• - الموافق2025/05/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لماذا انتفضت حكومات أوروبا ضد الكيان الصهيوني... الدوافع وحدود التأثير

لماذا اندفعت الدول الأوروبية الآن بأخذ موقف من الكيان الصهيوني واتخاذ تدابير اقتصادية والسياسية ضده ودعوته لوقف آلة القتل وإدخال المساعدات لأهالي غزة المحاصرين، وهل لهذه المواقف أثر في دفع الكيان الصهيوني إلى اتخاذ خطوات فعلية في وقف الإبادة الجماعية في ا


منذ بدء حرب الإبادة الصهيونية على غزة قبل عشرين شهرا، تحركت جماهير عريضة في شوارع كثير من مدن أوروبا، في مظاهرات ضد المذابح وجرائم الحرب التي يمارسها الاحتلال الصهيوني ضد أهل غزة، مطالبين الحكومات بوقف الدعم العسكري لدولة الكيان، والضغط على حكومة بنيامين نتانياهو لوقف حرب الإبادة وقتل الأطفال في غزة.

ولكن قابلت الحكومات الأوروبية تلك المظاهرات بالفتور والسكوت، وطالما تلك المظاهرات تتجمع ومن ثم ينصرف الناس إلى منازلهم ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية، فلا ضرر منها، وهذا من المعتاد في أوروبا، حيث يتظاهر الناس احتجاجًا أو تأييدًا لقضايا خارجية أو داخلية، كنوع من الضغط على صانعي القرار، ولكن إذا لم تتحول هذه المظاهرات إلى شغب وتكسير وتمثل خطورة على المؤسسات والمنشآت التجارية، أو تتعدى على مواطنين آخرين، فإن صانع القرار في أوروبا غالبًا لا يلقى لها بالاً ويتجاهلها.

ولذلك طوال أكثر من سنة ونصف من حملة الإبادة الصهيونية، لم نسمع إلا تصريحات متناثرة على فترات متباعدة، من مسئولين أوروبيين أو أعضاء في البرلمان الأوروبي، ممن ليس لهم تأثير يُذكر على صناعة القرار، كما أن تصريحاتهم تندد بالمقاومة الفلسطينية وتحملها مسئولية ما يجري، وتساوي بين مذابح غزة، ومذبحة مزعومة وكاذبة جرت يوم اجتياح المقاومة الفلسطينية للمستوطنات، في السابع من أكتوبر في طوفان الأقصى.

ولكن فجأة وبدون مقدمات، شهد الموقف الأوروبي تحوّلاً جذريًا ومفاجئًا، فقد انتفضت برلمانات وحكومات الدول الأوروبية ضد حرب الإبادة التي يقوم بها جيش دولة الكيان الصهيوني في غزة ضد المدنيين، وتجاه البنى التحتية، بحيث لا يبقى فيها حجر على حجر كما يقول الإرهابي المتطرف الوزير في حكومة نتانياهو سيموريتش.

واتّخذ هذا التحوّل أشكالًا عدة، من التصريحات السياسية التي باتت تنتقد بشكل واضح الانتهاكات الصهيونية، إلى دعوات لفرض عقوبات، وصولًا إلى خطوات دبلوماسية ملموسة كإعادة تقييم العلاقات مع دولة الكيان والاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتي كان آخرها موقف بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى.

فهذه فرنسا والمملكة المتحدة وكندا قد أصدرت بيانًا مشتركًا، يهدد باتخاذ إجراءات ملموسة ضد الكيان الصهيوني بسبب عملياتها العسكرية في غزة.

كما ندد الاتحاد الأوروبي بكميات المساعدات الضئيلة التي سمحت تل أبيب بإدخالها إلى القطاع، حيث قال إنه بدأ رسميًا مراجعة اتفاق الشراكة مع الكيان الصهيوني.

الأمر الذي أكد عليه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، فقال إن بلاده تدعم أيضًا مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني.

وصوّت البرلمان الإسباني لصالح مشروع قانون لمنع بيع الأسلحة إلى الكيان الصهيوني بما في ذلك المعدات مثل الخوذ والدروع، وحتى الوقود الذي قد يُستخدم لأغراض عسكرية.

وأعلن وزير الخارجيّة البريطاني ديفيد لامي، تعليق مفاوضات التجارة الحرة مع الكيان الصهيوني، كما استدعت الخارجيّة البريطانية السفيرة الصهيونية تسيبي هاتوفيلي، لتحتج على تكثيف دولة الكيان الصهيوني غاراتها وتوسيع عملياتها العسكرية في القطاع الفلسطيني المحاصر.

 

 فصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، قالت: إن تل أبيب أصبحت منبوذة من قبل المجتمع الدولي، ووصلت إلى أدنى مستوى في مكانتها الدولية على الإطلاق، ونقلت عن مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية قوله إن تل أبيب تُواجه تسونامي حقيقيا سيتفاقم

وأشارت وزيرة الخارجية السويدية، إلى أن بلادها ستتحرك داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل فرض عقوبات على وزراء صهاينة معينين بسبب معاملة دولة الكيان للمدنيين الفلسطينيين في غزة.

وقالت وزيرة الخارجية في بيان: طالما أننا لا نرى تحسنًا واضحًا في وضع المدنيين في غزة، فنحن بحاجة إلى تصعيد لهجتنا. لذلك، سنضغط الآن أيضًا من أجل أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وزراء صهاينة بعينهم، مضيفة أن المسؤولين المستهدفين سيكونون موضوع نقاش داخل الاتحاد الأوروبي.

كما أعلنت النرويج أنّها ستُواصل اتصالاتها للاتفاق على تدابير تتضمن عقوبات اقتصادية لمواجهة انتهاكات الكيان.

كما أكد قادة 7 دول أوروبية، في بيان مشترك، أنهم لن يصمتوا أمام الكارثة الإنسانية التي تحدث أمام أعيننا في قطاع غزة على حد تعبير البيان، ودعوا الكيان إلى التراجع فورا عن سياساته.

وقال قادة إسبانيا والنرويج وأيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا، في بيانهم المشترك، إنهم سيعملون في إطار الأمم المتحدة ومع جهات فاعلة أخرى، مثل جامعة الدول العربية والدول العربية والإسلامية، للمضي قدما نحو تحقيق حل سلمي ومستدام.

ولكن ما الذي دفع الحكومات الأوروبية وكندا إلى تلك المواقف المفاجئة؟

وهل ستنجح تلك المواقف الأوروبية الجديدة في إيقاف الإبادة والمشاريع الصهيونية في غزة؟  

التوقيت. لماذا؟

لماذا أقدمت الحكومات الأوروبية على تلك الإجراءات؟

هل لأن التوحش الصهيوني كما تقول منظمات إنسانية أوروبية، قد أسقط السلطة الأخلاقية للمنظومة الغربية، التي لطالما تباهت بقيم حقوق الإنسان واستخدمتها في الضغط على بعض الأنظمة، فمحاولات بعض العواصم الغربية لتعديل مواقفها قد تكون جزءًا من مسعى لاستعادة مصداقيتها المتآكلة.

ولكن لماذا سكتت تلك الدول طوال تلك الفترة، لو كان الموضوع بالفعل يتعلق بمصداقيتها؟

هل مذابح الكيان ازدادت الأيام الماضية فقط؟ أم أنها مستمرة منذ السابع من أكتوبر2023؟

على ما يبدو أن ثمة سببًا آخر، كان بمثابة عامل ضغط على الموقف الأوروبي.

وبما أن الموقف الأوروبي كما هو العادة مرتبط بالموقف الأمريكي، فإن احتمال أن يكون هناك دور أمريكي محرض تم اتخاذه من وراء الستار، ربما كان هو السبب الفعلي الذي دفع حكومات أوروبا لاتخاذ مثل الموقف.

فعلى سبيل المثال، فإن أوروبا لم ترفع العقوبات عن الحكومة السورية الجديدة إلا بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته للملكة السعودية رفع العقوبات على سوريا، بل حتى لم تقدم على رفع العقوبات إلا بعد أن تأكدت أن الكونجرس الأمريكي قد شرع بالفعل في رفع العقوبات.
فهل ثمة ضوء أخضر أمريكي لأوروبا باتخاذ هذا الموقف تجاه الحرب في غزة؟

ولكن كيف يُعقل أن تحرض أمريكا أوروبا على اتخاذ هذه المواقف القوية تجاه الكيان، وهي أساسا الداعم الأكبر له؟ بل هي التي زودته بأم القنابل كما يُطلق عليها، وهي أقوى قنبلة غير نووية تسلم إلى الجيش الإسرائيلي، التي تسببت في استشهاد عشرات الاف من الفلسطينيين بعد أن هدّمت منازلهم فوق رءوسهم.

تفسير ذلك الاحتمال، هو أنه على ما يبدو ثمة حديث عن توتر في العلاقات بين رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا يلزمنا ببحث العلاقة الأمريكية مع دولة الكيان في الأسابيع الأخيرة، خاصة أن تلك العلاقات استراتيجية عقدية.

ولكن تلك العلاقات الاستراتيجية والحرص على مصلحة الكيان الصهيوني، لا تمنع في أن من يعتلي سدة الحكم في أمريكا ليس بالضرورة متفقا مع من يقود الكيان دائما على تلك المصلحة، فحتى داخل الكيان وفي اللوبي اليهودي في أمريكا من يختلفون مع نتانياهو في سياساته، ويعتقدون أن تلك السياسات لا تحقق مصالح الكيان، بل يرون أن فيها خطرًا متحققًا على الدولة الصهيونية.

وتتزايد المؤشرات على ذلك التوتر: ومنها عزل ترامب أقرب مستشاريه، وهو مستشاره للأمن القومي مايك والتز، وإبعاده عن إدارته في البيت الأبيض، وذلك لأنه حرض نتانياهو من وراء ظهره على ضرب إيران، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

ومنها أيضا عدم زيارة ترامب الكيان الصهيوني أثناء جولته في المنطقة، ومنها دخوله مع الحوثيين في اتفاق استثنى منه توقف الأعمال القتالية للحوثي ضد الكيان، ولم يبلغ الكيان بذلك.

وفي الأيام الأخيرة، تزايدت الضغوط الأمريكية على نتانياهو لقبول وقف الحرب في غزة، وكان نتانياهو على وشك التوقيع، ولكنه تراجع في آخر لحظة تحت ضغط اليمين الديني المتطرف.

فهل من بين وسائل الضغط على الكيان، تحريض الحكومات الأوروبية على اتخاذ مواقفها تلك؟

يبدو أن هذا هو المبرر المقنع لتدافع أوروبا الى اتخاذ تلك الإجراءات ضد الكيان الآن.

تأثير عقوبات أوروبا وكندا

هناك اتجاهان في جدوى تلك الحملة الأوروبية الرسمية: اتجاه يرى أن التهديد والتلويح بعقوبات تُفرض على إسرائيل هي خطوات رمزية، وشراء للوقت.

فصادرات الأسلحة من إسبانيا على سبيل المثال لا تتخطى 6 ملايين يورو خلال سنة ونصف السنة، كما تبلغ صادرات السلاح من بريطانيا إلى الكيان الصهيوني أقل من 53 مليون دولار سنويا.

وحتى لم تتوقف طائرات الاستطلاع البريطاني عن التحليق في سماء غزة والتجسس على المقاومة ونقل تحركاتهم الى الجانب الصهيوني.

فنحن إذن لا نتكلم عن حجم إجراءات يمكن أن يؤثر في مسار الحرب أو قد يمثل ضغطا حقيقيا على الكيان الصهيوني، من وجهة النظر تلك.

بينما يرى فريق آخر، أن الإجراءات الأوروبية إذا حصلت فعلا، توجّه ضربة قاسية للاقتصاد الصهيوني، إذ إنّ 32% من الصادرات الصهيونية تذهب إلى الاتحاد الأوروبي، وفقا لصحيفة كالكليست الاقتصادية العبرية.

فالصحافة الصهيونية، تظهر ضيقها وهلعها من تلك الإجراءات، فصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، قالت: إن تل أبيب أصبحت منبوذة من قبل المجتمع الدولي، ووصلت إلى أدنى مستوى في مكانتها الدولية على الإطلاق، ونقلت عن مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية قوله إن تل أبيب تُواجه تسونامي حقيقيا سيتفاقم، ونحن في أسوأ وضع مررنا به على الإطلاق.

وفي وجهة نظر الصحافة الصهيونية، فإن الإجراءات المتخذة على الساحة الدولية ضد الكيان الصهيوني، على خلفية استمرارها في حرب الإبادة على غزة، سيكون لها آثار اقتصادية خطيرة، فالأضرار المُحتملة تُقدر بعشرات المليارات، وهو ما يجعل الأمر تهديدا اقتصاديا بالغ الخطورة.

وبريطانيا على سبيل المثال، تُعتبر من أهم شركاء الكيان التجاريين، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري معها نحو 9 مليارات جنيه إسترليني، ما يجعلها رابع أكبر شريك تجاري للدولة الصهيونية.

فالاتفاق الذي علقت بريطانيا التفاوض بشأنه مع الكيان، يُعتبر في نظر الاعلام الصهيوني حيوي للغاية بالنسبة لصناعة التكنولوجيا الفائقة.

ولعل الكيان الصهيوني يعول على علاقاته مع دول كالمجر وألمانيا لعرقلة أي إجماع داخل الاتحاد الأوروبي بشأن تلك العقوبات، فتتحول الى عقوبات فردية لكل دولة على حدة، مما يضعف تأثيرها.

ولكن بصرف النظر عن تأثير الموقف الأوروبي الجديد، ولكنه يعطى دروسا للدول التي ما زالت تقف صامتة عن الفعل إزاء حملة الإبادة ضد أهل غزة.

أعلى