• - الموافق2024/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصراع بين الفصائل الشيعية في أرض الرافدين

الشيعة من الأصول العربية وهم غالبية شيعة العراق، باتوا يرون في الدور الايراني على أرضهم مقوضا لبلدهم ومكانته في المنطقة، والذي تراجع دوره بعد الاحتلال الأمريكي وطغيان النفوذ الإيراني ليصبح بلدا مهمشا مسلوبة ثرواته


منذ عدة أسابيع انفجر الصراع واندلعت مواجهة متصاعدة بين القوى الشيعية المتنافسة على الحكم في العراق.

وشهدت بغداد مظاهرات واعتصامات متبادلة، وصلت الى حد احتلال للمباني الحكومية، وذلك بين أكبر تكتلين للشيعة في البلاد وهما التيار الصدري من جهة، وما يطلق عليه الإطار التنسيقي من جهة أخرى.

وقد بدأت الأزمة بعد ظهور نتائج انتخابات أكتوبر من العام الماضي، واستمرت بالتصاعد مع استمرار الفشل في تكوين حكومة جديدة تحظى بغالبية مجلس النواب العراقي الجديد، وكان الانقسام داخل الجسم السياسي الشيعي هو العنوان الأساسي لهذا المأزق السياسي والدستوري.

فقد خرج التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد، بما يقترب من الربع.

وقد جرت العادة في العراق أن يختار الشيعة رئيس الوزراء الذي لديه الصلاحيات التنفيذية الكبرى في النظام السياسي العراقي بعد الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين.

ولكن بما أنه لا تحظى أي كتلة بالغالبية المطلقة من المقاعد، فإنها تضطر للدخول في تحالفات مع الكتل السياسية الأخرى ليتم في النهاية تشكيل حكومة توافقية.

وفي هذه المرة أي بعد انتخابات أكتوبر الماضي، تكون حلفان:

الأول ثلاثي باسم إنقاذ وطن، حيث يتحالف الصدريون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتكتل أحزاب سنية أبرزها حزب بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ليشكلا ما يقرب تكتل يضم 155 نائباً.

بينما يطلق على التحالف الثاني (الإطار التنسيقي)، وهو تحالف شيعي يضم كتلة (دولة القانون) بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح التي تنضوي تحتها فصائل موالية لإيران، ويفوق نوابه الـ 130 عضو، ويرغب بحكومة توافقية بين جميع القوى الشيعية، كما جرت العادة.

ولحين تحقيق مطلبه، يقاطع نواب تيار الصدر جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، الذي يشترط الدستور تحقيق نصاب الثلثين، الأمر الذي عطّل المسار السياسي.

والسؤال الآن ماذا جرى واختلف هذه المرة عن حالات الانتخابات السابقة، والتي كان يتم فيها التوافق واقتسام السلطة بين الجماعات الشيعية على كعكة الحكم في العراق بعد ترك الفتات للسنة والأكراد؟

ما الدور الإيراني في تلك الأزمة وهي التي كانت المرجعية الأساسية والممول لهذه التجمعات الشيعية؟

وهل للولايات المتحدة دورا فيما يجري الآن من صراع شيعي شيعي، وخاصة أنها تتحكم بقواعدها العسكرية في أرض الرافدين في توجه العراق؟

وللإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا دراسة وتحليل العوامل المؤثرة المتداخلة في هذا الصراع منها طبيعة النظام السياسي العراقي، وأصول الجماعات الشيعية المتصارعة، وخاصة تيار الصدر، وعلاقة هذا الصراع بالدور الإيراني الأمريكي على أرض الرافدين.

أولا عراق ما بعد صدام

في كتاب بعنوان (العراق يحترق) صدر بلندن في عام 2006، يشير مؤلفه الصحفي اللبناني زكي شهاب، إلى أن تصور بناء الدولة العراقية ما بعد صدام تم وضعه في الولايات المتحدة قبل غزو العراق بنحو ستة شهور، وشكلت لجنة من خبراء من الوزارات المختلفة أطلقت على المشروع اسم (مستقبل العراق).

وبعد أن أنجزت هذه اللجنة هذا المشروع، عُرض على مؤتمر المعارضة العراقية في لندن الذي نظمته المخابرات الأمريكية قبيل الغزو مباشرة، وتم الاتفاق فيه على الأساس الذي تشكلت عليه العملية السياسية في العراق، حيث تم اتخاذ قرار بتقسيم السلطة في العراق بموجب توزيع طائفي وعرقي، على الطراز اللبناني.

كانت الهيمنة في وضع تصور الدولة للشيعة المدعومين من إيران، بينما حرص الأكراد على تعزيز حكمهم الذاتي داخل إطار الدولة تمهيدا لإعلان الاستقلال في مرحلة لاحقة فيما بعد، في حين جرى استخدام المعارضين من أهل السنة كمجرد واجهة شكلية.

كان هذا هو الأساس الذي وضعته أمريكا المحتلة بمساعدة إيران للعمل على استقرار الدولة العراقية، لجعلها دولة تدور في الفلك الأمريكي، وفي نفس الوقت خاضعة للنفوذ المذهبي الإيراني.

ولكن هذا الأساس كان بداخله عوامل تفجيره وهي:

أولا: تجاوز دور أهل السنة التاريخي في حفظ العراق وبقاؤه كدولة موحدة متماسكة، وهذا التجاوز جعل السنة بمثابة الموقد الذي يغلي ويوشك أن ينفجر.

ثانيا: اهمال الجماعات الشيعية الأخرى، والتي أثبتت الأحداث أنها تستطيع تعبئة الشيعة أكثر من الأحزاب الشيعية الأخرى والمدعومة إيرانيا حيث أتت مع القوات الأمريكية، والتي تعاون زعماؤها مع الأمريكان حتى من قبل الغزو.

ثالثا: عزل العراق عن محيطه العربي الإسلامي وربطه بإيران كأحد أذرعه في المنطقة، وقد قبل الأمريكان في البداية هذه الصيغة ودعموها لإخراج العراق من الصراع العربي الصهيوني، ولكنهم سرعان ما عانوا منها، عندما تبين لهم أن إيران تريد استخدام العراق كوسيلة لتنتزع من أمريكا اعترافا بها كقوة مهيمنة على الشرق الأوسط كله.

العراق العالق بين الشيعة المتناحرين

في تحقيق لها نشر منذ عدة سنوات ذكرت مجلة المجلة اللندنية، أن طائفة الشيعة في العراق يتحكم فيها سبع عائلات إيرانية الأصل، منها عائلة الصدر التي ترجع جذورها إلى منطقة محلات القريبة من طهران، وقد أنجبت هذه الأسرة عدد من الأئمة البارزين في كل من إيران والعراق، ومنهم الإمام موسى الصدر الذي أوفدته الحكومة الإيرانية إلى لبنان في ستينات القرن الماضي لتنظيم صفوف الشيعة هناك، ومنهم أيضا محمد باقر الصدر الذي أصبح المنظر الرئيسي للشيعة الأصولية الجديدة قبل أن يغتاله رجال صدام، ومنهم أيضا محمد صادق الصدر الذي تعاون مع صدام لفترة وجيزة واعترف به النظام البعثي باعتباره مرجع التقليد ونسب إلى صدام قتله، وابنه مقتدى هو الذي يقود هذا التيار حاليا.

ومما لاشك فيه أنه مع نهاية القرن التاسع عشر ومع بدايات القرن العشرين دخلت فروع من القبائل العربية التي تستوطن أرض الرافدين في التشيع، وتخلت عن سنيتها وذلك راجع لعدة أسباب: أهمها الأموال التي تدفقت من المراجع الشيعية الإيرانية والتي هاجرت واستوطنت في العراق، ونجحت هذه المراجع في استمالة بعض أفخاذ هذه القبائل بالأموال، خاصة أنه من المعروف أن المراجع الشيعية تتغذى بأموال الخمس مما يجعل حريتها في تصريف الأموال كبير وعن طريق هذه الأموال تشيع عدد من العرب، في نفس الوقت الذي ترهلت فيه الإدارة العثمانية وتخففت قبضتها على البلاد.

وكانت عائلة الصدر من أكثر العائلات التي استقطبت العرب ودفعت بعضهم للتشيع، لذلك التف حولها بعض القبائل التي تشيعت.

وبعد سقوط نظام صدام حسين، استأنف مقتدى الصدر نشاط عائلته مجددا، وبنفس الأساليب السابقة من توزيع الأموال المجهول مصدرها، تمكن من استقطاب الشيعة الفقراء الى جواره خاصة في مدينة الصدر وهي من الأحياء العشوائية بجوار بغداد، واستطاع تكوين جيش المهدي بمباركة الاحتلال الأمريكي، ليقف في وجه المقاومة العراقية السنية والتي هبت لتخليص العراق من الاحتلال.

ولكن وضع مقتدى الصدر نفسه في مربع مختلف عن بقية الأطياف الشيعية، فقد كان يدرك جماهيريته خاصة أنه لم يأت على دبابة أمريكية، كما أنه لم يهرب الى إيران كما فعلت العائلات ذات المرجعية الشيعية الأخرى في فترة صدام، واستخدم الخطاب الدعائي والشعارات الديماجوجية من أمثلة تحرير العراق من الاحتلال والتعاون مع السنة، كما أبقى موقفه غامضا من الوجود الإيراني في العراق مستقطبا الشيعة العرب الذين يكرهون الدور الإيراني في أرضهم.

وتمكنت كتلته من دخول المعترك الانتخابي وحصلت على أعلى الأصوات من دون أن تتمكن من تشكيل حكومة بمفردها، وهذا الذي كان دائما يقلق الصدر ودفعه الى تحدي النظام الذي أوجده الأمريكان بمساعدة إيرانية.

في المقابل كان قد تشكل الإطار التنسيقي في أكتوبر 2021، بهدف تنسيق مواقف القوى الشيعية الرافضة للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة والمناوئة لمقتدى الصدر، والتي طالبت بإعادة فرزها يدويا، بسبب التراجع الكبير لعدد مقاعدها قياسا إلى الانتخابات السابقة، وضم الإطار مجموعة من القوى الحليفة لإيران وفصائل الحشد الشعبي، وهي: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، بالإضافة إلى تحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي.

ولكن الموقف الايراني يبدو مريبا وغامضا، فهي على ما يبدو تستخدم الطرفين الشيعيين كلعبة مزدوجة، وذلك لبسط سيطرتها على كل شيعة العراق.

فالشيعة من الأصول العربية وهم غالبية شيعة العراق، باتوا يرون في الدور الايراني على أرضهم مقوضا لبلدهم ومكانته في المنطقة، والذي تراجع دوره بعد الاحتلال الأمريكي وطغيان النفوذ الإيراني ليصبح بلدا مهمشا مسلوبة ثرواته، وغير مؤثر كقوة يعمل الآخرون حسابها.

ولذلك صدرت إيران لهؤلاء مقتدى الصدر ليتمكن من استيعابهم، بينما بقية الأذرع العسكرية تقوم بدورها في قمع أهل السنة، أو في إطار دورهم داخل منظومة فيلق القدس الإيراني.

وهذا بالطبع لا ينفي التنافس بين هذه المجموعات الشيعية، ولكنه تنافس يتم توظيفه بحيث يجري داخل منظومة الاستراتيجية الايرانية والتي تدير بها العراق وتجعله خاضعا لمخططاتها. 

 

أعلى