• - الموافق2025/06/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء اشتباكات ومظاهرات طرابلس

اندلع قتال عسكري عنيف بين عدد من الفصائل في العاصمة الليبية طرابلس، مما يطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة تلك الفصائل، أسباب نشأتها، وتأثير ذلك الصراع على مستقبل الاستقرار في ليبيا.


شهدت العاصمة الليبية طرابلس في الأيام الماضية، اشتباكات عنيفة بين فصائل مسلحة، ولواء المشاة 444، التابع لقوات الجيش الموالية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة، وهي الحكومة الوحيدة في ليبيا المعترف بها دوليا من قبل الأمم المتحدة.

وقد اندلعت الاشتباكات بعد اغتيال عبد الغني الككلي المعروف بغنيوة قائد إحدى الميلشيات في طرابلس، ويُطلق عليها جهاز دعم الاستقرار، كما قُتل معه عدد من مرافقيه، خلال اجتماع في معسكر التكبالي العسكري، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوترات في العاصمة الليبية.

وامتدت الاشتباكات إلى مناطق مكتظة بالسكان في طرابلس، بما في ذلك حي أبو سليم ومنطقة تاجوراء، حيث تم استخدام الأسلحة الثقيلة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 8 أشخاص وإصابة أكثر من 70 آخرين، وتمكن لواء المشاة 444 من السيطرة على مواقع استراتيجية مثل ميناء طرابلس وسجن الرويمي، بينما شهدت مناطق أخرى مثل عين زارة والجديدة اشتباكات عنيفة، وتمت السيطرة على بعض وحدات جهاز دعم الاستقرار.

ثم ما لبثت ان تجددت الاشتباكات مرة أخرى بين لواء المشاة 444، وبين الفصيل الآخر المسلح والذي يُطلق عليه قوات الردع بزعامة عبد اللطيف كارة، ويُعتبر هذا القتال هو الأعنف من سابقه، نظرا لأن قوة ميليشيا الردع أكبر من ميليشيا دعم الاستقرار، فضلا عن تواجدها في أماكن سكنية، الأمر الذي عبر عنه عدد من سكان طرابلس من شعورهم بالرعب من العنف، ممن حوصروا في منازلهم بسبب القتال.

كما دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى وقف فوري للقتال، مشيرة إلى القلق البالغ إزاء استخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق المدنية. كما حثت السفارات الأجنبية، بما في ذلك السفارة التركية، رعاياها على البقاء في منازلهم.

وفور توقف القتال، بعدم الحسم بين كل من الطرفين سواء قوات الحكومة أو ميليشيا الردع، اندلعت مظاهرات في طرابلس، بين من يعارض الحكومة التي يقودها الدبيبة، وردت عليها مظاهرات أخرى تؤيده وتطالب بإخراج الميليشيات المسلحة من طرابلس.

وهنا تُثار الأسئلة، لماذا اندلع القتال في العاصمة الليبية، وما هي نتائجه؟ وما خلفيات تلك المظاهرات التي تطالب حكومة الدبيبة بالاستقالة، ومن يقف وراءها؟

 

بالنسبة للانقسام الليبي فقد شهد انقساما جهويا بين شرق وغرب وجنوب، ولم يقتصر الأمر على الثلاث جهات، بل تعداه الى أن بات لكل مدينة مجلسا سياسيا يحكمها، وحتى داخل المدن، تعددت المجموعات المسلحة في المدينة الواحدة

للإجابة على تلك الأسئلة، لابد من معرفة الوضع السياسي في ليبيا قبل اندلاع تلك الاشتباكات، ومن ثم استعراض القوى المسلحة في طرابلس، ومدى ارتباط النزاع في طرابلس بتطورات الصراع والتنافس الإقليمي، فلا يمكننا فهم الوضع في ليبيا واستشراف مستقبل الصراع فيها وعليها إلا بتحليل الدوائر الثلاثة المتداخلة: الـدائرة الأولى تتعلـق بالداخـل الليبي من جماعات وميليشيات ومناطق.

والدائرة الثانية خاصة بالصراع الإقليمي وما يرتبط بالثورات والثورات المضادة أو الصراع على غاز ونفط شرق المتوسط.

ثم الدائرة الثالثة وهي الصراع الدولي والتداخل الأوروبي الروسي الأمريكي.

وسنكتفي بتحليل الداخل الليبي المرتبط بالقتال الأخير.

ليبيا بعد سقوط القذافي

رحل القذافي بعد أن أسقطته ثورة شعبية اتجهت إلى السلاح، بعد أن قابل القذافي الثورة ومظاهرات الشعب الليبي السلمية بقصفها بالطائرات، وتوجيه كتائبه والتي كان يُطلق عليها اللجان الثورية الرصاص في صدور الشباب السلميين، لذلك شرع الناس في تكوين مجموعات مسلحة لمواجهة جيش القذافي، وجرت مواجهات في كثير من المدن الليبية، وساندها الغرب بالطائرات، حتى نجحت المجموعات المسلحة الثورية في دخول غالب المدن الليبية، وتمكنوا من قتل القذافي نفسه.

ولكن هذا النجاح للقوى الشعبية الليبية كان له سلبياته، أخطرها عنصران: الانقسامات والتفتت الليبي، والتدخل الخارجي.

بالنسبة للانقسام الليبي فقد شهد انقساما جهويا بين شرق وغرب وجنوب، ولم يقتصر الأمر على الثلاث جهات، بل تعداه الى أن بات لكل مدينة مجلسا سياسيا يحكمها، وحتى داخل المدن، تعددت المجموعات المسلحة في المدينة الواحدة، الأمر الذي ساهم في وجود فسيفساء من الميلشيات العسكرية والمسلحة.

وعزز من وجود الميلشيات، أنها وجدت في مخازن القذافي العسكرية كميات ضخمة من السلاح والعتاد العسكري، سواء السلاح الخفيف، بل وأيضا الأسلحة الثقيلة.

في طرابلس وحدها، وصل عدد المجموعات المسلحة في بعض الأوقات إلى ثلاثين ميليشيا، ولكن تتغير خريطة تلك الميليشيات من وقت لآخر، نتيجة للنزاعات المسلحة التي تتكرر كل سنتين أو ثلاثة بين تلك المجموعات، حتى اقتصرت قبل الاشتباك الأخير على ثلاث مجموعات مسلحة: ميليشيا الردع، وميليشيا دعم الاستقرار، وأخيرا اللواء 444.

تعد مليشيا الردع أبرز مليشيات طرابلس، وهي مجموعة مسلحة يتراوح عدد أعضائها من بين 2000 و2500 فرد، وتحمل توجها سلفيا مدخليا، ويطلق عليها رسميا: جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب.

وميليشيا الردع هذه من أقدم المجموعات المسلحة في طرابلس، وترجع نشأتها إلى الفترة التي تلت سقوط نظام القذافي عام 2012، حيث كان عبارة عن سرية تتبع المجلس العسكري ببلدية سوق الجمعة في العاصمة طرابلس، ثم صار قوة تحت مسمى قوة الردع الخاصة، تتبع وزارة الداخلية بقيادة عبد الرؤوف كارة ذي التوجه السلفي.

أعاد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عام 2018 هيكلة قوة الردع الخاصة تحت جهاز أمني جديد أسماه جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، ومنحه صلاحيات موسعة، إذ أعطى أعضاءها صفة مأموري الضبط القضائي، وحق مصادرة الأموال والأملاك المضبوطة، ومراقبة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، وتعقب العصابات الإجرامية والجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية، والمشارَكة في تنفيذ السياسة الأمنية للدولة، وتم تخصيصها بمصدر لتمويل الجهاز.

وتتمركز تلك المجموعة المسلحة بصورة أساسية وسط العاصمة، حيث تسيطر على مجمع يضم أكبر قاعدة عسكرية جوية بالمنطقة الغربية وهي معيتيقة، وحيث يتواجد أيضا المطار المدني الرئيسي لطرابلس، كما يقع في المجمع سجن مؤسسة معيتيقة للإصلاح والتأهيل، الذي يحتجز عددا من قيادات تنظيم الدولة الإسلامية المقبوض عليهم غربي ليبيا، بالإضافة إلى عدد غير معروف من المعتقلين، بينهم نساء وأطفال، بعضهم لم يعرض على السلطات القضائية، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتمتد سيطرة تلك المجموعة على مؤسسات حيوية عدة، مثل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط ومبنى الإذاعة والتلفزيون بزاوية الدهماني ووزارة الخارجية وجامعة طرابلس، بالإضافة إلى عدة وزارات ومؤسسات حكومية أخرى.

وقد امتنعت ميليشيا الردع بزعامة كارة عن قتال حفتر، عندما هاجمت قواته مدعومة بالفاغنر ومرتزقة طرابلس، ومن المعروف أن أكبر فرقة في قوات حفتر تنتمي أيضا إلى السلفية المدخلية، نفس انتماء ميليشيا ردع طرابلس بزعامة عبد اللطيف كارة.

ومن أهم المجموعات المسلحة في طرابلس مجموعة عبد الغني الككلي الشهير بغينوة، وقد أطلقت عليها حكومة الدبيبة ما يعرف بجهاز دعم الاستقرار، وهو جهاز أمني تأسس بقرار من المجلس الرئاسي في يناير 2021، ومهمته حماية مؤسسات الدولة والمقرات والمسئولين، ويتكون من تجمع 9 مليشيات، ويتولى رئاسته غنيوة، والذي يدعم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وتعتبر من أكبر المجموعات المسلحة التي تصدت لهجوم حفتر على طرابلس (2019-2020)، وتكبدت خسائر فادحة في تلك الحرب.

وكان جهاز دعم الاستقرار يختص بمهمة حماية المقرات الرسمية للدولة، وتأمين الاحتفالات والمناسبات الرسمية، والمشاركة في تنفيذ العمليات القتالية، ومُنح أعضاؤه بموجب القرار صفة مأمور الضبط القضائي.

ويقع المقر الرئيسي للجهاز في منطقة الفلاح بالعاصمة طرابلس، ويمتد نطاق سيطرته في أحياء أبو سليم والهضبة الشرقية وبعض أجزاء طرابلس المركز وطريق المطار، كما له فروع عدة في مدن أخرى بغربي البلاد، وقد جرت تصفية هذه المجموعة المسلحة، من قبل اللواء 444.

أما اللواء 444، فقد كان في البداية مجموعة باسم فرقة 20-20، بزعامة محمود حمزة تنضوي تحت ميليشيا الردع برئاسة عبد اللطيف كارة، ولكنه خرج منها عند هجوم حفتر، حين امتنعت قوات الردع عن مواجهته، وانضم إلى باقي قوات طرابلس المدافعة عنها.

بعد تصديهم لقوات حفتر، والتي أشرف عليها خبراء أتراك بالتنسيق بين القوات المدافعة وباستخدامهم المسيرات، اتجهت النية لتشكيل جيش ليبي، وتم اعتماد قوات محمود حمزة لتكون نواة صلبة لهذا الجيش، وأطلق عليها اللواء 444.

وأصبح هذا اللواء في وقت قصير من أقوى المجموعات المسلحة في العاصمة طرابلس، بسيطرته على مناطق واسعة في غرب ليبيا، واتسع نفوذ اللواء أكثر، خصوصاً في الضواحي الجنوبية للعاصمة طرابلس أو في مدن ذات أهمية خاصة مثل بني وليد وترهونة، ومن خلال ملاحقة شبكات الاتجار بالبشر والتهريب والإرهاب والتدخل لوقف الاشتباكات التي عادة ما تندلع بين بعض الميليشيات في مدن الغرب الليبي.

واكن الأخطر بالنسبة لهذا اللواء هي اكتسابه الشرعية بانضوائه، كلواء في الجيش الليبي.

القتال الأخير

هناك روايتان لما حدث من تصفية جهاز دعم الاستقرار من قبل اللواء 444، هو أن هناك نية مبيتة لتصفية الميليشيات المستقلة عن الحكومة لتوحيد القوات العسكرية تحت إمرة رئيس الحكومة الدبيبة، مثل ما فعلته قوات الشرق الليبي تحت إمرة حفتر، ويدعم هذه الرواية تصريحات الدبيبة نفسه.

بينما هناك رواية أخرى، أن ما جرى، مجرد اشتباك حدث صدفة، وهذا ما يؤكد عليه البيان الصادر عن اللواء محمود حمزة، وهو البيان الذي نفى أن يكون اللواء قد بادر إلى استخدام القوة دون مبرر.

ولكن ما يدعم الرواية الأولى، أنه في أعقاب تصفية ميليشيا دعم الاستقرار، جرى الاشتباك مع الميليشيا الأخرى وهي جهاز الردع، أي أن ما جري كان نابع من استراتيجية جديدة بدأ الدبيبة في تطبيقها، وهو إنهاء فوضى السلاح في طرابلس وتوحيد البندقية في الغرب الليبي كله تحت إمرة الحكومة الليبية المعترف بها دوليا.

والذي يعزز هذه الاستراتيجية، هو ردود فعل الأطراف الأخرى، مثل مجلس النواب الموجود في بنغازي والمنتهي ولايته من سنين ويسيطر عليه حفتر في الشرق الليبي، والذي دعا الى عزل الدبيبة وحكومته وأنه بصدد تكليف حكومة جديدة.

كذلك يصب في ذلك الاتجاه، اندلاع المظاهرات من جهات محسوبة على نظام القذافي السابق، أو مدعومة من حفتر، الأمر الذي ردت عليه الحكومة بتجييش مناصريها وخروجهم في مظاهرات مضادة.

ولا شك أن الشعب الليبي بصفة عامة، وسكان طرابلس بصفة خاصة قد سئموا المرحلة الانتقالية والتي لا يبدو لها نهاية، كما سئموا المؤسسات الانتقالية المنبثقة منها، ويريدون وضعا مستقرا دائما لليبيا لكي يعود لها الأمن بعيدا عن الانقسامات الجهوية الحالية، وهذا ما أكده مفتي عام ليبيا الشيخ الصادق الغرياني، والذي طالب بخروج المظاهرات بالآلاف ليس لإسقاط الحكومة فقط، بل للتخلص من الأجسام الانتقالية الحالية، وأن تتم الدعوة إلى إجراء الانتخابات، وإيقاف المراحل الانتقالية.

 

أعلى