• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إيران وملئ الفراغ الامريكي في أفغانستان

إيران وملئ الفراغ الامريكي في أفغانستان

أبرز ما يميز السياسة الخارجية الايرانية انها تتحرك بشكل فعال في كافة الاتجاهات، ولا تكرس كافة امكاناتها واهتماماتها في قضية واحدة، ولا تلعب دور رد الفعل كما هو حال الكثيرين من جيرانها في الشرق الأوسط، فدائما يكون لديها خيارات كثيرة تستطيع من خلالها اتقان لعبة المساومة السياسية.

في الوقت الذي تسعى إيران روحاني إلى توسيع ساحات الصراع مع العالم العربي السني، نجدها تتحرك بنوع من الاحترافية على حدودها المباشرة، فتؤمنها عبر توقيع وثيقة تعاون وصفت بالإستراتيجية مع الحكومة الافغانية. وفي الوقت الذي تنشغل فيه المنطقة العربية بصراعاتها الداخلية تستغل الدولة الشيعية كافة الظروف لتطوير علاقات التعاون مع جارتها الشرقية لملئ الفراغ الأمريكي.

لا تتوقف هذه الخطوة الهامة بالنسبة لإيران على تطوير علاقات سياسية أو أمنية أو ثقافية فحسب، بل امتدت لتشمل التعاون الاقتصادي بكافة أشكاله، وهي فرصة إضافية لتصدير النفط الإيراني الذي يئن تحت ضربات تراجع الأسعار مؤخراً، كما ان تلك الوثيقة يمكن أن تجعل من أفغانستان سوقاً جديداً أمام الصادرات الإيرانية، خاصة وان الجمهورية الافغانية الناشئة باتت مقبلة على عملية تنمية كبيرة لإصلاح ما دمرته الحرب على مدار أكثر من عقدين من الزمن، علاوة على ذلك ان التمدد الشيعي يظل حاضراً ولا يغيب عن أولوية الادارة الايرانية في علاقاتها مع جارتها الافغانية.

أهم محاور الوثيقة

خلال عام 2014 توصل الجانبان الايراني والأفغاني إلى اتفاق مبدئي للتعاون المشترك يشمل مجالات مختلفة، وقد تحدثت التقارير الاخبارية حينها، أن الاتفاق يتضمن تطوير العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، وسيكون التعاون على المدى الطويل وفقاً للمتحدث باسم الرئيس الأفغاني آنذاك، لكن التوقيع على الوثيقة بشكلها النهائي كان حديث الإعلام الايراني نهاية الأسبوع الماضي، بعد تصريحات المساعد التنفيذي لرئيس الجمهورية الإيرانية "محمد شريعتمداري" التي أعطت صورة أكثر تفصيلاً عن تلك الوثيقة.

وفقاً للمسئول الايراني إن وثيقة التعاون الاستراتيجي، تضمنت فقرات دقيقة وواضحة في المجالات الامنية والتعاون التقني مضيفاً أن الجمهورية الاسلامية الايرانية باتت على استعداد للوقوف الى جانب افغانستان في مجال تقديم المساعدات الفنية وفي جميع المجالات.

كما اعتبر المشاركة الايرانية في مختلف المجالات المتعلقة بالتنمية الشاملة لأفغانستان عملا قيماً من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

في السياق ذاته، كان مساعد وزير النفط الإيراني "امير حسين زماني" قد تحدث مطلع يناير الماضي عن مفاوضات تجري مع مسئولين أفغان تهدف الى توفير الأرضية اللازمة لتصدير الخام الإيراني إلی أفغانستان، مؤكدا أن أحد أهم محاور هذه المحادثات هو تصدير الخدمات التقنية والهندسية والمشتقات النفطية والغاز بصورة طويلة المدی.

الأهداف الاستراتيجية الايرانية

تتعد تلك الأهداف الاستراتيجية الإيرانية بين السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، وغيرها من القضايا المشتركة بين البلدين، لكن أهم تلك الأهداف يتمحور حول القضايا التالية:

* تطوير العلاقات التجارية مع أفغانستان التي تعتمد على المنتجات الايرانية، حيث تشهد حركة التبادل التجاري بين البلدين تطور ملفت، فقد تحول التبادل التجاري من 10 مليون دولار عام 2001 مروراً بنصف مليار دولار عام 2006، متضاعفا الي مليار دولار في 2008، وصولاً الى 4 مليار دولار عام 2014، وذلك قبل سريان وثيقة التعاون المشار اليها والتي تتضمن تصدير كافة المشتقات النفطية.

* تمثل أفغانستان حلقة وصل مهمة بين إيران والكثير من دول أسيا الوسطى، كونها تشكل معبر مهم بالنسبة لإيران التي تحاول بيع نفطها الخام بعيداً عن العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها من قبل مجلس الأمن الدولي.

*وفقاً لتقارير غربية إن ايران تحاول مؤخرا تأمين مصالحها في افغانستان من خلال المحافظة علاقات وثيقة مع الأفغان "الطاجيك" و "الهزارا" الشيعة، بهدف تأمين نفوذها السياسي وحماية مصالحها عقب الانسحاب الأميركي.

* على المستوى الثقافي تشكل مؤسسة الامام الخميني الإغاثية ركيزة أساسية في نشر الثقافة الإيرانية، حيث تؤكد تقارير إعلامية مختلفة ان تلك المؤسسة النشطة تعمل بكادر بشري كبير يصل الى 30 ألف موظف، بنشاطات متنوعة في المجالات الاجتماعية "بناء المدارس- المساعدات الإنسانية - أنشطة ثقافية مختلفة" بالإضافة الى توجيه وسائل الاعلام الافغانية لمناصرة النظام الايراني.

*رغم دعمها الكبير للأفغان الشيعية اللذين يشكلون قرابة 20% من الشعب الأفغاني ذات الاغلبية السنية، إلا انها لا تحاول الدخول في صدامات جديدة مع التيارات السياسية السنية، لاسيما حركة طالبان، والمتوقع أن لا تصل العلاقات بين طالبان وايران إلى توتر في المستقبل القريب، خاصة وأن حالة الهدوء النسبي الذي يسود افغانستان مع تعاظم المصالح الايرانية هناك، يمكن أن يدفع طهران نحو تغليب لغة المصالح على حساب الايدولوجيا، وهي سياسة تجيدها في التعامل مع الأزمات.

* هذا علاوة على التعاون الأمني والعسكري، الذي انتقل من دعم مليشيات عسكرية شيعية، للحفاظ على توازن القوى داخل الاراضي الافغانية بين الفصائل المختلفة، إلى تعاون أمني معلن حسب وثيقة التعاون الجديدة، بهدف تأمين حدودها الشرقية التي باتت أكثر أمناً خلال السنوات القليلة الماضية. ولا شك أن التعاون الأمني الرسمي بين البلدين، سيتضمن ملفين أمنيين مهمين "تجارة الأفيون - اللاجئين الافغان في إيران" فوفقاً لتقرير صادر عن مكتب الامم المتحدة حول المخدرات، أكد على أن 40% من الافيون الافغاني يذهب إلى إيران.

* تطرق وثيقة التعاون إلى مجالات التنمية، يعني أن ايران عازمة على حل أزمة المياه المتعلقة بنهر "هيرمند" مع الجانب الأفغاني، فدعمها لعملية التنمية الأفغانية وفق التصريحات الواردة حول وثيقة التعاون، يوحي أن هناك حلول واردة لمشكلة النهر، والتوافق حول حصة البلدين من مياهه، خاصة وان كابول تتحدث عن خطط زراعية كبيرة تحتاج لحصة أكبر من مياه النهر.

حقيقة الموقف الأمريكي

يذهب تقرير مؤسسة "راند" الأمريكية المعنية بتقديم تحليلات لقواتها العسكرية، منتصف العام الماضي، إلى أن صانعي القرار هناك يعتقدون انه لمن الطبيعي أن تسعى إيران إلى استغلال تراجع الحضور العسكري الأميركي في أفغانستان الذي يفترض أن ينتهي عام 2016، ولا تبدي أدارة "أوباما" تخوفها من تقويض مصالحها في أفغانستان، وإحلال المصالح الايرانية بدلاً عنها، كونها باتت تعلق الكثير من الآمال على الرئيس الاصلاحي روحاني، خاصة وان مرحلة الوصول لاتفاق نووي شامل باتت قاب قوسين أو أدنى، مما يوفر قدراً أعظم من التعاون بين طهران وواشنطن في أفغانستان. 

ويؤكد التقرير"أن الأهداف الإيرانية في أفغانستان لا تتعارض مع معظم المصالح الأميركية هناك. خاصة وأن كلا الطرفان يتطلعان لوجود حكومة أفغانية متحررة من سيطرة حركة طالبان". وهو هدف إيراني يسعى بالأساس إلى تقويض الدور السُني في المنطقة، وما يعزز من صحة هذه التصورات أن وثيقة التعاون الايرانية الافغانية، لم تنتظر الخروج الأمريكي الكامل من الأراضي الأفغانية، ما يعني ان الادارة الامريكية قد أعطت موافقتها الضمنية عليها.

ختاماً: اذا كانت طهران تسير بخطوات حثيثة وجهود مضنية نحو تعزيز نفوذها في أفغانستان وحماية مصالحها وتطويرها إلى المستوى الإستراتيجي، فأغلب الظن ان واشنطن غير معنية على الأقل بتعطيل المسار الإيراني، في ظل حالة التفاهم السائدة بين الجانبين حول الملف الأفغاني. خاصة ان الجمهورية الايرانية كانت قد سهلت مهام الجهود الدولية وفتحت مطاراتها أمام المساعدات الدولية في أفغانستان خلال السنوات الماضية.

لكن حالة التفاهم تلك، تبقى مرتبطة بملفات أخرى شائكة بين البلدين لاسيما الملف النووي الايراني الذي يشكل محور أساسي في العلاقات الامريكية الايرانية، كما أن التحول في السلوك الامريكي تجاه حركة طالبان مؤخراً، والحديث الجاري عن مفاوضات أمريكية مع الحركة في قطر، ربما يأتي في إطار محاولات الادارة الامريكية الى تهيئة المناخ السياسي الأفغاني، مما سينعكس إيجاباً في الغالب على تعاظم الدور الايراني هناك. فمجمل السلوك الامريكي تجاه الاراضي الافغانية قبل الخروج من أبوابها الرسمية، بات مشابهاً لسلوكها تجاه الحالة العراقية، فكانت إيران أكبر المستفيدين.

أعلى