• - الموافق2024/05/02م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
سليمان فرنجية.. صديق الأسد ومرشح حزب الله لرئاسة لبنان

في ظل حالة الشغور الرئاسي في لبنان التي يعاني منها منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قبل أكثر من 4 أشهر، برز اسم "سليمان فرنجية" كمرشح يدعمه حزب الله فمن هو فرنجية الذي يعدّ من أبرز أصدقاء نظام بشار الأسد؟


فرنجية.. الجدّ والحفيد

في سبتمبر 1970م، فاز سليمان فرنجية "الجدّ" بفارق صوت واحد بمنصب الرئاسة على منافسه إلياس سركيس، كان وصوله للرئاسة مذهلًا لكونه لا يحظى بكتلة نيابية خاصة به فيما كان لبنان منقسمًا بين كتلتين رئيسيتين؛ هما تيار النهج الذي كان يلتف نوابه حول الرئيس فؤاد شهاب ويصرّون على أن يكون الرئيس منهم، والحلف الثلاثي الذي كان يمثّل المارونية السياسية، شهد عهد فرنجية "الجدّ" بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وجمعته طيلة السنوات التي تولى فيها الرئاسة علاقة مميزة مع الرئيس السوري حافظ الأسد، وشاركه في توطيدها نجله طوني فرنجية، النائب والوزير الذي كان يشغل منصب وزير البرق والبريد في 3 حكومات مختلفة خلال عهد والده، ثم وصولًا إلى عهد سليمان فرنجية "الحفيد" الذي خلف والده وجدّه سياسيًا، في إطار مبدأ التوريث المسيطر على الحياة السياسية في لبنان.

 

كانت للصداقة الوثيقة التي جمعت سليمان فرنجية "الجدّ" مع الرئيس السوري حافظ الأسد أثرًا كبيرًا في التاريخ السياسي اللبناني، وانتقل إرثها في عائلة فرنجية وانقلبت إلى تحالف قوي ما زال قائمًا حتى هذه اللحظة

تولى فرنجية "الحفيد" ـ المولود في زغرتا في العام 1964م ـ منصب وزير دولة في حكومة عمر كرامي في عام 1990م، ثم نائبًا بالتعيين في عام 1991م، ونائبًا بالانتخاب عن محافظة الشمال في انتخابات 1992م ثم في انتخابات 1996م، كما أنه كان وزيرًا لشؤون الإسكان والشؤون البلدية في حكومة رشيد الصلح في عام 1992م، ثم وزيرًا للصحة في حكومة سليم الحص في عام 1998م، وهو نفس المنصب الذي تولاه أيضًا في حكومة رفيق الحريري في عام 2000م، ثم تولى وزارة الداخلية في حكومة عمر كرامي في عام 2004م، وبعد كل هذه الأعوام ينتظر فرنجية "الحفيد"، الذي يتولى أيضًا زعامة تيار "المردة"، أن تهبّ رياح رئاسة الجمهورية باتّجاهه فتحمله إلى قصر بعبدا، بعدما كادت أن تنقله إليه في عام 2016م لولا قيام حزب الله وحلفائه بتعطيل النصاب حينها إلى أن تم انتخاب ميشال عون الذي يعدّ من أبرز الحلفاء المسيحيين للحزب، وذلك بعد تسوية سياسية عسيرة بين الفرقاء اللبنانيين.

عودة سوريا إلى المشهد

كانت للصداقة الوثيقة التي جمعت سليمان فرنجية "الجدّ" مع الرئيس السوري حافظ الأسد أثرًا كبيرًا في التاريخ السياسي اللبناني، وانتقل إرثها في عائلة فرنجية وانقلبت إلى تحالف قوي ما زال قائمًا حتى هذه اللحظة، وقد اعتاد سليمان فرنجية "الحفيد" على القيام برحلات صيد مع باسل الأسد، الشقيق الأكبر لبشار الأسد، كما تفاخر بصداقته منذ الطفولة مع بشار، معتبرًا أن تحالفه مع دمشق هو "تحالف جيد ويأتي في إطار العلاقات العائلية والثوابت والحرص على الوضع المسيحي المشرقي"، لكن هذه العلاقة ستجعله يواجه تحديات كبيرة مع سياسيين لبنانيين اتحدوا تاريخيًا ضد النفوذ السوري في بلدهم.

لكن أي أثر تحمله علاقة فرنجية مع نظام الأسد على فرص وصوله إلى رئاسة لبنان؟

1- يرى الفريق الأول أن هذه العلاقة تعطيه دفعة قوية، إذ إن علاقته بنظام الأسد ستؤمّن له الدعم الكامل من المكون الشيعي المتمثل في حركة أمل وحزب الله، وبالفعل ظهر هذا الدعم إلى العلن على لسان رئيس البرلمان "​نبيه بري​" وأمين عام الحزب "حسن نصرالله".

2- يرى آخرون أن العلاقة التاريخية مع نظام الأسد تعدّ وصمة عار بحق فرنجية كمرشح رئاسي، لأن نظام الأسد ـ في عهد الأب والابن ـ جرَّ على لبنان الويلات، سواء إبان فترة وجوده على الأراضي اللبنانية، أو بعد خروجه، أو حتى بعدما قامت الثورة السورية ضده، كما أن تلك العلاقة ستسمح بعودة التدخلات السورية الفجّة في الحياة السياسية اللبنانية وذاكرة اللبنانيين لم تتخلص بعد من انتقام دمشق من معارضين لبنانيين ناصَبوا العداء لنظام الأسد، ناهيك عن فترة تواجد القوات السورية التي انسحبت من لبنان في 2005م عقب انتقادات دولية بعد اغتيال رفيق الحريري.

الأمر المؤكد هو أنه إذا ما وصل فرنجية إلى قصر بعبدا، فإن هذه ستكون أولى ثمرات التحوّل الميداني في وضع نظام الأسد وفك عزلته وعودته إلى الحاضنة الإقليمية مجددًا، فبعد عشر سنوات من القطيعة العربية لدمشق والمطالبة المستمرة بتنحي بشار الأسد أو إقالته، بدأت بعض الدول العربية إعادة ترتيب أوراقها مع النظام السوري، وكانت اللقاءات الأخيرة التي أجراها مع عدد من المسؤولين العرب رفيعي المستوى في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري فرصة لبشار الأسد لإرسال رسالة واضحة للتأكيد على أنه لا يزال رئيسًا للجمهورية العربية السورية، كما أن فوز فرنجية برئاسة لبنان قد يبعث بإشارات عن تفاهم أشمل لتسوية الصراعات الإقليمية، خصوصًا وأن انتخابه سيحتاج لموافقة قوى عربية وإقليمية ودولية تحظى بنفوذ قاطع على الأطراف اللبنانية المتنافسة، وهذه القوى تتصارع فيما بينها في مناطق أخرى بالإقليم، من أهمها سوريا، وبالتالي فإن هذا التوافق قد يصب أيضًا في صالح حلحلة الوضع السوري والاقتراب أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد.

مواقف القوى اللبنانية

وفقًا للدستور اللبناني؛ يتم انتخاب الرئيس عبر دورة تصويت أولى بغالبية الثلثين أي 86 نائبًا، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف+1) في الدورات التالية حال حضور 86 نائبًا من أصل 128، ورغم أن الدستور لا يُلزم الراغبين في خوض انتخابات الرئاسة تقديم ترشيحات مسبقة إلا أنه يجب التوافق على شخصية الرئيس بين الكتل السياسية كمقدمة لانتخابه، مع ارتباط ذلك بتوافقات إقليمية ودولية، وقد شهدت دورة البرلمان الأولى لانتخاب الرئيس تصويتًا بأوراق بيضاء، فيما شهدت الدورات التالية انسحابات متكررة كي لا يكتمل النصاب، وبالتالي فإنه حتى اللحظة لا يملك فرنجية أو غيره أي فرصة للانتخاب لعدم تحقق النصاب القانوني في ظل تمسك العديد من الكتل النيابية بالتعطيل في وجه بعضها البعض، ويمكن رسم ملامح مسار فرنجية إلى الرئاسة في النقاط التالية:

* بموجب النظام السياسي في لبنان يتولى رئاسة الجمهورية مسيحي ماروني، وهو ما يجعل فرنجية في منافسة شرسة على المنصب مع زعامات مسيحية بارزة، وخير دليل على ذلك حتى الآن أنه لا يحظى بالتوافق الكامل من قبل الكتلتين المسيحيتين الأكبر في البرلمان؛ وهما لبنان القوي والجمهورية القوية، وفي حالة عدم تشكيل جبهة مسيحية موحدة مؤيدة له، فإن هذا من شأنه أن ينزع الغطاء المسيحي له، وبالتالي صعوبة وصوله إلى قصر بعبدا.

* يحظى فرنجية بفرصة ذهبية بعد استبعاد المنافس الأبرز له، وهو قائد الجيش ​العماد جوزيف عون​، لأن انتخابه يتطلب تعديلًا دستوريًا، وهو أمر مستحيل حدوثه الآن لعدم توافر الظروف المناسبة لفعل ذلك في الوقت الراهن.

* منافس آخر تراجعت أسهمه بشدة مما يعطي أفضلية لفرنجية، وهو النائب ​ميشال معوض، رئيس حركة الاستقلال والمرشح الأقرب للأمريكيين، لكن فرصه تراجعت بعد خروج الحزب التقدّمي الاشتراكي من دائرة داعميه.

* ستكون المعضلة الأكبر أمام فرنجية هي قدرته على إثبات أنه سيكون رئيسًا لكل اللبنانيين، وأنه لن يمارس سياسة التشفّي أو الانتقام، لا سيما مع فصيل "القوات اللبنانية"، حيث قام أتباع "القوات اللبنانية" في عام 1978م بقتل والد فرنجية ووالدته وشقيقته وبعض أنصار "المردة"، بالرغم من ذلك فقد أعلنَ فرنجية في عدة مناسبات أنّه لن يتوقف أمام ما حدث آنذاك طويلًا إذا ما تولى الرئاسة، لكن لا يزال سمير جعجع، زعيم الكتائب اللبنانية، يرفض ترشيح فرنجية رفضًا قاطعًا، وهو رفضٌ يختلط فيه الخيار السياسي بالصراع على الزعامة المارونية في الشمال اللبناني.

 

إذا وصل فرنجية إلى سدة الرئاسة في لبنان، فستكون في انتظاره أجندة مثقلة بالمهام، لا سيما وأن البلاد غارقة في انهيار اقتصادي متسارع صنّفته المنظمات المالية العالمية على أنه من بين الأسوأ في العالم منذ عقود

معضلة المحاصصة اللبنانية

تقوم العملية السياسية في لبنان على منطق المحاصصة والتسويات بين القوى السياسية والطائفية المتعددة، وفي الغالب قد تستمر عملية تكليف رئيس حكومة أو تشكيل حكومته أو حتى انتخاب رئيس جديد للبلاد عدة أشهر، لا سيما في ظل عدم احترام المهل الدستورية، ففي عام 2016م ظل منصب الرئاسة شاغرًا لأكثر من عامين ونصف إلى أن تم انتخاب ميشال عون رئيسًا، وقد استغرق الأمر عقد 46 جلسة في البرلمان إلى أن توصل النواب إلى تسوية سياسية من شأنها الموافقة على اختيار عون، تطلّ معضلة الشغور الرئاسي مجددًا على لبنان بعدما فشل برلمانه منذ نهاية سبتمبر الماضي في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وقد تطول المدة أكثر في ظل عدم وجود أي فريق بالمجلس لديه الأكثرية التي تخوّله لاختيار رئيس، بينما يظل لبنان محكومًا بحكومة تصريف أعمال يقودها نجيب ميقاتي وهي عاجزة عن اتخاذ أية قرارات ضرورية، لا سيما بعدما استبق الرئيس السابق عون انتهاء ولايته بتوقيع مرسوم يعتبر فيه حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، حتى لا تمارس الحكومة صلاحيات الرئيس، وهي خطوة أدخلت البلاد في جدل دستوري يفاقم من أزماتها التي لا تُحصى.

منذ انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية "الجدّ" في عام 1970م لم يعرف لبنان منافسة حادة بين المرشحين على الرئاسة، وجرت العادة منذ ذلك الحين على أن تفضي التوافقات المسبقة إلى انتخاب رئيس يحظى بأكثرية الأصوات في جلسة الانتخاب التي عادةً ما تصبح شكلية في هذه الحالة، لكن حتى هذه اللحظة لا يبدو أن التوافقات تجدي نفعًا، بالرغم من أنها كادت أن تأتي بفرنجية كرئيس في عام 2016م بعد إبداء حصوله على موافقة مبدئية من المعسكرين الرئيسيين في لبنان؛ وهما تحالف 8 آذار التي يهيمن عليه حزب الله وتحالف 14 آذار الذي يقوده سعد الحريري، لكن في النهاية حال تأييد المسيحيين وميل حزب الله إلى ميشال عون، دون اختياره، رغم أن علاقات فرنجية مع حزب الله كانت أقدم من عون بكثير، إلى جانب صلته الوثيقة بنظام الأسد الداعم بقوة للحزب.

مستقبل متأزم

إذا وصل فرنجية إلى سدة الرئاسة في لبنان، فستكون في انتظاره أجندة مثقلة بالمهام، لا سيما وأن البلاد غارقة في انهيار اقتصادي متسارع صنّفته المنظمات المالية العالمية على أنه من بين الأسوأ في العالم منذ عقود، وكذلك وسط احتجاجات شعبية غير مسبوقة مستمرة منذ عام 2019 ضد الطبقة السياسية بالكامل، وبالرغم من أن دعم المكون الشيعي لفرنجية قد يساعده على الوصول في لحظة ما للرئاسة إلا أنه لن ينجح في إخراجه من عزلة عربية قد يواجهها لبنان بأكملها إذا لم يكن هناك توافق كامل على فرنجية قبيل اختياره رئيسًا، تجدر الإشارة هنا إلى دول الخليج العربي التي لطالما لعبت دورًا مهمًا لموازنة التدخل الإيراني في لبنان، وهي بالطبع تعارض انتخاب مرشح قريب من حزب الله وإيران دون أن يكون على درجة متساوية من الأطياف اللبنانية الأخرى، لا سيما المكون السنّي في البلاد.

يبقى لبنان رهينًا للتقلبات السياسية والصراعات العسكرية بالمنطقة، ويظل في معاناة طويلة بين التجميد السياسي والفراغ الرئاسي رغم أن كل الكتل والفصائل اللبنانية تبدي ظاهريًا رغبتها في انتهاء الشغور الرئاسي سريعًا مع التأكيد على تمسكها بدستور الطائف، الا أنها تسعى في مسارات مختلفة لتحقيق مصالحها الشخصية قبل أي شيء آخر، في ظل هذا الوضع المتأزم تتزايد المخاوف من تكرار سيناريو فرنجية "الجدّ" مع حفيده إذا ما وصل إلى الرئاسة، فالجدّ باغتته الأحداث المتسارعة في ظل حرب أهلية تفتك بلبنان فلم تسعفه في إحداث تسويات من شانها تهدئة الأمور التي سرعان ما انزلقت من بين يديه، قد يتكرر الأمر ذاته مع فرنجية "الحفيد" إذا صار رئيسًا للجمهورية اللبنانية دون اكتمال التسويات وتوثيق الاتفاقات داخليًا وخارجيًا، سيجد حينها رئيس تيار "المردة" نفسه يحمل كرة نار بين يديه اسمها "رئاسة لبنان"، دون أن يجد من يطفئها معه.

 

أعلى