هل قادت إيران المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي للعراق؟

هل قاتل الشيعة فعلا القوات الأمريكية في العراق، هل المراجع الشيعية وعلى رأسهم السيستاني وافقت على ذلك وأيدته؟ وقبل ذلك ما هو دور الشيعة في تلك الحرب والتي أسفرت عن دخول الأمريكان بغداد وتمكنهم من إسقاط نظام صدام حسين؟


منذ عدة أيام، وفي أعقاب استشهاد الشيخ صالح العاروري بغارة صهيونية على مقره في جنوب بيروت معقل حزب الله، خرج زعيم الحزب حسن نصر الله، في خطاب استعراضي له كعادته يتوعد بالانتقام لمقتله، ولكن ليس توا بل في الوقت والمكان المناسبين كما ذكر نصر الله.

ولكن ما لفت الانتباه في خطابه، كلمات قالها في معرض الحديث عن الدور الذي قامت به المقاومة الشيعية في مقاومة القوات الأمريكية من العراق بعد احتلاله وإسقاط صدام حسين، وكان مما قاله نصا:

"في عام 2003، عندما بادرت فصائل ومجموعات من الشباب العراقي وأخذت خيار أن تقاتل قوات الاحتلال الأمريكي وبدأت بالقتال، وجدت في الحاج قاسم سليماني وقوة القدس السند والعضد والعون والملجأ والملاذ والداعم، والذي لم يتردد في تقديم كل عون ممكن من المال والسلاح والإمكانات والذخائر والتدريب ونقل الخبرة والمواكبة، وهنا كان الشهيد القائد أبو مهدي المهندس رضوان الله عليه، وهنا نتكلم عن مرحلة ما قبل تأسيس الحشد، نتكلم  عن عام 2003 وعام 2004 كان الشخصية المركزية الأساسية إلى جانب الحاج قاسم سليماني في تنسيق عمل المقاومة وفصائل المقاومة والتواصل معها وإعانة الحاج قاسم في حركة المقاومة في العراق والتي انتجت نصراً عزيزاً مؤزراً تاريخياً. في مثل هذه الأيام أيها الأخوة والأخوات خرجت قوات الاحتلال الأميركي من العراق عام 2011".

فهل ما قاله حسن نصر الله صحيحًا؟ لمحة تاريخية ستعطينا الإجابة وتبين لنا هل ما يقوله نصر الله صحيحًا، أم مجرد مزاعم؟

موقف الشيعة من احتلال العراق

بدأ التنسيق بين الشيعة والولايات المتحدة قبل احتلال العراق بوقت طويل، فقد انضم حزب الدعوة الشيعي إلى المؤتمر الوطني العراقي الذي أسسه أحمد الجلبي في لندن كإطار بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 بمساعدة وتمويل المخابرات المركزية الأمريكية، وعمل هذا الجلبي الشيعي على توحيد 19 منظمة غالبيتهم من الشيعة المتدينين، ومنهم حزب الدعوة ومجلس الحكيم الأعلى للثورة الإسلامية طبعًا بعد الموافق والدعم الإيراني.

ثم عاد نجم المؤتمر الوطني العراقي إلى الصعود عندما هيمن الصقور اليمنيين في أمريكا على الإدارة الجديدة في عام 2001، وذلك غداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، واتخاذها ذريعة لغزو العراق وقبلها أفغانستان، وقبل الحرب عُقدت جلسات ولقاءات سرية في عدة عواصم أوروبية بين ضباط إيرانيين ونظرائهم الأمريكيين، كذلك عبر الضغط على حلفاء إيران من الشيعة العراقيين للتنسيق مع الولايات المتحدة.

 

ظن الشيعة أن تحالفهم مع الولايات المتحدة سيحقق لهم مآربهم في العراق، ولذلك جاء تحالفهم مع المحتل الأمريكي على أمل تحقيق الوعود الأمريكية المعسولة بإسناد المناصب المهمة إلى حلفائهم من الشيعة والهيمنة على الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في سلم الإدارات العراقية

وعاد الجلبي مرة أخرى إلى لملمة تحالف من جماعة الحكيم الملتصقة والممولة من إيران والمجموعات الكردية وآخرون، وفي نفس الوقت فشل الأمريكان في ذلك الوقت في انتزاع موافقة تركية على بدء استباحة الأراضي العراقية من جهة الشمال، فلم يبق أمامهم إلا التحالف مع الشيعة وبدء إنزال القوات الأمريكية من الجنوب العراقي حيث يتواجد الشيعة بكثافة.

وبالتزامن مع اجتياح أمريكا وبريطانيا للعراق في مارس 2003، اجتاحت قوات بدر المدعومة إيرانيًا المناطق الحدودية مع العراق، وقامت بمقاتلة الجيش العراقي وتكبيده خسائر واضحة، مدعومة بالقصف الأمريكي والاجتياح البري.

 وسهّلت العناصر الخاملة لقوات بدر وميليشيات حزب الدعوة في المدن العراقية عملية تفتيت الجبهة الداخلية وهزيمة الجيش العراقي، وفتح بوابات تلك المدن للولايات المتحدة.

واعترف محمد باقر الحكيم قائد تلك القوات والمدعوم من فيلق القدس صراحة بدور قواته فيلق بدر في حفظ الأمن بمدن العراق بعد الاحتلال، مؤكداً أنه لن يقاوم الاحتلال إلا سياسياً، بحسب المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد سقوط صدام.

لقد عرفت إيران أنها لا تستطيع أن تغزو العراق وأن تفوز به، فيتعين أن تقوم بهذا قوة أخرى. وعدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق واحتلاله في عام 1991م سبب خيبة أمل هائلة لإيران. والحقيقة أن السبب الأولي لعدم قيام الولايات المتحدة بغزو العراق آنذاك كان معرفتها بأن تدمير الجيش العراقي من شأنه أن يجعل من إيران القوة المهيمنة بين القوى المحلية في الخليج العربي. وكان من شأن غزو العراق أن يدمر توازن القوة العراقي الإيراني الذي كان الأساس الوحيد لما اعتبر استقراراً في المنطقة.

أما تدمير النظام العراقي فلم يكن من شأنه أن يجعل إيران آمنة فحسب، إنما كان من شأنه أيضاً أن يفتح آفاقاً لتوسعها.

وظن الشيعة أن تحالفهم مع الولايات المتحدة سيحقق لهم مآربهم في العراق، ولذلك جاء تحالفهم مع المحتل الأمريكي على أمل تحقيق الوعود الأمريكية المعسولة بإسناد المناصب المهمة إلى حلفائهم من الشيعة والهيمنة على الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في سلم الإدارات العراقية، عبر ادعاءات ومزاعم الأغلبية المتوهمة، وقد تحقق الحلم وتحالف الشيعة وأمريكا، وسقطت العراق، وهيمن الشيعة على أرض الرافدين.

وبعد الاحتلال، حين كانت العلاقة تتوتر بين القوات الأمريكية وميليشيا مقتدى الصدر، فلم تكن زلة موقف أن تطلب الإدارة الأميركية من الحكومة الإيرانية حينها أن تكون وسيطاً مع مقتدى الصدر لمعالجة التداعيات في النجف وكربلاء.

وفي عام 2005، كتب جورج فريدمان مدير مؤسسة (ستراتفور) الخاصة للاستخبارات العالمية في نشرة مؤسسته الشهرية، عن الدور الإيراني في التعاون مع الولايات المتحدة أثناء احتلال العراق ودور أحمد الجلبي الشيعي العراقي كوسيط بين الطرفين فقال: بالنسبة للولايات المتحدة فإن لها سياسة معروفة تستخدم فيها خطوط الصدع بين أعداء محتملين لإحداث انقسام بينهم، فتتحالف مع الأضعف ضد الأقوى.. إن خط الصدع في العالم الإسلامي هو بين السنة والشيعة، السنة مجموعة أضخم بكثير عدديا من الشيعة، وانتهاجا للاستراتيجية الكبرى الأميركية يذهب المنطق إلى أن حل المشكلة هو بالدخول في تحالف من نوع ما مع الشيعة، ومفتاح الدخول إلى الشيعة هو الدولة الشيعية الكبرى إيران.

وفي عام 2016 وفي مذكراته اعترف مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق بوش زلماي خليل زادة، بأن هناك تعاوناً عسكرياً وثيقاً حدث بين إيران وأمريكا لغزو العراق.

وقال زلماي خليل زاده، في مذكراته التي نشرها بعنوان "المبعوث"، إن إيران التزمت بالسماح للطيران الأمريكي بعبور أجوائها بسلام فوق الأراضي الإيرانية.

 مشيراً إلى أن إيران كانت تحثّ الشيعة العراقيين على المشاركة بطريقة بناءة في إقامة حكومة جديدة في العراق، وأن بعض زعماء الشيعة العراقيين البارزين ظلوا يحظون بدعم إيران، التي تُعد القوة الشيعية الكبرى في المنطقة.

قاسم سليماني والولايات المتحدة

ولكن إذا كان هناك تعاون بين إيران والولايات المتحدة في العراق، فلماذا قتلت إذن قاسم سليماني زعيم فيلق القدس والذي كان يُعتبر أقوى مسئول إيراني بعد المرشد الأعلى خامنئي؟

في 15 يناير من عام 2004، خرج محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية في تلك الحقبة، في تصريح مثير للجدل أثناء زيارته لأبو ظبي، حيث أعلن خلال مؤتمر صحفي أن بلاده قدّمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد طالبان وصدام.

قائلاً إنه لولا التعاون الإيراني لَما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة، لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة.

لقد تم تعيين قاسم سليماني كقائد لفيلق القدس قبل تلك الحرب بخمس سنوات، يعني أن الرجل كان له الدور الرئيس في تطويع الفصائل العراقية الشيعية لكي تتعاون مع الأمريكان في إسقاط صدام.

ثم جاء الدور الأكبر لسليماني في عسكرة الشيعة وتدريبهم وتكوين ميليشيات مسلحة، اشتبكت مع المقاومة الناجحة التي قادها أهل السنة ضد القوات الأمريكية المحتلة، وهنا تعاظم دور الشيعة في العراق في النظر الأمريكي، فلم يكتفوا بالتعاون في إسقاط صدام حسين، بل تعاونوا وكانوا جزءًا هامًا من الاستراتيجية الأمريكية في وقف انتصارات المقاومة العراقية تجاه قوات الاحتلال، وأحيا الشيعة بذلك دور ابن العلقمي الوزير الشيعي الذي تعاون مع التتار لإسقاط الخلافة العباسية.

فبعد تفجير ما يعرف بالمراقد المقدسة لدى الشيعة، في عام 2006، ساهم سليماني بالتعاون مع الأمريكان في تحويل دفة جيش المهدي (ذراع مقتدى الصدر) رسميا لقتال أهل السنة، بعد تأجيج الخطاب الطائفي المحرض ضد السنة، وهو الخطاب الذي خدم قاسم سليماني، لدرجة أن البعض أرجع تفجير المرقدين لرجال تابعين له، بهدف توحيد الميليشيات الشيعية تحت راية إيران.

وارتكبت ميليشيات جيش المهدي العديد من الجرائم الطائفية، مثلها مثل باقي الميليشيات، وعلى رأسها فيلق بدر وغيرها، وسط صمت أمريكي على تلك الجرائم المتصاعدة من قبل حلفائها في الميليشيات، حيث ساهمت الحرب الطائفية في تقليل عدد القتلى بين الجنود الأمريكيين منذ 2007، وحتى الانسحاب الأمريكي، لانشغال الشيعة بقتال أهل السنة، بدعم ورعاية من فيلق القدس.

وبفضل قاسم سليماني وتعاونه مع أمريكا سيطرت إيران على العراق، فالميليشيات التابعة له تسيطر على الجيش والشرطة والقيادات السياسية التي صنعتها، مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى اللذين يسيطران على الحكومة، ومعظم الميليشيات المسلحة خارج الأجهزة الرسمية تابعة لها بشكل مباشر.

وتجلى دور قاسم سليماني في المعارك ضد داعش، حيث ظهر سليماني وهو يقود بنفسه عمليات الحشد في العراق، بينما يحلّق فوقه الطيران الأمريكي، الذي يقصف مواقع التنظيم في كل ربوع العراق، فقد كان دور سليماني في التحالف هو قيادة المواجهة على الأرض، بينما تقوم القوات الأمريكية بالقصف الجوي على المواقع.

ولكن دور سليماني وإيران توسع ليحاول أن يناطح الدور الأمريكي وينافس دولة الكيان الصهيوني على زعامة المنطقة، فكان لابد من التخلص منه لكبح النفوذ الإيراني، وجعله لا يخرج عن الهدف الأمريكي المرسوم له وهو كبح صعود أي قوة سنية في المنطقة.

هذه الحقائق يعلمها نصر الله جيدًا، ولكنه تغافل عنها ظنا أن أهل السنة قد نسوها، ولكن في أرجاء كثيرة من العالم الإسلامي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، من يحتفظون بها في ذاكرتهم ولن يحجبها دخان وأكاذيب نصر الله.

أعلى