في عالم من الظلال الخفية يسكن العديد من الشخصيات التي تدير دفة الأحداث من وراء الكواليس، كثير منهم لا يدري الناس عنهم شيئا، والقليل نعرف عنه القليل ربما تكون "مريام أديلسون" واحدة من صانعي الأحداث الخفية الذين لم يُكشف عن تأثيرهم إلا بالنزر اليسير.
كان لافتًا في وسائل الإعلام المختلفة،
أنه أثناء إلقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابه في الكنيست مؤخرًا، وهو برلمان
دولة الكيان الصهيوني، إشارته إلى امرأة كانت تجلس في مقاعد الضيوف، وقال لها قفي
الآن، وحينها ضجت قاعة الكنيست بالتصفيق الحاد.
فمن تكون هذه المرأة؟ ولماذا وجه لها
كل من النواب الصهاينة وترامب هذا الاهتمام والترحيب؟
إنها الملياردير الأمريكية اليهودية،
ميريام اديلسون.
يعرفنا ترامب بها، عندما تحدث عنها في
الكنيست، وأشار إلى جزء من الصورة ولكن ليست الصورة الكاملة.
فأثناء إلقاء الخطاب، يقول ترامب
بالنص: "إنها تحب "إسرائيل". أليس كذلك يا ميريام؟ انظروا إليها وهي تجلس هناك بكل
براءة! لديها 60 مليار دولار في البنك. نعم ... 60 مليار دولار. وهي تحب "إسرائيل"
(مرة ثانية).
(ثم تابع، مع حكاية فكاهية حولها):
"سأوقعها في المشاكل بهذا، ولكنني سألتها ذات مرة، قلت لها: "إذن يا ميريام، أنا
أعلم أنك تحبين "إسرائيل"، فماذا تحبين أكثر؟ الولايات المتحدة أم "إسرائيل"؟ لقد
رفضت الإجابة. قد يعني هذا "إسرائيل"! يجب أن أقول لكم. نحن نحبك. شكرا لكِ يا
عزيزتي لحضورك هنا. إنه لشرف عظيم، شرف عظيم. إنها امرأة رائعة."
وهذا لا يمنع ترامب أن يصفها في
الكواليس بأنها "المملة"، رغم اعتماده عليها، كما كشف كتاب (فاير آند فيوري) للصحفي
مايكل وولف عام 2025.
وبعد تلك المبالغات المشهورة عن ترامب،
واحتفاؤه بها، وحرصه أن تكون معه في خطابه أمام الكنيست، مما يدل على أن تلك المرأة
تضطلع بدور هام وخطير في العلاقة الأمريكية مع دولة الكيان.
لذلك يجدر بنا أن نغوص في خلفيات هذا
الدور، وأهميته، ومن ثم روابطه وعلاقاته باللوبي الصهيوني، لنفهم مدى توغل ذلك
اللوبي في الحياة السياسية الأمريكية، وتأثيره على صناعة القرار داخل مؤسسات
السياسة الأمريكية.
ماريام الدور والتأثير
تبلغ ماريام اديلسون من العمر ثمانين
عاما، وهي طبيبة يهودية مولودة في الكيان وتحمل جنسيته، وخدمت في جيش دولة
الاحتلال، ثم هاجرت إلى أمريكا وأخذت الجنسية الأمريكية، وتزوجت رجل الأعمال
والملياردير الأمريكي اليهودي شيلدون أديلسون عام 1991، واستمر زواجهما حتى وفاته
عام 2021، يُنسب إليها التأثير على آراء زوجها شيلدون أديلسون السياسية تجاه دولة
الكيان، وقد اعترفت هي بأن قلبها دائماً في أرض الميعاد، كما تدعي.
وبعد وفاة زوجها، ورثت الحصة الأكبر في
شركة لاس فيغاس ساندس العملاقة للفنادق والمنتجعات.
وسعت إلى توسيع أنشطتها في مجالات
مختلفة في كل من أمريكا ودولة الكيان، فهي الناشر الحالي لصحيفة "إسرائيل اليوم"
التي أصبحت من أكبر الصحف الصادرة في دولة الاحتلال، وتمتلك مع عائلتها صحيفة "لاس
فيغاس ريفيو-جورنال" الأمريكية.
ويمتد نشاط تلك المليارديرة إلى المجال
الرياضي، فقد استحوذت على حصة الأغلبية في فريق دالاس مافريكس لكرة السلة في عام
2023.
لكن الأسرار الحقيقية لدورها تكمن في تأثيرها غير المباشر على صناعة القرار
الأمريكي، من خلال التبرعات الهائلة، والاجتماعات السرية، والضغوط الخفية التي غيرت
سياسات الشرق الأوسط.
ومنها، الدعم المالي والسياسي للحملات
الانتخابية، فقد وصفت أديلسون بأنها ليست مجرد متبرعة؛ إنها "صانعة ملوك" في
السياسة الجمهورية.
فمنذ الثمانينيات، ساهمت هي وزوجها في
تبرعات تجاوزت نصف مليار دولار للمرشحين الجمهوريين، مع تركيز على دعم الكيان
الصهيوني.
وعلى سبيل المثال، في انتخابات الرئاسة
الأمريكية السابقة، تبرع الزوجان بـ 20 مليون دولار لحملة ترامب 2016، و113 مليون
دولار للجمهوريين في 2018، و75 مليون دولار في 2020.
هذه الأرقام ليست مجرد دعم؛ إنها
تُستخدم حيث يتنافس المرشحون الجمهوريون في لاس فيغاس للحصول على موافقتها قبل
الانتخابات الرسمية.
وفي انتخابات ٢٠٢٤، قدمت مبالغ ضخمة
لدعم حملات دونالد ترامب الانتخابية، حيث تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار لحملته
لولايته الثانية، مما جعلها أكبر داعمة له، متجاوزة حتى الداعمين التقليديين.
هذه التبرعات ليست عشوائية؛ إنها
مرتبطة بضغوط مباشرة على السياسات.
ففي مايو 2024، أي قبل الانتخابات بستة
شهور، أشارت تقارير صحفية إلى أن أديلسون ربطت دعمها المالي بشرط أن يسمح ترامب
للكيان بضم الضفة الغربية، في محاولة لقطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية، وعلى
الرغم من نفى متحدث باسمها ذلك، لكن صديقًا مقربًا لها، أكد أنها تدعم الضم بشكل
قاطع.
هذا الربط بين المال والسياسة يُعتبر
من أسرار تأثيرها، حيث يُستخدم كورقة ضغط خفية.
وإذا استعرضنا دورها في التأثير على
ترامب لاتخاذ قرارات رئيسية مؤيدة لدولة الاحتلال في فتره السابقة سنجد الآتي:
الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني
عام 2017، ونقل السفارة الأمريكية إليها عام 2018، والاعتراف بضم الكيان لمرتفعات
الجولان السورية المحتلة عام 2019.
ويذكر ترامب أن ميريام وزوجها كانا
يزوران البيت الأبيض أكثر من أي شخص آخر، مما يدل على وصولهما وتأثيرهما الواسع في
كواليس الإدارة، وقد منحها ترامب وسام الحرية الرئاسي عام 2018، وهو أعلى وسام مدني
أمريكي، تقديراً لجهودها، وهو ما أشار إليه البعض كرمز لقوة نفوذها.
بعد وفاة زوجها شيلدون، عادت أديلسون
إلى السياسة في نوفمبر 2021، فعقدت اجتماعاتها الأولى في منزلها بلاس فيغاس مع قادة
جمهوريين محتملين لعام 2024، مثل مايك بومبيو، نيكي هالي، مايك بنس، تيد كروز، ورون
دي سانتيس. هذه الاجتماعات لم تكن مجرد لقاءات؛ إنها جلسات لتشكيل مستقبل الحزب
الجمهوري، حيث وعدت بشيكات كبيرة مقابل دعم سياساتها.
وفي مايو 2021، أكدت لمجموعة من أعضاء
مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوريين في عشاء خاص، أنها ستظل نشطة في التبرعات.
كما سعت ميريام أديلسون للحصول على دعم
ترامب لضم دولة الاحتلال للضفة الغربية (ما تسميه يهودا والسامرة)، وتعهدت بـ 100
مليون دولار لحملته مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الكيان على المنطقة.
مقارنة بينها وبين جورج
سوروس
ولكي نفهم بدقة أكثر التأثير الذي تقوم
به هذه المرأة اليهودية العجوز، يجب مقارنتها بدور ملياردير عجوز يهودي أمريكي آخر
وهو جورج سوروس.
فجورج سوروس كأحد كبار أعضاء اللوبي
الصهيوني، يؤثر في السياسة الأمريكية عبر (مؤسسة المجتمع المفتوح)، وهي مؤسسة تدعم
الديمقراطية، وحقوق الأقليات، والإصلاحات القضائية، مثل تمويل مكاتب المدعين
العامين التقدميين، كما ساهم في سقوط الاتحاد السوفييتي، أما في الولايات المتحدة
فقد دعم حملات مكافحة الكراهية والتصويت.
ولكن ماريام أديلسون تركز على قضية
واحدة وهي الكيان الصهيوني، مما يجعل تأثيرها مركزًا ولكنه متهم بالولاء المزدوج،
بينما سوروس عالمي وتقدمي، يُتهم بتخريب الدول (مثل ما حدث في المجر وبولندا).
فكل من أديلسون وسوروس، يُرى كقوى
خفية، لكن أديلسون أقرب إلى السلطة التنفيذية في البيت الأبيض، وسوروس إلى الحركات
الاجتماعية.
ولكن استعراض دورها وتأثير ماريام
أديلسون في المؤسسات الصهيونية، سنجد نشاطا خرافيا:
فهي داعم مالي للمنظمة الصهيونية
الأمريكية (ZOA)،
وتتلقى تكريماً منها.
كما تدعم بشكل رئيسي برنامج (حق
العودة) الذي ينظم رحلات مجانية للشباب اليهود إلى دولة الاحتلال لتعزيز ارتباطهم
بها، حيث تبرعت مع زوجها بأكثر من 250 مليون دولار للبرنامج حتى عام 2015، وفق موقع
ميدل ايست آي.
وقدمت هي وزوجها تبرعات لجامعة أرييل،
وهي مؤسسة تعليمية تقع في مستوطنة صهيونية بالضفة الغربية المحتلة.
كما تتولى رئاسة قوة مهمة المكابي، وهي
مجموعة تركز على مواجهة الانتقادات لدولة الكيان، في الجامعات الأمريكية، وتُشرف
على حملات تستهدف نشطاء فلسطينيين وطلاب في جامعات أمريكية، وهذا غيض من فيض.
ولذلك ستظل تلك المرأة علامة فارقة في
اللوبي الصهيوني داخل أكبر قوة عالمية، وأنه بالفعل لشيء مذهل ما تقوم به عند
استعراض دورها في المنظمات الصهيونية، كيف لهذه المرأة أن تقوم بهذا الأدوار
الخطيرة، وقد بلغت الثمانين من عمرها؟
ولا شك عندنا في أنهم "فسينفقونها ثم
تكون عليهم حسرة ثم يغلبون"...ولكن هناك حسرة أخرى على الجانب الآخر، عندما يشح
المسلمون بجهودهم وأموالهم في سبيل رفعة الإسلام واستعادة دوره.