• - الموافق2025/04/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إسهامات الترجمة في الحراك الثقافي بين الهند والعالم العربي

يمكننا عزو دوافع الترجمة في الديار الهندية إلى دافعين رئيسيين؛ هما الدافع الديني والدافع الأدبي، وإن كانت هناك دوافع أخرى تُسهم في تنشيط مجال الترجمة في الهند


مقدمة

إن الإنسان في طريقه إلى الرقي والازدهار يَستخدم تلك السلالم التي بناها الآخرون. وإن حياة البشرية لا تكتمل إلا بالإضافات التي حققها الآخرون؛ وذلك لأن مجرد إعادة البناء شيء لا جدوى فيه ولا طائل من ورائه. وعُمر الإنسان قصير، وحياته غالية، ولا ينبغي أن يُبدِّد جهوده فيما يُضيِّع نفائس الأوقات.

وهنا يظهر دور الترجمة في مسيرة الإنسان نحو التقدُّم والرقي؛ لأن جميع ما حققته البشرية في أيامها الماضية هو مِلْك للإنسانية جمعاء، ولا ينبغي أن تكون اللغة حاجزة أمام البشرية تمنعها من الوصول إلى مضمون هذه الجهود الإنسانية والاستفادة من محتواها. وهذه الاستفادة لا تتحقق إلا إذا قمنا بتوظيف إمكانية الترجمة، وإيصالها إلى شريحة لغوية أخرى.

وقد رَعَت الهند والعالم العربي ثقافات متعددة عبر القرون، وإن هاتين الحضارتين قد تركتا بصماتهما الفريدة على خريطة الثقافة العالمية. وهذه الحضارة لم تكن في أيّ يوم من الأيام راكدة في نفسها، بل إن كلتيهما قد أثَّرت فيما حولهما كما تأثَّرت بما يجاورهما. والباحثون حول علاقة العرب والهند يتفقون على أن هذا التبادل الثقافي بين هاتين الحضارتين قد بدأ قبل آلاف السنين. وفي التراث الإسلامي إشارات عديدة إلى هذه العلاقة. ولذا ظهرت محاولات جادة للتقريب بين هاتين الثقافتين. وقد نقل العرب من الهند علوم الرياضيات والهندسة وعلم الفلك وعلم النجوم، كما أن الهند استفادت من علوم العرب وأرقامها وبعض كلماتها.

وهذا المقال يعالج إسهامات الهنود عامة، والمليباريين خاصة، في مجال الترجمة، والتقريب بين الثقافتين العربية والهندية. وهناك آلاف الكتب العربية والهندية تُرْجِمَت بين اللغتين. وربما يصعب على الباحث أن يُضمِّن في بحثه جميع هذه المساهمات في مجال الترجمة؛ الأمر الذي يدعو إلى نظرات سريعة فيما قدَّمه المترجمون في تعزيز الحراك الثقافي بين الهند والعالم العربي.

خلفيات تاريخية

ليس من قبيل المبالغة قولنا: إن العلاقة الثقافية والحضارية كانت قائمة بين الهند والجزيرة العربية منذ أن بدأت الحياة البشرية على سطح هذا الكوكب الأرضي؛ إذ إن كثيرًا من الوثائق في الديانات السامية تشير إلى أن أبا البشر آدم -عليه الصلاة والسلام- لما نزل من الجنة هبط في جبل آدم في جزيرة سيلان الهندية، فارتحل من هنا إلى مكة في الجزيرة العربية؛ حيث لاقى شريكة حياته حواء -عليها الصلاة والسلام- التي هبطت في منطقة جدة. وهذه المنطقة سميت باسم جدة تذكارًا لهبوط جدة البشرية فيها. فأصبح هذا التلاقي بين أبي البشرية وأمها أول لقاء بين شخصية من منطقة هندية ومنطقة عربية.

ومن المؤرخين والأكاديميين، من يرون أن العلاقة التجارية كانت قائمة بين مدينة موهنجودارو الهندية ومدينة سومر العراقية. وصفحات التاريخ تقول بأن النبي سليمان -عليه السلام- كان يستورد الذهب والفضة والعاج وغيرها من بلاد الهند. وفوق ذلك كان العرب يَفِدون إلى الهند قبل قدوم الإسكندر الأكبر بقرون عدة، فطبقًا لـــــــ«التوراة»: «كان بنو إسرائيل يتجرون مع الهند في عهدي داود وسليمان -عليهما السلام-».

ونتيجة لانتشار الدين الإسلامي في جميع أنحاء الهند وأرجائها؛ ذهب إلى الهند بعض العلماء المسلمين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الدعوة إلى الإسلام والإرشاد إلى سبيل الحق، ثم تتابعت الرحلات العلمية والدعوية إلى الديار الهندية.

ويأتي في مقدمة هؤلاء العلماء: أبو حفص المحدّث المصري، وهو من تابعي التابعين، ومات بأرض الهند في سنة 60هـ/776م. وهؤلاء العلماء ومَن تبعهم من الدعاة قاموا بجهود جبارة لحماية الدين الإسلامي والعناية به. ولم يكتفوا بنشر تعاليم الدين بين الهنود، بل كانوا يُنشؤون المدارس والمساجد لتعميم رسالة الإسلام بين عامة الناس في الهند.

وهذه الحركة العلمية أدَّت إلى أن تصبح بعض المناطق الهندية مركزًا للعلوم الإسلامية والفنون العربية، وأصبحت الهند بحلول القرن الرابع عشر للميلاد مركزًا رئيسيًّا للتعليم الإسلامي. وقد وجدت الحركات الثقافية والنشاطات العلمية دعمًا جميلًا من السلاطين والملوك المسلمين.

وقد ازداد التواصل الثقافي والتبادل الحضاري في هذا العهد بين الثقافتين؛ حيث ذهب عدد من الهنود إلى العالم العربي، وقد أشار صاحب الفهرست ابن النديم إلى شخصين عبقريين هندوسيين، وهما «منكه الهندي» و«ابن دهن الهندي»، وهو يشير إلى أنهما قد ساعدا في ترجمة بعض الكتب السنسكريتية إلى اللغة العربية[1].

ويقول الأكاديمي الهندي الكبير الأستاذ الدكتور زبير أحمد الفاروقي: «وبظهور الإسلام بدأت مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الهندية والعربية، وقد وُصفت هذه المرحلة بأنها مرحلة الحوار الثقافي بالمعنى الحقيقي للكلمة، وبلغت العلاقات ذُرْوَة جديدة خاصة في المجالات الفكرية والثقافية والأدبية في أثناء العصر العباسي، ففي هذا العصر على وجه التحديد بدأت الترجمة العربية للكتب الكلاسيكية السنسكريتية»[2].

وأول هذه الأنشطة: ترجمة المؤلفات السنسكريتية التي تُعالج العلوم الهندية مثل الرياضيات وعلم النجوم والأفلاك وعلم الطب، وغيرها من العلوم إلى اللغة العربية.

وفي بيت الحكمة العباسية تولى رجال هنود مهمة الترجمة إلى اللغة العربية. والأسباب وراء هذا الحراك الأدبي قد تكون أسبابًا أدبية، أو لها دوافع دينية، أو بهدف خدمة الإنسانية، أو إلى ما ذلك.

مجالات الترجمة في الحراك الثقافي بين الهند والعالم العربي

نشطت الترجمة في عدة مجالات مشتركة بين الثقافتين الهندية والعربية، ومن أهمها: ترجمة أُمّهات الكتب الدينية، كما أن هذه الترجمات بين اللغتين الهندية والعربية قد عززت التبادل الأدبي بين الحضارتين. وهناك مجال آخر نشطت فيه الترجمة ألا وهو مجال الفلسفة وعلم الفلك؛ لأن الهنود كانوا ماهرين في هذه الجوانب العلمية. كما أن تعليم اللغة العربية له حضور في ساحة الحراك الثقافي بين العربية واللغات الهندية. وفي هذه الأيام وبسبب توسُّع العلاقات الدبلوماسية بين الهند والبلدان العربية؛ فإن الترجمة تؤدي دورها الرئيسي في هذا المجال الحيوي.

دور الترجمة في نقل العلوم الإسلامية

تُسهم الترجمة في تعزيز الحراك الثقافي بين الهند والعالم العربي؛ حيث تنقل الكتب الإسلامية المُؤلَّفة باللغة العربية إلى اللغات الهندية المختلفة. وتأتي هذه الجهود انطلاقًا من كون الهند تضم ثالث أكبر مجموعة سكانية مسلمة في العالم. ولذا لا تزال أمهات الكتب، مثل القرآن الكريم وكتب الحديث النبوي، والفقه، تُترجم إلى اللغات الهندية، مما يُعمِّق العلاقة الثقافية والدينية بين الهنود والعالم العربي.

ترجمة الأعمال الأدبية

تتوطد العلاقة بين الهند والعالم العربي بترجمة الأعمال الأدبية من اللغة العربية إلى الهندية، وهذه الترجمة تفتح أمام الهنود أبوابًا إلى الحضارة العربية، كما أن ترجمة الأعمال الأدبية من اللغة الهندية إلى العربية تفتح للعرب نوافذ على الحضارة الهندية. وقد تُرجمت العديد من المؤلفات الأدبية بين اللغة العربية واللغات الهندية.

ترجمة الأعمال الفلسفية والتاريخية

للهند حضور ملحوظ في خريطة الفلسفة العالمية؛ إذ تمكَّن حكماؤها منذ القدم من الوصول إلى معارف عميقة في علوم الفلسفة والفلك. وفي الوقت ذاته، امتاز العرب بإسهاماتهم في علوم الفلك والتاريخ، مما أوجد بيئة للتعاون والتفاعل الثقافي بين الجانبين. وقد تحقَّق هذا التلاقي المثمر من خلال الترجمة، التي كانت جسرًا لنقل المعارف وتعزيز الحوار بين الحضارتين.

الترجمة في مجال تعليم اللغة العربية

التطوُّر الجديد للعالم المعاصر فتح أمام الناس أبوابًا لتعلُّم لغات متعددة، واللغة العربية من اللغات العالمية التي لها مكانتها في الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية. وقد أقبل الهنود على تعلُّم اللغة العربية؛ لما لها مكانة عظيمة في سوق العمل الخليجي. وهذا أيضًا يُسهم في توطيد العلاقة بين الهند والعالم العربي.

دوافع الترجمة بين اللغات الهندية والعربية

يمكننا عزو دوافع الترجمة في الديار الهندية إلى دافعين رئيسيين؛ هما الدافع الديني والدافع الأدبي، وإن كانت هناك دوافع أخرى تُسهم في تنشيط مجال الترجمة في الهند. ولكون الهند تحتضن ثالث أكبر شريحة إسلامية من عدد السكان في العالم؛ فإن الدافع الديني يُحفِّز عملية الترجمة من اللغة العربية وإليها. كما أن الأقسام الأدبية في الجامعات الهندية المرموقة تتولى مهمة ترجمة بعض الأعمال الأدبية العربية الشهيرة إلى اللغات الهندية؛ نظرًا لما يتمتع به الأدب العربي من مكانة عالية في الأدب العالمي. وهذان الدافعان جعلا عملية الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الهندية أمرًا عاديًّا في الديار الهندية.

الدوافع الدينية

حينما نقوم بجولة سريعة في الحقول العلمية التي خلَّفتها حركة الترجمة بين العربية الهندية؛ نجد أن بعض هذه الترجمة قد انطلقت من دوافع دينية؛ لأن هذا الوطن الكبير يمتاز باحتضانه لثالث أكبر عدد من المسلمين، فمن اللازم أن تُتَرْجَم أمهات الكتب الدينية، مثل القرآن والتفسير والحديث والسيرة النبوية وكتب العقيدة والفقه والشريعة إلى اللغات المحلية الهندية؛ وذلك لأن انتشار هذه الكتب أكثر وأعمق. والباحث في الأعمال المُترجَمة يجد عدة مؤلفات حول الدراسات العربية، ومنها السيرة النبوية والأحاديث الشريفة، والشريعة الإسلامية، كما كانت هناك كتب تعالج الأدب والحضارة. 

ترجمات الكتب الدينية

هذا ميدان واسع أطلق فيه فرسان اللغة العربية جهودهم؛ لأن الحركات العلمية التي شهدتها شبه الجزيرة الهندية هي خير الأنشطة التي عرفها التراث العلمي الإسلامي؛ لأن تلك الجهود الجبارة التي بذلها علماء المسلمين الهنود، هي التي أبقت لنا العلوم الإسلامية وحَفظتها من الضياع، مثل علم التفسير والحديث، وأمهات الشريعة الإسلامية، وغيرها.

وينص الدستور الهندي على وجود 22 لغة رسمية في جمهورية الهند، تُرجِمَت معاني القرآن الكريم إلى 17 لغة منها، وتمتاز اللغة الأُردية والمليبارية والبنغالية بكونها أبرز اللغات الهندية من حيث كثرة عدد الترجمات القرآنية إليها، وفي اللغة الأُردية فقط نجد أكثر من 120 ترجمة لمعاني القرآن الكريم.

ويعتبر الإمام شاه ولي الله الدهلوي رائدًا في ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الفارسية؛ وهي لغة المسلمين الهنود في تلك الحقبة، لتيسير فَهْمه ونَشْر علومه بين الناس. وأما في ولاية كيرالا، فتعود الريادة إلى العالم النحرير السيد محيي الدين بن عبد القادر المعروف باسم مايين كوتي إلايا (Mayin Kutty Elaya)؛ حيث بدأ ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة المليبارية في سنة 1855م، وقد استغرقت هذه الجهود الميمونة لمدة 15 سنة. وقد سماها «ترجمة تفسير القرآن»، وقد اعتمد الشيخ في إعداد هذه الترجمة على تفسير الجلالين، الذي له الحضور الملموس في الحلقة الدراسية في المساجد المليبارية.

أما الترجمة المليبارية الثانية للقرآن الكريم، فلم تظهر إلى النور إلا بعد قرن تقريبًا. وهذا لا يدل على الفتور العلمي للنشاطات القرآنية في تلك الحقبة، ولكن هناك محاولات فردية جادة لترجمة بعض السور أو الأجزاء إلى اللغة المحلية. مثل محاولات الشيخ كونغانام وييتل إبراهيم بن باوا الصغير؛ حيث ترجم سورة الفاتحة والكهف في سنة 1900م. ونرى في هذه القائمة مساهمات الشيخ عبد القادر بن محيي الدين نيناتيكان، والشيخ حسن بن علي بوتان وييتل وغيرهم الكثير. ثم ظهرت ترجمة متكاملة للقرآن في سنة 1995م، قام بها الشيخ كي عمر المولوي، وهي تقع في ست مجلدات تصل عدد صفحاتها إلى 2500 صفحة.

وأجمل ترجمة لمعاني القرآن وأروعها مع التفسير هي تلك الترجمة التي قام بها فضيلة الشيخ المرحوم كي وي محمد مسليار كوتناد، وهي باسم «فتح الرحمن في تفسير القرآن»، ويقع هذا العمل القيّم في خمس مجلدات، وظهر في سنة 1981م. أما ترجمة أمروتافاني (Amruthavani)، وديويا ديبتي (Divyadeepthi)، فهما متميزتان؛ حيث قاما بترجمة معاني القرآن إلى اللغة المليبارية، وكذا شارك في الترجمة العالمان الهندوسييان، كي جي راجاوان نايار (KG Ragavan Nair)، وكونييور رجاوان نايار (Konniyoor Ragavan Nair).

ومن الترجمات في مجال السيرة النبوية ما قام بها الشيخ محمد الحسني؛ حيث ترجم السيرة النبوية للعلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، إلى اللغة الأُردية بعنوان «نبي رحمت». ويقدم في هذه السيرة بيانًا شاملًا لحياة النبي #، ويعرضها عرضًا جميلًا، ويصوّر الأحداث والوقائع تصويرًا رائعًا. ونالت هذه الترجمة قبولًا واستحسانًا في الأوساط العلمية في الهند؛ حيث طُبِعَت عدة طبعات متكررة، وتقع في حدود 472 صفحة.

ومن أجمل كتب السيرة النبوية: ما ألَّفه العلامة السيد سليمان الندوي، وكان عنوانه في اللغة الأُردية «خطبات مدراس»، والذي تم تعريبه فيما بعد بقلم الأستاذ محمد ناظم الندوي إلى اللغة العربية بعنوان «الرسالة المحمدية». ثم تُرجمت هذه السيرة إلى اللغة الإنجليزية، فلقيت إعجابًا كبيرًا في الأوساط العلمية.

وجهود علماء الهند لم تقتصر على هذه العناوين المعدودة، بل إن جميع أمهات الكتب المُؤلَّفة في اللغة العربية قد تُرجمت إلى اللغات الهندية، فمثلاً التفسير الكبير للإمام الرازي نقله بعض المترجمين المليباريين إلى اللغة المحلية، كما أن الكتب الستة في السنة النبوية تُرْجِمت إلى اللغة المحلية على يد الأستاذ المرحوم الدكتور كمال باشا.

وهناك كتب شهيرة تُرْجِمت إلى اللغة المحلية؛ مثل تفسير الجلالين، والأربعين النووية، وكتب الفقه والشريعة الإسلامية، وكتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وحجة الله البالغة للإمام الدهلوي.

 وأما اللغات الهندية الأخرى مثل الأُردية والبنغالية، فالكتب المُترجَمة من العربية إليها عددها يتجاوز الحصر؛ لأن أكثر الكتب الدينية التي تتعلق بحياة الإنسان تُرْجِمَت إلى اللغات الهندية. وقد أسهمت ترجمة الكتب الإسلامية من القرآن والسنة والشريعة الإسلامية إلى اللغة المليبارية أو إلى اللغات الهندية في نشر الثقافة الإسلامية وتراث المسلمين في شبه القارة الهندية.

الدوافع الأدبية

كل مَن له أدنى إلمام بتاريخ الأدب العربي، يعرف حق المعرفة أن التبادل الأدبي كان قائمًا بين الحضارتين العربية والهندية؛ لأن كتاب كليلة ودمنة -والذي يُعتَبر من أمهات الكتب الأدبية في اللغة العربية- تَرْجَمه الكاتب الكبير عبد الله بن المقفع من اللغة الهندية.

وحينما نتأمل في المؤلفات المترجمة من وإلى اللغة العربية واللغات الهندية، نتعجب من رؤية هذه الكمية الكبيرة من الكتب المترجمة. فمثلاً: اللغة المليبارية، هي إحدى اللغات المحلية التي يتكلم بها أهل كيرالا، الولاية الصغيرة في الهند، فهناك قرابة مائة كتاب تُرجمت من اللغة العربية. أما عدد الأعمال المليبارية التي تُرجمت إلى اللغة العربية فيزيد عن 25 عملًا أدبيًّا.

بعض الكتب الأدبية التي تُرْجِمَت إلى اللغة العربية[3]

رواية شامين، للروائي الشهير تاكازي شيفا شانكارا فيلا، ترجمها إلى العربية الأستاذ المرحوم محيي الدين الألواء.

ديوان الزهرة الساقطة، من تأليف الشاعر الميباري الشهير كوماراناشان، ترجمها إلى العربية الشاعر أبو بكر نانماندا.

قصائد من كيرالا، هي ترجمة قام الشاعر الكبير شهاب غانم، بتعريب بعض القصائد المختارة من اللغة المليبارية.

قصائد من الهند، وهي أيضًا من ترجمة الشاعر الإماراتي شهاب غانم.

ديوان رنين الثريا: هو ديوان كتبته الشاعرة الكبيرة كاملا الثريا، ترجمه إلى العربية الشاعر شهاب غانم.

مطر الليل وقصائد من الشرق والغرب: وهذا أيضًا من ترجمة الشاعر شهاب غانم.

رواية «نالو كيت (بيت الأجداد)»، هي رواية شهيرة من تأليف الأديب المليباري البارع، أم تي واسوديفان ناير، قام بترجمتها إلى العربية، المترجمان المليباريان، الأخ مصطفى محمد الوافي، ومحمد أنس الوافي.

«تحت السماء المظلمة»، هي رواية قدَّمتها إلى الأدب المليبارية الروائية الشهيرة بي. أم زهراء. وقام بترجمتها إلى العربية المترجم الهندي الشهير، الأخ سهيل عبد الحكيم الوافي.

رواية مثل ترنيمة: قناع هندي لحياة دوستويفسكي، رواية كتبها الروائي المليباري بيرومباداوان شريداران، وترجمها إلى العربية الكاتب المصري محمد عيد إبراهيم.

رواية «ضوء القمر»، و«الطلاق»، هما روايتان شهيرتان من قلم الروائية الشهيرة بي أم زهراء، وقد نقلتها إلى العربية الكاتبة السورية سمر الشيشكلي.

رواية «رفيقة الصبا»، رواية شهيرة في الأدب المليباري، كتبها فايكام محمد بشير، ترجمها إلى العربية سهيل عبد الحكيم الوافي.

رواية «على ضفاف مايازي»، هي رواية لها مكانة في الأدب المليباري، كتبها الروائي الشهير أم موكوندان، وقام بترجمتها إلى العربية الدكتور علاء الدين الهدوي.

فتاة تنشر الضوء: رواية من تأليف الروائي تي. باتمانابان، ترجمها إلى العربية الأخ عبد الله الوافي.

قصص من الهند، جمعها وترجمها إلى العربية الدكتور محمد عبد الكريم الهدوي.

هذه القائمة ليست نهائية، فهناك ترجمات غيرها كثيرة من اللغة المليبارية إلى اللغة العربية.

بعض الأعمال الأدبية التي تُرْجِمَت من اللغة العربية إلى اللغة المليبارية

أما بالنسبة إلى الأعمال المُترجَمة من اللغة العربية إلى اللغة المليبارية فإن عددها كثير. وقد يكون هناك أسباب كثيرة لهذا، إلا أن السبب الرئيسي هو أن علماء اللغة العربية من أبناء كيرالا يتجرؤون على الكتابة بلغتهم الأم أكثر مما يتجرؤون لترجمتها إلى اللغة العربية.

وقد عرفت الساحة الثقافية في ولاية كيرالا أدب العرب وحضارتهم من خلال ترجمة بعض الأعمال الأدبية الشهيرة، ومن بينهم روايات الكاتب المصري الشهير نجيب محفوظ، وكتب الدكتور طه حسين، والروائي اللبناني جرجي زيدان، والكاتب الشهير مصطفى لطفي المنفلوطي، والأديب الشهير جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، والشاعران الألمعيان أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم المازني، والكاتب محمود تيمور، ونجيب الكيلاني، والكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، ومحمود درويش، والشاعر أدونيس.

أما الأدباء والشعراء الأقدمون، فلهم أيضًا حضور ملموس في ثقافة مليبار من خلال الترجمات الأدبية لأعمالهم. ونرى قصائد الصحابي الجليل حسان بن ثابت -رضي الله عنه-، ترجمها إلى المليبارية الكاتب المليباري كي وي أم بانداوور. وكذا قصيدة بانت سعاد، للصحابي الجليل كعب بن زهير -رضي الله عنه-. وقصيدة البردة، والهمزية للإمام البوصيري -رحمه الله-، وديوان الإمام الشافعي -رحمه الله-.

وقد كثرت النشاطات الأدبية وازدادت ترجمتها إلى اللغة المحلية في هذه الأيام، وقد يحسن هنا الإشارة إلى الجهود الجبارة التي يقوم بها الدكتور «أن شمناد»، والذي حصل على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتعاون الدولي، من دولة قطر عام 2019م، عن جهوده في الترجمة من اللغة العربية إلى المالايالامية. وقد بلغت مساهمته في مجال الترجمة إلى 18 عملاً، كلها من العربية إلى اللغة المحلية المليبارية، آخرها ترجمة رواية بيت القبطية (2024م)، والتي كتبها الروائي المصري أشرف العشماوي باللغة العربية.

التحديات التي تواجهها الترجمة بين اللغة العربية واللغات الهندية

- كثرة اللغات وتعدُّد اللهجات

اللغات الرسمية في الهند يتجاوز عددها العشرين، ومن العادة ألَّا يعرف هندي يتكلم لغته الأم، لغة أخرى يتكلم بها أخوه الهندي الذي يعيش في ولاية ثانية. وهذا يعني أن الترجمة إلى اللغات الهندية المختلفة تقوم بمثابة ترجمة العمل العربي الواحد إلى لغات مختلفة. والترجمة الواحدة لعمل واحد لا تصل إلى جميع الهنود، بل من اللازم أن نُعِدّ ترجمتها المختلفة لكي يصل هذا العمل إلى جميع الناس في الهند. وفي جانب آخر، فإن اللهجات التي توجد في المناطق العربية المختلفة، هي أيضًا تجعل طريق المترجم صعبًا.

-أهلية المترجمين

من الواضح أن عملية الترجمة لا تكتمل إلا بوجود المترجمين المتخصصين الذين يتضلعون من كلتا اللغتين، بجوانبها الثقافية والاجتماعية. أما الساحة اللغوية في مجال الترجمة في الهند فهي تفتقد كوادر قادرة على الترجمة الدقيقة التي تُضفي على النص الأصالة والجودة اللغوية والثقافية. ويعرف القارئ جودة الترجمة حينما يكون النص من العربية؛ وذلك لأن أبناء الهنود يحسنون لغتهم الأم، وأما ترجمة الأعمال الهندية إلى اللغة العربية، فإننا نشعر بالضعف والقصور في الأعمال المترجمة.

- قلة المعاجم الثنائية

عدم توفر المعاجم الدقيقة التي تفتح أمام المترجم إمكانيات اللغة العربية واللغات الهندية. واللغة العربية هي أغنى اللغات العالمية من حيث المفردات والكلمات، إلا أن بين هذه المفردات فروقًا دقيقة لا يعرفها إلا خبير متعمق في اللغة، ولا بد من وجود تلك المفردات في المعاجم الهندية أيضًا بدقائقها وتفاصيلها، لكي يستطيع الربط اللغوي بين العربية واللغات الهندية. وهنا يواجه المترجم الهندي مشكلة كبيرة تتمثل في نُدرة المعاجم العكسية، أي تلك التي تُوفّر المفردات العربية المناسبة بشكل دقيق لتسهيل عملية الترجمة من اللغات الهندية.

وهناك عوامل أخرى تجعل طريق الترجمة صعبًا في الديار الهندية، مثل الفروق الثقافية والاجتماعية بين المنطقتين، كما أن الحكومة الهندية وكذا الحكومات العربية لا تدعم عملية الترجمة من اللغات الهندية، الأمر الذي يجعل هذه العملية محصورة في الجهود الفردية. ولكي تأتي الترجمة بفوائدها المرجوة لا بد من تجاوز هذه العوائق، وتقديم حلول تُسهّل التقريب بين الثقافتين حتى يستفيد منها الجميع.

مصادر ومراجع للاستزادة:

ابن النديم. الفهرست. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

الفاروقي، الدكتور ويران محي الدين. الشعر العربي في كيرالا ــ مبدأه وتطوره. عرب نت، كاليكوت، كيرالا، 2003م.

الندوي، أبو الحسن علي الحسني. المسلمون في الهند. المجمع الإسلامي العلمي، ندوة العلماء، لكناؤ، الهند، 1986م.

القاسمي، عبد الغفور عبد الله. المسلمون في كيرالا. كاليكوت، كيرالا، 2000م.

المعبري، الشيخ زين الدين بن محمد المليباري المخدومي. تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين، مكتبة الهدى، كاليكوت، كيرالا، 1996م.

ابن بطوطة. رحلة ابن بطوطة، دار التراث، بيروت، 1968م.

Keralavum Arabiyum (Malayalam), Platinum Jubilee Souvenir. Editor: Anvar Koyamburavan. Department of Arabic. University College, Thiruvananthapuram, Kerala, India. 2021.

 


 


[1] الفهرست لابن النديم، ص342.

[2] الفاروقي، الدكتور زبير أحمد. مجلة ثقافة الهند، المجلد 46، العدد 1-2، ص: 52-53.

[3] وهذه القائمة موجودة بتفاصيلها في كتاب، «ولاية كيرالا واللغة العربية»، أصدره قسم اللغة العربية، كلية الجامعة بتروننتبرام، كيرالا/ الهند، تذكار اليوبيل البلاتيني.

 

 


أعلى