الأعداء التاريخيين لإيران!

حديث زوجة الرئيس الإيراني يكشف عن هوية مشبعة بالعداء والكره لرموز الإسلام الحق، ولفهم أهل السنة والجماعة والذي كان يحمل رايته العرب والأتراك ولا يزالون. ولكن لماذا هذا العداء الإيراني المتجدد للعرب؟


"هؤلاء العرب لم يستطيعوا تغيير ثقافتنا ولا هويتنا ولا لغتنا"

هكذا قالت جميلة علم الهدى زوجة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لشبكة تيليسور الفنزويلية.

فمنذ ما يقرب من شهر زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وزوجته فنزويلا، التي يسعى إلى تعزيز العلاقات معها في مواجهة الولايات المتحدة، وهي الزيارة الأولى للرئيس الإيراني الحالي إلى أمريكا اللاتينية التي تُولي إيران للعلاقات معها، اهتماماً كبيراً.

وفي أثناء تلك الزيارة أجرت زوجة الرئيس الإيراني حديثًا للتليفزيون الحكومي الفنزويلي قالت فيه بالنص:

شُنت على بلدنا دائماً العديد من الغزوات والحروب والهجمات عَبْر العديد من الأعداء التاريخيين...العرب والمغول والترك، وكان ذلك بسبب الموقع الجغرافي الخاص بإيران، لكنهم لم يتمكنوا من تغيير أي شيء.. لا تاريخنا، ولا لغتنا، ولا ثقافتنا، ولا عاداتنا.

هذه المرأة ليست عادية، فهي أولاً زوجة رئيس إيران، صحيح ليس هو السلطة العليا في هذا البلد، حيث المرشد هو صاحب النفوذ الأكبر في إيران وفق الدستور والواقع، ولكن دائمًا منصب الرئيس في إيران يتمتع صاحبه دائمًا بالحرية في تنفيذ السياسات.

ثانيا هذه المرأة باحثة في علوم التربية، كما أنها تُدرس في عدة جامعات إيرانية، وناشطة اجتماعية وكاتبة، ويظهر هذا في حديثها مع القناة الفنزويلية، فردًا على سؤال بشأن اجتماع عقدته علم الهدى مع قيادات نسائية من أمريكا اللاتينية، منذ عدة أشهر، قالت زوجة الرئيس الإيراني إنه كان مخصصًا بنحو أساسي للتفاعل المباشر مع المرأة دون أي وسطاء، ودون مشاركة الإعلام.

وأوضحت أن الهدف كان إجراء حوار مع النساء من جميع أنحاء العالم، وتسليط الضوء على الأفكار أو المفاهيم المشتركة التي توحدهن.

ولفتت إلى أن زوجة الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، شجّعت الفكرة، وكانت من أوائل المشاركات في هذا الاجتماع، مضيفة أنهن كن محظوظات لأنهن استطعن إقامة مؤسسة دولية للنساء الفاعلات في العالم.

 

شُنت على بلدنا دائماً العديد من الغزوات والحروب والهجمات عَبْر العديد من الأعداء التاريخيين...العرب والمغول والترك، وكان ذلك بسبب الموقع الجغرافي الخاص بإيران، لكنهم لم يتمكنوا من تغيير أي شيء

وأشارت علم الهدى إلى أن النساء اللاتي شاركن في إقامة المؤسسة الدولية أجرين 3 زيارات إلى إيران. الأولى كانت لضريح فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم في مدينة قم، والثانية كانت لمعرض عالمات إيرانيات، شاركت فيه 1000 امرأة تقريبًا.

وحسب زوجة الرئيس الإيراني، استطاعت بعضهن بيع اكتشافاتهن العلمية، واستطاعت امرأة منهن ابتكار 64 نوعًا مختلفًا من العلاجات باستخدام العلوم الذرية. ولفتت علم الهدى إلى أن هذا يقدم مثالًا على سبب حاجة إيران إلى العلوم الذرية، على عكس ما يُقال إن إيران تحتاج هذا النوع من العلم لتطوير القنابل.

ولفتت زوجة الرئيس الإيراني إلى أنهم يتبعون المرشد الأعلى السابق الخميني، الذي لا يقبل الفردية والذاتية. وأنهم يكافحون الذاتية بفلسفة تقوم على الأسرة والتضامن والمجتمع والتعاون، مشيرة إلى كتاب لها بعنوان (الفلسفة التربوية لحركة الإمام الخميني).

من كلامها هذا، نحن أمام امرأة تحمل فكر الخميني، ولا تكتفي بهذا بل تقوم على نشره هذا الفكر، وتروج وتدعو له.

وبالتالي فإن كلامها عن العرب والترك، الأعداء التاريخيين الذين حاربوا الايرانيين ولم يستطيعوا تغيير ثقافتهم ولا هويتهم ولا لغتهم، ليس كلامًا عابرًا أو جاء صدفة، بل حديث زوجة الرئيس الإيراني يكشف عن هوية مشبعة بالعداء والكره لرموز الإسلام الحق، ولفهم أهل السنة والجماعة والذي كان يحمل رايته العرب والأتراك ولا يزالون.

ولكن لماذا هذا العداء الإيراني المتجدد للعرب؟

هذا الأمر يحتاج لسبر غور تاريخ العلاقات الفارسية العربية، وأثر ذلك على الواقع الحالي.

الفرس والعرب من التحالفات إلى التصادم

قبل الإسلام، كان الصراع مستعرًا بين الامبراطورتين الفارسية والرومانية، فكانت الجزيرة العربية هي الظهير الاستراتيجي لكل منهما في هذا الصراع، ولذلك حاول كل طرف التحالف مع قبيلة عربية يبرم معها تحالفات، فتحالف الفرس مع المناذرة في أرض الحيرة في العراق، بينما تحالف الروم مع الغساسنة في الشام.

وفي جنوب الجزيرة واليمن أيضاً، ظهر النفوذ الفارسي ممثلاً في دعم مباشر لمملكة حمير، والتي اعتنق الكثير من حكامها اليهودية، ولكن ما لبث أن عقد الإمبراطور تحالفاً مع مملكة أكسوم الحبشية المسيحية، وعلى إثر هذا التحالف تدفقت الحملات الحبشية العسكرية على اليمن، ما تسبّب في إخضاعها للنفوذ الحبشي - المسيحي، وذلك حسب ما يذكر آرثر كريستنسن في كتابه إيران في عهد الساسانيين.

 

النظرة الفارسية وقتها للعرب ولا تزال، كانت خليطًا من الأنانية والازدراء، حيث برروا غطرستهم من خلال انتمائهم إلى العرق الآري، وهذا ما يراه الكاتب هلال خشان، في مقال نشره موقع جيوبوليتكال فيوتشر الأمريكي.

وبالرغم من وقوع مكة في قلب الجزيرة البعيدة عن هذا الصراع الاستراتيجي المستعر سواء في شمال الجزيرة وجنوبها، ولكن بعد البعثة النبوية ونزول القرآن الذي وجه المسلمين إلى النظر إلى هذا الصراع، فكانت بدايات سورة الروم في مطلع: "الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ..."، فجاءت النظرة القرآنية توجه المسلمين إلى رؤية الواقع بمنظور عقدي، فالروم أهل كتاب والفرس وثنيون، والمسلمون عليهم الفرح بانتصار أهل الكتاب على الوثنيين.

بعدها ورد في كتاب تاريخ الرسل والملوك لأبي جعفر الطبري، انفضاض التحالف بين المناذرة والفرس بعد أن سجن كسرى زعيم المناذرة، وتداعت قبائل عربية لتقاتل الفرس في موقعة ذي قار والتي انتصرت فيها القبائل العربية على امبراطورية الفرس، واختلف في توقيتها، فقيل إنها وقعت يوم ولادة الرسول، أو قُبيل هجرته، كما قيل إنها تزامنت مع انتصار المسلمين في غزوة بدر في العام الثاني من الهجرة.

ولكن النظرة الفارسية وقتها للعرب ولا تزال، كانت خليطًا من الأنانية والازدراء، حيث برروا غطرستهم من خلال انتمائهم إلى العرق الآري، وهذا ما يراه الكاتب هلال خشان، في مقال نشره موقع جيوبوليتكال فيوتشر الأمريكي.

حدث أول اتصال بين دولة الإسلام وبين الفرس في العام السابع للهجرة، عندما حمل الصحابي عبد الله بن حذافة السهمي رسالة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وقد ورد في تلك الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلامٌ على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فأني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك"،ا.ه. وغضب كسرى من هذه الرسالة ومزقها، ليبدأ بعدها الصدام الفارسي الإسلامي.

في العام الحادي عشر من الهجرة، بعد الانتهاء من حروب الردة مباشرة، وبأمر من خليفة المسلمين أبي بكر الصديق، قاد المثنى بن حارثة الشيباني جيش المسلمين لقتال الفرس، ولمدة ما يزيد عن الأعوام العشرة حدثت المواقع الشرسة، والتي انتهت بفتح كامل أراضي الفرس في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وتحديداً في العام الثالث والعشرين من الهجرة، لتُصبح بلاد فارس حينها مجرد إقليم من الأقاليم الكثيرة التابعة لدولة الخلافة.

ثم كانت الحادثة الكبرى في تاريخ المسلمين حينما أقدم أبو لؤلؤة المجوسي على قتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ...وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام كان مجوسيًا من عباد النيران…، فقتل عمر بغضاً في الإسلام وأهله وحباً للمجوس وانتقاماً للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم وقتل رؤساءهم وقسم أموالهم…

وظل الحقد الفارسي في بعض الفرس، وهذا الحقد وَلد المذهب الاثنى عشر والذي سعى من خلال التعصب لعلي بن أبي طالب وسلالته إلى هدم الإسلام.

استيقظت الهوية الفارسية وخرجت إلى العلن بعد ظهور الصفويين ومن بعدهم القاجاريين واستيلاءهم على إيران واجبار أهلها على التشيع.

وقد أطاح رضا شاه بالقاجاريين في عام 1925 وأدخل سلالة بهلوي، التي استمرت حتى عام 1979. وخلال حكمهم الذي دام 54 عامًا، روج البهلويون للمبادئ الوطنية، مما أعطى القومية الإيرانية جوًا من الحداثة وأعاد التصورات السلبية عن العرب.

في كتاب (قرنان من الصمت) يصف المؤرخ الإيراني الأستاذ في جامعة طهران عبد الحسين زرنكوب، الحقبة التي أعقبت هزيمة الإمبراطورية الفارسية على يد المسلمين في معركة نهاوند بقرنين من الصمت، وأدان اعتناق إيران الإسلام واتهم الحكام العرب بقمع الثقافة الفارسية واستنزاف مواردها.

ويمضي الكاتب، فيقول إن عصر الصمت هذا شمل إدارة الراشدين، والسلالة الأموية وبداية الإمبراطورية العباسية.

ووفقًا للكاتب، تعززت وجهة النظر الشعبوية تجاه العرب مع تداخل الهوية الفارسية مع المذهب الشيعي، وبدأت الروايات في تشكيل تلك الرموز المشينة للعرب السنة، وتقديمهم كأعداء للشيعة.

وبعد قيام الثورة الإيرانية، سعى النظام الثوري الإيراني إلى نقل هذا العداء والكره التاريخي في الذاكرة الجمعية إلى الأجيال الحاضرة، بعد أن كان البعض يظن أنها ستنهي التعصب الفارسي، ولكنها بدستورها وقوانينها أعطت للهوية الجديدة (الفارسية الممتزجة بالمذهبية الشيعية) دفعة جديدة خاصة مع إعلانها تصدير الثورة ومحاولة فرض تلك الهوية المتعصبة.

 

 

 

أعلى