• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل ستتدخل إيران في حرب غزة؟

تكاثرت التساؤلات هل ستشارك طهران أو أيٍ من وكلائها الإقليميين في حرب غزة، في ظل تزايد التحذيرات من قبل إسرائيل والولايات المتحدة بأن أي مشاركة إيرانية ستُقَابل برد عنيف،فإلى أي مدى تستفيد إيران من الحرب الدائرة؟وما العواقب المحتملة لتدخلها على خط المواجهة


لا يزال هجوم حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) على الكيان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر الماضي، والذي أُطلق عليه اسم "طوفان الأقصى"، يحمل في تبعاته تطورات مستمرة تتزايد كل يوم، ورغم أن الحرب لم تنتهِ بعد إلا أنها قد شكّلت بالفعل نقطة تحول تاريخية في المنطقة بأسرها، وكشفت عن روابط معقدة ومتناقضة تشكل سلوك القوى المختلفة ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وما يحركها من إيديولوجية وبراغماتية، ووسط هذه الحرب انتشرت التكهنات حول تورط إيران في هجوم حماس على إسرائيل، خاصةً بعدما تحدث مسؤوليها بصوت عالٍ للغاية مشيدين بالهجوم. في حين صدرت تصريحات إيرانية تنفي تدخلها بشكل مباشر في تلك الحرب. فما هو موقف إيراني الحقيقي من حرب غزة؟

إشـادة ونـفـيّ

في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس؛ تبارى المسؤولون في إيران للتعبير عن روح الانتصار والثقة الذي حملها هذا الهجوم، إذ يعتبرونه انتصارًا استراتيجيًا لحلفائهم ومصالحهم الإقليمية، خاصةً وأن إيران تعدّ من أشد المؤيدين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي،  وقد صدرت الإشادة بطوفان الأقصى من أعلى المستويات، فالمرشد الأعلى للبلاد "علي خامنئي"، أشاد في خطاب متلفز بهجوم حماس، وقال: "نقبل أيدي أولئك الذين خططوا للهجوم على النظام الصهيوني، إن تصرفات النظام الصهيوني هي المسؤولة عمّا حدث"، فيما قال إسماعيل الخطيب، وزير المخابرات الإيراني، في بيان: "من وجهة نظرنا فإن الأوضاع في إسرائيل بعد عاصفة الأقصى تاريخية، وفي رأيي هي نقطة انطلاق التاريخ نفسه"، مشيرًا إلى أن عملية عاصفة الأقصى قضت على واحدة من أهم الخطط الإستراتيجية والأساسية للولايات المتحدة في المنطقة.

 

إيران تحب دائما التلويح بسيوفها، لكنها تفضل البقاء بعيدًا عن خط النار المباشر، وقد أشار خامنئي نفسه إلى هذه الجزئية في خطابه حين قال: "نحن ندعم فلسطين ونضالاتها، لكن أولئك الذين يزعمون أن عمل الفلسطينيين هو نتيجة لغير الفلسطينيين، يحسبون خطأً

وقد تفاخر أحمد وحيدي، وزير الداخلية الإيراني، بقدرة الردع المتزايدة التي تتمتع بها إيران في أعقاب هجوم حماس، قائلًا إن "عدواً عاقلًا لن يدخل منطقة يعلم أنه غير قادر على تحقيق النجاح فيها، وسوف يضطر إلى سحب تهديداته، هيكلنا الدفاعي جدير بالثناء والردع في ذروته"، فيما أشاد محمد باقري، رئيس أركان الحرس الثوري الإيراني، بالمقاومين الفلسطينيين في كفاحهم ضد إسرائيل، وقال إنهم "انتقلوا من القتال بالحجارة والقبضات إلى الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات"، بعض المحللين قالوا إنه كان يشير إلى دور إيران في تعزيز قدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى نفس المنوال، قال علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري السياسة الخارجية لخامنئي، أن "هجوم حماس قد وضع إسرائيل في ضائقة استراتيجية فيما يخص اتخاذ القرار والعمليات"، ووصف إسرائيل بأنها "أهم مشروع لنظام الهيمنة في قلب العالم الإسلامي".

بالتوازي مع الإشادات، سارع كبار القادة الإيرانيين إلى نفي أي تورط مباشر لبلادهم في الهجوم، فإيران تحب دائما التلويح بسيوفها، لكنها تفضل البقاء بعيدًا عن خط النار المباشر، وقد أشار خامنئي نفسه إلى هذه الجزئية في خطابه حين قال: "نحن ندعم فلسطين ونضالاتها، لكن أولئك الذين يزعمون أن عمل الفلسطينيين هو نتيجة لغير الفلسطينيين، يحسبون خطأً، فهذا الهجوم هو من عمل الفلسطينيين أنفسهم، ونحن نحيي ونكرم مخططي هذا الهجوم"، يعكس خطاب خامنئي وغيره من القادة البارزين موقف إيران الرسمي المتمثل في النأي بالنفس عن أي مسؤولية مباشرة عن الهجوم، وبالتوازي فإن وسائل الإعلام الإيرانية ظلت تدعي الفضل في دورها غير المباشر في تقديم المساعدة والتوجيه لحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.

غموض استراتيجي

تلعب إيران لعبة الغموض الاستراتيجي في الحرب بين إسرائيل وحماس، وتُبقِي على مستوى مشاركتها وتدخلها غير واضح، وخلافًا لكثير من التوقعات لم يسمح كبار القادة الإيرانيين ـ حتى لحظة كتابة هذا المقال ـ إلا بشن هجمات محدودة من قبل حلفائهم في العراق ولبنان وسوريا واليمن، ومن المرجح أن هذه الهجمات قد تهدف إلى إظهار قوة إيران أو ربما تختبر قدرات الردع لإسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها في النهاية تبقى مجرد هجمات متفرقة وغير مؤثرة تجنبًا للصدام المباشر الذي قد يضر بمصالح إيران وأمنها، فإيران تسير على حبل مشدود بين التزامها الأيديولوجي بالقضية الفلسطينية وحساباتها العملية للمصالح والمخاطر الإقليمية، وقد تكشف تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن المعضلات والصعوبات التي تواجهها إيران في التعامل مع أصدقائها وأعدائها، وتعكس أيضا مخاوفهم وحساباتهم الداخلية.

 

بالنظر إلى المستوى العالي من الاختراق الذي تتمتع به أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في داخل النظام الإيراني، وبالتالي فإن تنسيق حماس المباشر مع إيران كان من الممكن أن يعرض خطة هجوم 7 أكتوبر لخطر جدي، وقد ينتهي بالفشل الذريع.

كانت لإسرائيل وإيران ذات يوم علاقات اقتصادية واستراتيجية وثيقة؛ حيث استوردت إيران أسلحة إسرائيلية، واشترت إسرائيل النفط الإيراني قبل الثورة الإيرانية التي قامت في عام 1979م والتي بدأت بعدها القطيعة بينهما، وعلى الرغم من أن إيران وإسرائيل كانتا في صراع منذ الثورة الإيرانية عام 1979م، إلا أنه لم تحدث حرب صريحة بينهما حتى الآن، ومع ذلك تدعم إيران وكلاء لها في المنطقة لشن هجمات مباشرة ومحددة ضد إسرائيل من حينٍ لآخر، ويبقى احتمال نشوب حرب إقليمية واسعة هو أمر حقيقي، لكن قياس احتمالية حدوث ذلك ـ خاصة وأن إيران لديها الكثير لتخسره إذا شاركت ـ هو سؤال آخر تماما، وبالتوازي مع ذلك تريد إيران في نفس الوقت الاحتفاظ بسمعتها باعتبارها القوة الخارجية الرائدة التي تقود النضال ضد إسرائيل في العالم الإسلامي، خاصة في ظل الوضع المدمر في غزة، ومن أجل تحقيق هذا التوازن الدقيق، تستخدم طهران خطابًا تحريضيًا ولكن بشكل حذر ضد إسرائيل.

ثمة أمر هام للغاية تجدر الإشارة إليه هنا؛ ففي الواقع تتمتع حركة حماس بعلاقة أكثر مرونة مع إيران، على الرغم من أن العديد من الخبراء يتفقون على أن الحركة استفادت من التمويل والتدريب وغير ذلك من أشكال الدعم الإيراني، فإن إيران لا تنسق مع حماس بالضرورة فيما يتعلق بخططها، وبالتالي لا يوجد سبب واضح للاعتقاد بأن حماس كانت ستنسق مع إيران بشأن هذا الهجوم بالذات، خاصة بالنظر إلى المستوى العالي من الاختراق الذي تتمتع به أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في داخل النظام الإيراني، وبالتالي فإن تنسيق حماس المباشر مع إيران كان من الممكن أن يعرض خطة هجوم 7 أكتوبر لخطر جدي، وقد ينتهي بالفشل الذريع.

تكهنات وترقـب حَـذر

تعقيد الهجوم المنسق بدقة من قبل حماس، والذي اتسم بمستوى عال من التنسيق والخداع، دفع الكثيرين إلى التكهن بتورط إيران، كما أثار استخدام الطائرات الشراعية تساؤلات ليس فقط حول مصدر هذه الطائرات الشراعية، بل حول كيفية تدريب نشطاء حماس على تشغيلها، وعلى الرغم من الفوائد الأولية لإيران من وراء هجوم حماس، فقد أنكرت طهران بسرعة أي مشاركة، وأعلنت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين أنه لا يوجد دليل واضح على تورط إيراني مباشر في هجوم 7 أكتوبر، لكن بالرغم من ذلك ومع تقدم الصراع، فإن المسؤولين الإيرانيين يتعرضون لضغوط متزايدة من أجل إظهار دعم طهران الواضح لحلفائها من حماس وحزب الله، ولكنها ستجد صعوبة متزايدة في توفير الأسلحة ونقلها، لا سيما في ظل صعوبة الخدمات اللوجستية في مناطق الصراع، وبسبب عدم القدرة على الموازنة بين تكثيف تسليح هذه الجماعات الآن واحترام صفقات الأسلحة مع روسيا، وأيضا في ظل ضرورة الحفاظ على قدرات إيران الدفاعية وترسانة العسكرية على أتم استعداد.

في المقابل؛ لم تكتفِ الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بالذخيرة وغيرها من العتاد العسكري، إذ نشرت حاملتي الطائرات "آيزنهاور" و"جيرالد فورد" ومجموعة سفن حربية تابعة لهما وغواصة نووية من فئة "أوهايو" كقوة ردع في شرق البحر الأبيض المتوسط، وقال مسؤولون أمريكيون إن ذلك يأتي في إطار ثني إيران عن التورط عبر وكلائها في الحرب الدائرة، لكن حتى إن لم تشارك إيران في الحرب من قريب أو من بعيد فإن تجربتها الخاصة في الدفاع لم تؤد إلا إلى تعزيز شعورها بأن الصراع والفوضى في الإقليم يعززان مصالحها، فحتى حربها مع العراق في عام 1980م كانت لصالحها من خلال الحشد وتحفيز الحالة الوطنية الشعبية، وتوطيد الدولة الثورية التي كادت أن تنقسم آنذاك، مع تشكيل قاعدة صناعية دفاعية محلية قوية، وفي نهاية المطاف تمكن النظام من البقاء بعد مراحله الأولى وحتى الوقت الراهن، كما استفادت إيران من الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، فبعدما سقط نظام صدام حسين ورثت طهران دولة عراقية ضعيفة مليئة بالعملاء الإيرانيين، كما استفادت أيضا إلى أقصى حد من الحرب الأهلية السورية، من خلال تشكيل ميليشيا شيعية عابرة للحدود للقتال في سوريا وبناء شراكة استراتيجية مع روسيا هناك في نهاية المطاف.

احتمالية دخول الحرب

ومن الشدائد تأتي الفرص، فكل حريق متتالي في المنطقة وضع طهران في موقف أقوى، لكن السؤال المهم هنا؛ هل ستتورط إيران في الحرب الدائرة الآن بشكل مباشر؟، على الأغلب لا، فهناك الكثير مما يمكن خسارته بالنسبة لإيران، والذي يمكن إيجازه في النقاط التالية:

* إذا قامت إيران بضرب إسرائيل بشكل مباشر، فإن ذلك سيكون له آثار أوسع على حرب إقليمية يمكن أن تجتذب ليس إسرائيل والولايات المتحدة فحسب، بل الكثير من الدول العربية والإقليمية والغربية إليها، ولا شك أن الاقتصاد الإيراني المتدهور قد لا يتحمل حربًا واسعة كتلك.

* تسير إيران على مسار تصاعدي للتقارب مجددًا مع الولايات المتحدة ودول أخرى، حيث وافقت مؤخرًا على صفقة تبادل السجناء في سبتمبر، تمَّ بموجبها الإفراج عن مواطنين أمريكيين محتجزين لديها مقابل إطلاق سراح 5 إيرانيين والحصول على أصول بقيمة 6 مليارات دولار، ستخسر إيران كل ذلك التقارب وستزداد عزلتها مجددًا بمجرد دخولها الحرب.

* أحرزت إيران مع بعض الجهات الفاعلة الإقليمية؛ مثل السعودية والإمارات، تقدمًا في تخفيف التوترات مع إيران ورسم مسار للأمام لإدارة صراعاتها المختلفة، ويبدو أن وضع ذلك على المحك لمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر أمر غير مرجح الآن، كما أن الحرب المستعرة حاليًا قد أوقفت أي مفاوضات تطبيع مؤقتا.

* قد لا يتدخل حزب الله بشكل مباشر في الحرب، لا سيما وأنه قد خاض حربًا مع إسرائيل في جنوب لبنان عام 2006م، انتهت بخسائر للطرفين وانسحاب إسرائيلي ونشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في المنطقة هناك، ولا شك أن حزب الله يتحسّب فاتورة الحرب من الآن قياسًا بما حدث في 2006م، يُضاف إلى ذلك أن الدور الأساسي الذي يلعبه حزب الله في النظام الثيوقراطي الإيراني هو بمثابة قوة ردع ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل على إيران، وبالتالي فإن إيران ستخسر أحد أهم وسائل الردع لديها ضد إسرائيل إذا تعرض حزب الله لأضرار جسيمة، وفي ظل هذا السياق فإنه حتى لو تعرضت حماس لانتكاسة شديدة، فمن غير المرجح أن تدفع إيران بحزب الله إلى بدء حرب مع إسرائيل.

* لن ترغب إيران في المخاطرة بأي تصعيد كبير قد يفرض عليها اتخاذ قرار بشأن التدخل العسكري المباشر، لقد كانت استراتيجية إيران دائمًا تتمثل في توفير الدفاع الأمامي من خلال مجموعاتها الوكيلة واتباع سياسة تتسم بأقصى قدر من المرونة التكتيكية، مع الاستفزاز الذي يحوم على عتبة المواجهة دون أن يمتد إلى حرب صريحة، بمعنى آخر ستُبقي طهران على تسجيل نقاط دعائية من الأزمة دون إثارة حرب أوسع نطاقًا.

* مع تصاعد التوترات في منطقة جغرافية بعيدة عن إيران، يتزايد صرف الأنظار بعيدًا عن حدودها، وبالتالي ينخفض التركيز على التهديد النووي الإيراني المتزايد، وسجل حقوق الإنسان، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

إسرائيل وإيران منخرطتان في حرب باردة متعددة الأبعاد ضد بعضهما البعض منذ فترة طويلة، وفي السنوات القليلة الماضية تزايدت العمليات السرية التي نفذتها إسرائيل ضد إيران، وكذلك العمليات العلنية التي نفذتها ضد أفراد وأصول إيرانية في سوريا، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية التي تشنّها إسرائيل ضد البنية التحتية الإيرانية والاغتيالات التي استهدفت القادة العسكريين والعلماء النوويين في إيران، وبالتالي فإنه يمكن اعتبار إيران مستفيدة من الحرب الجارية الآن والتي قد تشكل انتقامًا غير مباشر من الكيان الإسرائيلي على أفعاله السابقة، لا سيما وأن حماس قد نجحت في تحطيم الوهم القائل بأن عدو إيران اللدود لا يقهر، لا سيما وأنه خلال السنوات الأخيرة نجحت إسرائيل في خلق قدرة عسكرية واستخباراتية إلى جانب إنفاقها الدفاعي الضخم وغطاء الحماية من نظام الدفاع الصاروخي المتطور (القبة الحديدية)، فكرة وجود عدو لا يُهزَم، بيد أن هجوم السابع من أكتوبر الذي شنّته حماس كشف عددًا كبيرًا من نقاط الضعف الإسرائيلية التي احتفى بها الحرس الثوري الإيراني، مستخدمًا الهجوم الأخير في دعايته الخاصة لإثارة المزيد من الشك حول القدرة الإسرائيلية ولرفع معنويات عناصره ووكلائه، وغالب الظن أن هجوم حماس الأخير وما تلاه من تبعات لن يُخرج إسرائيل وإيران من حرب الظل المستمرة بينهما إلى مواجهة مباشرة، سيسعى كل طرف في الغالب إلى تجنب الاشتباكات المفتوحة التي من شأنها أن تخاطر بإثارة حرب شاملة، فيما ستتواصل التصريحات النارية بينهما والتي لا تعدو كونها ضجيجًا بلا طحين.

 

أعلى