من رئيس إيران القادم؟

اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران وتم إغلاق باب الترشح، وقد بدأت التوقعات والتحليلات التي تتطرق إلى دور وطبيعة الرئيس الإيراني القادم منذ لحظة إعلان وفاة "إبراهيم رئيسي"، وما زالت تتلاحق للإجابة عن السؤال من سيكون الأوفر حظا للفوز بمنصب الرئاسة؟


أثارت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي - الذي كان يُنظَر إليه ذات يوم على أنه خليفة محتمل للمرشد الأعلى علي خامنئي - سباقًا محتدمًا بين المتنافسين المحتملين الذين يرجون في ظهور أسمائهم على بطاقات الاقتراع، فبعد فترة تسجيل مدتها 5 أيام، سيقوم مجلس صيانة الدستور المكون من 12 عضوًا من رجال الدين المتشددين، بفحص المرشحين للرئاسة، وتشير التكهنات في أغلبها إلى أن قائمة المرشحين المؤهلين التي ستُعلن في 11 يونيو سيهيمن عليها المرشحون المتشددون، لكن يرى بعض المراقبين أن المعتدلين ربما سيفسح لهم المجال لخوض السباق الرئاسي في 28 يونيو الجاري، كسب زخم شعبي للانتخابات.

مرشحون محتملون

قدّمت شخصيات بارزة ملفات ترشحها، ووصل العدد إلى 80 مرشحًا تقدموا بملفاتهم لدى لجنة الانتخابات، فيما تم رفض أكثر من 100 طلب آخر لعدم استيفاء المتطلبات، وتدور التوقعات الآن حول من سيتم قبول ملفه من عدمه، نلقي هنا نظرة سريعة على أبرز الأسماء التي قدمت ملفات ترشحها بعدما أُغلِقَ باب التسجيل في 3 يونيو

محمد باقر قليباف:

قدّم رئيس مجلس الشورى الإيراني، المحافظ محمد باقر قليباف، طلب ترشحه، حيث تعدّ هذه هي المرة الرابعة التي يترشّح فيها محمد باقر للرئاسة بعد محاولات في 2005 و2013 و2017، وفي آخر محاولة انسحب لصالح رئيسي الذي حل ثانيًا بعد الرئيس السابق حسن روحاني. الرجل البالغ من العمر 62 عامًا كان قائدًا سابقًا لسلاح الجو في قوات الحرس الثوري، وشارك في الحرب الإيرانية العراقية، سبق وأن تولى منصب رئيس بلدية طهران من العام 2005 حتى 2017، وكان قبل ذلك قائد قوات الشرطة الإيرانية، وتم انتُخابه رئيسًا للبرلمان الإيراني الجديد في 28 مايو، علمًا بأنه تولى المنصب ذاته في البرلمان السابق، ومع ذلك يواجه هو وعائلته العديد من اتهامات الفساد، مما يجعله هدفًا سهلاً من قبل المعسكرات المتنافسة.

 

 المرشحين عادةً ما يسجلون أنفسهم بشكل مستقل عن تياراتهم ويحصلون لاحقًا على دعم واحدة أو أكثر من الجبهات التي تتشكل في وقت الانتخابات، وبالتالي قد يكون هناك عدة مرشحين من نفس التيار السياسي

علي لاريجاني:

رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني هو أحد الأعضاء البارزين بالتيار المحافظ، وهو مستشار وحليف للمرشد الإيراني علي خامنئي، وهو عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام وهي هيئة استشارية عليا مكلفة بتسوية النزاعات، وقد منع مجلس صيانة الدستور، لاريجاني، من الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2021، لكن تقارير إعلامية أفادت بأن لاريجاني قرر الترشح بعد أن أكد له مسؤولون كبار أن المجلس لن يستبعده، ولم يذكر المصدر سببًا لتغير هذا الموقف. كان لاريجاني في البداية شخصية سياسية محافظة، وطور علاقات وثيقة مع الإصلاحيين خلال رئاسة روحاني عندما شغل منصب رئيس البرلمان.

سعيد جليلي:

سعيد جليلي، كبير المفاوضين السابق في الملف النووي ومدير مكتب خامنئي لأربع سنوات بدأت في 2001، وهو أول الشخصيات البارزة من غلاة المحافظين الذي سجل اسمه لخوض الانتخابات هذا العام، لكن مع تقديم قاليباف ترشيحه، يعتقد الخبراء أن فرص جليلي في الوصول إلى خط النهاية أصبحت صعبة.

إسحاق جهانغيري:

إسحاق جهانغيري هو نائب الرئيس السابق في إدارة حسن روحاني وأحد مؤسسي حزب مديري البناء الإصلاحي (كارغوزاران)، يعدّ جهانغيري من مرشحي الجانب الإصلاحي والمعتدل، وكان جهانغيري قد تم استبعاده من الانتخابات الرئاسية السابقة، وإذا سُمح له بالترشح هذه المرة، فسوف يتمكن من الاستفادة من دعم المعسكر الإصلاحي وتحدي نظرائه المحافظين.

عبدالناصر همتي:

عبدالناصر همتي هو المحافظ السابق للبنك المركزي الإيراني، وقد ترشح للرئاسة من قبل لكنه فشل في حشد قاعدة دعم كبيرة، ويعدّ همتي من المحسوبين أيضا على التيار الإصلاحي والمعتدل، وينتمي لنفس الحزب الذي ينتمي إليه جهانغيري.

محمود أحمدي نجاد:

رغم أن الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يتمتع بشعبية كبيرة بين الطبقة الفقيرة في البلاد، إلا أنه يعتقد على نطاق واسع أن نجاد ليس له مكان في الانتخابات المقبلة، وذلك بعدما تحول إلى منتقد للنخبة الحاكمة في البلاد والتي بالكاد باتت تتسامح معه، يُذكر أنه قد تم استبعاد نجاد ـ الذي شغل منصب رئيس إيران من عام 2005 إلى عام 2013 وخرج لاحقًا من حظوة القيادة العليا في البلاد ـ في الانتخابات الرئاسية لعامي 2017 و2021.

وحيد حقانيان:

وحيد حقانيان هو قائد سابق في الحرس الثوري الإيراني ومساعد مقرب من المرشد علي خامنئي، وقد ذكر حقانيان أن تأهله يستند إلى "خبرة تمتد 45 عاما قضاها في هيئة الرئاسة ومكتب المرشد"، وهو مدرج على قائمة أمريكية للعقوبات، حيث فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على حقانيان في عام 2019 ضمن 9 أفراد من الدائرة المقربة لخامنئي المسؤولة عن زيادة القمع الداخلي والخارجي.

زهرة اللهيان:

تقدمت النائبة المتشددة زهرة اللهيان، بطلب ترشحها قبل يومين لتصبح أول مرشحة للرئاسة في البلاد، وباعتبارها من أشد المؤيدين للمرشد علي خامنئي، فمن المحتمل أن تصبح أول امرأة على الإطلاق يُسمح لها بالترشح إذا وافق عليها مجلس صيانة الدستور، هي طبيبة وعضو سابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، وكانت نائبة في البرلمان مرتين، كانت واحدة من 227 مشرعًا وقعوا على رسالة تطالب بإعدام المتظاهرين في أعقاب انتفاضة 2022 إثر مقتل الشابة مهسا أميني، أثناء عملها كعضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، وقد فرضت كندا عقوبات عليها لتأييدها عقوبة الإعدام للمتظاهرين آنذاك، بسبب مواقفها المتشددة حيال حياة المرأة الإيرانية، تنظر إليها بعض الإيرانيات على أنها "كارهة للنساء ومناهضة للمرأة"، يذكر أنه بموجب القوانين الإيرانية لا يُسمح للمرأة بالترشح لمنصب الرئيس، لكن مصير ترشيحها يتوقف على قرار وتفسير مجلس صيانة الدستور الذي سيصدر خلال أيام قليلة.

 

 قائمة المرشحين الحالية تتشكل في غالبيتها ممن يُحسبون على التيار المحافظ، إذ لا تزال القوى الإصلاحية تفتقد لوجود شخصيات قوية لدخول المعترك الانتخابي

أسماء أخرى:

من بين أبرز المرشحين الذين سجلوا أسماءهم أيضا: بالإضافة إلى اثنين من الوزراء الحاليين، وهما وزير الطرق والتنمية الحضرية مهرداد بازرباش، ووزير التعاونيات صولات مرتضوي، وهناك أيضا عمدة طهران علي رضا زاكاني، المرشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 والذي انسحب لاحقًا لصالح رئيسي، ومحمد مهدي إسماعيلي، وزير الثقافة في حكومة رئيسي.

انتخابات طارئة

كان من المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الأساس في عام 2025، لكن تم تقديم موعدها بعد مقتل رئيسي في 19 مايو، حيث لقي رئيسي و7 من مرافقيه بمن فيهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان حتفهم، عندما تحطّمت مروحيتهم في منطقة جبلية في شمال إيران، بعد إغلاق التسجيل، إن مجلس صيانة الدستور سيعلن أسماء المرشحين المؤهلين في 11 يونيو، ويمكن أن يتراوح عدد المرشحين المؤهلين من حوالي 4 إلى 10، بناءً على ما جرى خلال الانتخابات السابقة، وسيكون أمام المرشحين المعتمدين أسبوعين للقيام بحملاتهم قبل يوم الانتخابات الذي سيوافق 28 يونيو، ومن المقرر أن تجرى جولة الإعادة في 5 يوليو إذا لم يحصل أي من المرشحين على أكثر من 50% من الأصوات التي تم الإدلاء بها.

هناك العديد من الأحزاب والمجموعات السياسية في وقت الانتخابات في إيران، لكن المرشحين عادةً ما يسجلون أنفسهم بشكل مستقل عن تياراتهم ويحصلون لاحقًا على دعم واحدة أو أكثر من الجبهات التي تتشكل في وقت الانتخابات، وبالتالي قد يكون هناك عدة مرشحين من نفس التيار السياسي في نفس الانتخابات مع أو بدون تأييد الجبهة السياسية التي ينتمون إليها. وفي سياق متصل؛ لم يُسمح لأي امرأة بالترشح للرئاسة منذ عام 1979، لكن مجلس صيانة الدستور قضى في عام 2021 بعدم حظر ذلك قانونًا، وكانت امرأة قد دخلت السباق في عام 1997، لكن ترشيحها رُفض، وفي هذا العام، قدمت 4 نساء، جميعهن نائبات سابقات، ترشحهن، تعدّ زهرة اللهيان أكثرهن شهرة.

قائمة المرشحين الحالية تتشكل في غالبيتها ممن يُحسبون على التيار المحافظ، إذ لا تزال القوى الإصلاحية تفتقد لوجود شخصيات قوية لدخول المعترك الانتخابي، وفي حين يأمل المعتدلون والإصلاحيون أن تؤدي وفاة رئيسي إلى تسهيل عودتهم إلى الحياة السياسية، يبدو أنهم تجاهلوا أن عزلتهم واستبعادهم من النشاط السياسي ليس نتيجة لمنافسة ديمقراطية مع رئيسي وغيره من المتشددين، بل بسبب منافستهم مع مبادئ النظام القائم ومعارضتهم للمرشد الأعلى علي خامنئي.

الكلمة الأخيرة

تشير التوقعات إلى أن نسبة المشاركة ستتأثر بسبب محدودية الاختيار في صناديق الاقتراع وسط تزايد السخط بشأن مجموعة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وضمن المزيج المعقد في إيران من الحكام الدينيين والمسؤولين المنتخبين، يتمتع المرشد الأعلى علي خامنئي بالكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة مثل السياسات النووية والخارجية، وصولًا إلى اختيار الرئيس المنتخب الذي سيشرف على معالجة الصعوبات الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.

سيكون اسم الفائز محصورًا في قائمة قصيرة تحظى جميعها في الغالب بصفات متقاربة؛ وبالتالي سيكون الرئيس القادم لإيران ذي مكانة دينية متينة يتسامح معها كبار رجال الدين في قم، وكذلك المؤسسة الدينية داخل الدولة، مع تمتعه بخبرة سياسية دون أن يلوثه إلى حد كبير الفضائح الكبرى، ويجب أن يتمتع بهالة تجعله يحظى باحترام الحرس الثوري القوي، ومن الأفضل أن يتمتع ببعض الروابط الثورية التي تربطه بالخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، مع ضرورة تمتعه ببعض الكفاءة في إدارة العلاقات الدولية إذ سيكون الزعيم الجديد في قلب ما يسمى "محور المقاومة"، التكتل المكون من حركات وميلشيات منتشرة في جميع أنحاء المنطقة من فلسطين إلى جنوب لبنان وسوريا والعراق واليمن، وسوف يرث بنية تحتية نووية قادرة على صنع قنبلة ذرية يومًا ما.

مع أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التعامل مع مسألة اختيار أصحاب المناصب الحيوية المؤثرة، يعرف خامنئي أفضل من أي إيراني آخر، من سيفوز بالمنصب، وعندما يقول في تصريحه عقب وفاة رئيسي إنه "لن يكون هناك أي تغيير كبير"، فهو يعني ذلك بالفعل، لأنه يعرف من سيعقب رئيسي في المنصب الرئاسي.

 

أعلى