• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خطابات الوهم.. بين تجويع الشعب وخديعة الانتصار!

خطابات الوهم.. بين تجويع الشعب وخديعة الانتصار!

          

في العاصمة الإيرانية طهران، أقيمت صلاة عيد الفطر في مصلى الإمام الخميني، وبإمامة المرشد "علي خامنئي"، فتحولت إلى ما يشبه ميدان الخطابة، إذ استغل خامنئي المناسبة للحديث عن الاوضاع السياسية الداخلية والخارجية، متكئا على بندقية قنص روسية من نوع "دراغانوف"، مرسلاً إلى الإيرانيين والعالم من خلالها بإشارات ودلالات عن الاستعداد العسكري، فى ظل الأزمة الحالية المستعرة بين بلاده من جهة ودول المنطقة والولايات المتحدة من جهة أخرى، لـكـن المرشد الذي إنغمس في كيل الإتهامات وتصويب التهديدات للخارج مستعرضاً ما أسماه قوة نظامه، لم يذكر للشعب الإيراني المتجه نحو وضع مزري ولو كلمة واحدة عن مستقبله، أو وضعه القائم في ظل الأزمة، فقط .. تحدث عن ضرورة استمرار صمودهم وصبرهم، وكالعادة مذكراً إياهم بوهم كبير اسمه الانتصار القادم!

وهم القوة والصمود!

خلال خطبة العيد؛ لم يفوت "خامنئي" الفرصة ليؤكد على أن "محور المقاومة في أكثر أوقاته انسجاما منذ أربعين عام"، وأن إيران "ستصل لنقطة الردع العسكري والاقتصادي رغم العقوبات الأمريكية"، خطاب خامنئي المستمر عن القوة لا يختلف كثيراً عن خطاب القادة السياسيين والعسكريين في إيران، فإذا كانت هناك حقيقة بأن لكل دولة موجودة بالمنطقة ثقلها السياسي والعسكري الذي يتناسب مع حالتها، فإن الإيرانيين لديهم من النرجسية ما يكفي بأن يتحدثوا دوماً عن أنهم الأقوى، لكن ماذا عن واقع الحال العسكري على أرض الواقع؟؛ لا أحد ينكر أن العروض العسكرية شبه الشهرية لم تردع واشنطن عن فرض المزيد من العقوبات على إيران، وأن الصواريخ التي تحمل عبارات "الموت لإسرائيل" لم تمنع مقاتلات الصهاينة من قصف المواقع الإيرانية أكثر من مرة في سوريا، بل إن نزيف التضحيات والخسائر الذي قدمته طهران بغية الحفاظ على حكم بشار الأسد لم يمكنها من الحفاظ على نصيب أكبر من الكعكة السورية التي قضم معظمها الدب الروسي.

سياسياً؛ يعيش النِّظام السياسي على وقع أنه يتمتع بشرعية نسبية بين المواطنين، وهذا وهمٌ كبير آخر تنشره وسائل الإعلام هناك، فعلى أرض الواقع لم يعُد النِّظام يتمتع بالشرعية التي كان يتمتع بها بين أغلبية المواطنين في عهد الخميني ـ على سبيل المثال ـ في أوائل الثورة، لقد استفاق الإيرانيون فجأة على حجم الفساد والفقر المستشري في بلدهم، وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، فضلًا عن تزوير الانتخابات كما حدث في انتخابات عام 2009 الرئاسية، ويَضاف إلى ذلك غياب العدالة داخل السُّلْطة القضائيَّة، واعتماد هرم السُّلْطة على شخص واحد فقط بيده مقاليد كل شئ، فضلاً عن تمييز طبقة رجال الدين عن بقية الشعب، والركود الإقتصادي المقرون بعزلة دولية مفروضة على إيران.

الحروب الكلامية!

لا شك أن تصريحات القادة الإيرانيين الموجهه للداخل الإيراني، بما تخلقه من حالة من الحشد الشعبي والتحفييز النفسي، قد تضمن له شئ من الاستمرار اللحظي قصير الأجل، لكنها أبداً لن تحقق له البقاء الدائم أو الاستقرار طويل المدى، لكن ماذا عن الخطاب الموجه للخارج؟، يطلق قادة إيران تهديداتهم دون مراعاة لنتائج هذه التهديدات التي يأخذها الغير على محمل الجد، حتى وإن كان الجميع يعلم أنها مجرد تصريحات كلامية، لكنها في بعض الأحيان تكون زريعة لتوجيه ضربات قاسية أو إنزال خسائر موجعة لإيران، والمريب في الأمر أن المسؤولين الإيرانيين لا يكترثون كثيرا لردود الأفعال تجاه بلدهم.

لنأخذ شعار "الموت لإسرائيل" كمثال على الحروب الكلامية التي يُحسن الإيرانيون إدراتها مع خصومهم، لكن لا تأثير عسكري لها على أرض الواقع، وفي الحقيقة لا خلاف حول الشعار، فالجميع يتمني حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية، لكن الخلاف حول حقيقته وتطبيقاته ووسائل تطبيقه على أرض الواقع، فالشوارع الإيرانية تزخر بالكثير من الشعارات المماثلة، والصواريخ الإيرانية خلال العروض العسكرية يكتـب عليها نفس الشعارات بخطوط كبيرة وواضحة، وفي الاحتفالات الكبرى والندوات والتجمعات يمثل شعار "الموت لإسرائيل" جزءاً أصيلاً من هتافات الحناجر، لكن متى وجهت إيران رصاصة واحدة صوب الكيان الصهيوني؟

الأمر مجرد عداء شكلي لإسرائيل ومتاجرة فعلية بالقضية الفلسطينية، فبعد 6 أشهر من تسلم الخميني للسلطة، أعلن أن آخر جمعة من شهر رمضان سنويا، ستكون يوماً عالمياً للقدس، وعلى مر السنوات كان هذا اليوم يحظى بالكثير من الخطب الجوفاء حول غرور القوة وعظمة إيران في مواجهة الأعداء، ومنهم بالطبع إسرائيل التي لم تواجهها إيران يوماً، سوى عبر الحروب الكلامية، وكذلك أيضا تم إطلاق اسم "القدس" على أخطر ميليشيات الحرس الثوري، وهو الفيلق المسؤول عن تنفيذ العمليات القذرة خارج الحدود الإيرانية، وبالرغم من تسميته على اسم أولى القبلتين، إلا أنه لم يُذكر يوماً أنه قد قام بتنفيذ عملية واحدة في محاولة لتحريرها، فقط تمكن ببراعة في تحويل بعض البلدان العربية، مثل اليمن وسوريا، إلى ظلام وركام بعد أن كان النور يميزها والكرم يزينها، فأضحى شعبها إما مهجراً أو نازحاً أو مهاجراً.

قبل سنوات، تعاطف الملايين في الوطن العربي، بل وفي العالم الاسلامي، مع إيران كونها كانت تقود حركة مقاومة لمخططات إسرائيلية عدوانية توسعية، لكن هذا التعاطف سرعان ما تلاشى عندما أعلن الإيرانيون أنفسهم عن مشروعهم التوسعي للسيطرة على المنطقة ونشر مذهبهم وثورتهم، ولم يكن خفياً على أحد ما أعلنه "علي يونسي" نائب الرئيس الايراني روحاني ومستشاره للشؤون الدينية، عندما تفاخر بسيطرة طهران على 4 عواصم عربية، وحديثه عن كون بغداد عاصمة للامبراطورية الايرانية الجديدة، فذهبت السكرة وجاءت الفكرة عندما وجد المتعاطفون مع إيران أنفسهم أمام نظام طائفي توسعي يحمل أجندة خاصة لا تقل سوءاً عن الكيان الذي تدعي إيران أنها تواجهه.

تصريحات عنترية جوفاء!

كلما زادت التصريحات العنترية الجوفاء، كلما تساقطت أوراق التوت عن جسد النظام المهترئ بفعل العقوبات والعزلة الدولية، فالخطاب الإيراني الرسمي يكشف حجم الأزمة التي يواجهها مهما حاولت ألته الإعلامية أن تخفيها أو تجملها، ومع مستقبل أكثر ضبابية، خاصة على الصعيد الإقتصادي، فإن التصريحات العنترية التي يطلقها قادة النظام من وقتٍ لآخر، لم تعد تلقى صدىً، سواء في الداخل الإيراني أو المحيط الإقليمي أو على المستوى الدولي، بل أصبحت تثير سخرية وتهکم الشعب الايراني الذي يعرف جيدا بأن النظام قد دخل بالبلاد نفقا مظلما لن يتمكن من الخروج منه أبدا.

بالرغم من الحديث المستمر من قادة النظام عن الصمود والصبر والمثابرة والإنتصار الذي يلوح في الأفق، فإن الواقع الراهن يكشف أن العمق الإيراني مهزوز للغاية، وأن القواعد الشعبية قد بدأت تتململ من التدخلات الخارجية التي لا تجلب سوى الخسائر، ولم يعد أحد تطربه تصريحات القوة المتغطرسة التي لن تشبع جائعاً أو تعيد عاطلاً إلى عمله، وبات السؤال الأكبر ألان، خاصة بعد أشهر من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وانتهاء فترة الإعفاءات للدول المستوردة للنفط الإيراني، وظهور التأثير الحقيقي للعقوبات على الوضع الإقتصادي في إيران، كيف سيتعامل القادة الإيرانيون مع الأزمة الراهنة، والتي ستسوء بمرور مزيدٍ من الوقت؟، يبدو أنه قد حان الوقت كي يبدأ المرشد وأتباعه في تجهيز خطاباتهم للمرحلة المقبلة.

أعلى