• - الموافق2024/12/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
منتقبة على أبواب الأقصى

الميزة الكبرى لدى تلك السيدة انها تأخذ قضية المسجد الأقصى وتتعامل معها من منطلق عقيدي، كما تحرص على أن تظهر هذا المنطلق في مظهرها ولباسها، كما تنتقي العبارات التي تحمل هذا المعنى


"أنا لن أبيع ترابه أنا لن أخون ديني.. مسرى الرسول ومعراجه سيبقى حقي ويقيني"

هذه كلمات كتبتها المرابطة الفلسطينية منتهى أمارة في كراستها عندما كان عمرها 14 عاما، وتتابعت كلماتها: "غرستُ الأقصى في قلبي فنما في شراييني، غدت روحي محلقة فوق رباه بحنيني، يا كل العالم فلتسمع بُرعم فلسطيني، سأذود عنه بعقيدتي وأحمل روحي بيميني.. قم يا أخي واحمل سلاحك وادفع الظلم المرير، واهتف باسم الله مكبرا زلزل بها الطاغي الأثيم، واقرأ الأنفال مهللا تفتح لك جنان النعيم، سندق القيد يا أقصى ونُعلي الصرح المتين وندخلها بإذن الله بعز عزيز وذل ذليل، وعْدُ الإله لمن أطاعه ووعدُ الله حق ويقين".

هذه الكلمات التي كتبتها (منتهى أمارة) عام 1987، لم تكتف بترديدها بل حولتها الى عمل وجهاد ورباط، ومنتهى هي ابنة شقيقة شيخ الأقصى رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل رائد صلاح، هذا الرجل الذي يشهد القاصي والداني على أنه بذل حياته ووقفها لنصرة المسجد الأقصى فليس بالمستغرب أن تخرج هذه النبتة من شجرته وعائلته.

ولدت منتهى في مدينة أم الفحم عام 1973، وهذه المدينة من كبريات المدن الفلسطينية في منطقة المثلث في الجزء المحتل منذ عام 1948، كما انها متزوجة من الشيخ محمد أمارة ولديها سته أبناء.

ومنتهى واحدة من العديد من المرابطات الذين جعلوا قضية الأقصى هي حياتهم.

ولكن لماذا التركيز في هذا المقال على هذه المرأة الفلسطينية المرابطة بالتحديد؟

هي من عائلة مسلمة ملتزمة بدينها تلتزم بالحجاب الشرعي الكامل في لبسها (النقاب)، وهي من أفضل النساء في فلسطين وأشجعهن، لم يمنعها الانغماس بمسؤوليات الأمومة مع أبنائها الستة من التوجه للقدس يومين في الأسبوع للرباط في المسجد الأقصى وأداء الصلوات الخمس في رحابه.

تقول منتهى "كبرتُ مع الأقصى وراقبت عن كثب المخاطر المحدقة به، ومع ظهور منصات التواصل الاجتماعي أخذت على عاتقي توثيق الانتهاكات ونشرها على صفحتي في فيسبوك، ومع انطلاق خدمة البث المباشر بدأت باستخدامها لتعريف المتابعين بمعالم الأقصى ومصلياته وتقديم معلومات وافية عنه".

هذا النشاط لم يرق لسلطات الاحتلال التي بدأت بملاحقتها منذ عام 2013. وتجاوز عدد الاعتقالات حتى الآن ما يقرب من 12 مرة تخللها إبعاد عن المسجد الأقصى كل مرة

وفي إحدى المرات تم ابعادها عن المسجد في منتصف العام الماضي ستة شهور، واحتفت بدخولها للمسجد من جديد، وقالت أمارة: "شعور لا يُوصف أن أدخل المسجد الأقصى بعد إبعاد دام 3 أشهر.. كنت آتيه أسبوعياً وأقف على أبوابه وعتباته، وما يمنعني من دخوله سوى عناصر الاحتلال التي تتيح الدخول لمن تشاء وتعرقل دخول من تشاء".

وكانت المرة الأخيرة التي اعتقلت فيها أواخر الشهر الماضي، حيث جرى اعتقالها وبعدها بيوم تم اطلاق سراحها.

فالميزة الكبرى لدى تلك السيدة انها تأخذ قضية المسجد الأقصى وتتعامل معها من منطلق عقيدي، كما تحرص على أن تظهر هذا المنطلق في مظهرها ولباسها، كما تنتقي العبارات التي تحمل هذا المعنى.

تقول منتهى "أنا منتقبة لكنهم باتوا يعرفوني جيدا ويناديني الضباط باسمي.. أنا شاهدة على تصاعد عنف الشرطة بحق كل من يوجد في منطقة باب الرحمة، ومنذ تصاعد استهدافها أصبحت أحضر وأصلي بها دائما.. ذلك ما أغاظهم لأن المستوطنين يمرون من المكان ويدعون أن وجودي يضايقهم ويعيق عمل الشرطة"، وتضيف أن "الاعتقالات والابعاد يزيدني قوة وثباتا لإكمال طريق الحق الذي اخترته منذ عقود".

وفي إحدى المرات وفي لحظة إنهائها للصلاة، انفجرت غاضبة في وجه الشرطة غير آبهة بالاعتقال. وقالت لدى اقتيادها إلى مركز التحقيق "لن ننحني.. لن ننكسر.. الأقصى لنا.." إنهم سينهزمون وسيرحلون "وسنبقى إن شاء الله" ثم أردفت وقالت للشرطيتين اللتين تقتادانها "يلا زي العروس زفوني".

ولكن ما هي ظاهرة الرباط داخل المسجد الأقصى كيف بدأت ومع علاقتها بالرباط الذي ذكره العلماء في أبواب الفقه؟

الرباط الدي يمارسه الفلسطينيون هو ملازمة المسجد الأقصى المبارك ومداومة التواجد فيه وعدم الانصراف عنه حتى لا يكون شاغرا وحيدا، وتتم عملية التنسيق بين المرابطين حتى يمتلئ المسجد في كل وقت مع ممارستهم أشغالهم اليومية وأدوارهم الطبيعية. هنا تجلى دور المرابطات الفضليات، فهن يبدأن في رباطهن من الساعات الأولى، يدخلن في زيِّهن الطبيعي ويحتشدن قبل الثامنة صباحا قبل موعد الاقتحامات، فإذا ما تم الاقتحام وسط حماية جنود الاحتلال تهتز ساحات الأقصى بهتافات المرابطات وتكبيرهن وتبدأ معركة بينهن وبين جنود الاحتلال، حتى فزع المقتحمون وظلت أعدادهم في تناقص من الخوف والفزع الَّذَين يسببانهما تكبيرات المرابطات واحتشادهن.

وقد بدأت هذه الظاهرة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000، ومنع الاحتلال الإسرائيلي أية ترميمات داخل المسجد الأقصى.

فقام أهل القدس بتسيير ما أطلقوا عليه (باصات البيارق) من مختلف المناطق للتجمع والتوافد في ساحات الأقصى.

وفي عام2010، بدأت مرحلة جديدة منظمة حيث أطلق مشروع (مصاطب العلم) الذي كثّف الوجود في المسجد، ليبدأ الرباط بالظهور علناً وبشكل متزايد. فكان هناك ما يسمى رباط يوم في الأسبوع، وذلك بتوزيع أيام الرباط على أهل مناطق القدس والمناطق، فيقومون بترك بيوتهم وأعمالهم للذهاب إلى الدفاع عن المسجد الأقصى.

ولكن في عام 2015، منعت سلطات الاحتلال هذا المشروع، كما منعت الرباط في المسجد الأقصى، وذلك بعد أن صرح وزير الدفاع الصهيوني مهاجما المرابطين قائلا " انهم يسعون الى انهاء سيادة إسرائيل على جبل الهيكل" يقصد به المرابطين والمرابطات حول المسجد الأقصى، الذي يطلق عليه اليهود هيكل سليمان بزعم أن النبي سليمان بناه، ثم هدم وجاء المسلمون ليبنوا فوقه المسجد الأقصى.  ولكن لم يستجب الفلسطينيون لقرار المنع.

وفي الوقت الحالي، لا يوجد وقت وجدول مخصص للرباط، ولكن متى حصلت اعتداءات واقتحامات، يتم التنسيق بين أهل القدس ومناطق 48، ويجري الخروج وفقاً لذلك.

والرباط مصطلح بوب له العلماء في كتب الصلاة، ومعناه كما ذكره معجم المصطلحات الاسلامية: هو الـمحافظة على الصلوات الخمس والـمواظبة عليها في الـمسجد، كما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط.

ويعرف الرباط أيضا بأنه الإقامة بثغر تقوية للمسلمين، مأخوذ من رباط الخيل؛ لأن هؤلاء يربطون خيولهم وهؤلاء يربطون خيولهم، كل يعد لصاحبه، والثغر كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم، وفي الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.

وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن قتيبة: أصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم، وهؤلاء خيلهم، استعدادا للقتال، قال الله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" ويحتمل أن يكون المراد كلا من الأمرين، أو ما هو أعم من ذلك.

والمثير في أمر مرابطي فلسطين، أنهم يجمعون بين أمري الرباط: بين انتظار الصلاة في المسجد الأقصى، وبين المرابطة على ثغر هام لحمايته من الهمجية الصهيونية.  

لقد ضرب هؤلاء المرابطون مثالا حيا لصاحب العقيدة والمبدأ الذي يسري في روحه ويجري في شريانه، يحلم به آناء النهار وفي ظلمات الليل، وفي نفس الوقت لا يقصر في واجباته الشخصية.

ونختم ملحمة منتهى بكلامها الذي سطرته فتقول: "مهما ضيقوا علي لن أترك الأقصى لأن ارتباطي به وجداني.. لا يمكنني وصف علاقتي به، هو بالفعل كالدم الذي يسري في شراييني..

 

أعلى