• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حرب إسرائيلية وشيكة على لبنان؟

هل ستتحول لبنان إلى ساحة حرب جديدة؟ هل يستغل الكيان الصهيوني التطورات الحالية ليوجه ضربة قوية لـ"حزب الله" تخرجه من المعادلة؟ وما هو الموقف الغربي والفرنسي بالتحديد من تهديدات نتنياهو للحزب؟


ثمة اقتناع في الأوساط السياسية اللبنانية، ولدى قادة حزب الله خاصة، بأن المناوشات اليومية على الحدود الجنوبية، لن تكون الكلمة الفصل في النزاع الحالي، وأن حرباً إسرائيلية شاملة ضد لبنان قد تكون حتمية، والسؤال هو عن التوقيت فقط. ما يدعو إلى التشاؤم بهذا الخصوص، يرجع إلى شيء من المعلومات وقدّر من التوقعات. وإذا كان أمين عام الحزب حسن نصر الله قد أكد منذ ظهوره الأول بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، أن دخول الحزب في حرب مفتوحة مع إسرائيل مربوط بنتائج الميدان في غزة، إلا أن المعلومات الوافدة إلى عدد من الإعلاميين والسياسيين في بيروت، تشير إلى معطى آخر، وهو أن الحرب رهن قرار نتنياهو، فهو الذي يسعى إلى ترميم قوة الردع في إسرائيل، بعدما انهارت بالهجوم الجريء في غلاف غزة. ولا يكتمل ترميم الردع بالقضاء على التهديد الآتي من غزة جنوباً، بل لا بد من استكماله باجتثاث التهديد الآتي شمالاً أي من جنوب لبنان.

 

على الرغم من كل هذه المحاذير والمخاطر، وجد الحزب نفسه ملزماً بإشعال محدود لجبهة الجنوب، ليس فقط تضامناً مع حركة حماس، واستنزافاً للجيش الإسرائيلي، بل لأن حكومة نتنياهو كانت على وشك توجيه ضربة استباقية ضد الحزب في لبنان

سيناريو الضاحية مطوَّراً

ففي اليوم التالي لهجوم حماس، وإثر توعّد حكومة نتنياهو بالقضاء المبرم على القدرة العسكرية لحماس وإخراجها تماماً من معادلة الحكم في القطاع، لم تهدأ الاتصالات الدولية بالحكومة اللبنانية في محاولة لاستكشاف النية الحقيقية لحزب الله من العاصفة الآتية على غزة، وهل ستوضع فكرة "وحدة الساحات" موضع التنفيذ حقاً؟ ولتحقيق هذه الغاية، جاء موفدون أوروبيون وأمريكيون إلى لبنان، وجالوا على مختلف المسؤولين ابتداء من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، كما وصلت إلى حزب الله رسائل مباشرة وغير مباشرة، نقلها وسطاء وأصدقاء تحذّر من انضمام الحزب إلى الحرب، وتوسيع نطاقها. وترافق ذلك مع تصريحات نارية من نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، تهدّد لبنان بمصير كمصير غزة، بما يتجاوز ما حدث في حرب تموز عام 2006، عندما تعرّض معقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية إلى تدمير واسع النطاق، وهو ما عُرف لاحقاً بـ "عقيدة الضاحية"؛ وهي الاستراتيجية التي طوّرتها إسرائيل في الحرب الأخيرة، مع الاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي، لتحديد أهداف القصف بسرعات مضاعفة، ما تسبب بخسائر مهولة في صفوف المدنيين في قطاع غزة، معظمهم نساء وأطفال. أما بنك الأهداف الإسرائيلية في لبنان، فيما لو نشبت الحرب، فلن توفر بيروت هذه المرة. وعلى نسق ما يجري في قطاع غزة، فإن البنى التحتية للشعب اللبناني ستكون على رأس الأولويات، مثل معامل الكهرباء ومحطات ضخّ المياه ومطار بيروت، ومرفئها، ومراكز سيادية مثل الوزارات ومراكز الجيش، وغير ذلك، إضافة إلى المخيمات الفلسطينية، ومخازن الحزب من الصواريخ ومراكز القيادة والتحكّم والمجمعات التربوية والاجتماعية والمؤسسات الاقتصادية التابعة للحزب. لكن الأمر مختلف عن غزة، بالنظر إلى القدرات العسكرية التي يحوز عليها الحزب في لبنان وسوريا، وإلى إمكانيات الإمداد عبر الحدود السورية اللبنانية. وكل حرب إسرائيلية على لبنان بهذه الشمولية ستجلب ردوداً غير مسبوقة، من لبنان ومن خارجه، وهو ما يتخوّف منه الأمريكيون. ستكون حرباً إقليمية واسعة النطاق بأبعاد دولية، مع التحالف الوثيق بين إيران وروسيا.

 

 الضغوط الغربية التي تمارَس على الحكومة وعلى الحزب، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، تحوّلت في الأيام الأخيرة، إلى اقتراحات سياسية وترتيبات أمنية تكون بديلاً عن حرب مدمرة للبنان، وتتولى فرنسا المهمة الرئيسية

حرب وقائية

على الرغم من كل هذه المحاذير والمخاطر، وجد الحزب نفسه ملزماً بإشعال محدود لجبهة الجنوب، ليس فقط تضامناً مع حركة حماس، واستنزافاً للجيش الإسرائيلي، بل لأن حكومة نتنياهو كانت على وشك توجيه ضربة استباقية ضد الحزب في لبنان، بعد السابع من أكتوبر، ولأن مشروع الاستهداف لم ينقطع. وهو قابل للتجدد في حالتين: حالة الاستعصاء الإسرائيلي في غزة، فيكون فتح جبهة جديدة في الشمال، وسيلة فضلى لإزاحة الاهتمام العالمي عن مأساة غزة، وعن الفشل العسكري الإسرائيلي هناك، وكذلك في حالة الانتصار العسكري على حماس؛ إذ إن الفراغ من العمليات الكبرى في غزة يفتح شهية إسرائيل لاستكمال الهدف الاستراتيجي بتوجيه ضربة ماحقة لبنى الحزب في لبنان وصولاً إلى مواقعه ومخازنه في سوريا، وإرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2006. ثم إن سيناريو تدمير الضاحية، هو ما يقلق سكانها كما يقلق اللبنانيين جميعاً، وهو عبء ثقيل على الحزب، الذي يدرك أن المشهد العربي قد تبدّل، ولن تكون إعادة الإعمار عملية سهلة ولا مضمونة. وقد يكون الهجوم أفضل طريقة للدفاع، وسيناريو حماس في غلاف غزة قد يتكرر بالضرورة في مستوطنات الجليل، لنقل المعركة إلى أرض العدو، مهما تكن التكاليف والتداعيات والآثار السياسية والاستراتيجية.

فرنسا رأس الحربة

الضغوط الغربية التي تمارَس على الحكومة وعلى الحزب، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، تحوّلت في الأيام الأخيرة، إلى اقتراحات سياسية وترتيبات أمنية تكون بديلاً عن حرب مدمرة للبنان، وتتولى فرنسا المهمة الرئيسية، في التحذير وفي الاقتراح أيضاً، وهو ما أثار الاستغراب في لبنان. لقد قيل للحزب حرفياً، نقلاً عن سياسيين لبنانيين مقربين من فرنسا: "حتى لو وجّهت إسرائيل ضربة قوية لأهداف في لبنان، فلا تردّوا، حتى يحصل الإسرائيليون على الأمان الذي يرجونه، وكي يشعر الشارع الإسرائيلي بأن حكومته انتقمت من العدو، وأبعدت خطره". وعُرض على الحزب الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، والإبقاء على مراكز رصد على الحدود مع فلسطين المحتلة لتجنيب لبنان الحرب. وهو ما لا يمكن للحزب القبول به، تحت أيّ ذريعة، لأنه سيكون هزيمة من دون حرب.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هرع إلى بيروت، لتهدئة الخواطر وامتصاص الغضب، عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020. وقام في ذلك الحين، بدور سياسي غير مسبوق لجمع الأطراف اللبنانية على طاولة واحدة، ولا سيما حزب الله. ومع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، في خريف عام 2022، تبنت الإدارة الفرنسية مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية، ما أثار اعتراضات مسيحية لاذعة، واتهامات بالتواطؤ الفرنسي مع إيران لمصالح اقتصادية واستراتيجية. لكن عقب هجوم حماس على غلاف غزة، اتخذت فرنسا مواقف صهيونية تنافس فيها الولايات المتحدة، سواء في الداخل، مع تغريم المتظاهرين انتصاراً لغزة، وفي الخارج عبر تبنّي المزاعم الإسرائيلية وممارسة سياسة تهويلية على لبنان، حتى إن إعلاميين وسياسيين لبنانيين، تواصلوا مع مسؤولين فرنسيين ففوجئوا بالتهديدات المياشرة بقيام إسرائيل بضربة عسكرية حتمية على لبنان، ما لم ينفذ القرار الدولي رقم 1701 الصادر عقب حرب تموز عام 2006، والذي يطالب بسحب السلاح غير الرسمي من الجنوب إلى شمال نهر الليطاني، على أن تنتشر وحدات الجيش اللبناني والقوات الدولية المعروفة باسم "اليونيقيل" على الحدود مع فلسطين المحتلة. بل إن المطالبات وصلت إلى تطبيق القرار الدولي رقم 1559، الصادر عام 2004، والذي قضى آنذاك بإجراء انتخابات رئاسية في لبنان، ونزع سلاح الميليشيات. والمقصود بالقرارين المذكورين هو الحزب. إلى ذلك، ضغطت باريس، من أجل التمديد لقائد الجيش جوزف عون الذي يبلغ سنّ التقاعد في 10 يناير المقبل. ومع تخلّي باريس عن سليمان فرنجية، ودعم قائد الجيش، وهو مرشّح رئاسي كذلك، تكتمل دائرة المخطط الفرنسي. فما الذي تغير بين عامي 2020 و2023؟ يقول متابعون إن ماكرون لم يتغير على الرغم من مواقفه البهلوانية المعروفة، إلا أن الثابت لديه هو دعم إسرائيل. وعندما جاء ماكرون مهرولاً إلى بيروت، عقب انفجار المرفأ، لم يكن ذلك دعماً للسلطة اللبنانية ولحزب الله، بل توقياً لحرب كادت أن تقع، لأن الشكوك كانت قوية، بضلوع إسرائيل في الانفجار الذي قتل أكثر من 200 شخص، ودمّر أجزاء واسعة من محيط المرفأ، وشملت الأضرار الجزئية بيروت وضواحيها. فنتنياهو كان قبل ذلك، قد ألمح إلى وجود مواقع للحزب في المرفأ والمطار، مهدداً باستهدافهما. وكثير من سكان بيروت، أكدوا سماعهم صوت طائرة قبل وقوع الانفجار الأول، وهو الذي تسبب لاحقاً بحريقه المتمادي وشظاياه بانفجار ثانٍ، ربما لم يكن مقصوداً لذاته، في المستودع الذي يحوي مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم. جاء ماكرون ليحمي إسرائيل من المساءلة ومن الرد المحتمل، لا لحماية لبنان ومعالجة الكارثة التي أصابت سكان بيروت.

 

أعلى