ذلك فإن هذه الخطوة لم تفعل الكثير لتهدئة الانتقادات المتزايدة لطريقة تعامل الحكومة الإيرانية مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، لدرجة أن المرشد الأعلى علي خامنئي انتقد حكومة رئيسي في 21 مارس بسب استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، ورغم أن هذا الانتقاد روتيني في ظاهره، إلا أنه يحمل لومًا عميقًا لأن خامنئي بحاجة إلى توطيد السلطة في نظامه وهدوء الأوضاع، وكان من المفترض أن تهدف التغييرات في حكومة رئيسي إلى سد الفجوات، ولكنها فشلت حتى الآن في معالجة الأوضاع السيئة، وبالتوازي مع ذلك تحدثت بعض التقارير السنوية عن حالة حقوق الإنسان لعام 2023، بأن تنفيذ أحكام الإعدامات قد زاد بنسبة 32%، كما زاد إصدار أحكام الإعدام بنسبة 68% مقارنة بعام 2022م، ومعظم هذه الحالات يعود إلى قضايا سياسية بحتة.

* هجمات سيبرانية:

شهد العام 2023 أيضًا ارتفاعًا في الهجمات السيبرانية التي استهدفت البنية التحتية الإيرانية والقطاعات الحيوية، وفي حين أن تحديد المسؤوليات لا يزال معقدًا، فقد أشارت أصابع الاتهام إلى إسرائيل والولايات المتحدة، مما يسلط الضوء على التهديد المتزايد للحرب السيبرانية في المنطقة

* أنشطة صاروخية:

واصلت إيران أنشطتها الصاروخية خلال العام الماضي، إذ تم الإعلان عن تطوير صاروخ باليستي باسم "خيبر" يبلغ مداه 2000 كليومتر في مايو، وأزاح الرئيس الإيراني الستار عن صاروخ فرط صوتي يحمل اسم "فتاح" في يونيو، وفي سبتمبر أعلن الحرس الثوري عن إرسال قمر عسكري إلى مداره حول الأرض، وتفقد المرشد الإيراني في نوفمبر معرضًا كبيرًا لصواريخ الحرس الثوري، وجرى خلاله الإعلان عن صاروخ جديد "فتاح 2" والطائرة المسيّرة الانتحارية "شاهد 147"، هذا بحسب الإعلام الرسمي الإيراني، والذي أحيانا يكون جزء منه دعائي وليس حقيقيا.

البرنامج النووي

ظلت المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 في طريق مسدود إلى حد كبير طوال العام 2023م، ورغم انعقاد جولات جديدة من المفاوضات، ظلت الخلافات الكبيرة بين إيران والولايات المتحدة قائمة، وخاصة فيما يتعلق بتخفيف العقوبات ومستويات التخصيب، ومع ذلك أصرَّ الإيرانيون على اهتمامهم بالإبقاء على المسار الدبلوماسي، مع تمسكهم في نفس الوقت بشروطهم للعودة إلى التزامات الاتفاق النووي، لكن محاولات التفاوض ظلّت طوال الوقت على حافة الانهيار، وقد أثارت المحادثات المتوقفة لفترات طويلة مخاوف بشأن مواجهة عسكرية محتملة، مما ألقى بظلال طويلة على الأمن الإقليمي، ودفع القوى الغربية للإبقاء على القيود على برنامج الصواريخ الباليستية والمسيّرات، خاصةً بعد استخدام روسيا لطائرات مسيّرة إيرانية في حربها ضد أوكرانيا، ووجود مخاوف من احتمال نقل إيران صواريخ باليستية إلى روسيا.

في شهر فبراير الماضي؛ انتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران على إخفاء تغيير نظام التخصيب في منشأة فوردو الواقعة تحت الأرض، قبل أن يعلن المفتشون عن عثورهم على جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 83.7%، وهي أعلى بكثير من نسبة التخصيب 60% التي تقوم بها إيران، وهو ما أثار مخاوف من بدء طهران تمهيدات لتخصيب اليورانيوم بنسبة 90%؛ وهي النسبة المطلوبة لإنتاج سلاح نووي، من جهتها فقد انتقدت طهران مفتشي الوكالة، وأعلنت أن السبب وراء ارتفاع نسبة التخضيب هو التقلبات غير المقصودة خلال تغيير بعض المعدات في المنشأة، ووافقت طهران على طلب الوكالة الدولية بإعادة تشغيل كاميرات المراقبة، وزيادة نسبة التفتيش في المنشأة، وبالتوازي مع ذلك فقد صرّح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ويليام بيرنز، في نفس الشهر، بأن واشنطن لا تعتقد أن المرشد الإيراني علي خامنئي قد اتخذ قرارًا باستئناف برنامج التسلح النووي.

 

عملت إيران على تعميق علاقاتها مع روسيا وخاصة في أعقاب حربها على أوكرانيا، وشهد العام 2023 تعاظم التقارب الإيراني الروسي من خلال تنسيق مواقفهما في العديد من القضايا الإقليمية مثل الحرب في سوريا

في سبتمبر الماضي؛ وجهت إيران ضربة أخرى لمهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عندما قررت سحب تراخيص الكثير من المفتشين الدوليين ذوي الخبرة، وانتقدت الوكالة هذه الخطوة وقالت إنها أثرت سلبًا على مهامها بشكل كبير، وقالت الوكالة في أحدث تقرير لها صدر في نوفمبر الماضي، إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وصل إلى 128.3؛ وهو ما يكفي لتطوير 3 قنابل نووية، فيما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في 9 ديسمبر، إن إحياء الاتفاق النووي أصبح بلا جدوى كلما تقدم الوقت.

تحديات اقتصادية

لا يزال تأثير العقوبات الأمريكية يلقي بثقله على الاقتصاد الإيراني، وقد ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 50%، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة السلع الأساسية وزيادة تآكل مستويات المعيشة، فيما ظلت معدلات البطالة مرتفعة، ولا سيما بين الشباب، مما أدى إلى تأجيج الإحباط والاضطرابات الاجتماعية، وقد فرضت الولايات المتحدة وأوروبا حزمًا متتالية من العقوبات على المسؤولين الإيرانيين، خصوصًا على قادة الأجهزة العسكرية والقضاء الإيراني.

ضاعفت الحكومة الإيرانية اعتمادها على صادرات النفط، بحثًا عن أسواق بديلة لكن دون نجاح يذكر، وقد كشفت هذه الاستراتيجية عن ضعف إيران أمام تقلب أسعار النفط والانكماش الاقتصادي العالمي، وفي ظل ما عانته إيران من ركود الاستثمار، كانت لديها معاناة أخرى بسبب هجرة الأدمغة؛ إذ استمر المهنيون المهرة في الفرار من البلاد بحثًا عن فرص أفضل في الخارج، مما ساهم في هجرة العقول الفذة وأصحاب الحرف وهو ما أعاق التقدم الاقتصادي، وبالتوازي مع ذلك ظل الاستثمار الأجنبي مترددًا في دخول السوق الإيرانية في ظل العقوبات الغربية والمناخ السياسي غير المستقر وبيئة الأعمال القاسية.

محاولات لكسر العزلة

مع إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في المنطقة، سعت إيران إلى تأمين موقعها الاستراتيجي عبر علاقات إقليمية ودولية لكسر عزلتها، ويمكن إيجازها في الآتي:

* تحسين العلاقة مع الجوار:

واصلت إيران التقارب مع جيرانها العرب في إطار سعيها لكسر عزلتها، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، ففي محاولتها لتخفيف التوترات الإقليمية وتعزيز التعاون الاقتصادي اتخذت طهران خطوات حثيثة للتوصل لاتفاق مع السعودية بوساطة صينية لفتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة 7 سنوات، وقد نتج عن ذلك تبادل السفراء، وإعادة فتح المقار الدبلوماسية، وتبادل الزيارات بين وزيري خارجية البلدين، وقد صدر بيان استئناف العلاقات بين البلدين في 10 مارس، قبيل أول لقاء جمع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في بكين يوم 6 أبريل حيث اتفقا على تجاوز الخلافات بالحوار واحترام السيادة وإحياء الاتفاقات السابقة، وتبع ذلك زيارة بن فرحان للعاصمة الإيرانية في 17 يونيو حيث التقى الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، وأكد الطرفان استعدادهما للمضي قدمًا في تطوير العلاقات، وشارك الرئيس الإيراني في اجتماع رؤساء دول منظمة التعاون الإسلامي الخاص بمناقشة الحرب على قطاع غزة، والتقى بولي العهد السعودي في الرياض، حيث وُصِفَ اللقاء في وسائل الإعلام الإيرانية بالتاريخي.

وقد أعطى التقارب الإيراني مع السعودية زخمًا للعلاقات مع دول عربية أخرى، حيث بدأت طهران مشاورات دبلوماسية لتطبيع العلاقات مع مصر عبر وساطة عمانية وعراقية. كما برز دور قطر كوسيط بين إيران والغرب حيث تُوجت وساطة الدوحة بين طهران وواشنطن في أغسطس الماضي باتفاق تبادل سجناء بين الطرفين، كما شهدت علاقات طهران مع سلطنة عمان تطورًا لافتًا لا سيما عقب زيارة السلطان هيثم بن طارق لإيران أواخر مايو الماضي، أما العلاقات الإيرانية الإماراتية فحافظت على مستواها رغم وجود خلاف تاريخي بين الجانبين بشأن الجزر الإماراتية الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) في المياه الخليجية، إلى جانب ذلك زار وفد برلماني إيراني العاصمة البحرينية المنامة وعُقِدَت مباحثات ثنائية لإعادة العلاقات بين البلدين، ورغم أنها لم تنجح بعد في إذابة الجليد بينهما إلا أن رغبة الجانبين في فتح المزيد من آفاق التعاون كانت موجودة طوال العام 2023، أما العلاقات مع الكويت فلم تكن على ما يرام بعدما شكّل حقل الدرة للغاز الطبيعي عاملًا خلافيًا بين البلدين، لا سيما بعد الاتفاق الكويتي السعودي خلال الصيف الماضي على الإنتاج المشترك فيه بوصفه ثروة طبيعية خالصة لهما، وهو ما رفضته إيران وأكدت تمسكها بحقوقها فيه.

* التطلع شرقًا:

وإلى جانب سياسة تحسين العلاقات مع الجوار؛ حاولت طهران خلال الشهور الماضية المضي بقوة في سياستها الاستراتيجية "التطلع شرقًا" عبر تعزيز العلاقات مع روسيا والصين عبر السعي للانضمام إلى منظمتي بريكس وشنغهاي، وذلك من أجل تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية وإضعاف العقوبات الأمريكية عليها، وبالفعل فقد وقّع أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا اتفاقية تجارة حرة كاملة مع إيران في 25 ديسمبر، كما توصلت إيران وروسيا في نفس الشهر إلى اتفاق بشأن التجارة بعملتيهما المحليتين بدلًا من الدولار الأمريكي، وقام الرئيس الإيراني في منتصف فبراير الماضي بزيارة رسمية إلى الصين التقى خلالها نظيره شي جين بينغ وبحث معه تنفيذ الوثائق الإستراتيجية الموقعة بين بلديهما، كما عملت إيران على تعميق علاقاتها مع روسيا وخاصة في أعقاب حربها على أوكرانيا، وشهد العام 2023 تعاظم التقارب الإيراني الروسي من خلال تنسيق مواقفهما في العديد من القضايا الإقليمية مثل الحرب في سوريا، إلى جانب إتمام إيران للترتيبات اللازمة للحصول على معدات عسكرية روسية مثل طائرات مقاتلة من طراز "سو 35" وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز "مي 28" وطائرات تدريب عسكرية من طراز "ياك 130".

علاقات دولية متوترة

طوال العام 2023م؛ لم تكن العلاقات الإيرانية الدولية على ما يرام أو على الأقل أفضل حالًا من السنوات السابقة، ويمكن إيجاز أبرز ملامحها كالتالي:

* توتر مع بريطانيا:

توترت العلاقات بين بريطانيا وإيران بعدما أعدمت طهران علي رضا أكبري؛ مساعد وزير الدفاع الأسبق وأحد المقربين من علي شمخاني الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني، وذلك بتهمة التجسس لصالح بريطانيا.

* مناوشات مع "إسرائيل":

ظلت التوترات الإيرانية مع "إسرائيل" في تصاعد، سواء بشأن البرنامج النووي الإيراني أو دعم إيران لوكلاء إقليميين يشكلون مصدرًا دائمًا للقلق والتوتر، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وبعض الميليشيات في سوريا، وقد أشعل هجوم حركة حماس على المستوطنات "الإسرائيلية" في 7 أكتوبر عبر عملية "طوفان الأقصى" فتيل هذه التوترات، حيث بدأ حزب الله ذرائع طهران العسكري في لبنان في تنفيذ ضربات متفرقة على الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما أشعل الحوثيون جبهة أخرى في جنوب البحر الأحمر عبر استهداف السفن "الإسرائيلية" وأي سفينة متجهة إلى "إسرائيل"، ورغم بعض المحاولات لاتهام إيران بأنها العقل المدبر لعملية "طوفان الأقصى" إلا أن تقارير أمريكية دحضت هذه المزاعم، إلى جانب النفي الإيراني المتكرر ونفي المقاومة الفلسطينية نفسها أن تكون إيران هي من تقف وراء هذه العملية، ونفذت إسرائيل ضربات على ما اعتبرته بنى تحتية لحزب الله في لبنان، وكذلك شنّت بعض الضربات الجوية قرب دمشق، واحدة منها كانت على منطقة السيدة زينب مما أدى إلى مقتل القيادي البارز في الحرس الثوري رضي موسوي.

* تدهور العلاقة مع أذربيجان:

تدهورت العلاقات الإيرانية مع أذربيجان في مطلع 2023، إثر هجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران، وقد ردت باكو بإغلاق المكتب التمثيلي لإيران لديها وطرد 4 دبلوماسيين إيرانيين، فما كان من طهران إلا أن ردت بالمثل، وسرعان ما تدهورت العلاقات أكثر عندما أعلنت السلطات الأذرية عن توقيف عشرات الأشخاص بتهمة التجسس لصالح طهران.

* اشتباكات مع أفغانستان:

شهد اعام الماضي اشتباكات حدودية بين إيران وأفغانستان، بسبب خلافات حول توزيع مياه سد هلمند، لكن الخلافات انتهت في وقت لاحق من العام بعدما تم إعلان الهدنة بينهما، رغم أن طهران لا تعترف بحكومة طالبان الأفغانية بشكل رسمي حتى الآن.

* تدخلات في العراق:

واصل الحرس الثوري خلال العام الماضي على تنفيذ عمليات هجومية وضربات صاروخية وغارات بطائرات مسيرة على الأراضي العراقية، معظمها كانت مركزة ضد مقار المعارضة الكردية الإيرانية داخل إقليم كردستان العراق، لكن بحلول نهاية أغسطس الماضي تم الإعلان اتفاقية أمنية بين بغداد وطهران لتفكيك تجمعات المعارضة الكردية الإيرانية وإبعادها عن الحدود مع إيران، كما توصل الطرفان لاحقًا إلى اتفاق لمقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني لضمان تشغيل محطات إنتاج الكهرباء في العراق من جهة، وتخفيف وطأة العقوبات الأمريكية على إيران من جهة أخرى.

وما زالت طهران تسطير على الأوضاع في العراق من خلال ميليشياتها الحشد الشعبي، وهي نظير حزب الله في لبنان.

* تهديدات وتوعدات:

في الوقت الذي كانت تستعد فيه الولايات المتحدة لقيادة تحالف دولي بحري للمساعدة في حماية السفن التي تعبر البحر الأحمر من هجمات الحوثيين باليمن، دأبت إيران في التوعد على لسان قادة الحرس الثوري بإغلاق البحر المتوسط والخليج العربي ومضيق هرمز في حال استمرت الحرب على غزة، كما صعدت من لهجتها حيال القوى الغربية في فترات متفاوتة من العام الماضي.

مفترق طرق

واليوم تقف إيران عند مفترق طرق، فالتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها هائلة، ولا يزال نهج طهران رغم العديد من الاتفاقيات الثنائية يشكل تهديدا لدور الجوار عبر أذرعها المسلحة، وأمام الحكومة الإيرانية العديد من الملفات منها معالجة المظالم العامة، وإحياء الاتفاق النووي، والتعامل مع الشبكة المعقدة من الضغوط الإقليمية والدولية، ستحدد مسار البلاد في السنوات القادمة. أحد السيناريوهات المحتملة هو استسلام إيران لمشاكلها الداخلية، ومواجهة صعوبات اقتصادية متزايدة واضطرابات اجتماعية، وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من حملات القمع ضد المعارضة وتصلب النظام السياسي، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. وبدلاً من ذلك هناك نظرة أكثر تفاؤلاً تتصور أن تجد إيران طريقة لمعالجة مشاكلها الاقتصادية والشروع في إصلاحات سياسية تدريجية، وقد ينطوي ذلك على استئناف ناجح للاتفاق النووي، مما يؤدي إلى رفع العقوبات وتعزيز الاستثمار الأجنبي، وعلى الرغم من أن مثل هذا السيناريو يمثل تحديًا، إلا أنه يمكن أن يمهد الطريق لإيران أكثر استقرارًا وازدهارًا، مما يساهم في الأمن والتعاون الإقليميين. في نهاية المطاف، فإن حصاد العام 2023 في إيران يعطينا صورة معقدة من السياسات الداخلية والخارجية، الوقت وحده هو الذي سيحدد ما الذي ستؤول إليه أحداث هذا العام خلال العام المقبل.

 

أعلى