هل اقتربت إيران من صنع القنبلة النووية؟

أصبحت إيران الآن أكثر تقدمًا في برنامجها للأسلحة النووية أكثر من أي وقت مضى، حيث تنتج مخزونات من اليورانيوم المخصب حتى درجة نقاء 60٪، وتقترب من 90٪ من المواد الصالحة لصنع الأسلحة، بات بإمكان إيران أن تنتج ما يكفي من المواد الانشطارية لبناء سلاح نووي في غض


عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، دأبت إدارته على توجيه النظام المالي العالمي إلى ممارسة أقصى أنواع الضغوط ضد طهران، وبعد أشهر أسفرت حملته للضغط الأقصى عن أكثر من 1500 عقوبة ضد إيران جنبًا إلى جنب مع عقوبات عديد ة على الشركات والأفراد الذين مارسوا أنشطة اقتصادية مع إيران، حدثت حالة من النزوح الجماعي للشركات والمؤسسات المالية التي فضلت التخلي عن استثماراتها في إيران على المخاطرة بفرض عقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية عليها، كان المأمول من وراء كل ذلك إضعاف إيران اقتصاديًا للدرجة التي تجعلها تخضع راضخة للضغوط الأمريكية، وتتخلى تماما عن حلم القنبلة النووية، وبينما كان التضييق الاقتصادي مستمرًا؛ رحلت إدارة ترامب ومن بعده سقطت حكومة نتنياهو، وجاءت إيران برئيس جديد متشدد، قال في أول خطاباته صراحةً "لن نربط ظروف حياة الأمة بإرادة الأجانب"، وهو ما يعني أن العقوبات المفروضة على بلاده بسبب ملفها النووي والتي تترك آثارًا سلبية على الاقتصاد، لن تجعل حكومته تتراجع عن حلم القنبلة النووية، فإلى أي مدى باتت إيران على مقربة من صنعها؟

 منذ مطلع يناير الجاري، تستضيف فيينا الجولة الثامنة من المفاوضات النووية بين إيران وممثلين عن روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا لإحياء الاتفاق النووي المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، فيما يشارك وفد أمريكي بطريقة غير مباشرة، تعتبر القوى الغربية أن هذه المفاوضات هي الفرصة الأخيرة أمام الإيرانيين من أجل حلحلة الوضع الراهن والخروج من الأزمة، لم تجر أي مفاوضات دولية رسمية مع طهران منذ يونيو الماضي، أي قبل شهر من انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران، وهو الذي سعى منذ انتخابه للحصول على شروط أكثر ملاءمة بشأن الاتفاق النووي، وأصرّ على أن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات عن كاهل الاقتصاد الإيراني مقابل وقف الأنشطة النووية، على النقيض فإن القوى الغربية لا تريد أن تسترسل مع إيران في مفاوضات لا تنتهي، تكسب من خلالها إيران مزيدًا من الوقت من أجل الاقتراب من صنع قنبلتها النووية، وقد حذر المسؤولون الأمريكيون مرارًا من أن الوقت ينفد لاستعادة الاتفاق النووي، وأوضحوا أنهم عملوا على تطوير ما يسمى بخيارات "الخطة ب" في حالة فشل الدبلوماسية واختارت إيران صنع القنبلة، وزارة الخارجية البريطانية شددت على أنه "لو انهارت المفاوضات مع إيران ستصبح كل الخيارات مطروحة"، وهو التصريح ذاته الذي صرّح به الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، لوسائل الإعلام، حين قال: "الدبلوماسيون في الصدارة في هذا الأمر، لكن القيادة المركزية لديها دائمًا مجموعة متنوعة من الخطط التي يمكننا تنفيذها إذا تم توجيهنا لفعل ذلك".

 يسمح الاتفاق النووي لإيران بتخصيب اليورانيوم بما لا يزيد عن 4٪، وهو مستوى مناسب لتزويد محطة للطاقة النووية بالوقود، لكن وفقًا لبيانات وكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أصبحت إيران الآن أكثر تقدمًا في برنامجها للأسلحة النووية أكثر من أي وقت مضى، حيث تنتج مخزونات من اليورانيوم المخصب حتى درجة نقاء 60٪، وتقترب من 90٪ من المواد الصالحة لصنع الأسلحة، بات بإمكان إيران أن تنتج ما يكفي من المواد الانشطارية لبناء سلاح نووي في غضون شهر، ويمكن لها أن تنتج سلاحًا ثانيًا في أقل من ثلاثة أشهر، ثم ثالثًا في أقل من خمسة أشهر، كما أن إيران تمنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى منشآتها منذ شهور، لكن حتى إذا ما تمكنت إيران من تكديس ما يكفي من الوقود لصنع قنبلة، فإنها لم تقم بعد بتصميم رأس نووي صغير بما يكفي ليتم تثبيته فوق أي سلاح من ترسانتها المكونة من 3000 صاروخ باليستي، كما لم تُظهر إيران قدرتها حتى الآن على بناء مركبة قادرة على تحمل الحرارة الشديدة والضغط والاهتزازات الناجمة عن إطلاق أي سلاح محمّل برأس نووي، وتطوير هذه القدرات من خلال برنامج اختبار دقيق سيستغرق من إيران أكثر من عام، الشيء المؤثر الذي فعله الإيرانيون خلال السنوات الثلاث الماضية هو أنهم بنوا منصة صواريخ باليستية ذات قدرة عالية، وفي يناير 2020 أطلقت إيران أكثر من 10 صواريخ باليستية من طراز "قيام 1" و"فتح 313" أصابت قاعدتين عراقيتين يتمركز بهما مئات الجنود الأمريكيين، ضُرِبَت تلك الصواريخ على بعد أمتار قليلة من أهدافها، ونجحت في تحويل المباني في القاعدتين إلى أنقاض مشتعلة.

 على خط المواجهة المباشرة مع برنامج إيران النووي، تقف إسرائيل بالمرصاد، حيث ترى فيه تهديد موضوعي لأمنها، بل لوجودها من الأساس، لذا فإن التعهدات العلنية مستمرة من قبل مسؤولي جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن إيران لن تحصل أبدًا على أسلحة نووية، وهناك محاولات دؤوبة لذلك من خلال تنفيذ ضربات عسكرية ضد منشأت إيرانية في العمق السوري، إلى جانب عمليات استخباراتية تتضمن اغتيال علماء إيرانيين على الأراضي الإيرانية ذاتها، صحيح أن إسرائيل لم تؤكد هذه المزاعم ولم تنفها، لكنها أعربت مرارًا منذ فترة طويلة عن استيائها من الاتفاق النووي، وفي الكواليس هناك رغبة صهيونية جامحة لجعل البرنامج النووي الايراني ينتهي إلى نفس مصير البرنامجين العراقي والسوري، لكن ثمة فروق جوهرية بين النموذجين؛ ففي الحالة العراقية والسورية كان الأمر مقتصرًا على مواقع فردية تعرضت للهجوم والتدمير من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، أما الإيرانيون فقد بنوا مواقعهم النووية بعناية وحفروها في أعماق الأرض، كما أن المعرفة النووية الإيرانية تعتمد على القدرات والعقول المحلية، وبالرغم من اغتيال إسرائيل لبعض العقول المسؤولة عن البرنامج النووي الإيراني إلا أن هذا لم يمنع استبدالهم بآخرين، فلا يمكن اغتيال المعرفة بمجرد الحصول عليها، كما أن إعلان إسرائيل عن نيتها لتدمير البرنامج الإيراني بعملية عسكرية مباشرة لا يعني بالضرورة أنها ستكون مستعدة لدفع ثمن القيام بذلك، خاصةً وأن سقوط عدة صواريخ بدائية الصنع تطلقها حركة حماس أو غيرها من الحركات الفلسطينية على الأراضي المحتلة، يجعل الكيان الصهيوني يعيش في حالة من القلق والذعر إلى جانب الارتباك الاقتصادي والأمني، وهذا أمر يؤخذ بعين الاعتبار كلما ارتفعت وتيرة دق طبول الحرب مع إيران.

 هناك إصرار من الإيرانيين على أن برنامجهم النووي لأغراض سلمية، لكن في المقابل فإن الأمريكيين ومعهم الإسرائيليين يصرّون على أن إيران لديها الآن القدرة على تخصيب اليورانيوم وإنتاج مواد انشطارية بدرجة تقرّبها من صنع قنبلة نووية، ما يقلق الأمريكيون والإسرائيليون أكثر هو أن إيران طرف سيء عازم على توسيع نفوذه في الشرق الأوسط، سواء بشكل مباشر كما فعلت قواتها العسكرية والجماعات السياسية التي تدعمها في العراق وسوريا، أو من خلال تمويل وتجهيز وكلاء مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ومن الناحية العملية فإن طهران متورطة في كل صراع خطير في الشرق الأوسط، وتقف دائما إلى جانب أعداء أمريكا، وهو ما يجعل تخفيف الضغوط الاقتصادية عنها أمرًا شبه مستحيل في الوقت الحالي بسبب ضغط الجمهوريين وبعض الديمقراطيين وإسرائيل، أمام الإيرانيين الآن نموذجان للاقتداء بأحدهما، إما نموذج كوريا الشمالية التي انضمت إلى النادي النووي في عام 2006 حين تجاوزت عتبة صنع القنبلة النووية، لكن هذا النموذج سيجعل إيران عرضة لعقوبات قاسية للغاية مع احتمالية توجيه ضربة عسكرية دولية إليها، أو نموذج اليابان، تلك التي امتلكت منذ أواخر الستينيات جميع التقنيات الرئيسية للأسلحة النووية، حينها كانت اليابان تواجه نفس الخيار الذي تواجهه إيران اليوم، لكنها في النهاية قالت لا للأسلحة النووية.

 

أعلى