• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 الأبعاد القومية والمذهبية لأحداث

الأبعاد القومية والمذهبية لأحداث "مهاباد"

 

أشعلت الشابة الكردية "فريناز خسرواني" ذلك الحلم الذي ظل يراود أكراد إيران على مدار  أعوام طويلة، فتلك الطائفة التي تمثل حوالي 7% من إجمالي عدد السكان باتت تتطلع لاسترجاع جمهورية "مهاباد" نواة الدولة الكردية المنشودة التي وقعت تحت الاحتلال الإيراني مع نهاية عام 1946 بعد إحدى عشر شهراً فقط على قيامها.

وبعد نحو 7 عقود على مقتل أحد مؤسسي أول جمهورية كردية "قاضي محمد وفرار البارزاني"، اشتعلت مدينة "مهاباد" للمطالبة بكشف ملابسات "انتحار الفتاة التي ألقت بنفسها من الطابق الرابع لأحد الفنادق هربا من "رجل أمن" حاول اغتصابها، وهي حادثة تشبه ذلك الاعتداء الذي تعرضت له الضحية الراحلة "ريحانة جباري" التي أعدمها النظام مؤخرا بعد طعنها لعنصر من المخابرات حاول اغتصابها أيضاً، وكأن حوادث الاغتصاب باتت سمة يتميز بها النظام الإيراني في التعامل مع الأقليات المختلفة.

تلك الحادثة وما ترتب عليها من أحداث وردات فعل غاضبة من أكراد إيران دفاعاً عن كرامتهم، وردات فعل عنيفة مضادة من الأمن الإيراني أودت بحياة بعض المحتجين وعشرات الجرحى، لكن التعتيم الإعلامي قلص من فرص ظهور الممارسات غير الأخلاقية بحق الأكراد وغيرهم من الأقليات أمام الرأي العام العالمي، حتى وصل الأمر إلى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي للحد من الكشف عن سوءة النظام.

لكن على أي حال يمكن قراءة تلك الحادثة وما ترتب عليها من تطورات وما يمكن أن يحدث مستقبلاً في سياقات مختلفة، لكنها لن تخرج عن ثلاثة أبعاد رئيسية:

البُعد القومي

كانت تلك الحادثة بمثابة الشرارة التي فجرت احتجاجات مكبوتة نتيجة لتعرض الأكراد في إيران إلى أنواع مختلفة من  التمييز القومي والطائفي، حيث تقول "غولتن كشاناك"، رئيسة بلدية مدينة آمد: «إن السلطات الإيرانية تعدم الشباب الكردي، بمجرد محاولتهم التحدث بلغتهم.

ومن نافلة القول، أن خلفية تعامل النظام الإيراني مع حوالي 10 مليون كردي، كانت قد دخلت في منحى خطير عندما رفض الإمام الخميني بعد ثورة 1979 بأن يكون للأكراد ممثلاَ ينوب عنهم أثناء كتابة الدستور، الذي منعهم من أبسط حقوقهم الثقافية والسياسية، وهو ما دفع أكراد إيران منذ أحداث عين العرب"كوباني" الأخيرة وما سبقها، للعمل باتجاه الضغط على قيادات الأحزاب الكردية الفاعلة كالحزب " الديمقراطي الكردستاني الإيراني" لنيل حقوقهم القومية والسياسية ضمن فيدرالية الشعوب الإيرانية أسوة بأكراد العراق.

ويبدو أن ملامح تشكل الدولة الكردية باتت أكثر وضوحاً، بعد انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى جبل قنديل في كردستان العراق، ثم انتقال البشمركة من كردستان العراق إلى "كوباني" للقتال والدفاع عن الحلم الكردي.

وقد عزز ذلك مصدر أمني كردي، في إقليم كردستان العراق، قائلاً " أن رئيس الإقليم مسعود بارزاني، أمر بفتح أبواب كردستان للأكراد الإيرانيين المعارضين والسماح بدخولهم، خصوصاً الفارين من بطش النظام الإيراني، ويوضح المصدر أن عدداً كبيراً من الأكراد الإيرانيين دخلوا الإقليم في الأيام القليلة الماضية قادمين من إيران عبر الحدود، بسبب مطاردة النظام الإيراني لهم، مضيفاً أن وضع المنطقة الكردية في إيران يغلي بشكل متصاعد.

في هذا الصدد أكدت "دلشا عثمان" رئيسة مؤتمر المجتمع الديمقراطي الكردي، على أن لثورة "مهاباد" دلالاتها العميقة، فهي ليست ردة فعل عابرة بل لها مضامين بنيوية فكرية واجتماعية، إنها تحمل نواة ثورة ديمقراطية حقيقة سوف تصل إلى كافة مدن "روجهلات" وربما كافة المدن الإيرانية،. مطالبة الأكراد في كل العالم تقديم الدعم السياسي والمادي لإخوانهم في "مهاباد" والضغط على النظام الإيراني لإنهاء سياسة الإنكار والاستبداد المطبقة بحق شعبنا وباقي شعوب إيران.

في هذه الأثناء جاءت محاولات الأحزاب الكردية في إيران لإطلاق انتفاضة في الشارع الكردي لتحقيق مكاسب سياسية لأكراد إيران أسوة بأقرانهم من الأكراد في العراق وسوريا وتركيا. وهو ما المح إليه أحد القيادات الكردية المهمة  في إيران "عبدالله حسن زاده"، قائلاً تلمسنا في الأیام الأخيرة من إخواننا الأكراد في العراق وترکيا وسوریا مشکورین تضامنا مع المنتفضين في مدینة "مهاباد".

البُعد المذهبي

المعلومات المتعلقة بملف الأقليات في إيران تبدو صادمة ومحيرة في نفس الوقت، ففي الوقت الذي تحظى فيه الأقليات المختلفة بمعاملة المواطنة الطبيعية، وتحصل على كافة حقوقها المختلفة لاسيما اليهود، نجد أن الأقليات السنية بكافة أشكالها تُعاني من اضطهاد واضح، بسبب مخالفتها للمذهب الشيعي.

والأكثر من ذلك يتضح عند اجتماع العاملين الديني "ولاية الفقيه" والقومي "الفارسي" حيث تتعرض هذه القوميات لاضطهاد مركب، فالدستور الإيراني يعترف بكون "الزرادشت" واليهود والمسيحيين أقليات لكنه يغفل المسلمين السنة تماماً، وهم ممنوعون من بناء المساجد والصلاة بحسب شعائرهم، ناهيك عن قائمة كبرى من أشكال الإقصاء والقمع والاضطهاد.

ويعلق على ذلك خالد عزيزي الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، أن هناك العديد من المشاكل التي يواجهها الأكراد السنة في إيران، ومشاكل عرقية على وجه الخصوص، أبرزها الحرمان من حقوقهم كجماعة ذات قومية، حيث تعتمد أيديولوجيات النظام الإيراني على مبادئ شيعية؛ ولا تسمح للسنة بالحصول على حقوق متساوية مع الشيعة وهو تمييز حقيقي وملموس وفق تعبيره.

وبالرغم من وجود شيعة وسنة بين الأكراد، إلا أن الأكراد الشيعة غير مرحباً بهم على حد قوله، لكن الأكراد السنة يشكلون النسبة الأكبر، لذلك يظهر التمييز المذهبي بشكل واضح لا يقبل التأويل في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، حيث يمُنع الأكراد السنة من إقامة مساجدهم، وتفرض قيود مختلفة من الحكومة الإيرانية على إقامة المساجد السنية، وتتضح تلك القيود بشكل سافر في مدينة طهران العاصمة.

البُعد السياسي

لا يمكن تجاهل الوضع السياسي وعلاقات الجمهورية الإيرانية بجوارها الجغرافي سواء مع دول القوقاز لاسيما جمهورية أذربيجان أو جوارها العربي، فأذربيجان التي تربطها حدود مع إيران تصل إلى 430 كيلو متر، أبدت في الكثير من المناسبات قلقها تجاه الاضطرابات في الداخل الإيراني الناتجة عن معاملة النظام السيئة للأقليات السنية سواء الأكراد أو العرب أو غيرهم من الأقليات الأخرى.

 وبالرغم من شح المعلومات حول أي دور لأذربيجان في أحداث مهاباد، إلا أن تسريبات ويكيلكس عام 2009 التي كشفت عن برقيات "باكو – واشنطن" حول الأقليات الإيرانية، تجعل من حضور أذربيجان أمر وارد بقوة، خاصة وأن عداءها التاريخي والمذهبي مع النظام الإيراني في تصاعد مستمر، أضف إلى ذلك إن توتر الأحداث في الداخل الإيراني لا يمكن أن يأتي بمعزل عن دعم الخارج، خاصة وأن القيادات الكردية في الخارج مستمرة في كشف ممارسات النظام الوحشية بحق الأقليات وهو ما يمكن أن تستغله الإدارة الأمريكية كورقة ضغط حقيقية على النظام الإيراني قبيل توقيع الاتفاق النووي في يونيو المقبل.

مجمل القول، يبدو أن حالة الغليان في المدن ذات الأغلبية الكردية وإقليم الأحواز ستظل معرضة للانفجار في كل لحظة، خاصة في ظل استمرار التجاهل الإيراني لحقوق هذه الأقليات، وإدعاءه في نفس الوقت بالدفاع عن حقوق الأقليات في المنطقة العربية، كما أن الأحداث المتسارعة في المنطقة ومشاركة إيران فيها بقوة ستكون مشجعة لثورة كردية داخليه، حتى مع تقليل بعض المتابعين لما يجرى في مدينة "مهاباد" وتقليلهم من التصعيد في المدن الكردية لأن الوقت غير مناسب على حد زعمهم، إلا أن مثل هذا الحدث حتى وإن كان فردي قد يكون الشرارة التي ستشعل ناراً كبرى.

أعلى