هل بدأ ربيع إيران؟
حالة من الاستنفار والصدمة والمفاجأة بين أقطاب السياسة الإيرانية خلال مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية. 120 ألف إيراني احتشدوا في أكبر قاعات العاصمة الفرنسية ليرددوا بصوت واحد: "الشعب يريد إسقاط النظام"، لترتفع أصوات وفود من دول عربية وغربية لترديد ذات الكلمات؛ فالعالم العربي تضرر من نظام الولي الفقيه أكثر بكثير مما تضرر الشعب الإيراني، وهي من المفارقات التي تدعو للتعجب و"الحزم".
كان وجود الأمير تركي الفيصل (رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق) فهي أول مرة تحضر السعودية مؤتمراً من هذا النوع، أحدث صدى داخل إيران ونشر الهّلع والخوف لدى القادة السياسيين والعسكريين؛ يصعب معه تكرار مشهد يخيفهم بهذا القدر.
بالرغم من أن السياسيين والدبلوماسيين الإيرانيين يعملون كل جهدهم للوقوف مع المعارضين والانقلابيين للأنظمة التي لا يسيطرون عليها أو لا تواليهم، إلا أنها ظهرت رخاوة نظام الولي الفقيه في حجم الفزع من رؤية وفود أخرى حضرت لتستمع فقط لما يريده 120 ألف إيراني في أكبر مؤتمر عُقد للمعارضة الإيرانية منذ اندلاع الربيع العربي، خلال الأعوام الستة الأخيرة، الذي أثّر فعلاً في الداخل الإيراني بنفس القدر الذي أثر في سياسة الولي الفقيه الخارجية.
كأي نظام دكتاتوري يؤمن بحتمية سقوطه وينتظر (اليوم المشهود لانهياره) كان حجم الهلع داخل النظام، فأجرى مراقبة دقيقة للمواقع والصحافة الإيرانية لمنع تداول أي أخبار تتحدث بإيجابية عن المؤتمر. ولأن الدكتاتور عادة ما يسقط في هفواته وجنونه؛ فقد أدت التغطية العكسية والهجوم على "مجاهدي خلق" والسعودية والأسطوانة المشروخة بالصهيونية والإمبريالية إلى تفشي تساؤلات في الشارع الإيراني حول الأسباب الكامنة وراء كل هذا الخوف والحدَّة في الهجوم، ليجدوا طريقهم نحو ما دار في "باريس"، وحتى إن كان هناك اختلاف في المواقف فمعظم الإيرانيين من أي قومية كانت يتفقون أن نظام الولي الفقيه الثيوقراطي وضعهم في معاناة دائمة وأدخلهم في حروب خارجية لا حصر لها، وأن ثورة 1979م تحتاج ثورة جديدة تطغى عليها أو على الأقل تصحح مسارها تجاه دولة ديمقراطية من روح الجماهير وليس من روح أصحاب العمامات السوداء والبيضاء.
أوقع النظام الإيراني نفسه في أزمة داخلية بعد اندلاع "ربيع العرب" ليتحاشى حدوث "ربيع إيران"؛ فسقوط الدكتاتوريات في الجوار، يجر الشعب للاستلهام وإسقاط دكتاتوريه في بلده، وبدلاً من العمل لخلق جوار آمن ومستقر وعلاقات طيبة مع أنظمة الحكم، استغل نظام المرشد الأعلى الربيع العربي لزيادة نفوذه، فوضع نفسه في عزله لم يوقفها الاتفاق النووي مع الغرب، ووضع نفسه في محطة كراهية الشعوب العربية، فهذا النظام الدموي أدخل سوريا والعراق واليمن ولبنان في دوامات من العنف والحروب الأهلية لا تنقطع، وما زال يمارس تصدير ثورته مع كل الإخفاقات ناحية الاستقرار الداخلي؛ لذلك من مصلحة تلك الدول المتضررة والتي تعمل إيران من أجل تدمير استقرارها في الجوار الجغرافي على ضفة الخليج أن تنقل المعركة للداخل الإيراني حتى ولو كانت سياسية رمزية؛ وهذا ما أشعل نار الغضب والحقد في عيون الساسة الإيرانيين، فإمبراطوريات من المال والاقتصاد والنفوذ تتهاوى في المخيلة الجمعية للسياسيين قبل أن يحدث ذلك واقعاً ملموساً.
إن إيران تعيش عدة عوامل يمكن من خلالها الحديث عن حَراك داخلي موِّلد لانتفاضات متسارعة تجهز على النظام في ثورة واحدة، وهذه بعض المؤشرات:
· أن مؤتمر باريس جاء في وقت يعيش فيه النظام الإيراني حالة من التجاذبات حول "الصلاحيات" هي الأعلى منذ 1979م. كما يعيش حالة من الاستقطاب بين تيار نجاد الصاعد وتيار خامنئي، وصراعاً حول رئاسة إيران بين ما يرفعه الحرس الثوري بقائد فيلق القدس قاسم سليماني، أو تيار أحد مقربي نجاد، أو قد يرشح أحمدي نجاد نفسه مرة أخرى، في وقت وصل فيه المرشد إلى سن الموت، وهو الرجل المهيمن في البلاد.
· بعد عام من الاتفاق النووي مع الغرب لم يلمس المواطن الإيراني أيّاً من تلك الوعود التي أطلقها حسن روحاني؛ فما يزال الاقتصاد في مراحله السيئة، وذهب الشارع الإيراني إلى السخرية من شعار هذا العام الذي أطلقه المرشد في رأس السنة الفارسية (مارس 2016)، والذي حمل عنوان (الاقتصاد المقاوم، الإقدام والعمل) بعد أن فشلت الخطة الخمسية الإيرانية بالتزامن مع الإعلان.
الإيرانيون يدركون أن إطلاق شعار "الاقتصاد المقاوم" بعد الاتفاق النووي هو إحدى
محاولات التفاف على الوعود التي أُطلقت بشأن تحقيق اقتصاد مستقر في البلاد. 20 % من نواب البرلمان يرون أن العقوبات والغرب وراء الأزمات الاقتصادية في إيران بينما يرى البقية أن فساد الحكومة هو السبب وراء ذلك.
· تعيش إيران الجيلين الثالث والرابع من الثورة الإيرانية، ولا يهمهم إذا كان تصدير الثورة هو أساس بقاء الجمهورية ونظامها ودستورها، يرون فقط فساد حكومي يتفشى وتغوُّل للسلطة الدينية وسلطة الحرس الثوري يتسارع، وهم بحاجة لردعها.
· عاشت إيران انتفاضه سابقة عام 2009 في ما أطلق عليه "الثورة الخضراء"، ومع توحيد الجهود في الداخل والخارج وبسند دولي مستعد للاعتراف بالتحركات قد توحد الجهود من أجل إسقاط النظام الحاكم، بطبيعة الحال وإن كان زعماء الثورة الخضراء ليس من جهتهم رغبه في إسقاط نظام الولي الفقيه إلا أن مكونات المجتمع الإيراني تملك الوعي بخطورة هذا النظام وتحتاج فقط بساط يتحركون من خلاله كدافع حيوي للاستمرار.
ما تحتاجه المعارضة الإيرانية هو الولوج إلى عقول "القرويين" في الأرياف، الذين يعتمد عليهم نظام الولي الفقيه في الحشد والتأليب، وما زال مستمراً منذ 1979م في تغذية عقولهم، بالخلاص والتمهيد للمهدي المنتظر، إلى جانب الحاجة إلى كسب المزيد من الانشقاقات من النظام الحاكم مهما كانت توجهاتهم أو ما ارتكبوه في الماضي خلال أعمالهم، فالرجل الواحد من تلك الانشقاقات قد تتقوى به المعارضة ويجعل لها صدى يضرب في جذر النظام، إلى جانب ذلك تحتاج المعارضة الإيرانية إلى تطمين القوميات الأخرى بأن حقوقهم وإنهاء التمييز العنصري سيضمن لهم ما يشبه الحكم الذاتي لإدارة أقاليمهم، كل تلك التطمينات والانشقاقات إلى جانب دعم الجوار المتضرر، والعالم الساخط سيجد صدى قوياً قد يُسرع في إسقاط الدكتاتورية.