• - الموافق2025/05/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عربات جدعون بين الخيال والواقع

لا تُعد عملية عربات جدعون مجرد تحرك عسكري قتالي فقط، بل تمثل في حال تنفيذها كاملة، تحولاً نوعيًا في الاستراتيجية الصهيونية، عبر الجمع بين المناورات البرية، والتطهير المكاني للسكان، وتوظيف سرديات دينية وتاريخية تمنحها بعداً رمزياً يخدم صعود اليمين اليهودي


بعد عودة ترامب من جولته الخليجية، وعلى إثر تعثر المفاوضات بين حماس والكيان الصهيوني بسبب رفض نتانياهو أي صفقة تتضمن وقف الحرب على غزة، شرع الجيش الصهيوني في البدء بتطبيق ما أطلق عليه خطة عربات جدعون.

وكانت الولايات المتحدة قد عرضت على نتانياهو خطة لوقف الحرب، تبدأ بالإعلان عن اغتيال محمد السنوار، والذي يُعتبر بمثابة زعيم القسام في القطاع، على أن يتم تسويق هذا الاغتيال إعلاميا بأنه النصر الكامل، وعلى أثره يعلن نتانياهو وقف الحرب نهائيا وبشكل كامل، وتنسحب القوات الصهيونية من قطاع غزة ويتم إخراج الأسرى الصهاينة مرة واحدة، وتعلن حماس إنهاء سيطرتها على القطاع، وتتولى حكومة فلسطينية ليست من حماس أو فتح إدارة القطاع.

ويقول موقع اكسيوس الأمريكي إن نتانياهو كان على وشك الموافقة على تلك الخطة وخاصة أن توقيت وقف الحرب سيتزامن مع الإجازة الصيفية للكنيست الصهيوني، وبذلك فأي تصويت لطرح الثقة عن نتانياهو سيتأجل، وفي هذا الوقت كان نائب ترامب دي جانس في زيارة للفاتيكان لتهنئة البابا الجديد وتم الإعلان عن زيارة دي جانس للكيان لإتمام الصفقة.

ولكن تراجع نتانياهو في آخر لحظة، خوفًا من حلفائه المتطرفين أن يفضوا الشراكة في وقت تتراجع فيه شعبية نتانياهو في استطلاعات الرأي، فتراجع الرجل، وعلى إثر ذلك ألغيت زيارة نائب الرئيس كما تقول صحيفة واشنطن بوست.

ولم يكتف نتانياهو بذلك، بل شرع في زيادة النشاط العسكري الإسرائيلي: بعد الزيارة الملغاة، وكثف الجيش الصهيوني من عملياته في غزة، وشن غارات جوية عديدة ونشر قوات إضافية، خاصة في خان يونس.

وارتفع عدد الشهداء من خمسين شهيد في المتوسط إلى ١٠٠ و١٥٠ شهيد يوميًا فضلاً عن تدمير ما تبقى من منازل ومستشفيات.

ولكن إذا كانت إسرائيل على وشك بالفعل كما تعلن، على البدء في هجوم بري كجزء من خطة عربات جدعون، فما هي هذه الخطة وما مكوناتها، وماذا تختلف عن خطة الجنرالات وغيرها من خطط التهجير، والتي سبق أن أعلن عنها الكيان؟ والأهم، ما هي نتائجها المتوقعة؟

دلالات التسمية

تُطلق الجيوش عادة أسماء أو عناوين لحملاتها أو حروبها العسكرية، بغرض تعزيز الروح المعنوية لقواتها، ومحاولة التأثير في تصورات العدو للحرب.

تسمية عملية جيش الكيان الصهيوني بعربات جدعون، لها دلالات دينية مهمة عند اليهود، فمن هو جدعون في تاريخ بني إسرائيل؟ وما هي عرباته تلك؟

 

أقر المجلس الوزاري الأمني الصهيوني المصغر "الكابينت" مطلع مايو 2025 خطة عملية عربات جدعون، والتي وضعها رئيس هيئة الأركان إيال زامير، بهدف احتلال القطاع والقضاء على حماس وتهجير أهل غزة

جدعون كلمة عبرية تعني المصارع، وهو شخصية توراتية ذُكرت في سفر القضاة، وهو جزء من سبعة أسفار تتكون منها التوراة أو العهد القديم، وهذا السفر يتكلم عن القضاة في بني إسرائيل، ومنهم جدعون هذا، ويعتبروه ابن منسي، وهو أحد أبناء نبي الله موسى كما ورد في روايتهم.

ويعتبر المفسّرون المعاصرون للتوراة عادة القضاة أشخاصًا فاسدين، فمن الناحية الأخلاقية شاركوا في الفساد الذي ساد عصرهم. ولكن هذه ليست بالطبع وجهة نظر حاخامات اليهود والذين يعدونهم أبطالا.

فجدعون بطلا في نظر الحاخامات لأنه حارب المديانيين (وهم أهل مدين وقد كانوا عربا) الذين سلطهم الله على بني إسرائيل لشر أفعالهم، وحسب الرواية التوراتية المزعومة، فقد أمر الله جدعون بتخليص بني إسرائيل، وطلب منه هدم مذبح بعل (منضدة كان يتم عليها عبادة ربهم بعل) فثار عليه قومه، ولم يقف معه منهم سوى القليل.

وحسب ما ورد في التوراة، فإن جدعون انطلق بجيش قوامه 30 ألفا، ولم يبق منهم سوى 300، لكنهم استطاعوا التغلب على جيش مدين، وجعلوهم يتراجعون إلى ما بعد نهر الأردن، وقضوا على ملوكهم ومن تبقى من جيشهم.

وبذلك أصبح جدعون بطلاً قوميًا في التاريخ اليهودي، فهو في نظرهم الذي أنقذ بني إسرائيل من جيش أهل مدين الذين كانوا يجيدون قيادة الجمال، وعُرفوا بعنفهم وسرعتهم ومباغتتهم في الهجوم، بينما استطاع جدعون التغلب عليهم بجيش بسيط وبأدوات بسيطة منها العربات، بخطة عسكرية محكمة.

وقبل أن تعلن حكومة الكيان عن خطة جدعون الجديدة، سبق وأن تم إطلاق نفس الاسم على آخر العمليات التي نفذتها عصابات الهاغاناه الصهيونية قبيل انتهاء الانتداب البريطاني عام 48.

وهدفت العملية إلى الاستيلاء على مدينة بيسان، وتطهير القرى والمخيمات البدوية المحيطة بها، إضافة إلى إغلاق أحد الممرات المحتملة لدخول قوات شرق الأردن.

وقد نُفذت العملية من لواء غولاني الذي كان وقتها منضويا كفرقة من فرق الهاغاناه، للسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي فلسطين قبيل إعلان قيام إسرائيل.

مكونات الخطة

أقر المجلس الوزاري الأمني الصهيوني المصغر "الكابينت" مطلع مايو 2025 خطة عملية عربات جدعون، والتي وضعها رئيس هيئة الأركان إيال زامير، بهدف احتلال القطاع والقضاء على حماس وتهجير أهل غزة.

لم يعلن الجيش الصهيوني تفاصيل العملية بشكل رسمي، ولكن عددا من الكتاب والمحللين الصهاينة والقريبين من دوائر الحكم الصهيوني أسهبوا في الحديث عنها.

وبتتبع ما كتبوه وما تحدثوا عنه، وما نشرته الصحف الغربية، يمكن استنتاج التالي:

فالعملية عربات جدعون ستجري عبر ثلاثة مراحل، ولقد رأينا بالفعل بعض من هذه المراحل قد بدأ تنفيذه على الأرض:

فالمرحلة الأولى مرحلة الاستعداد والتهيئة والدعم اللوجستي، على غرار إقامة محاور داخل قطاع غزة مثل نتساريم وموراج، وتقسيم القطاع إلى مناطق متعددة، وإنشاء منطقة يزعمون أنها إنسانية جديدة في رفح. تتسع لمائة ألف.

وتشير الصور التي تم التقاطها الأيام الماضية، إلى أن الأرض المتاخمة لممر فيلادلفيا، وهي الحدود بين مصر وغزة، قد جرى هدم منازلها تماما وتسويتها، وقد تم وضع الأسلاك الشائكة والحواجز، بزعم استقبال أهل غزة، ولا يبدو أن إسرائيل تنوي أن تستوعب هذه الأرض مليوني شخص بشكل دائم، بل كمنطقة عبور مؤقتة. والهدف هو إيجاد تدفق كبير من الناس، وتحويل التركيز والضغط على مصر لقبولهم.

ولذلك الغرض، تم إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية (GHFO)، وهي مؤسسة للشؤون الإنسانية في غزة كما يزعمون، ويقال إن الكيان أسسها بدعم أمريكي. وتذكر التقارير أن الأشخاص العاملين في هذه المنظمة هم جميعًا جنود سابقون في القوات الخاصة الأمريكية، مما يشير إلى أن هذه المنظمة ستوزع المساعدات وربما تشرف على عملية التهجير.

ولكن الأخطر هو إيجاد ما يعرف بالصحوات.

فقد كشفت تحقيقات صحفية نشرتها كل من هآرتس وواشنطن بوست، عن تعاون ميداني بين جيش الاحتلال وعصابات إجرامية مسلحة تنشط في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

ومن أبرز الأسماء التي وردت في التحقيق: ياسر أبو شباب، وهو أحد سكان غزة، والمُصنَّف كأمير حرب وزعيم عصابة لها صلات بشبكات تجارة المخدرات.

هذا الأخير أظهرته الصور المنشورة بزي عسكري إسرائيلي وإن كان عليه شارة علم فلسطين، مزوّد بأسلحة متطورة، ويقود نقطة تفتيش تحت حماية مباشرة من دبابات الاحتلال.

وأكدت صحيفة هآرتس أن هذه العصابات تفرض إتاوات حماية على سائقي الشاحنات وتستولي على ما يصل إلى 70% من المساعدات الغذائية والدوائية، بينما يكتفي جيش الاحتلال بالمراقبة والصمت.

أما واشنطن بوست، فقد نشرت صورًا لمجمع عسكري أقامته هذه العصابة الغزاوية في رفح، مزود بمركبات وأسلحة إسرائيلية، ما يشير بوضوح إلى تورّط مؤسساتي منظم في تمكين هذه الميليشيات كجزء من استراتيجية خنق غزة وتحويلها إلى بؤرة للفوضى والصراعات المسلحة.

وتلك المجموعة التي يترأسها ياسر أبو شباب يطلق عليها رسميًا جهاز مكافحة الإرهاب، والمفترض أنها ستحرس المساعدات، بالرغم من أنها تم اتهامها بسرقة عشرات شاحنات المساعدات الفترة الماضية.

وتتحدث بعض المصادر القريبة من حماس، أن ياسر أبو شباب قد نجا من عقاب حماس مرتين.

أما المرحلة الثانية فهدفها الإخلاء وتحريك السكان، فتشمل قصفا جويا وبريا إسرائيليا مكثفا، يتزامن مع تحركات برية إلى مناطق محددة لتهجير السكان من مناطقهم، ثم السماح لهم بالانتقال إلى مدينة رفح جنوبا، ويريد الاحتلال من هذه المرحلة إجبار من تبقى من السكان على النزوح من أجل فصل المدنيين عن فصائل المقاومة.

وتشمل المرحلة الثالثة من عربات جدعون تفكيك حماس وبنيتها التحتية في المناطق التي سيتم الدخول إليها بما فيها الأنفاق، ليتم في النهاية احتلال القطاع، وذلك عبر اجتياح بري واسع.

وتشكك صحيفة نيويورك تايمز في أنه على الرغم من التحذيرات، لم تبدأ أي عمليات برية كبيرة بعد، مما يعني أن التهديدات قد تكون مجرد تكتيك. وأشار صحفي إسرائيلي مقرب من نتنياهو إلى أن العملية الإسرائيلية الوشيكة قد تكون أقرب إلى جهد تهجير منها إلى حرب ضد حماس.

وتشارك في العملية خمس فرق عسكرية ثلاثة منها ستعمل في المنطقة الجنوبية، في حين ستعمل فرقتان عسكريتان في شمال القطاع.

وتقول بعض الأخبار الصادرة من الكيان، أن الشركة الأمريكية (مؤسسة غزة الإنسانية) ستبدأ عملها بتوزيع المساعدات الإنسانية يوم الأحد أو الاثنين المقبليْن، فى أربعة مراكز تم الانتهاء من بنائها:  ثلاثة مراكز قرب محور موراج جنوب القطاع، ومركز رابع قرب محور نتساريم، وسيتم تأمين عمل الشركة من قبل جيش الاحتلال.

وسيُطلب من سكان شمال القطاع النزوح نحو الجنوب للحصول على المساعدات من نقطة نيتساريم، وبعد استلامهم للطعام، يُمنع عليهم العودة إلى الشمال، ويُجبرون لاحقًا على التوجه إلى موراج لاستلام المساعدات مستقبلاً.

مع اكتمال نزوح سكان الشمال، تُغلق نقطة نيتساريم، ويبدأ الضغط على سكان المنطقة الوسطى وخانيونس للنزوح جنوبًا. في النهاية، يُجمع السكان جميعًا في منطقة رفح، ضمن ما يُعرف بخطة غزة الصغرى.

وسيُسمح فقط لممثل واحد من كل عائلة بالحصول على سلة غذائية أسبوعية (70 كجم) بعد اجتياز الفحص الأمني، ما يجعل الإغاثة أداة إضافية لإعادة تشكيل التوزيع السكاني في القطاع.

هذه الخطة تهدف إلى حشر السكان في أقصى جنوب القطاع، في منطقة لا تستوعب أصلا إلا مائة ألف، الأمر الذي يصعب خيار البقاء على أهل غزة.

تقييم استراتيجي للعملية، واحتمالات النجاح والفشل

لا تُعد هذه العملية مجرد تحرك عسكري قتالي فقط، بل تمثل في حال تنفيذها كاملة، تحولا نوعيا في الاستراتيجية الصهيونية، عبر الجمع بين المناورات البرية، والتطهير المكاني للسكان، وتوظيف سرديات دينية وتاريخية تمنحها بعداً رمزياً يخدم صعود اليمين اليهودي، في ظل تراجع حماس غالبية الصهاينة لمواصلة الحرب.

فالجمهور اليميني الديني داخل الكيان يبلغ تقريبا 30%، وتلك الكتلة هي التي يعتمد عليها نتانياهو في بقائه في الحكم، لذلك يحرص على إرضائها وتحقيق رغباتها ونزواتها.

وفي النهاية، يبقى نجاح هذه العملية مرهونا بثلاثة عوامل: تحمل غالبية سكان غزة ما يعانوه ورفضهم للتهجير، ثم فصائل المقاومة والتي لا تمتلك خيارات سوى الصمود وتكبيد الاحتلال فاتورة كبيرة من الخسائر.

يكفي صاروخ واحد ينطلق من غزة في اتجاه المستوطنات يهدم تلك الخطة ويثبت فشلها.

وأخيرًا الموقف المصري، وهل سيظل على رفضه إغلاق معبر رفح إزاء احتمالات التهجير القسري؟

وفي النهاية، يقول الكاتب الصهيوني الشهير في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل، أننا لو أخضعنا الحضور في مجلس الحرب الحكومي لجهاز كشف الكذب، لرأينا أن غالبية الضباط، وحتى غالبية وزراء الليكود، لا يتوقعون أن تنتهي العملية بهزيمة حماس.

أعلى