• - الموافق2025/06/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
القتال بين باكستان والهند تقييم إستراتيجي

في سياق القتال الدائر بين باكستان والهند، فإن أجهزة الاستخبارات الأمريكية يمكن أن تكون أدركت أن هناك اتجاهًا في كلّ من البلدين يسير إلى تصعيد وشيك أو خطر نووي محتمل


بعد أن توقَّفت الحرب الباكستانية الهندية، والتي اندلعت الشهر الماضي بين الدولتين -إذا صح تسمية ما دار من قتال بينهما على أنه حرب، فبعض الخبراء العسكريين أطلقوا عليها الحملة العسكرية القصيرة-؛ يجدر بنا تقييم ذلك القتال من خلال منظورات مختلفة، تساعدنا على فهم الصراع في المنطقة، والتغيرات المتوقعة لشكل النظام الدولي.

فهذا المقال يفترض أن جولة القتال القصيرة التي نشبت بين الهند وباكستان، لم تعد مجرد حلقة متجددة في صراع متكرر بين دولتين متجاورتين على مدار 70 عامًا، بل أضحت مشهدًا في نظام عالمي يجري إعادة صياغته على قدم وساق.

فهناك عدة رؤى، يمكن من خلالها فَهْم المتغيرات الإستراتيجية التي ساعدت على ظهورها تلك الحرب:

فهناك المنظور الإقليمي وتغيير موازين القوى في جنوب آسيا، وهناك أيضًا المنظور الدولي وما يجري من مفاوضات وراء الكواليس؛ لإعادة فكّ وتركيب نظام دولي جديد بين القوى الكبرى.

ولكن قبل التعرُّض للصراع الإقليمي والدولي، يجدر بنا الإجابة عن سؤالين: كيف توقف ذلك القتال؟ ومن هو الطرف المنتصر؟

فتفسير هذين الأمرين، سيُسهم بشكلٍ كبيرٍ في فَهْم وإدراك التغيرات التي يُراد أو يجري فَرْضها كحالة لنظام دولي جديد.

مَن الذي أوقف القتال بين باكستان والهند؟

هل هو الرئيس الأمريكي ترامب بتغريداته؛ كما يدّعي الرجل بنرجسيته المعروفة؟ أم أن هناك أمورًا أعمق وأوسع من ذلك؟

نيويورك تايمز طرحت سؤالًا: إذا كان ترامب هو الذي أوقف الحرب، فلماذا لم يُوقفها منذ اليوم الأول؟ لماذا صمتت إدارة ترامب على الحرب أربعة أيام، حتى إن نائب الرئيس الأمريكي «دي جي فانس» صرَّح وقتها بأن الحرب الدائرة بين الهند وباكستان لا تخصّ أمريكا.

واكتفت الصحيفة بطرح تلك الأسئلة. 

والأمر المحيّر، أنه طوال أربعة أيام من القتال، كان الذي يسعى بالوساطة هي السعودية وتركيا وبريطانيا، وفجأةً تدخلت أمريكا. فهل هي تدخلت بعد أن تيقَّنت أن الحرب بين البلدين لم تَعُد مجرد اشتباكات على طول الخط الفاصل في كشمير؟ وأن القتال أصبح عشوائيًّا وغير مُسيطَر عليه، وباتت احتمالات تطوُّره لحرب نووية عالية؟ خاصةً بعد دعوة رئيس وزراء باكستان لعقد المجلس الأعلى للأمن الوطني، وهي الهيئة التي تنظر في استخدام السلاح النووي.

من المُلاحَظ أن ترامب كلَّف رجلين لوقف الحرب: أولهما مارك روبيو، وخطورة هذا الرجل تنبع من أنه يشغل أربعة مناصب في الإدارة الأمريكية؛ فهو وزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي المؤقت للرئيس، والقائم بأعمال أمين الأرشيف في إدارة الأرشيف والسجلات الوطنية، والقائم بأعمال مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهذا الرجل تفاوَض مع كلٍّ من الهند وباكستان، ولكنَّه كان أكثر تركيزًا على باكستان.

بينما الرجل الآخر، وهو نائب الرئيس «دي جي فانس»، فكان يتولّى التعامل مع الهند، خاصةً أنه كان في زيارة خاصة إلى الهند في أثناء تفجر أحداث كشمير الشهر الماضي؛ كما كشفت عن ذلك صحيفة نيويورك تايمز. 

موقع «البي بي سي» البريطاني، ووكالة «بلومبرج» الأمريكية، كشفَا عن كواليس ما تم في هذه المفاوضات.

فذكرت «البي بي سي»، أن ماركو روبيو ركَّز في مفاوضاته مع شخصية باكستانية واحدة وهو رئيس الأركان الفريق عاصم منير؛ لأنه يعلم أن بيده قرار الحرب أو وقفها، ويضيف الموقع: ولأن «منير» كان يُدرك أن الهدنة ستتم أسرع بتوجيه ضربات مُركَّزة إلى الهند قبل أن تدخل الهدنة حيّز التنفيذ.

بينما كشفت وكالة «بلومبرج» عن غضب رئيس وزراء الهند من تلك الوساطة، وتُعلّل ذلك بسبب أنه كانت هناك قنوات اتصال بين الجيشين الهندي والباكستاني، وأن تلك المباحثات -وفق بلومبرغ- كانت على وشك الوصول إلى هدنة، وأن تدخُّل إدارة ترامب لم يأتِ بجديد، بل هي أمَّنت على الاتفاق بين الجيشين.

والسبب الثاني لغضب مودي -كما تقول بلومبرغ-، هو أن منشور ترامب على موقع «تروث»، والذي أعلن فيه الهدنة، ساوَى بين البلدين، بينما الهند تَعتبر نفسها أنها الدولة الأكبر والمتفوقة على باكستان اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وديموغرافيًّا وجغرافيًّا.

أما السبب الثالث لغضب مودي، فالهند لم تأخذ ما أرادته من الحرب، وأنها كانت تحتاج وقتًا أطول للرد على باكستان.

ويبقى السؤال: بما أن الهند غضبت من استجابتها لترامب رغم شعورها بأنها لم تستطع الرد الكافي على باكستان؛ فلماذا أوقفت الحرب إذن؟

تقول «البي بي سي»: إن البلدين ليس لديهما قدرات عسكرية ذاتية، بل إن معظم سلاحهما يتم استيراده من خارج البلدين، وبالتالي يعتمدان على قوى خارجية لتسليحهما، وهذا الموقف يختلف مثلًا عن روسيا التي تستطيع إكمال حربها في أوكرانيا؛ لأن لديها قدرة على إنتاج وتصنيع السلاح، أما الهند وباكستان فيفتقدان تلك القدرة؛ فاستمرار حربهم رهن بتلك الإمدادات الخارجية.

ولكن هناك ربما سبب قد يكون أكثر خطورة من ذلك؛ فقد كشفت شبكة «سي إن إن» الأمريكية، أن نائب الرئيس الأمريكي «جي دي فانس» أبلغ رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» برسالة استخباراتية بالغة الخطورة، دفعت الهند إلى المُضِي في محادثات وقف إطلاق النار مع باكستان، في وقتٍ كانت فيه واشنطن تتابع تصاعد التوتر عن كثب.

وبحسب الشبكة، فإن معلومات استخباراتية مقلقة تلقّتها إدارة الرئيس دونالد ترامب دفعت عددًا من كبار المسؤولين الأمريكيين، بينهم «فانس» ووزير الخارجية «ماركو روبيو»، إلى تعزيز جهود الوساطة، وسط تأكيدات بأن فحوى الرسالة كان حاسمًا في تغيير موقف نيودلهي.

ولكن ما هي المعلومات الاستخباراتية المقلقة التي تلقتها إدارة ترامب؟

لم يذكر أيّ مصدر صحفي طبيعة تلك المعلومات، ولكن بصفة عامة، فإن المعلومات الاستخباراتية هي بيانات وتحليلات يتم جمعها عن طريق أجهزة الاستخبارات من مصادر مختلفة، مثل الأقمار الصناعية، اعتراض الاتصالات، المصادر البشرية، وغيرها.

وفي سياق القتال الدائر بين باكستان والهند، فإن أجهزة الاستخبارات الأمريكية يمكن أن تكون أدركت أن هناك اتجاهًا في كلّ من البلدين يسير إلى تصعيد وشيك أو خطر نووي محتمل.

من المنتصر؟

في البداية شنَّت الهند حملة جوية على باكستان، ليستمر الطرفان طيلة 3 أيام في القصف والقصف المضاد بالطائرات والصواريخ والمدفعية، وادعى كل طرف أنه كان المنتصر في تلك الجولة.

فقد نقلت وكالات الأنباء عن رئيس الوزراء الهندي «مودي» في 13 مايو الماضي قوله: إن الهند قد هزمت الجيش الباكستاني، وتصدَّرت شاشات القنوات الإخبارية الهندية عناوين مثل «باكستان تستسلم».

ولكن قبل ذلك بيومين كان رئيس وزراء باكستان «محمد شهباز شريف» قد أعلن أن بلاده انتصرت في الحرب، وعمّت الاحتفالات شوارع المدن الكبرى الباكستانية.

فمن هو الذي حقّق النصر بالفعل؟

هناك عدة معايير للنصر العسكري، لعل أبرزها وأصدقها هو قياس مدى تحقيق كلّ من طرفَي القتال لأهدافه التي أعلنها لقتاله.

فالهند تقول: إنها قامت بهجوم ردًّا على العملية التي تصفها بالإرهابية في كشمير، والتي قام بها -كما تدعي الهند- مقاتلون ينتمون إلى فصيل مسلح كشميري على حافلة للركاب، والذي أسفَر عن مصرع 26 هندوسيًّا.

وتمسكت الهند باتهام الباكستان بالوقوف وراء الحادث، من منطلق احتضانها لجبهة المقاومة الكشميرية.

قد يكون هذا سببًا مباشرًا، ولكنّ الأمر أيضًا يتعلق بوجود أهداف إستراتيجية لدى الهند تتعلق بتحييد خطر التحالف الصيني الباكستاني، وعلى الأقل اختبار مدى ما وصل إليه من قوة عسكرية.

أما الهدف الباكستاني فيتمحور حول الدفاع وإجهاض أيّ أهداف هندية، وهو في حقيقته يتعلق بالردع وإيصال رسالة إلى الهند بأنها لا تستطيع احتواء باكستان أو هزيمتها.

أي أنّ أهداف الجيشين لا ترتبط باحتلال أراضي، لذلك يتركز قياس النجاح بمدى الخسائر العسكرية التي لحقت بالطرفين، وأيّ الطرفين قد حقّق الخسائر العسكرية الأكبر لدى الطرف الآخر، والأهم تسويق النجاح إعلاميًّا، ومِن ثَمَّ استثماره سياسيًّا.

من الناحية العسكرية، فقد حققت باكستان إنجازات عسكرية منها: إسقاط 5 طائرات هندية مقاتلة من طراز رافال (فرنسية الصنع، تكلفة الطائرة الواحدة تبلغ حوالي 200 مليون يورو)، كما أسقطت طائرة ميج 29 وطائرة سوخوي 30 (روسيتي الصنع)، وعشرات الطائرات بدون طيار، واعترضت حوالي 80 صاروخًا، بما في ذلك صواريخ براهموس الأسرع من الصوت.

ويزعم الباكستانيون -في الإجمال- أنهم نجحوا في تدمير 26 هدفًا رئيسيًّا في الهند، بما في ذلك قواعد ومطار عسكري كبير ومواقع تخزين ذخيرة، بما في ذلك ضرب أهداف البنية التحتية للطاقة في الهند.

وهذا ما أكدته نيويورك تايمز، والتي قالت: إن تلك الحرب أظهرت أن لدى الجيش الهندي مشكلات لوجستية وتقنية وعسكرية كبيرة.

وفي نفس الوقت، عاد الجيش الباكستاني، والذي كان يعاني من تراجع في شعبيته، ليحظى بدعم شعبي واسع، رغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية.

بينما تزعم الهند أن جيشها نجح في ضرب 7 أهداف ثمينة ومهمة في باكستان.

أما سياسيًّا، فقد أعاد هذا القتال قضية كشمير إلى الواجهة الدولية، كما أدّى إلى بروز خلافات بين الهند وأمريكا، وكما أسلفنا يعتقد رئيس الوزراء الهندي أن تدخُّل ترامب أضعف موقف الهند، التي كانت تعوّل على دعم أمريكي غير مشروط.

لذلك وصفت رئيسة حزب المؤتمر المعارض «راهول غاندي» العملية بأنها كارثة دبلوماسية أدَّت إلى تقوية التحالف بين باكستان والصين.

تأثير القتال على النظام الدولي

لإدراك حجم التأثيرات المتوقعة لجولة القتال الباكستانية الهندية على النظام الدولي، لا بد لنا من معرفة حال هذا النظام قبل اندلاع القتال.

فور وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة الأمريكية، شرع في صياغة جديدة للدور الأمريكي في العالم، ومحاولة تغيير طبيعة النظام الدولي.

فكانت أولى أولوياته، هي محاولة تغيير هيكل النظام الدولي متعدّد الأطراف، والذي قامت فيه أمريكا بدور القائد، إلى إستراتيجية تقاسم مناطق النفوذ في العالم بين الدول الكبرى من خلال مجالات النفوذ الإقليمية، فيما يشبه ما حدث في مؤتمر «يالطا»، وهو المؤتمر الذي انعقد بمدينة يالطا السوفييتية في فبراير 1945م، وحضره آنذاك الرئيس الأمريكي، ثيودور روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني، وينستون تشرشل، والزعيم السوفييتي، جوزيف ستالين، كإحدى حلقات الاتفاق على ترتيبات النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تم فيه التوافق بين الدول الثلاث على تقسيم مناطق النفوذ في أوروبا بين الغرب والاتحاد السوفييتي.

أما في الوقت الحالي، فإنه بموجب نفس المنطق الذي يطرحه ترامب، سيتم تقاسم العالم بين القوى الثلاث الكبرى.

وتصف صحيفة الإندبندنت البريطانية «إستراتيجية تقاسم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى»، بأنه يحكم عددٌ قليلٌ من الوحوش المهيمنة على الأراضي بالقوة.

إستراتيجية تقاسم النفوذ، تنطلق من رؤية فكرية قومية متشدّدة تدور حول العودة للانعزالية الأمريكية، ورفع شعار «أمريكا أولاً»؛ وقد تجلَّى ذلك بتحسين «ترامب» العلاقات مع روسيا، والشروع في الحرب التجارية حتى على حلفائه، وتهديده لأوروبا بالانسحاب من الناتو، وازدراؤه للمؤسسات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة، مما جعل النظام الدولي في حالة من الفوضى.

وعلى هذا المعنى يؤكد الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان بأنه «إذا قمتَ بتدمير هذا النظام فجأة ودون خطة واضحة، باستثناء انتقام اليمين المتطرف ورؤية ترامب الرجعية للجغرافيا السياسية والتجارة، فاستعد لرؤية ما سيحدث للجميع.

هذه الفوضى الآخذة في الانتشار والتوسع، تساعد على صعود قوى إقليمية ودولية طموحة ترغب في فرض نفوذها في محيطها القريب، وإعادة تشكيل جغرافية إقليمها المحيط، وتبرز تحالفات بين هذه القوى في مواجهة قوى أخرى منافسة».

ولكن ترامب ليس متفردًا داخل أمريكا في هذا التوجُّه، فهو يُعبِّر عن تيار إستراتيجي أمريكي بدأ يُعبِّر عن نفسه في كتابات كثير من الباحثين في أمريكا المعنيين بالنظام الدولي وتطوراته.

فقد رأى «ديريك غروسمان» من مركز راند الأمريكي للأبحاث أن تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين بات وشيكًا. وكتبت «مونيكا توفت»، -أستاذة العلاقات الدولية في جامعة ماساشوستس في مجلة فورن أفيرز-، أن القوى الكبرى الراهنة تسعى إلى التفاوض فيما بينها على نظام عالمي جديد.

وتوقعت تبنّي سيناريو تتفق فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا على مصلحة حيوية تقضي بتجنُّب حرب نووية، واعتراف كلّ منها بمنطقة نفوذ الأخرى؛ بحيث تكون آلية لتنظيم العلاقات.

وحتى من قبل وصول ترامب إلى الحكم، فقد نشرت مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية منذ أربع سنوات تقريرًا مفصلاً، كتبه الخبير العسكري الأمريكي «ديفيد تي باين»، الحائز على ماجستير في دراسات الأمن القومي من جامعة جورج تاون، ذكر فيه أنه يجب على القادة الأمريكيين التخلص من مفهومهم المثالي الخاطئ عن عالم آمِن أحادي القطب يتم فيه الاعتراف بالولايات المتحدة عالميًّا كأقوى قوة عظمى.

فعلى القادة الأمريكيين أن يستغنوا عن سعيهم للهيمنة، وهي إستراتيجية كبرى فاشلة عفا عليها الزمن، ويستعينوا بدلاً من ذلك بإستراتيجية ضغط إستراتيجي للقوات وتحقيق التوازن في الخارج.

ومن شأن إستراتيجية الضغط الإستراتيجي هذه أن تَحقن دماء الأمريكيين، وتُحافظ على أموالهم إلى جانب مواردهم العسكرية المحدودة، وأن تُعيد التركيز على الدفاع عن المصالح الأساسية والحيوية للولايات المتحدة.

وهذا الأمر -بحسب باين- سيجبر حلفاء الولايات المتحدة على تحمُّل العبء الأمني الرئيسي في مناطقهم، والاعتماد على القوى المحلية لتحقيق التوازن مع القوى الإقليمية المهيمنة مثل روسيا والصين.

ويمضي الباحث مؤكدًا على أن إستراتيجية تحقيق التوازن في الخارج ستُعيد حرية العمل الأمريكية لاختيار الحروب التي ستشارك فيها والحروب التي يجب تجنُّبها، بالنظر إلى أن مثل هذه الحروب يمكن أن تتصاعد بسرعة وبشكل غير متوقَّع إلى المستوى النووي.

وبحسب الخبير الإستراتيجي «باين»، فإنه ينبغي للقادة الأمريكيين أن يُبلّغوا موسكو وبكين بشكل عاجل على الفور بأن بلادهم لن تتدخل عسكريًّا في أيّ حروب محتملة حول تايوان أو الجمهوريات السوفييتية السابقة، والتخلي بشكل أساسي عن التدخلات العسكرية الأمريكية المستقبلية في مناطق نفوذهما.

وبالتأمل في خطوات ترامب الآن، نجد أنه يسير على نهج هذا الخبير.

ولكن ما مدى تأثير جولة القتال التي جرت بين باكستان والهند على تلك التغيُّرات في النظام الدولي التي يسعى إليها ترامب؟

لأنه إذا استطاع ترامب الاتفاق مع روسيا والصين على تقاسم النفوذ، فإنه بموجب مثل هذا الاتفاق، ستحتفظ الولايات المتحدة بنصف الكرة الغربي بأكمله، بالإضافة إلى أوروبا الغربية، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا، وهذه المناطق ستظل محمية بالمظلة النووية الأمريكية.

وسوف تشمل منطقة النفوذ الروسية الجمهوريات السوفييتية السابقة وصربيا وإيران والعراق وسوريا وليبيا.

وقد تتكون منطقة نفوذ الصين من كوريا الشمالية وتايوان وبحر الصين الجنوبي وباكستان وأفغانستان والدول الشيوعية الأربع في جنوب شرق آسيا، وحوالي ست دول إفريقية يقودها حاليًّا حُكّام يساريون. أي أن الهند وباكستان سيكونان منطقة نفوذ صينية في تصوُّر ترامب المحتمل لشكل النظام العالمي الجديد.

وبالتالي، فإن هذا الوضع المحتمل سيُغْضِب الهند والتي تَعتبر الصين خصمًا لها، بل تَعتبر نفسها قوة صاعدة عالمية يجب أن يتم تقاسم الهيمنة العالمية معها، لا أن يتم وضعها في إطار هيمنة قوة أخرى كالصين، التي تعتبرها الهند ندًّا لها.

وبما أن مناطق نفوذ القوى الكبرى لم يَجرِ التوافق عليها بعدُ؛ فقد أقدمت الهند على ضرب باكستان لإثبات أنها القوة المهيمنة في ذلك الجزء من العالم، ولن تقبل بهيمنة صينية. وفي نفس الوقت حرصت الصين على تزويد باكستان بتقنيات عسكرية متقدّمة، وذلك لكسر شوكة الهند وإرغامها على الخضوع لهيمنتها في الصفقة العالمية المحتملة.

وعلى ما يبدو، فإن الهند تعي تلك الإستراتيجية، فقد صرّح الدبلوماسي الهندي جواد شريف، المستشار السابق لرئيس الوزراء «مودي» بأنه يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة تُسرع من الانزلاق نحو تعزيز مناطق النفوذ، عبر التحدُّث علنًا عن غرينلاند وكندا وقناة بنما، والازدراء بمبادئ القانون الدولي، وقبول التبرير الروسي لغزو أوكرانيا.

وهذا يُفسِّر سر الغضب الهندي على الوساطة الأمريكية لإيقاف الحرب، والتي تشكّ الهند أنها جزء من تقاسم النفوذ العالمي القادم بين أمريكا والصين وروسيا.


أعلى