ما هي دوافع الدولة الصهيونية من إعلانها حماية الدروز في سوريا، وإلى أي مدى يمكن للدروز أن يتفاعلوا مع هكذا تصريح، وهل يدخل هذا في الاستراتيجية الصهيونية للتعامل مع سوريا الجديدة؟
"إسرائيل لن تقبل أي
تهديدات للدروز في جنوب سوريا"
هذا ما قاله رئيس وزراء
الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو خلال دورة تخريج ضباط في الجيش الصهيوني. وأضاف
نتانياهو في كلمته: إن "إسرائيل" لن تسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري
الجديد بالتقدم إلى الأراضي الواقعة جنوب دمشق، وفق ما نقل عنه موقع تايمز أوف
إسرائيل.
وتابع نتنياهو: نطالب بنزع
السلاح الكامل في جنوب سوريا من قوات النظام السوري الجديد في محافظات القنيطرة
ودرعا والسويداء.
ويبدو أن توقيت إصدار
نتانياهو لتلك التصريحات غريبًا، فنتانياهو غارق في مستنقع غزة: بين الصفقة والحرب،
بين يمين متطرف يريد استمرار حملة الإبادة وتهجير الفلسطينيين، وبين غالبية
الصهاينة الذين يريدون استمرار الصفقة لإخراج الأسرى لدى حماس ولو أدى ذلك إلى وقف
الحرب.
وفي نفس الوقت يخوض حرباً
في الضفة ضد الفصائل الفلسطينية كما أن المستوطنين الصهاينة في شمال فلسطين يرفضون
العودة إلى ديارهم قبل حسم الحرب مع حزب الله.
وفي خضم تلك الأزمات
والحروب التي حوله، يفتح نتانياهو النار على جبهة الجولان، ويتدخل في الشأن السوري،
بالرغم من أن النظام السوري كان حريصًا على عدم الاصطدام بالصهاينة مقدمًا تثبيت
أركان النظام في الدولة على الاصطدام بالمحتل الصهيوني.
ولكن فوجئ الجميع، بأن
الجيش الصهيوني منذ دخول قوات الشرع دمشق، لم ينتظر إنجلاء الأمور فسارع إلى تدمير
قدرات الجيش السوري، فدمر أكثر من 85% من الطائرات والمطارات والمصانع العسكرية
وأنظمة الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة ومراكز الأبحاث. كما سارع إلى احتلال
المنطقة العازلة (أي الجزء السوري المحرر من هضبة الجولان)، ثم وسع اجتياحه ليشمل
أجزاء إضافية في محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا، بحيث بات يتحكم بطريق دمشق
بيروت من جهة، والطرق الداخلية في لبنان وبخاصة طريق البقاع الجنوب.
|
ويتحدث ينون عن تقسيم لبنان إلى سبع كانتونات، والسودان إلى ثلاثة، وسوريا
إلى أربعة. ودعا إلى تفتيت العراق لأن قوته تشكل على المدى القصير خطراً
أكبر من أي خطر على إسرائيل. كما تحدث ينون عن إذابة الأردن. |
ثم ها هو الكيان ينتقل إلى
مرحلة جديدة، بإعلانه أنه يحمي الدروز في سوريا، بل يعلن أنه لن يسمح للجيش السوري
بدخول جنوب سوريا.
فكيف يمكن فهم دوافع
الكيان في هذا التوجه الجديد؟
لكي نستطيع الإجابة على
هذا السؤال، لابد لنا من فهم الاستراتيجية الصهيونية منذ نشأتها في تعاملها مع
الواقع المحيط بها، وموقع الأقليات والدروز بصفة خاصة في تلك الاستراتيجية، ثم
نستقصي وضع نتانياهو في داخل دولته.
الكيان والواقع المحيط
منذ تأسيس الكيان الغاصب
الصهيوني، وقد شعر بأنه محاط بجوار عربي معاد له ولمشروعه التوسعي الاستيطاني، لذلك
عمد الكيان إلى خلخلة هذا الطوق ومحاولا كسره.
وجاءت استراتيجيته للأمن
القومي لترتكز على مبدأين: الأول، شد الأطراف بدعم الدول على حدود الوطن العربي
كتركيا وإيران وإثيوبيا، والمبدأ الثاني، وهو داخلي فيما يعرف باستراتيجية التفتيت،
بذرع بذور الانقسام بين الأقليات العرقية والمذهبية والدينية داخل الدول العربية.
وفي هذا الصدد وجه ديفيد
بن جوريون أول رئيس وزراء لدولة الكيان الصهيوني رسالة إلى قيادات الجيش وغيرهم من
عناصر المؤسسة الأمنية وأجهزة الاستخبارات والمهمات الخاصة يقول فيها: "نحن شعب
صغير، وإمكانياتنا ومواردنا محدودة، ولا بد من العمل على علاج هذه الثغرة في
تعاملنا مع أعدائنا من الدول العربية، من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها.
وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات العرقية والطائفية، بحيث نسهم في
تفخيم وتعظيم هذه النقاط، لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلها أو احتواؤها"،
وفي أعقاب هذا النداء صدرت الأوامر إلى الأجهزة الصهيونية بأن تتولى الاتصال
بزعامات الأقليات في المنطقة، وتوثيق العلاقات معها.
ويقول أبا إيبان المفكر
الصهيوني الشهير والذي شغل منصب وزير خارجية الكيان، في كتاب له يزعم فيه، أن العرب
عاشوا دائماً في فرقة، وأن فترات الوحدة القصيرة كانت تتم بقوة السلاح، ومن ثم فإن
التجزئة السياسية في المنطقة لم تكن بسبب الاستعمار كما يشاع، لأن الروابط الثقافية
والتراث التي تجمع البلاد العربية - من وجهة نظره - لا يمكن أن تضع الأساس للوحدة
السياسية والتنظيمية.
كما أن هناك دراسة
إستراتيجية مهمة وضعها الكاتب الصهيوني عوديد ينون، وقدمها لوزارتي الخارجية
والدفاع الإسرائيليتين، ونشرت في فبراير 1982.
ويتحدث ينون عن تقسيم لبنان إلى سبع كانتونات، والسودان إلى ثلاثة، وسوريا إلى
أربعة. ودعا إلى تفتيت العراق لأن قوته تشكل على المدى القصير خطراً أكبر من أي خطر
على إسرائيل. كما تحدث ينون عن إذابة
الأردن.
|
فهناك مخطط يجري رسمه بالفعل من قبل الكيان تجاه سوريا، وهذا ما نشرته
صحيفة إسرائيل هيوم عن أنه تجري داخل حكومة الكيان مناقشات لمقترحات لتقسيم
سوريا إلى "كنتونات" بحجة حماية الأقليات، مثل الدروز والأكراد، في ظل
تصاعد التوترات الإقليمية. |
وفي عام 1985 صدر كتاب عن
رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، يتضمن المخططات نفسها التي جاءت في دراسة ينون،
ولكنه يستعرض بشكل أكثر تفصيلاً المشاريع الإسرائيلية لتفتيت سوريا ولبنان والجزائر
والسودان والخليج العربي.
والآن يجري إحياء تلك
الاستراتيجية، فبعد يوم واحد فقط من سقوط النظام السوري، قام رئيس الوزراء
الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بتوجيه رسالة إلى دروز سوريا، بصورة مباشرة، فقال:
"أرسل أولاً وقبل كل شيء، يد السلام إلى إخواننا الدروز في سوريا، والذين هم إخوة
لإخواننا الدروز الإسرائيليين".
تاريخيًا، في السبعينيات
من القرن الماضي، أعلن الكيان الصهيوني عن دعمه العلني لإقامة دولة درزية، تشكل في
(علم الجغرافيا السياسية) ما يُعرف ب"الدولة الحاجز" بين الكيان وسوريا، ووفق
الإعلان الصهيوني فإن هذه الدولة الدرزية تقوم على مساحة جغرافية يقطنها الدروز في
كل من الجولان السوري المحتل وجبل الدروز في سوريا، امتدادا إلى لبنان. وعلى هذا
الأساس دعموا التوجهات الانفصالية للدروز.
ولاحقًا، ساعدت مواقف دروز
فلسطين في تهيئة الأجواء للطرح الصهيوني، فقاموا بالانخراط في جيش الاحتلال،
والاندماج في المجتمع، بعكس بقية المواقف الأخرى التي سطرها ما يعرف بعرب الداخل أو
عرب 48.
وقبل تصريحات نتانياهو
بشهر ونصف، وفي خطاب ألقاه وزير الخارجية الصهيوني، جدعون ساعر، في معرض تقييم
التهديدات والتطورات التي حدثت بعد حرب لبنان وسقوط النظام السوري، قال: "يجب أن
ننظر إلى التطورات في هذا السياق، ونفهم أنه في منطقة سنكون فيها دائماً أقلية،
يمكننا أن نقيم تحالفات طبيعية مع أقليات أخرى".
وأكد ساعر أن "إسرائيل"
يجب أن تمد يدها إلى الكرد والأقليات الإقليمية الأخرى، والذين يُعَدُّون حلفاء
"طبيعيين" لـ"إسرائيل" مشدداً على أن لهذا الأمر "فوائد سياسية وأمنية"، وناصحاً
بـ"أن إسرائيل في حاجة إلى التواصل مع الدروز في سوريا ولبنان".
هكذا رددها ساعر قبل
نتانياهو،
فهناك مخطط يجري رسمه بالفعل من قبل الكيان تجاه سوريا، وهذا ما نشرته صحيفة
إسرائيل هيوم عن أنه تجري داخل حكومة الكيان مناقشات لمقترحات لتقسيم سوريا إلى
"كنتونات" بحجة حماية الأقليات، مثل الدروز والأكراد، في ظل تصاعد التوترات
الإقليمية.
ولكن ما هو موقف الدروز من
ذلك المخطط؟ وهل سيستجيبون لها، وهل لديهم بالفعل تطلعات انفصالية عن الكيان
السوري؟
الدروز الدور والمخططات
تأسست الطائفة الدرزية على
يد محمد بن إسماعيل الدرزي (نسبة إلى أولاد درزة أي صانعي الثياب) الذي هاجر إلى
الشام، وعُرفت الطائفة باسمه، وهو من بقايا أتباع دولة العبيديين والتي اشتهرت باسم
الدولة الفاطمية، والذين فروا بعد سقوط العبيديين من مصر إلى جبال الشام.
ويعرّف الدروز أنفسهم باسم
الموحدين، أو "بنو معروف"، وهو اسم لقبيلة عربية اعتنقت الدرزية في بداياتها.
ورغم قلة عددهم كانت لهم
مشاركات سياسية وعسكرية تاريخيًا، فقد ساعدوا الأيوبيين ومن بعدهم المماليك على
مقاومة تقدم الصليبيين على الساحل اللبناني خلال الحروب الصليبية.
ودخلوا في فترات معينة في
صراعات، مثل ما حصل لهم مع المسيحيين (الموارنة) في لبنان عام 1841م وعام 1860م،
وشاركوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي.
وتمتع الدروز بقدر كبير من
الحكم الذاتي في ظل الدولة العثمانية، وكثيرًا ما تمردوا ضدها، وساعدتهم في ذلك
التضاريس الجبلية للمناطق التي سكنوها.
أما بالنسبة لعددهم في
سوريا، ففي بعض المصادر تقدر نسبتهم بثلاثة في المائة من الشعب السوري، أو بعدد
يتراوح من 700 ألف إلى 800 ألف، ويتركزون بمدينة السويداء ومرتفعات الجولان وبنواحي
دمشق.
وعند قيام الثورة السورية،
انقسم الدروز إلى قسمين: الأول وقف ضدها وانحاز إلى النظام وعلى رأسهم شيخ الدروز
أو من يطلقون عليه شيخ عقل الطائفة، ومنهم من أيدها وانخرط فيها.
وبعد سقوط سوريا في أيدي
الثوار، وتولي أحمد الشرع قيادة البلاد، كان موقف الدروز متشككا في النظام الجديد،
حتى أنهم رفضوا دخول قوات الحكومة الجديدة إلى مناطقهم ومنعوها بالفعل.
أعقب ذلك، قيام الزعيم
الدرزي السوري وليد جنبلاط، والمعارض للأسد باصطحاب شيخ عقل الدروز السوريين إلى
دمشق ولقاء الشرع، وقال شيخ الدروز في أعقاب اللقاء: حريصون على علاقات جيدة مع
الدولة السورية، وعلى رجال الحكم الجدد في سوريا أن يراعوا الأقليات.
والآن تحيط الشكوك
بالمواقف الدرزية السورية من التوجهات الصهيونية الأخيرة، فقبل تصريحات نتانياهو
بيوم، تم الإعلان عن تشكيل مجلس عسكري في السويداء والذي يضم عددًا من الفصائل
المسلحة فيها، كما جرت استعدادات لاستعراض عسكري في المدينة.
ومن اللافت في شعار المجلس
والذي يحمل راية الحدود الخمسة والمعروفة بالعلم الدرزي، قد ضم محافظة درعا إلى
المجلس وتحت الراية ذاتها دون أي وجود لعلم الدولة السورية.
وبعد تصريح نتانياهو
الأخيرة، نشرت صحيفة إسرائيل هيوم عن مصدر مطلع: أن اللواء غسان عليان وهو درزي
ويشغل منصب منسق الحكومة الصهيونية في الضفة، قد التقى قيادات درزية سورية لتعزيز
العلاقات، ووعد المسؤول الدرزي الصهيوني بأنه سيمنح السكان تصاريح عمل لدخول
إسرائيل للعمل صباحا والعودة لسوريا مساء.
ومما يزيد الشكوك في
التوجهات الدرزية في سوريا، هو موقف رئيس الطائفة، فقبل كلمة نتانياهو بتأييد
الدروز، نشر شيخ عقل الدروز شريطًا مصورًا، ينتقد فيه الحكومة السورية ضمنيًا، وشدد
الشيخ على أن الشعب السوري الحر يرفض سياسات الأمر الواقع، وأكد الشيخ رفض الشعب
للعودة إلى نهج الاستبداد والفساد تحت أي مسمى جديد.
والأيام القادمة ستكشف عن
مزيد من نوايا الطائفة، ومدى ارتباطها بالمخططات الصهيونية تجاه سوريا.