الجنرال تياني.. قائد الانقلاب العسكري في النيجر

كان تياني  حليفًا قويًا للرئيس السابق محمدو إيسوفو، أبقى بازوم على تياني  ومنحه ثقته، لكن العلاقات بينهما تدهورت في الأشهر القليلة الماضية، وأشارت عدة تقارير إلى أن بازوم كان يفكر في عزل تياني  من هذا المنصب لكنه سبقه وعزله هو.


حين أحبط القائد العسكري المخضرم انتفاضات سابقة في النيجر، الدولة المضطربة الواقعة في غرب إفريقيا، لم يكن بخلده أن يومًا ما سيأتي ليقود انقلابًا عسكريًا يتولى على إثره قيادة البلاد، فالرجل الذي كثيرًا ما تجنب الأضواء برغم مسيرته العسكرية الطويلة ظل دائما في الخلفية دون أن يُعرَف عنه الكثير، إلا أن يوم الجمعة الماضية قد أتى باسمه ليتصدر كل وسائل الإعلام بعدما نصّبَ نفسه زعيمًا للنيجر في أعقاب اعتقال الحرس الرئاسي للرئيس محمد بازوم واحتجازه في القصر الجمهوري، فمن هو الجنرال عبدالرحمن تياني ، قائد الحرس الرئاسي في النيجر الذي تولى السلطة بعد الانقلاب العسكري الأخير هناك؟

 

كان الانقلاب العسكري الأخير مفاجأة للعديد من المراقبين، خاصةً وأن النيجر تشهد فترة من الاستقرار السياسي منذ أن تم انتخاب بازوم رئيسًا، الذي تم انتخابه منذ عامين في أول انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة

من الظـل إلى الواجهة

وُلِدَ الجنرال عبدالرحمن تياني  في 15 نوفمبر 1964م، في فيلينج، وهي منطقة قاحلة تبعد حوالي 200 كيلومتر شمال غرب نيامي عاصمة النيجر، التحق بالأكاديمية العسكرية في النيجر عام 1983م وتخرج منها عام 1987م، وبعد تخرجه التحق بجيش البلاد حيث خدم في العديد من الوحدات العسكرية المختلفة، في عام 2011م تم تعيينه قائدًا للحرس الرئاسي، حيث كانت هذه الوحدة دائما بمثابة نقطة انطلاق بعض الضباط للاستيلاء على السلطة، وقد نجح تياني  خلال السنوات الماضية في تحويلها إلى قوة متطورة ومزودة بأسلحة حديثة.

الجنرال تياني  ليس معروفًا خارج الدوائر العسكرية، يقول منتقدوه إنه شخصية متشددة ومثيرة للجدل، لكن المقربين منه يصفونه بأنه شجاع وجدير بالثقة ويتمتع بشعبية كبيرة بين الجنود، استطاع ببراعة في الماضي القضاء على عدة محاولات انقلابية، لا سيما في عامي 2021م و2022م، وقد ورد اسمه في قضية انقلاب فاشلة في عام 2015م مما أثار جدلًا واسعًا، ولكن لم تتم إدانته آنذاك، لا يحظى بإجماع كبير على شخصيته داخل صفوف الجيش بسبب تجاوزه التسلسل الهرمي العسكري الطبيعي وصعوده المتسارع نحو قيادة الحرس الرئاسي، إلى جانب إقالته لعددٍ من الضباط الكبار خلال مسيرته المهنية، بالرغم من ذلك قد يكون من الصعب جدًا تقييم سمعته في الجيش، خاصةً وأن هناك انقسامات داخلية كثيرة تتعلق بتنظيم القوات المسلحة وخلافات طائفية وعرقية، وفي الإطار يظل تياني  لديه أنصار ومعارضون بين صفوف الجيش.

كان تياني  حليفًا قويًا للرئيس السابق محمدو إيسوفو، سلف بازوم، الذي عيّنه رئيسًا للحرس الرئاسي في عام 2011م، وقد أبقى بازوم على تياني  ومنحه ثقته كرئيس للحرس الرئاسي بعد مهمة أنجزها العام الماضي حين أفشل محاولة انقلابية للاستيلاء على السلطة، لكن العلاقات بينهما تدهورت في الأشهر القليلة الماضية، وأشارت عدة تقارير إلى أن بازوم كان يفكر في عزل تياني  من هذا المنصب الاستراتيجي، وأن قرار استبدال تياني  كان مقررًا في اجتماع لمجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي، في المقابل كانت هناك تكهنات بأن تياني  كان يفكر في أمر الانقلاب منذ فترة، لا سيما وأنه كان الابتعاد عن المشاركة في الاحتفالات والأنشطة الرسمية التي يحضرها الرئيس، وكان يرسل نائبه العقيد إبراه أمادو بشارو، ومع قدوم يوم الأربعاء 26 يوليو 2023م، قاد الجنرال تياني  ـ البالغ من العمر 50 عامًا ـ مجموعة من الضباط في انقلاب عسكري مباغت أطاح بالرئيس بازوم، حيث أعلن تعليق العمل بالدستور وفرض حظر التجوال وإغلاق حدود البلاد، وبعد مرور يومين أعلن تياني  نفسه رئيسًا للمجلس العسكري الأعلى الذي يحكم النيجر حاليًا.

النيجر بين فقر واضطراب

النيجر دولة فقيرة رغم أن أراضيها تحتوي على ثروات ضخمة من اليورانيوم، وقد شهدت 4 انقلابات منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960م، ناهيك عن عدة محاولات انقلابية فاشلة، إلى جانب أنها تعاني من عنف الجماعات الإرهابية مثل جيرانها، لكنها بالرغم من كل ذلك قد برزت في السنوات الأخيرة كقوة مستقرة نسبيًا في المنطقة وكحليف رئيسي للغرب في التعامل مع الإرهاب والعنف.

كان الانقلاب العسكري الأخير مفاجأة للعديد من المراقبين، خاصةً وأن النيجر تشهد فترة من الاستقرار السياسي منذ أن تم انتخاب بازوم رئيسًا، الذي تم انتخابه منذ عامين في أول انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة في النيجر منذ الاستقلال عن فرنسا، في ظل عدم وجود مؤشرات على توترات داخل الجيش أو بين القادة العسكريين والمدنيين لم يكن الانقلاب متوقعًا، فعلى عكس ما حدث في مالي أو بوركينا فاسو في السنوات الأخيرة، لم يسبق الانقلاب احتجاجات واسعة النطاق أو دعوات شعبية لتغيير القيادة، وبالتالي لم يكن هناك ما يشير إلى أن انقلابًا على وشك الحدوث، يبرر قادة المجلس العسكري الجديد بأن انقلابهم كان حتميًا نتيجةً لعدد من المشكلات الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات ولأن الرئيس بازوم لم يكن قادرًا على حماية الأمة من العنف المتزايد، لكن بعض المحللين يقولون إن هذه مجرد ذريعة للاستحواذ على السلطة.

مع كل انقلاب سابق سمحت الظروف لقادة الانقلاب تبرير أفعالهم على أنها ضرورية، أو على الأقل مبررة ومفهومة لأسباب منطقية، لكن لا يبدو أن هذا صحيح بالنسبة لعملية استيلاء الجيش الأخيرة على السلطة، فبعد الانقلاب أعلن تياني  أنه سيعيد النيجر إلى الديمقراطية، ووعد بإجراء انتخابات في المستقبل القريب، لكن من غير الواضح متى سيحدث ذلك، كما قال إنه لن يغيّر دستور البلاد، لكن من المحتمل أنه سيستخدم الانقلاب لتوطيد سلطته، وصرّح في خطاب متلفز: "لم يعد بإمكاننا الاستمرار في نفس النهج، خاصةً مع المخاطرة بمشاهدة الزوال التدريجي والحتمي لبلدنا، ولهذا قررنا التدخل وتحمل المسؤولية".

 

هناك خشية غربية أيضا من تعزيز النفوذ الروسي في غرب إفريقيا إذا ما تقاربت روسيا مع الانقلابين، صحيح أن الوضع العام في النيجر ليس مروعًا كما هو الحال في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين

مستقبل مجهول

من غير الواضح ما يخبئه المستقبل للنيجر، فهذا هو الانقلاب العسكري الخامس في النيجر ويمثل سقوط واحدة من آخر الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا في منطقة الساحل والصحراء، ولا شك أن هذا الانقلاب ستكون له تأثيرات ملحوظة على مستقبل البلاد التي تواجه تحديات كبيرة، وكذلك استقرار هذه المنطقة من القارة الأفريقية أيضا، ويمكننا إيجاز الملامح المستقبلية المرتقبة في النقاط التالية:

* يأتي الانقلاب العسكري في النيجر في ظل تحديات كبيرة تواجه البلاد، ومن أبرز هذه التحديات نقص الموارد والفقر المدقع والتطرف والعنف، ويمثل الانقلاب تحديًا كبيرًا للجهود التي كانت تُبذَل لمعالجة هذه المشكلات، إذ قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وبالتالي تفاقم المشاكل الاقتصادية والأمنية، كما أن الأزمة السياسية قد تقود البلاد إلى عزلة دولية.

* يثير انقلاب النيجر قلقًا كبيرًا في المنطقة الأفريقية المحيطة، فالنيجر دولة تقع في قلب الصحراء الكبرى وتحدها دول مثل ليبيا ومالي وتشاد ونيجيريا، وهي تعاني جميعها بالأساس من تحديات أمنية كبيرة، وإذا لم يتم العمل على إعادة الاستقرار بشكل سريع وفعال في النيجر، فإن الأوضاع لا محالة ستتفاقم لدى الجميع.

* يخشى الغرب من أن الانقلاب قد يعرقل الدور الذي يقوم به النيجر في مكافحة بعض الجماعات المسلحة، وهو ما قد يضر بالمصالح الغربية في تلك المنطقة، إذ يُنظر إلى النيجر على أنها آخر شريك موثوق للغرب في منطقة الساحل والصحراء بأفريقيا في جهود محاربة الجماعات المسلحة والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش في أفريقيا، لدى فرنسا في النيجر 1500 جندي ولدى الولايات المتحدة 1000 آخرين يقومون بعمليات مشتركة مع جيش النيجر، وقد ساعدت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى في تدريب قوات النيجر.

* هناك خشية غربية أيضا من تعزيز النفوذ الروسي في غرب إفريقيا إذا ما تقاربت روسيا مع الانقلابين، صحيح أن الوضع العام في النيجر ليس مروعًا كما هو الحال في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين، فكلاهما أطاح بالجيش الفرنسي، حيث تحولت مالي إلى الاعتماد على مجموعة فاغنر الروسية، ويعتقد أن مرتزقة فاغنر سيكونون قريبًا في بوركينا فاسو، والآن هناك مخاوف جدية من أن النيجر قد تحذو حذوهما، لا سيما وأن يفغيني بريغوزين، زعيم مرتزقة فاغنر، كان أول المرحبين بالانقلاب ووصفه بأنه "معركة شعب النيجر ضد مستعمريه"، مضيفًا أن الآلاف من مقاتلي فاغنر قادرون على استعادة النظام في النيجر.

* إذا صنفت الولايات المتحدة الاستيلاء على السلطة في النيجر على أنه انقلاب، فإن النيجر ستخسر ملايين الدولارات من المساعدات، وخاصةً المساعدات العسكرية، ففي أوائل عام 2021م قالت واشنطن إنها زودت النيجر بأكثر من 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية وبرامج التدريب منذ عام 2012، وهو أحد أكبر برامج الدعم في إفريقيا جنوب الصحراء، كما أطلق الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام مهمة تدريب عسكري بقيمة 30 مليون دولار في النيجر.

من السابق لأوانه تحديد النتائج طويلة المدى للانقلاب في ظل حالة عدم اليقين السائدة الآن، وعلى الرغم من أنه كان حتى الآن انقلابًا غير دموي لكنه هز أسس الديمقراطية الناشئة حديثًا في النيجر، يبقى أن نرى ما إذا كان تياني سيكون قادرًا على إعادة الاستقرار إلى البلاد ومعالجة المشكلات التي أدت إلى الانقلاب في المقام الأول، أم سيسر في نفس المسار الذي عادةً ما يسلكه الانقلابيون، وفي الإطار سيحدد قادة المجلس العسكري الجديد ما إذا كانوا سيتحركون نحو موسكو أم سيظلون مع شركاء النيجر الغربيين.


أعلى