الشيخ أبو شعيب الدكالي المغربي

الشيخ أبو شعيب الدكالي المغربي



في هذه المرحلة التي تشهد تقدم العمل الإسلامي على الصعيد الدعوي والاجتماعي والسياسي نجد أنه من المفيد لتقويم وتسديد مسيرة العمل الإسلامي التعريف ببعض رواد الإصلاح ورموزه؛ لوصل الحاضر بالماضي والاستفادة من الدروس والتجارب السابقة والبناء عليها؛  حتى لا تضيع تلك الجهود المباركة ولكي نختصر كثيراً من الزمن والجهد.

تعريف بشخصيته:

الشيخ أبو شعيب بن عبد الرحمن الدكالي الصديقي، (1295 هـ - 1356 هـ / 1878م –  1937م)، يعدُّ آخر حُفاظ المغرب ومحدثيه، ورائد الدعوة السلفية في مطلع هذا القرن بالمغرب حتى لُقب بشيخ الإسلام، تولى الإمامة والخطابة والإفتاء على المذاهب الأربعة في الحرم المكي، وقدم بعض الدروس بالأزهر في مصر وفي جامع الزيتونة بتونس. وبعد عودته للمغرب وصلت له رئاسة الدروس السلطانية بالقصر الملكي على عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ، والسلطان المولى يوسف، والعاهل محمد الخامس، وتولى وزارة العدل والمعارف لعدة سنوات، وكان يلقبه بعض طلابه بـ (محمد عبده المغرب) لدوره الإصلاحي العلمي والوطني والذي أنتج عدداً من قادة المغرب العلميين والسياسيين.

نشأته:

ولد الشيخ أبو شعيب الدكالي بدار الفقيه بن الصديقي بدكالة في 25 ذي القعدة عام 1296هـ،  وهو من قبيلة أولاد عمرو، إحدى قبائل دكالة العربية، وهي قبيلة معروفة الأصل في المغرب منذ عهد المرابطين، وهم من رسخ الفكر السني في المغرب العربي منذ ذلك العهد، نشأ يتيما تحت كفالة عمه العلامة سيدي محمد بن عبدالعزيز الصديقي، وتلقى تعليمه الأولي بمسقط رأسه قرية الصديقات بنواحي منطقة الغربية إحدى بوادي جهة دكالة، على يد شيوخ وعلماء القبيلة من أمثال العلامة ابن عزّوز، والعلامة محمد الصديقي، ومحمد الطاهر الصديقي وغيرهم، ثم انتقل إلى الريف حيث أتم حفظ القرآن بالقراءات والمتون الشائعة في زمنه.

فعندما كان عمره ثلاثة عشر عاما استحضر السلطان مولاي الحسن الأول حفاظ مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي لأجل الاختبار، وكان ذلك سنة 1308هـ فحضر أبو شعيب إلى مراكش مع من استقدم إليها من الحفاظ، وكان المشرف على الامتحان الفقيه علي بن حمو المسفيوي وزير العدل فأعجب بأبي شعيب الدكالي لصغر سنه وتقدمه على من عداه حفظا وفهما، فسأله الوزير عن القرآن: عن حفظه، فأجاب على الفور أنه يحفظه وبالقراءات السبع، فأحضر من يعرفها ليمتحنه فيها، وشاع خبر هذا الطفل العجيب في القصر حتى بلغ إلى علم السلطان، فأمر بإدخاله عليه، فلما مثل بين يديه قال له السلطان: اعرب "الرمان حلو حامض"، فأعرب المثل، وكان قصد السلطان أن يطرح معه قضية معروفة في النحو تتعلق بالخبر حين يتعدد بالنسبة لمبتدأ واحد، ثم إن السلطان الحسن الأول أراد أن يمازحه ويثيره فقال له: "أنت فقيه ولست بنحوي" فأجابه: "أنا أعلم بالنحو مني بالفقه، ولكني أنشــد لمولانا قول الشاعر:

يداك يد للورى خيرها          وأخرى لأعدائها غائرة

هنا تدخل بعض من كان حاضرا في المجلس وقال له أفصح؟ ماذا تريد أن تقول لمولانا؟ فأجاب: "يكفني أن أتلو قول الله تعالى: "والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات"، فأعجب به السلطان أيما إعجاب، وضحك كثيرا، وأمر له بصلتين وكسوتين، ووقع على بطاقة التنفيذ بما نصه: "يضاعف لأبي شعيب لصغر سنه وكبر فنه".

رحلته لمصر:

في سنة 1314 هـ، 1896م رحل إلى مصر فمكث بها ست سنوات وأخذ فيها العلم عن علماء الأزهر مثل: شيخ الإسلام سليم البشري، والعلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ محمد محمود الشنقيطي اللغوي الشهير، والشيخ أحمد الرفاعي وغيرهم كثير.

وقد كان الشيخ محمد عبده يرأس لجنة الامتحان التي تقدم إليها الشيخ شعيب لدخول الأزهر، وقد كان يرفض دخوله بسبب عجز اللجنة عن قراءة خطه المغربي، لولا تدخل الشيخ محمد عبده وطلب إجراء الاختبار له شفوياً.

وقد كان لإقامته في مصر المنفتحة على أوربا والحضارة الغربية، والتي تحمل مجلاتها وجرائدها وكتبها أبحاثاً ودراسات ومقالات تعبر عما تمر به مصر من نهضة فكرية وإصلاحية أثره الكبير في نفس الطالب الشاب أبي شعيب الدكالي وتكوينه العلمي وتوجيهه الفكري[1].

رحلته لمكة المكرمة:

طلب والي مكة الشريف عون الرفيق من الأزهر إماماً ومفتياً وخطيباً للحرم المكي يكون عالماً مطلعاً على الكتاب والسنة وذلك بسبب قوة ظهور الدعوة السلفية في نجد مما أثر على وضع الحجاز، فرشح شيخُ الأزهر الشيخ سليم البشري أبا شعيب لهذه المهمة، فأصبح إماماً وخطيباً ومفتياً ومدرساً للمسلمين في أرض الحرمين الشريفين، وقد حظي أبو شعيب عند أمير مكة بالحظوة الحسنة فأكرمه وبالغ في احترامه وتعظيمه، وقدمه في مجالس العلماء، وخطب له ابنة أحد وزرائه لتكون زوجة له.

وانتهز أبو شعيب الفرصة بمجاورة وقدوم عدد كبير من علماء المسلمين لمكة فأخذ العلم عنهم وهم من بلاد شتى، منهم: شيخ الحنابلة بالحجاز والشام الشيخ عبدالله صوفان القدومي النابلسي، والشيخ العلامة عبدالرزاق البيطار، والشيخ محمد بدر الدين الدمشقي، والشيخ أحمد بن عيسى النجدي.

وكانت له دروس متعددة بالحرمين الشريفين منها: التفسير وشرح الكتب الستة وشرح بعض كتب السيرة ككتاب الشفا للقاضي عياض، والشمائل للترمذي، ودرس اللغة والأدب، ودروس في الفقه وأصوله والقراءات والمصطلح.

كما أجاز أبو شعيب عدداً كبيراً من طلبة العلم من مختلف بلاد العالم مثل: الحاج مسعود الوفقاوي من علماء سوس والشيخ محمد العربي الناصري عالم المغرب والشيخ يوسف القناعي من الكويت والشيخ محمد الشنقيطي من علماء موريتانيا والذي بعثه أبو شعيب من منطقة الإحساء لمنطقة الزبير بالعراق للدعوة والتدريس، والشيخ عبدالله بن حميد مفتي الحنابلة بمكة المكرمة، والشيخ محمد سلطان المعصومي من علماء ما وراء النهر صاحب كتاب "هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين"، وغيرهم كثير.

وبسبب جهوده المباركة ودروسه العلمية وطلابه النجباء وتأثيره في الحجاج والمعتمرين ذاع ذكره في العالم، وفي ما يلي نموذج من خطبه في الحرم المكي: "اعملوا لدنياكم اعملوا لآخرتكم اعملوا لدنياكم ما يرقي بلدكم اعملوا لدنياكم ما يرقي أولادكم اعملوا لدنياكم ما يجعل يدكم عليا.

فقد قال عليه الصلاة والسلام: (اليد العليا خير من اليد السفلى)، فالمحترف أمير والسائل ذليل.

اعملوا لدنياكم ما يقلل البطالة في البلد التي كان يتردد فيها جبريل بالوحي والتنزيل. اعملوا لدنياكم أحباب الديان، فأنتم تعلمون أن أسباب المعايشة أربعة: إمارة وتجارة وزراعة وصناعة.

فأما الإمارة فلا يتعيش بها إلا الأنفار المحدودون دون الغير الكثير.

وأما الزراعة فأنتم بِواد غير ذي زرع كما حكى الحكيم الخبير.

فما بقي إلا الصناعة والتجارة، وهذه البلاد الطاهرة خالية من الصناعة، وتجارتها ضعيفة مزجاة البضاعة، فهلمّوا إلى ما ينفعكم وسلوا من واليكم الجديد المظفر المعان أن يساعدكم على إنشاء مكتب صناعي، فهذا الجلد المباع في بلدكم بالقرش والقرشين، ويصنع ويرد إليكم فتشترونه بالمائة والمائتين، فكأنكم لم تقرؤوا قول الله جل جلاله وعلا: }ومِن جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم{..." ، ويتضح من هذه الخطبة طبيعة الخطاب الإصلاحي الذي كان يبثه أبو شعيب في المسلمين من ضرورة عمارة الدنيا والأخذ بأسباب القوة والتقدم والرقي على هدي الوحي المبارك في القرآن والسنة، وقد حمل طلابه هذه المفاهيم معهم إلى بلدانهم، فها هو تلميذه الشيخ الشنقيطي يفتح المدارس والمعاهد في العراق والإحساء؛ وينشر الدعوة السلفية هناك، وأما تلميذه الشيخ القناعي والذي يعد مصلح الكويت الكبير الذي أسس بعد عودته للكويت المدارس القرآنية والعلمية والمكتبات العامة وكان من المؤسسين لمجلس الشورى بالكويت سنة 1921م ومن مؤسسي المجلس البلدي فيها.

وبسبب هذا السمعة الحسنة للشيخ أبي شعيب والتي بلغت المغرب كله من خلال طلابه والحجاج طلب منه المولى عبد الحفيظ حين تولى ملك المغرب[2] - وهو الملك العالم الفاضل - أن يعود للمغرب حتى يكون معينا له في إصلاحها.

عودته لوطنه:

وفي سنة 1328 هـ ـ 1910 م عاد أبو شعيب إلى بلده واستقر في مدينة فاس، وقربه السلطان مولاي عبد الحفيظ، وتهافت عليه علماء فاس وطلبتها وأعيانها، وقد كان لأبي شعيب زيارات متعددة سابقة لبلده أبقته على صلة بالمغرب قيادةً وشعباً وإدراك لهموم المغرب وتحدياته تحت الحماية – الاستعمار - الفرنسي.

نشاطه الرسمي في الدولة:

وفور عودته ولاه السلطان قضاء مراكش، فاشتهر بالنزاهة والعدل. وفي سنة (1330 هـ / 1912م) تم تعيينه وزيرا للعدل والمعارف، فعمل على إصلاح القضاء حين تولى وزارة العدل من خلال تجربته في القضاء، حيث راجع شروط تولية القضاء باشتراط الكفاءة الشرعية مع النزاهة في المرشحين للقضاء، واستحدث لجاناً للامتحان والترقي والتأديب للعاملين في القضاء، كما حصر الفتوى بالعلماء الثقات المشهورين.

كما وضع أسسا للتقاضي حِفظاً للحقوق وتعجيلاً بالانجاز حتى لا تطول مدة المحاكمات بلا داعٍ.

وفي سنة 1332هـ  أصدر السلطان أمراً بتأسيس مجلس الاستيناف الأعلى الشرعي وأسند رئاسته لأبي شعيب مع بقائه وزيراً للعدل، لمراجعة ما يصدر من القضاة من أحكام.  

وفي نفس السنة أضيف لمهامه الإشراف على إدارة المعارف والشؤون الدينية، فعمل على زيادة مكافآت العلماء والموظفين الدينيين، والبدء بإصلاح التعليم الديني والذي بدأ فيه في جامع القرويين والذي يعد أقدم جامعة في العالم، وقد استعان بعدد من طلابه في إدارة القضاء والمعارف منهم الشيخ محمد بن العربي العلوي، وكان يصطدم مع الفرنسيين كثيراً بسبب رفضه مسايرتهم في التحرر من الشريعة الإسلامية قضاءً وتعليماً.

وقد كان أبو شعيب ينوب أحياناً عن الصدر الأعظم – ما يعادل منصب رئيس الوزراء اليوم- فيوقع المراسيم نيابة عنه.  

وبقي يتولى وزارة العدل حتى سنة 1342 هـ ـ 1923 م حيث طلب إعفاءه لأسباب صحية فمنح إذ ذاك اعترافا له بالجهود التي بذلها في مهامه؛ لقب "وزير شرفي"، وقيل أن سبب طلبه الإعفاء رفضه التوقيع على قرار بإنشاء دار للبغاء بدعم من الفرنسيين.

دوره العلمي والدعوي:

ورغم انخراط أبي شعيب في مناصب رسمية كثيرة إلا أنه لم ينقطع عن التدريس والخطابة والوعظ والدعوة ونشر العلم، سواء في الدروس الحسينية أو في زياراته لمدن المغرب أو خارجها.

فقد كان يدرس ثلاثة دروس في اليوم: بعد الفجر وبين الظهرين وبين العشاءين، هذا بالإضافة لعمله الرسمي.

ومن أهم جهوده في نشر العلم في المغرب إحياؤه تدريس تفسير القرآن الكريم الذي كان ممنوعا بسبب خرافة سيطرت على بعض الجهلاء من العلماء والحكام بدعوى: أنه إذا فسر القرآن، مات السلطان، إذ حدث في عهد السلطان سليمان أن دخل إلى بعض المساجد في فاس الشيخ أحمد التيجاني - وكان السلطان يعظمه - فوجد الشيخ الطيب بن كيران يدرس التفسير فقال للسلطان مستغربا ومستنكرا: "مثل هذا العالم يدرس التفسير؟ سيكون ذلك وَبالا وخرابا على الأمة والسلطان"، فتوقفت دراسة التفسير في المغرب منذ ذلك الوقت، وأصبح يُقرأ تلاوة وسردا، وليس دراسة علمية، حتى جاء أبو شعيب فأحيا دراسته، وقال: بسم الله نفسر القرآن ولا يموت السلطان" ففسر القرآن وعاش السلطان. وكان يدرسه بتفسير النسفي، واستطاع أن يبعث وعيا فكريا جديدا في المغرب، باعتبار الوحي القرآني أول مصدر في مسيرة التصحيح والتقويم، للعودة بالأمة إلى الطريق السليم، بعيدا عن الخرافات ومظاهر الشعوذة التي كانت شائعة يومئذ.

ثم قام أبو شعيب بتدريس السنة النبوية وعلومها وشرح كتب الحديث، بعد أن كانت تقرأ متون الأحاديث فقط على سبيل التبرك دون التمعن في معانيها أو الاستفادة من مراميها، فحصلت نهضة علمية سلفية كبيرة في المغرب.

وفي الفقه درّس أبو شعيب الفقه بالدليل، فقد شرح مختصر خليل وهو المعتمد عند المالكية في المغرب بإرجاع كل مسألة إلى دليلها، كما درّس أبو شعيب الدكالي علوما كثيرة كالنحو والأدب، والقراءات.  

دوره الإصلاحي:

 قام أبو شعيب بالإصلاح من خلال مؤسسات الدولة ومن خلال نشاطه العلمي العام، فقد كان سبباً في إصلاح كثير من الأنظمة والمؤسسات في قطاعي القضاء والتعليم.

كما أن جهوده في نشر العلم والتعليم كان لها أكبر الأثر في ظهور القيادات الوطنية المخلصة والتي كافحت الاستعمار لتحررها من ربقة الطرقية التي تحالفت مع الاستعمار من خلال طلبته الذين درسوا عليه مختلف العلوم سواء في مكة المكرمة أو في المغرب بعد عودته.

وبسبب تقلده منصب وزير العدل، والمغرب تحت الاستعمار الفرنسي، رماه بعض المتسرعين بالعمالة للفرنسيين، وهو حكم عجول وله مخرج شرعي وعقلي؛ فإنه ليس من الحكمة أن يترك هذا المنصب للفرنسيين أو أتباعهم لأنه كان يحكم بين المسلمين المغاربة، ومن خلال شغله لهذا المنصب حمى كثيرا من المصالح الشرعية والوطنية للمغاربة، فقد كانت كثير من أقضيته هي السبب – بعد الله عز وجل – في تثبيت الكثير من الأراضي المغربية كي لا يستولي عليها الفرنسيون بحجج شتى.

ومن دوره الإصلاحى رفضه لبعض التصرفات التي يقوم بها بعض المتحمسين للجهاد ضد فرنسا، فتكون النتيجة الربح لفرنسا، وذلك في قصته المشهورة مع الشيخ أحمد الهيبة حين قال له: "إن قوما يزعمون أنني أحارب المجاهدين وهذا كذب لأنني أحارب بعض الثوار الذين يكونون سببا في تسليم البلد والتعاون مع العدو كبوحمارة[3] وبوعمامة". ومصدر هذه الطعونات هو بعض المتصوفة الذين كانوا يعادونه بسبب منهجه السلفي.

كما كان مدافعاً عن وحدة الدولة أمام الاستعمار الفرنسي ولذلك كان أول من عارض الظهير البربري – الظهير هو المرسوم – والذي هدف لتقسيم المغرب على أساس عرقي بجعل إدارة مناطق البربر للاستعمار الفرنسي والذي سيعمل على إلغاء اللغة العربية والمحاكم الشرعية وتبديلها بمحاكم ترجع للعادات البربرية حتى لو تصادمت مع الإسلام، والاحتكام لقانون العقوبات الفرنسية!!

كما كان عضوا في جمعية "أحباس الحرمين الشريفين" والتى كانت جمعية تونسية مغربية جزائرية، كما أنه كان متصديا لمحاولات المستشرقين لضرب اللغة العربية حيث جعل هذا موضوع كلمته بمؤتمر اللغة والآداب بتونس سنة 1931م.

منهجه:

* قام منهج أبي شعيب على محاربة الشرك والخرافة والبدعة، قال علال الفاسي في رثاء شيخه أبي شعيب:" كان الفقيد في الرعيل الأول من أشياخنا الذين نعوا على التقليد وحاربوا الجمود ودعوا إلى التحرر من قيود العصور الأخيرة المنحطة والسمو بالفكر إلى مستوى السلفية الأولى التي تعبد الله خالصا له الدين توحى بالعقل في الفهم والتفهيم، وترجع إلى القرآن والسنة في البرهنة والتدليل".

* كان يؤثر اللين والتلطف في عرض منهجه ومناقشة خصومه، يقول الأستاذ أبو بكر القادري: "الشيخ شعيب الدكالي كان يلمح ويعرض دون أن يصرح والفقيه ابن العربي كان يهاجم ويخاصم ويشتد دون تحفظ. وهذا ما جعل الكثيرين من الفقهاء المتزمتين يناصبون ابن العربي العداء، ولا يتعرضون للشيخ شعيب الدكالي بمقالة سوء".

* التركيز على التعليم المباشر وعدم الانشغال بتأليف الكتب، ويقول في هذا الصدد تلميذه الكبير الشيخ عبدالله كنون: "نحن – يقصد طلاب أبي شعيب- ألسنا كلنا كتبا وآثارا لفقيدنا العظيم".

* الوضوح والتبسيط منهج أبي شعيب في التدريس، إذ قد عاهد أمام الملتزم بالحرم المكي شيخه الشيخ محمد بدر الدين الدمشقي أن يُفهم الناس الدين "وألا تعمّي في ألفاظك حتى يفهم عنك الخاص والعام" بناءً على طلب الشيخ.

* ضرورة الانشغال بواجب الوقت خاصة من العلماء والدعاة، فحين انشغل بعض العلماء الكبار بالبحث عن النملة التي كلمت سليمان عليه السلام هل التاء فيها للوحدة أو التأنيث؟ قال لهم أبو شعيب: "لقد فرغ العلماء من البحث في هذا الموضوع منذ قرون عديدة، وكان ينبغي لنا نحن أن نبحث عن الطرق التي تمكننا من طرد الجيش الفرنسي الذي بدأ يحتل بلادنا منذ سنوات..".

* التواصل مع علماء عصره للعمل على نهضتها، فقد كانت له صلات بالشيخ عبدالحميد بن باديس رئيس جمعية علماء المسلمين بالجزائر، وعلماء تونس.

* لقد كان من منهج أبي شعيب التصدي للولاية العامة ولو تحت حكم الاستعمار الفرنسي للقيام بمصالح الإسلام والمسلمين، لأنه إن لم يقم بها اختار الفرنسيون من يكون لعبة بأيديهم في ذلك بما يلحق الضرر بالإسلام والمسلمين، وهي رؤية مبكرة ومتقدمة على كثير من مفكري الحركات الإسلامية التي توصلوا لها مؤخراً!!

قالوا في أبي شعيب:

- المؤرخ عبد السلام بن سوده: كل ما وُصف به فالرجل فوق ذلك.

- وقال أيضاً: الشيخ الإمام علم الأعلام، المحدّث المفسّر الرّاوية على طريق أيمة الاجتهاد، آخر الحفاظ بالديار المغربية ومحدثها ومفسرها من غير منازع ولا معارض.

- عبدالحفيظ الفاسي: إمام في علوم الحديث والسنة… متظاهر بالعمل بالحديث والتمذهب به قولاً وعملاً داعية إليه ناصر له.

- عبدالله الجراري: كان ينادي بردّ الناس إلى الكتاب والسنة، ويحضّهم على اتباع مذهب السلف الصالح ونبذ ما يؤدّي إلى الخلاف وما ينشأ عنه من الحيرة والدوران في منعرجات الطرق؛ لأن الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا أمتاً؛ هو طريق السنة والكتاب.

- عبدالله كنون: قام الشيخ أبو شعيب الدكالي بدعوته التي كان لها غايتان شريفتان: الأولى: إحياء علم الحديث ونشره على نطاق واسع.. والثانية: - وهي بيت القصيد- الأخذ بالسنة والعلم بها في العقائد والعبادات؛ فقد جهر في ذلك بدعوة الحق، ودل على النهج القويم، والصراط المستقيم.

- محمد السائح: وقد اتصل صدى حركة الإصلاح التي كان يقوم بها الشيخ بالقصر؛ فصدرت بها ظهائر شريفة تؤيد تلك الحركة، منها ظهير في منع ما يقوم به بعض أرباب الزوايا مما يعد قذى في عين الدين وبهقا في غرة محاسنه.

- الرحالي الفاروقي: فقد كان هذا الشيخ رحمه الله علماً من أعلام المغرب الشاهقة، وفذاً من الأفذاذ الذين يفتخر بهم في ميادين المعرفة والإصلاح، وفي خدمة الكتاب والسنة ورفع رايتهما ونشر معانيهما وإقامة أحكامهما؛ بل كان يعتبر من الرعيل الأول في المغرب الذين أخذوا على أنفسهم إحياء العقيدة السلفية وبعث الروح الإسلامية الصحيحة في النفوس باعتماد وحي الكتاب العزيز ووحي السنة الذي لا ينطق عن الهوى، ونبذ ما سوى ذلك من الأقوال الموهومة والعقائد المشبوهة والخرافات المدسوسة التي أخرت سير المسلمين وشوهت سمعة الإسلام.

- عبدالكبير الزمراني: ولن ننسى قضية (لاَلَّة خضراء) وهي صخرة ذات شكل هندسيّ افتَتـن به النساء بمراكش، وكنّ يقربن لها القرابين، ويقدمن لها النذور ويقمن لها موسماً سنوياً إلى أن سمع بخبرها الشيخ رحمه الله فلم يتردد في تغيير هذه البدعة، والقيام بنفسه على إزالتها، ومن الغريب أنه كلما دعا عاملاً لكسرها امتنع من ذلك لِما علق بذهنه من الأوهام حولها؛ إذ ذاك رأى نفسه مضطرا لكسرها بيده، وفعلاً أخذ الفأس وكسرها، ثم وزّع أشلاءها خارج البلد.

- د.محمد رياض: إن بعض الناس حين يذكرون السلفية والإصلاح يقدمون وينوهون بالدرجة الأولى بالشيخ سيدي محمد بن العربي العلوي بدل ذكر شيخه وأستاذه شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي في المقام الأول وهو في المقام الثاني. ذلك أن الشيخ سيدي محمد بن العربي العلوي تلميذ أبي شعيب الدكالي.

مصادر للتوسع:

* شيخ الإسلام أبو شعيب الدكالي الصديقي، د. محمد رياض، ط2، 2009.

* الحركة السلفية في المغرب العربي، مجموعة مؤلفين، دار الأمان بالرباط، ط2، 2010.

* من أعلام المغرب العربي في القرن الرابع عشر، عبدالرحمن بن محمد الباقر الكتاني، دار البيارق، ط1، 2001.

:: سلسلة رموز الإصلاح


 [1] - أعلام المغرب العربي، عبدالوهاب بن منصور، ج2 ص 198 المطبعة الملكية بالرباط.

[2] - كان هناك عدد من سلاطين المغرب من أهل العلم والفضل، وعلى معتقد السلف الصالح منهم السلطان عبد الحفيظ. 

[3] - أبو حمارة كان صنيع الاستعمار، قام بثورة وقد كلف خزينة الدولة الكثير وأزهقت كثير من الأرواح للقضاء عليه وانتهت فتنته في عهد  السلطان عبد الحفيظ.

أعلى