• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
طائفية القضاء في العراق

طائفية القضاء في العراق


لا ينتهي مسلسل إلا وتبدأ حلقات مسلسل آخر تكشف جرائم المليشيات الشيعية التي تحكم العراق اليوم برعاية إيرانية كاملة، ومبتغاها تصفية الوجود السني في بلاد الرافدين، سواء كان ذلك عبر تصفية البشر أو تهجيرهم أو انتزاع ملكية عقاراتهم أو تدمير اقتصادهم. وآخر تلك المسلسلات: جرائم القضاء العراقي بحق المعتقلين السنة وسلسلة أحكام الإعدام التي تصدر يوميًّا دون أن تكون موافقة لأي أعراف قانونية محلية أو دولية.

جاء في تقرير صدر عن مركز بغداد لحقوق الإنسان، أن محكمة جنايات ذي قار (الناصرية) بهيئتيها الأولى والثانية منذ بداية العام 2015 وإلى منتصف شهر يونيو من العام نفسه، أصدرت 582 حكمًا بالإعدام ضد معتقلين عراقيين من أهل السنة (العرب)، وفقًا للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب بحسب الأرشيف الرسمي للمحكمة.

يقول المركز إن تلك المحاكمات ارتكبت فيها مخالفات قانونية تجعلها، غير مستكملة لأدنى متطلبات العدالة، وتجعلها جزءًا من مسلسل تصفية الوجود السني في العراق.

ومن أهم تلك المخالفات، أن جميع القضاة الذين أصدروا تلك الأحكام ينتمون لأحزاب شيعية مدعومة من إيران، وهذا الأمر يجعلهم غير محايدين وإنما فقط ينفذون إملاءات تطلب منهم أو برغبتهم، ومن هؤلاء القضاة رئيس محكمة استئناف ذي قار القاضي فرقد صالح هادي، ورئيس الهيئة الأولى في المحكمة عزيز شنته الجابري، بالإضافة إلى القاضي محمد محسن الإبراهيمي رئيس الهيئة الثانية في المحكمة، وبقية أعضاء هيئة المحكمة.

قامت الحكومة العراقية في منتصف العام الماضي بنقل جميع المعتقلين الصادرة بحقهم أحكام الإعدام من محكمة جنايات ذي قار، إلى سجن «الناصرية»، كما تم نقل قضاياهم من محافظة بغداد ومحافظات أخرى بشكل سافر يتجاوز ما نص عليه القانون العراقي الذي أكد على الاختصاص المكاني للحكم.

ويؤكد تقرير مركز بغداد لحقوق الإنسان أن جميع الأحكام الصادرة ضد 582 عراقيًّا سنيًّا تمت وفق معلومات تم انتزاعها تحت التعذيب أو بسبب وشايات مخبرين سريين، أو بعد تهديد المعتقلين باختطاف ذويهم وتهديدهم بالاغتصاب والقتل. ومن المخالفات القانونية التي وقع فيها القضاء الطائفي الذي أصبح وسيلة من وسائل إيران في تصفية أهل السنة في العراق، إصدار أحكام بالإعدام في حق معتقلين كانوا مقيمين خارج العراق وقت حدوث بعض الحوادث المتهمين بارتكابها، كذلك اتهام أشخاص بارتكاب حوادث تم تبرئتهم مسبقًا من ارتكابها. ومن مسلسل جرائم القضاء العراقي أيضًا استدعاء المتهمين للتحقيق دون إبلاغ محاميهم وعدم إطلاعهم على تفاصيل جلسات التحقيق في انتهاك صارخ لأدنى مقومات العدالة التي يحميها الدستور العراقي.

من الانتهاكات التي وقع فيها القضاء العراقي خلال محاكمة معتقلي «ذي قار» أنه قام بنقل قضاياهم من بغداد ومدن أخرى دون إبلاغ محاميهم، الأمر الذي يحرمهم من فرصة وجود ممثلي دفاع عنهم خلال التحقيق وأثناء المحاكمة وهو حق مكفول في القانون العراقي، بالإضافة إلى أن المحكمة تقوم بتكليف محامين غير مطلعين على قضايا المتهمين، تماشيًا مع الفقرة الحادية عشرة في المادة 19 من القانون العراقي، والتي نصت على مسؤولية المحكمة عن تعيين محامين للدفاع عن المتهمين على نفقة الدولة. هذا الأمر جعل المحكمة تقوم بإجراء شكلي من خلال تعيين محامين وإبلاغهم بمواعيد المحاكمات قبل عقدها بدقائق لإعاقتهم ومنعهم من الاطلاع على تفاصيل القضايا التي من المفترض أن يترافعوا فيها.

يقول مركز بغداد لحقوق الإنسان، إن ما يقوم به القضاء العراقي، يتجاوز ما هو متعارف عليه في مؤسسات القضاء الدولي، بخلاف كونه أصبح جزءًا من مؤسسات مليشياوية تسعى إلى تصفية الوجود السني في العراق.

ويضيف أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يؤكد أن أحكام الإعدام في الدول التي تقوم بتنفيذها، يجب ألا تفرض إلا في حالات خطيرة للغاية، وفقًا لمعايير وقيود قانونية صارمة للغاية، مع افتراض براءة المتهم لحين ثبوت جرمه، بالإضافة إلى ضمان توكيل محامٍ للدفاع عنه، مع التقيد بإجراء محاكمة عادلة له.

بدورها أيضًا، حذرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية، من الإجراءات الجنائية في المحاكم العراقية بما فيها قضايا الإعدام التي قالت إنها لا تفي بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، مشيرة بذلك إلى تصريحات وزير العدل العراقي حيدر الزاملي التي قال فيها: «إن الوضع الأمني الاستثنائي في العراق يتطلب تنفيذ عقوبة الإعدام على نحو أسرع».

وأشارت المنظمة المهتمة بحقوق الإنسان إلى تكرار قبول القضاء العراقي باعترافات تم انتزاعها بالإكراه، بالإضافة إلى عدم تمكين المتهم من الحصول على مستشار قانوني مؤهل، كل ذلك يصب في صالح مسلسل الفساد الذي يعانيه القضاء العراقي.

وقالت «سارة ليا ويتسن» المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: «إن تعجيل تنفيذ الإعدام بالتقليص الإضافي لما لدى المتهمين من ضمانات سيعرض المزيد من الأرواح البريئة للخطر وعلى العراق أن يحارب العنف الذي يرتكبه متمردو تنظيم الدولة الإسلامية بمحاكمات نزيهة وشفافة توفر العدالة، وليس بتسهيل الإعدام استنادًا إلى اعترافات يشوبها التعذيب».

وأضافت «هيومان رايتس ووتش» أن التعديل المقترح، الذي أقره مجلس الوزراء العراقي في 16 من الشهر الماضي ينص على الاستغناء عن تصديق الرئيس على عمليات الإعدام ويمكن لوزير العدل بدلًا منه أن يصدق على الأحكام إذا لم يبادر الرئيس خلال 30 يومًا من صدور حكم بات من محكمة التمييز إلى التصديق على الحكم أو إصدار قرار باستعمال الرأفة أو العفو، أو تخفيف الحكم.

وقالت المنظمة إن نظام العدالة الجنائية في العراق يثير الكثير من الإشكاليات، وبخاصة قانون مكافحة الإرهاب، إذ يفرض القانون الصادر في عام 2005م عقوبة الإعدام في أفعال غامضة الصياغة وغير مميتة بالضرورة، من قبيل «التهديدات التي تهدف إلى نشر الخوف وسط الناس»، كما يحظر دستور العراق استعمال الرأفة أو العفو في قضايا الإرهاب، في مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تمنح المحكوم عليه بالإعدام الحق في طلب الرأفة أو العفو أو تخفيف العقوبة في أي وقت.

ومن الشهادات التي نقلتها المنظمة، ما صرحت به والدة الشاب التونسي محمد مديني الذي حكم عليه بالإعدام في محكمة الجنايات في الناصرية، والتي قالت إن الإدانة استندت إلى اعتراف تم التحصل عليه من ابنها تحت التعذيب في عام 2008، لكن السجل الطبي للأيام الثلاثة التي قضاها في المستشفى نتيجة الانتهاكات «اختفى من ملف قضيته».

أما حنان الراوي، المحامية العراقية التي كانت تشارك في الدفاع في قضية منفصلة بنفس المحكمة يوم 30 أبريل فقد أكدت أن مديني لم يكن معه محامٍ أثناء الإدانة والنطق بالحكم.

وأوضحت أنه كان من بين القضايا اللافتة حكم محكمة الجنايات المركزية في بغداد على رشا الحسيني سكرتيرة نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي، بالإعدام في تهم تتعلق بالإرهاب في 22 أكتوبر الماضي، وقد بدا أن حكم المحكمة يستند بالكامل إلى اعترافات الحسيني برغم ادعاء محاميها أن قوات الأمن عذبتها نفسيًّا وبدنيًّا.

وفي 23 نوفمبر الماضي حكمت المحكمة نفسها على أحمد العلواني، عضو البرلمان السابق، بالإعدام في تهمة بالقتل. وقال أقارب العلواني لـ«هيومن رايتس ووتش» إنهم شاهدوا عليه قبل محاكمته آثارًا ناجمة عن التعذيب إلا أن القاضي أسقطها من الحسبان على ما يبدو.

لم يكن مسلسل محاكمات محكمة «الناصرية» الأخير في سجل فساد القضاء العراقي، ففي تقرير صادر عن مؤسسة الراصد الحقوقي العراقية، أكدت أنها سجلت العديد من الانتهاكات التي سجلت بحق السجناء داخل السجون في عدة محافظات عراقية، ومنه «دس السم في الطعام لسجناء في سجن البصرة والتاجي»، وقالت المؤسسة إن تقريرها جاء بناء على معلومات قدمها عدد كبير من أهالي سجناء من أهل السنة، وذكرت أيضًا أن غالبية هؤلاء السجناء تم نقل ملفات محاكماتهم إلى البصرة والناصرية وتم إصدار أحكام إعدام بحق غالبيتهم.

ويشير التقرير إلى أن الأحزاب الشيعية التي تدير القضاء لديها توجه الآن يقضي بتنفيذ أحكام الإعدام دون الحصول على مصادقة رئيس الجمهورية، الأمر الذي يعد سابقة خطيرة تسجل ضمن فضائح فساد مؤسسات الدولة العراقية وعلى رأسها القضاء.

كذلك ضمن الحرب الديمغرافية التي تشنها أدوات إيران في العراق على أهل السنة يقول، التقرير إن إيران وعبر مليشياتها تحاول إبعاد عشيرة «الندى» السنية عن الشريط الحدودي الملاصق لإيران في محافظ ديالى، ومن خلال المزيد من جرائم الاعتداء وسفك الدماء وآخرها خطف الشيخ مطلك تركي النداوي أحد شيوخ القبيلة والاعتداء عليه، بالإضافة إلى تفجير سيارة مفخخة في أحد تجمعات أبناء القبيلة الأمر الذي تسبب بمقتل 17 شخصًا منهم وإصابة 50 آخرين. تقول مؤسسة الراصد الحقوقي إن التحالف الوطني في محافظة ديالى والذي يقوده سياسيون مقربون من إيران هو من يقف خلف الجرائم التي تستهدف عشيرة «الندى» لإجبار أبنائها على الرحيل من المنطقة الحدودية.

:: مجلة البيان العدد  338 شوال  1436هـ، يوليو  - أغسطس  2015م.

 

أعلى