• - الموافق2025/05/18م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حزب العمال الكردستاني... من النشأة حتى إلقاء السلاح

رؤية الحزب السياسية كانت تقوم على ضرورة إقامة "دولة كردستان الكبرى المستقلة"، توحد الأراضي الكردية، وتنهي ما يعتبره "التقسيم الجائر" لكردستان بين أربع دول


تشكل القضية الكردية أحد أكثر الملفات تعقيدًا في الشرق الأوسط، حيث تتداخل فيها الجغرافيا السياسية مع الهويات العرقية والنزاعات المزمنة. ويُعدّ حزب العمال الكردستاني التركي نموذجًا مثاليًا لفهم كيفية تحوّل الحركات المسلحة إلى فاعلين سياسيين، في ظل تغيّر الظروف المحلية والدولية.

الجذور الفكرية والتنظيمية للحزب

تم الإعلان عن ميلاد حزب العمال الكردستاني يوم 27 نوفمبر 1978، في اختتام المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في قرية "فيس" بمنطقة ديار بكر، جنوب تركيا.1978 بقيادة عبد الله أوجلان.

وفي سياق إقليمي محتقن بالأيديولوجيات الثورية، وتحت تأثير الماركسية اللينينية. تبنّى الحزب منذ نشأته خطًّا ثوريًا يدمج بين القومية الكردية والصراع الطبقي، مستهدفًا إسقاط الدولة التركية المركزية وإقامة كيان كردي اشتراكي.

وقد تميز الحزب منذ البداية برفضه المشاركة في الأطر السياسية القائمة، مفضلًا العمل السري والكفاح المسلح، وهو ما يفسّر القطيعة بينه وبين الأحزاب الكردية التقليدية الأخرى.

رؤية الحزب السياسية كانت تقوم على ضرورة إقامة "دولة كردستان الكبرى المستقلة"، توحد الأراضي الكردية، وتنهي ما يعتبره "التقسيم الجائر" لكردستان بين أربع دول.

واعتبر عبد الله أوجلان ورفاقه، الذين انتخبوه أمينا عاما للحزب، أن "الكفاح المسلح" هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الغاية.

ومع مرور الوقت اضطر الحزب إلى مراجعة توجهه الأيديولوجي تفاعلا مع التغيرات والتطورات التي يشهدها العالم من حوله، فاتجه مع سقوط الاتحاد السوفياتي بداية تسعينيات القرن العشرين، نحو تبني أفكار "الكونفدرالية الديمقراطية" التي تدعو إلى الحكم الذاتي المحلي والتعايش السلمي بين الشعوب، واعتبر أن الحالة القومية قد تجاوزها الزمن.

وقد جاء المؤتمر الخامس للحزب، الذي انعقد في يناير/كانون الثاني 1995، ليؤكد التغير الحاصل على مستوى توجهه الإيديولوجي، حين وصفت وثائق المؤتمر "الاشتراكية السوفياتية بالبدائية"، كما تم تعديل شكل علم الحزب وذلك بوضع شعلة تتوسطه بدلا من المطرقة والمنجل.

مرحلة الكفاح المسلح

دخل الحزب مرحلة العمل العسكري المكثف بداية من عام 1984، معتمدًا على المناطق الجبلية جنوب شرق تركيا وقواعد خلفية في سوريا والعراق. وقد شكّل هذا الموقع الجغرافي ركيزة أساسية لاستراتيجية استنزاف طويلة ضد القوات التركية.

أنشأ الحزب بنى موازية للدولة، شملت محاكمًا ومراكز تدريب ومؤسسات إعلامية، وامتلك بنية عسكرية صلبة اعتمدت تكتيكات حرب العصابات. رغم تصنيفه كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة، فقد نجح في فرض نفسه كرقم صعب في المعادلة الكردية.

في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، استفاد حزب العمال الكردستاني من توتر العلاقات بين تركيا وسوريا، بسبب قضية تقاسم مياه نهر الفرات.

وقد استخدم نظام حافظ الأسد في سوريا الحزب للضغط على تركيا، مما زاد من حدة التوترات، التي استمرت سنوات لم يعرف فيها الدفء طريقا إلى العلاقة بين البلدين الجارين.

كانت تركيا غير راضية عن دعم سوريا لمقاتلي "حزب العمال الكردستاني"، خاصة بعد الضربات القاسية التي تعرض لها عقب الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980. وقد شمل الدعم السوري توفير ملاذ آمن لأوجلان وتوفير معسكرات لتدريب المقاتلين في سهل البقاع اللبناني.

بلغت الأزمة ذروتها في أواخر تسعينيات القرن العشرين، وكادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين البلدين، واستمر التوتر إلى أن تم التوصل إلى اتفاق أضنة في 20 أكتوبر 1998، والذي نص على التزامات سورية تتعلق بمصير أوجلان وحزب العمال الكردستاني، مما ساهم في تهدئة التوترات بين البلدين.

وهو ما كان مقدمة لاعتقال عبد الله أوجلان حيث تخلص منه النظام السوري وطلب منه مغادرة سوريا مما أدى بعد ذلك إلى اعتقاله من نيروبي في 15 فبراير/شباط 1999.

اعتقال أوجلان وبداية التحول

شكّل اعتقال عبد الله أوجلان نقطة تحول في مسار الحزب. ففي سجنه بجزيرة إيمرالي، أعاد أوجلان صياغة أيديولوجية الحزب، داعيًا إلى مفهوم "الأمة الديمقراطية" بديلًا عن مطلب الدولة القومية الكردية.

تركّز هذا الطرح الجديد على الديمقراطية التشاركية، واللامركزية، وحقوق المرأة، والتعايش مع الدولة التركية ضمن إطار دستوري يضمن الحقوق الثقافية والسياسية.

بين الهدنة ومعاودة الصراع المسلح:

في سنة 2013، بدأت الحكومة التركية محادثاتٍ مع أوجلان. أُّعد اتفاق وقف إطلاق نار ناجح، من قبل كل من الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، بعد مفاوضات سرية. في 21 مارس سنة 2013، أعلن أوجلان «نهاية الكفاح المسلح» ووقف إطلاق النار وبدء محادثات السلام.

صمدت الهدنة بين الطرفين أكثر من سنتين، قبل أن تنهار ويشتعل الصراع من جديد، عقب تفجير انتحاري وقع في مدينة سروج التابعة لمحافظة شانلي أورفة التركية في 20 يوليو/تموز 2015، أسفر عن 32 قتيلا وأكثر من 100 جريح.

استهدف التفجير تجمعا من 300 شخص من اتحاد الشباب الاشتراكي في حديقة مركز أمارا الثقافي أثناء مؤتمر صحفي لتوضيح الجهود المبذولة لإعادة بناء مدينة عين العرب (كوباني) شمال غرب سوريا، بعد حصارها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.

أثبتت التحريات التي أعقبت الحادث، أن منفذ الهجوم له ارتباطات مع تنظيم الدولة، إلا أن رد حزب العمال الكردستاني على هذا التفجير، استهدف شرطيين من قوات مكافحة الشغب التركية بقضاء جيلان بينار التابع لولاية شانلي أورفا الحدودية يوم 22 يوليو/تموز2015. وزعم الحزب أن الشرطيين ضالعان في تفجير سروج وأنهما تعاونا مع منفذ الهجوم.

بعد ذلك بثلاثة أيام، وفي 25 يوليو/تموز 2015 هاجم مقاتلو الحزب قافلة عسكرية في ديار بكر وقتلوا جنديين اثنين.

وتوالت بعد ذلك المواجهات المسلحة بين الطرفين، فقصفت تركيا أهدافا تابعة للحزب في العراق وقادت هجوما عسكريا واسع النطاق على بعض البلدات التي تعتبر معقلا له في جنوب تركيا وشمال سوريا.

ورد الحزب بعمليات مسلحة، وتفجيرات في بعض المدن التركية، تبنى بعضها في حين نسبت له أخرى. ودارت اشتباكات يومية شرسة في جنوب شرق تركيا خلفت مئات الضحايا.

وقوضت هذه المواجهات الدامية قدرات الحزب وألحقت به خسائر فادحة، فخفت وهجه القتالي بعد هذه المرحلة.

حل الحزب وإعلان إلقاء السلاح

في 27 فبراير/شباط 2025 أصدر أوجلان بيانا تاريخيا من سجنه، دعا فيه إلى بدء مرحلة جديدة من السلام مع الدولة التركية، وأكد على ضرورة إنهاء النزاع المسلح، مطالبا مقاتلي حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل الحزب.

ولقيت تلك الدعوة ترحيبا من اللجنة التنفيذية لحزب العمال، التي أصدرت بيانا في الأول من مارس/آذار 2025، يفيد بالامتثال لدعوة أوجلان بتحقيق السلام وإعلان وقف فوري لإطلاق النار. في خطوة تبعث الأمل في إنهاء صراع دامٍ استمر أكثر من أربعين عاما.

في يوم 12 مايو/أيار 2025 قالت وكالة فرات للأنباء إن حزب العمال الكردستاني حل نفسه، وإن ذلك تم في مؤتمر عقد في الفترة بين 5 و7 من الشهر نفسه، في ما يسميها "مناطق الدفاع المشروع" شمالي العراق.

وأضافت الوكالة المقربة من الحزب أن قرار الحل جاء استجابة للدعوة التي أطلقها أوجلان، وإنه تم الاتفاق على حل الهيكل التنظيمي للحزب وإنهاء "الكفاح" المسلح وجميع الأنشطة التي تتم باسم الحزب.

بدورها أفادت وسائل إعلام تركية أن حزب العمال الكردستاني قرر حل نفسه ووقف العمل المسلح في تركيا فورا، منهيا بذلك تمردا استمر 40 عاما وقتل فيه أكثر من 40 ألف شخص.

ويبقى السؤال هل سيصمد هذا القرار أمام العديد من التحديات ومنها مصير أوجلان نفسه والعديد من رفقائه في السجون، ومصير المسلحين وكيف سيتم دمجهم في المجتمع، وكيف سيتم استيعاب المطالب الكردية مجتمعيا وسياسيا، وقبل ذلك ستظل البيئة الإقليمية ذات أثر في استكمال المسار أو محاولة تعويقه وثمة العديد من الأطراف في المنطقة تريد إبقاء شعلة الأقليات قائمة في المنطقة على رأسها إسرائيل.

 

  

أعلى