• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مذكرات البرقعي  (5-7)

ترك البرقعي إمامة المسجد مرغمًا بعد سبع وعشرين سنة، وجلس في منزله، ولكنهم لم يتركوه وشأنه، فهجموا عليه بعد شهرين واقتلعوا باب منزله، ودخل عليه آخرون من داخل المسجد، وكسروا الباب السفلي، ففزعت زوجته فزعًا شديدًا، فمرضت على إثر ذلك، ثم ماتت.


السجون في حياة البرقعي:

فيما بعد قام البرقعي بتأليف بعض الكتب مثل «كسر الصنم»، و«دراسة علمية لأحاديث المهدي»، وهناك كتب ترجمها من العربية إلى الفارسية، مثل «المرشد إلى السُّنة في الردّ على أهل البدعة»، وهذا ما دعاهم إلى سجنه فحقّقوا معه، وأُخذ إلى غرفة صغيرة، طولها 130سم وعرضها متران، بقي فيها ستة أشهر، ثم نُقِلَ إلى سجن خاص بعلماء الدّين، حتى أكمل أربعة عشر شهرًا في سجن إيفين[1].

وصف البرقعي أوضاع هذا السجن، فقال: «كان السجن الخاص برجال الدين، أسوأ حالًا من الغرفة الانفرادية من وجوهٍ؛ فقد سجنوني مع بعض المشايخ الخرافيين المتعصبين الذين يغلب عليهم الجهل... أما بالنسبة للطعام في السجن فكان مناسبًا للشباب، أما أنا فلا يناسبني؛ لأنه لا أسنان لي، وليست لي القوة على الهضم، فكنتُ لا آكل إلا القليل وبصعوبة بالغة، والخبز الذي يُقدَّم سيئ، ولهذا كنت أطلب منهم أن يشتروا لي خبزًا غيره، على نفقتي، وأتناوله»[2].

بقي البرقعي في سجن إيفين أربعة عشر شهرًا، ثم طلبته إدارة السجن، وقالت له: أنت تستحق الإعدام، ولكن لكِبَر سنّك خُفِّف الحكم إلى النفي مدة خمس عشرة سنة إلى مدينة يزد، بعد أن تأتي بكفيل، حتى يتم إطلاق سراحك.

خرج البرقعي بكفالة وبدون محاكمة، وطلبوا منه أن يحضر لدى مدير شرطة يزد خلال أسبوع، ذهب البرقعي واستأجر بيتًا في يزد، ولكن لم يَدعه أهله أن يبقى فيه أكثر من ثلاث ليال، فقد جاءته مجموعة من الشرطة، وأخذوه إلى السجن، وبقي فيه ثلاثة أشهر.

كان هذا السجن أسوأ من سجن إيفين، وقد اشتد عليه أذاهم، وقالوا له: «إنهم يُنفّذون الأوامر القادمة من طهران»، وحينما طلب منهم الخروج المؤقَّت، اشترطوا عليه دَفْع كفالة ضخمة جدًّا، وكان مبلغًا يستحيل على مثله أن يجده، وكأنها كانت حجَّة لعدم خروجه من السجن.

كتب البرقعي رسائل للخميني، وأعطاها لمسؤولي السجن لكي يُوصّلوها، كما كتبت ابنته رسالة كذلك للخميني، ثم أرسل البرقعي بعدها رسالتين إلى الخميني وخامنئي، ثم كتب رسالة لمنتظري، وكذلك فعلت ابنته، كما كتب رسالة إلى وزير الاستخبارات والأمن[3].

ثم يأتي الفرج ويخرج من السجن، ولكن اشترطوا عليه شرطًا صعبًا، وفي هذا يقول البرقعي: «الحاصل أنه بعد سجن دام ثلاثة أشهر في يزد، أطلقوا سراحي بشرط أن آتيهم بعد شهر بنفسي، لأسجل حضوري لديهم يوميًّا»[4]، ثم انقضى الشهر فكان لزامًا أن يرجع إلى يزد، ولكن يُقدِّر الله أمرًا، فيمرض البرقعي مرضًا شديدًا، حتى أُدخل المستشفى، غير أن السلطات لم تُراعِ حاله هذا، فقد أمرته بالذهاب إلى مدينة يزد على هذه الحال!

ذهب البرقعي إلى يزد، وانقضت أيامًا وهو يُعرّف بنفسه يوميًّا، ثم خُفِّف الأمر حتى أصبح يأتيهم كل ثلاثة أيام، وفي هذه الأثناء يموت الخميني، ويكتب البرقعي رسالة إلى خامنئي، الذي أصدر أمرًا بإطلاق سراحه.

عاد البرقعي إلى طهران، ونظرًا لأن منزله غير متاح؛ إذ يوجد فيه مستأجر لا يريد الخروج، قرر الذهاب إلى مشهد، فلما دخل خراسان جاءه اتصال، بأن ثلاثة أشخاص هجموا على منزله في طهران، وقالوا: «إن السيد هرب من سجن يزد، وقد جئنا لنُعيده»!

أيقن البرقعي أنهم يريدون قتله، وأن عودته إلى طهران غير آمِنة، والأفضل له في هذه الحالة الاختفاء مدة من الزمن، فبقي كذلك ثلاثة أشهر، كتب فيها كتابه هذا (سوانح الأيام)، وسرد فيه ما جرى له في حياته، وكان ينتقل من منزل إلى آخر، وهو رجل طاعن في السن بلغ عمره ثلاثة وثمانين عامًا، ثم اضطر أن يكتب رسالة ثانية لخامنئي[5].

رجع البرقعي إلى طهران، وذهب إلى قرية اسمها (كن)؛ حيث يقع فيها منزل ولده محمد حسين البرقعي، وهنا يصف تلك اللحظات، فيقول: «أنا أكتب هذه السطور اليوم، ولا أعلم هل ستكون آخر أيامي في هذه القرية (كن)، أم لا؟، ولكن مما سرّني أن أهل كن، أسلم من غيرهم وأحسن، ولهذا أوصيت أن أُدْفَن بها»[6].

اشتغل البرقعي على إصلاح مؤلفاته، وخاصةً تلك التي كتبها بعد الثورة؛ إذ كان يمر بظروف صعبة، رافقها تشتُّت الخاطر، وفقدان كثير من المصادر، ثم استُدْعِيَ للتحقيق للمرة الرابعة سنة 1990م، فهيَّأ نفسه للسجن وذهب، وبعد التحقيق قالوا له: انتظر في الخارج، فنام، وبعد قليل أيقظه أحدهم، وقال له: تستطيع الذهاب![7]، وهنا قال البرقعي: «قبل هذه الحادثة، لم أكن مهتمًّا بإتمام ما كتبته عن حياتي، ولكن هذه الحادثة دفعتني لذلك»[8].

تكفير البرقعي والحكم عليه بالفسق:

تترسخ قناعة لدى البرقعي، بأن دولة الشاه كان لها دور كبير، في بعض ما تعرَّض له، فهو يرى أن كثيرًا ممن تزعموا تكفيره وتفسيقه وسبّه على المنابر، كانوا على علاقة مع أجهزة الدولة، مثل السافاك، وذكر بعض الأسماء، وهم: أشرف كاشاني، وجواد مناقبي، ومحمد رضا نوغاني، وإبراهيم ميلاني، والسيد شجاعي، وغيرهم، ويقول: إن علاقتهم بهذا الجهاز قد انكشفت بعد سقوط نظام الشاه، وظهور بعض الوثائق المؤكدة لذلك[9].

وعلى ذكر المدعو السيد شجاعي، ذكر البرقعي حادثة وقعت له مع هذا الرجل، فقد كان هذا الرجل ممَّن كفَّر البرقعي، فاتفقا للذهاب إلى المرجع آية الله الخوانساري، ليكون حَكمًا في أمر البرقعي، الذي وصف ذلك، فقال: «وعندما وصلنا إلى منزله، ورأيت جمال البيت واتساعه وأنواع الزينة والنقوش، وظهر لي زهد آية الله! هنا قلّ رجائي في الخوانساري أن يقول الحق... والخلاصة أننا عرضنا عليه القضية وطلبنا منه الجواب؟ فقال: البرقعي ضالّ؛ لأنه يقرّر في هذا الكتاب، أن كتاب الكافي للكليني ليس بكافٍ، ويقول: بأن القرآن يكفي، فقلت: إن هذا الكلام لا يكفي، لتحكم عليَّ بالضلال والفسق، ولكن الخوانساري أصرَّ على رأيه»[10].

ذكر البرقعي شاهدًا على علاقة علماء الشيعة بنظام الشاه آنذاك، واستغلالهم للدين في جمع الأموال، فذكر آية الله هادي الميلاني، الذي صرف عمره بدراسة الفلسفة اليونانية في النجف على يد الشيخية، ثم جاء إلى مشهد وهو فقير، ثم مات بعد أن ترك ثروة تُقدَّر بالملايين[11]، فقال: «جاء هذا السيد إلى مشهد، وليس لديه إلا عباءة عفا عليها الزمن، وعندما مات ترك ثروة لأولاده تُقدَّر بالملايين، واتضحت مؤخرًا علاقته بأجهزة الشاه، وقد ابتُلِيَ آخر أيامه بسرطان المعدة، ثم ودَّع الدنيا ومناصبها»[12].

اشتكى البرقعي من تهديدهم له، وهو مَن شارك بالمظاهرات ضد الشاه، وتعرَّض للإيذاء هو وعائلته وأصحابه مِن قِبَلهم، حتى بلغ الأمر إلى تكفيره مِن قِبَل المُعمّمين الجهلة، فقال: «والآن يهددوني بكل خيانة، مع أني شاركت في جميع المظاهرات ضد الشاه الطاغوت، وقد أُصيب حفيدي محسن بالرصاص مع مجموعة من الأصحاب، وقتلوا زوجتي، والآن يُكفّرني كلّ مَن وضع عمامة على رأسه، مع أنه لا يعلم من أصول دينه شيئًا»[13].

ونتيجة لهذه الحملة المنظمة ضد البرقعي من الحُكم عليه بالفسق، ثم القول بكفره، فإنه تعرَّض إلى بعض حوادث الظلم والجور، ومن ذلك ما وقع له في قرية اسمها (كن)، فقد كان لهذه القرية طريقان؛ طريق تُستخدَم بكثرة مِن قِبَل الباصات والسيارات، وأخرى غالبًا ما تكون خالية، إلا من بعض السيارات الشخصية، فوقفت له سيارة وعرض سائقها على البرقعي، أن يُوصّله إلى قرية (زيبا)، وفي الطريق يفتح السائق الباب، ويدفع البرقعي إلى خارج السيارة بقوة، ويسقط الشيخ الكبير في السن على الأرض![14]

فتاوى قتل البرقعي ومحاولة اغتياله:

تصاعدت حدة الصراع بين البرقعي ومخالفيه، حتى تجاوز ذلك السبّ والشتم والتفسيق والتكفير، إلى أن وصل إلى حد القتل، فقال: «وتطوَّر الأمر فصمَّموا على قتلي، وأصدر الشيوخ الجهال فتوى بقتلي، وكان هذا الجاهل سيدًا يسمى (بعلوي)، وكان صهر آية الله البروجردي، وقد أعلن أنه جمع مائتي ألف تومان سيكافئ بها من يقتلني... وأظن أن المُحرِّض له دولة الشاه وجهاز مخابراته (السافاك)، أو اليهود»[15].

لم يكن صهر البروجردي وحده مَن أمر بقتله، بل كان هناك آخرون تولوا هذا العمل، على رأسهم رجل يدعى سيد خسروشاهي، ظل يُكِنّ العداوة والخصومة للبرقعي، وكان يطمع في تولي الإمامة في مسجده، وله مع البرقعي مواقف عديدة، يقول البرقعي عن ذلك: «وقبل سنوات من إغلاق المسجد، قام بإغراء بعض الجهال بمبلغ من المال ليقتلوني في اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك... فسبحان الله! العجب أن هؤلاء الشيوخ يدّعون حبّ عليّ -رضي الله عنه-، ولكنهم يعملون عمل ابن ملجم قاتل عليّ»[16].

وفي إحدى الليالي دخل أحدهم المنزل، وكان البرقعي يصلي صلاة العشاء، فوصل إلى الركعة الثانية، فوصف ما حدث له، فقال: «فصوب إليَّ المسدس وأطلق عليَّ رصاصة، فدخلت الرصاصة في خدي ثم هرب، أنا لم أشعر بدخوله، ولكني شعرت بعد إطلاق الرصاصة، كأن قنبلة اخترقت رأسي، وشعرت بالدم ينزف... تلطخت سجادتي.. فقطعت الصلاة، وتحاملت على نفسي حتى وصلت إلى المغسلة، وسمعت شخصًا يقول: (انتهى الأمر.. انتهى الأمر)، بعدها سقطت مغمى عليّ عند المغسلة، وكنت في عمر الثمانين وأنزف نزفًا شديدًا»[17].

سمعت جارته صوت إطلاق النار، فأسعفته مع بعض الجيران، ونقلوه إلى المستشفى، وهنا يصرّح البرقعي تصريحًا خطيرًا، حينما أفصح عن الفاعل لهذه الجريمة، بناء على توافر قرائن عديدة، فقال: «استيقنت بعد ذلك أن حُكّام هذه الدولة، هم مَن أرسلوا لجنة الاغتيال، التابعة للحرس الثوري، لينفذوا هذه العملية الإجرامية»[18]

إبعاده عن المسجد:

سعى هؤلاء الشيوخ المخالفون للبرقعي، إلى أجهزة الدولة من الشرطة والسافاك ومجلس الأوقاف، لإبعاد البرقعي عن المسجد الذي يؤم الناس فيه، واستعانوا بالناس فحشدوهم في ميدان شوش وغيره، هاتفين بطلب عزل البرقعي، وأعدوا هادي خسروشاهي لاستلام إمامة المسجد، وهو من أنشط أهل الحي تأليبًا ومعاداة للبرقعي، وقد كان من أمر هذا الرجل، أنه كان يعمل في أوقاف تبريز، فطُرد منها على إثر خيانة في أموالها، فانتقل إلى السكنى في طهران بالقرب من مسجد البرقعي[19]، قال عنه البرقعي: «خسروشاهي هذا، كان على عداوة شديدة مع الموحدين، ولما كان مقيمًا في تبريز، كان شديد الوطأة، في معاداة الأستاذ الحاج ميرزا يوسف شعار، كما سعى في أذيته»[20].

سعى خسروشاهي في إبعاد البرقعي عن المسجد، وهو لم يكن جهدًا فرديًّا، بل أسهم معه مَراجع التقليد وأجهزة الدولة من الشرطة والأمن والسافاك والأوقاف. وتحدث البرقعي عن دور خسروشاهي معهم، فقال: «زار بعض مَراجع التقليد وتعاهدوا، فكتبوا وثيقة وقَّع عليها كثير من أئمة المساجد والوعاظ، موجزها: أن البرقعي وهابي!! وأنه يريد أن يخرّب الإسلام!!، وكتب بعضهم أيضًا أن البرقعي يهودي!! ثم بمساعدة قسم الشرطة رقم (12) والأمن العام وضباط السافاك (المخابرات) وآخرين في الأوقاف، هجموا على مسجدنا وأغلقوه وختموه بالشمع الأحمر، وأمسكوا بعض أصحابي وأخذوني إلى الشرطة، ثم منها إلى السجن، وبعد أيام في السجن، أخذوا عليَّ تعهدًا بأن أتخلى عن إمامة المسجد، ثم أخذوا ابني وسجنوه يومًا وليلة، وأخذوا عليه تعهدًا، بألا يذهب إليَّ ولا يتردد عليّ»[21].

إذن لقد كان لمراجع التقليد وعلماء الشيعة دَوْر في عزله من المسجد، أكّد ذلك البرقعي حينما قال: «لما أخذوني إلى السجن، بعد عزله من المسجد، زاره عقيد اسمه لطفي، فسأله البرقعي: لماذا تمنعوني من الذهاب إلى المسجد؟ وما الإشكال الذي رأيتموه عليّ[22]؟ فأجاب: نحن لم نقف ضدك، بل مراجع التقليد والعلماء، هم الذين يخالفونك»[23].

على كل حال، لقد فرح خسروشاهي بطرد البرقعي من المسجد، وصف ذلك البرقعي، فقال: «كان السيد خسروشاهي لشدة فرحه بطردي من المسجد، يدعو إلى المسجد كل ليلة، جماعة من المداحين وقراء المراثي، وأصحاب اللطميات وضرب الصدور»[24].

لم يكن بمقدور البرقعي مواجهة خسروشاهي، وجميع أجهزة الدولة، تقف معه وتؤيده، وقد بيَّن البرقعي هذه العلاقة، فقال: «حينما رجعت إلى المنزل، علمت أن السيد خسروشاهي، ذهب قبل ثلاثة أيام، مع أعضاء من الاستخبارات، وبعض المسؤولين في قسم الشرطة المركزية في المدينة، وآخرين من مجلس الأوقاف وبعض الوزراء، ذهبوا إلى حفل ذكرى تولي بهلوي للحكم، بحضور زوجة الشاه فرح بهلوي، وأقام هادي خسروشاهي فيهم صلاة الجماعة في المسجد، بمعنى أنه أصبح من زمرة الملك، بالطبع لم يكن باستطاعتي أن أواجه الشاه والسافاك ومدير الشرطة، فعزمت على صرف النظر عن المسجد»[25].

دور شريعتمداري في أحداث المسجد:

يرى البرقعي أن آية الله كاظم شريعتمداري كان السبب الرئيس في أخذ المسجد منه؛ وذلك لأنه لما زادت العداوة تجاهه على إثر انتشار كتابه «درس من الولاية»، وبعض الكتب الأخرى، أصدر شريعتمداري كما سبق جوابًا لبعض الخرافيين، أنه بريء من البرقعي، فكان هذا البيان سببًا في تهييج الناس ضدّه.

وهناك أمر آخر حملهم على إيقاف إمامة البرقعي لهذا المسجد، فقد أصبح مسجده مقرًّا للموحدين، ففيه يدرسون ويتباحثون، وفيه تُقام المحاضرات الأسبوعية، وتُبيَّن فيه بعض الحقائق، ويُردّ فيه على بعض الأوهام والبدع والخرافات المنتشرة آنذاك[26].

لم يكن شريعتمداري هو المرجع الوحيد، الذي تسبَّب بإبعاد البرقعي عن مسجده، بل انضم إليه عالم آخر، ذكره البرقعي بعد أن بيَّن بعض ما قام به شريعتمداري، فقال: «ولهذا كله كتب شريعتمداري رسائل للشاه والسافاك، أن يبعدوني عن إمامة المسجد، وحتى الخُمس الذي كان يأخذه شريعتمداري، أنفق كثيرًا منه في محاربتي، فأعطى مبالغ منه لرئيس المنطقة وللعسكر والأراذل من الناس، وحتى أصحاب الحمامات، أعطاهم ليُخرجوني من المسجد، وليتحدوا مع الدولة في طردي من المسجد.

وهناك شخص آخر غير شريعتمداري، كان له دور وهو السيد أحمد خوانساري، فقد كتب رسائل للدولة والسافاك، ليأخذوا المسجد مني»[27].

البرقعي بعد ترك إمامة المسجد:

ترك البرقعي إمامة المسجد مرغمًا بعد سبع وعشرين سنة، وجلس في منزله، ولكنهم لم يتركوه وشأنه، فهجموا عليه بعد شهرين واقتلعوا باب منزله، ودخل عليه آخرون من داخل المسجد، وكسروا الباب السفلي، ففزعت زوجته فزعًا شديدًا، فمرضت على إثر ذلك، ثم ماتت.

 ذهب البرقعي إلى رئيس الشرطة، وقدَّم شكوى حول كسر باب منزله، فحقَّق في ذلك وكتب تقريرًا، أن الباب تم كسره[28]، «ولكن -للأسف- ذهب ثلاثون شخصًا من المتدينين المعممين، من مدعي ولاية الإمام عليّ إلى رئيس الشرطة، وشهدوا بأن هذه الدار، لم يكن لها باب أصلًا!! ولأنهم كانوا قدموا رشوة، فقد قُبلت شهادتهم الحمقاء، وهي شهادة زور»[29].

وبسبب كلام هؤلاء المعممين، أصبح كثير من الناس يعامل البرقعي معاملة سيئة، فامتنع الجزار والخباز عن البيع له، وهناك من يأتون ليلًا ويضربوا باب منزله ويُروّعون أهل المنزل، فإذا سألهم عن سبب مجيئهم، قالوا: أتينا لنناقشك!، وأحيانًا يرسلون من يتظاهر بالسؤال، فيدخل بيته ويسرق ما يَكتب، ونحو ذلك، وهذا ما أجبر البرقعي على ترك منزله المتواضع، التابع للأوقاف.

ترك البرقعي مسجده ومنزله الوقفي، وانفضَّ عنه الزملاء، وابتعد عنه الأهل والأصهار، حتى يحافظوا على مكانتهم، وأصبح مَن كان في يوم من الأيام من أشد المريدين له مخالفًا له، ثم استأجر منزلًا في شارع جمال زاده، مقابل كنيسة المسيحيين، فكان يرى النصارى يُروّجون لدينهم، بينما هو ليس له الحق في بيان التوحيد الذي يُقرّره القرآن الكريم[30].

وهنا كتب البرقعي رسالة لمسؤول هيئة الأوقاف، يشتكي من الإجحاف والتُّهَم التي تعرَّض لها، فقال: «معالي المسؤول عن هيئة الأوقاف السيد المحترم فشجي، أفيد معاليكم بأني السيد أبو الفضل البرقعي في السبعين من عمري، وقد بلغ عدد مؤلفاتي ورسائلي المطبوعة مائة مُؤلَّف، وقد اشتغلت لمدة سبع وعشرين سنة، بإمامة مسجد شارع وزير دفتر، وبسبب موافقتي لأهل السنة في بعض الأمور، مع كوني مسلمًا وشيعيًّا حقيقيًّا، ولأني أحارب الخرافات والمُحدثات في الدين؛ فقد مُنعت من إمامة المسجد بأمر من الأوقاف»[31].

يرى البرقعي أن حكومة الشاه استفادت من موقف معمّمي الشيعة تجاه البرقعي؛ إذ لم تكن معارضة لما حل بالبرقعي، بل كان ذلك موافقًا لأهدافها، كما قال القائل: «لم آمُر بها ولم تسؤني!» فقال: «وبطبيعة الحال فإن حكومة الشاه، لم تكن ساخطة على ما يجري لي؛ لأنهم لا يريدون أن يوجد في طهران أيّ مسجد يُوقظ الناس، أو يُعرّفهم بحقائق الإسلام، فالحكومة كانت تدعم انشغال الناس بالخرافات المذهبية، والشاه بنفسه يروّج لها، ويقول: التقيت بإمام الزمان، ونحو هذا الكلام»[32].

وبهذا الصدد نقل محقّق كتاب «سوانح الأيام»، نقلًا مُهمًّا يوضح فيه مخادعة محمد رضا بهلوي، ومجاراته للشيعة في بعض الخرافات، فقال في لقاء مع صحيفة إيطالية: «أنا لم أكن وحيدًا فريدًا، بل تُسعفني قوة لا يتمكّن أن يراها أحد، قدرة خفية باطنية، وإنني أستقي منها أوامر دينية؛ لأني شخص مبدئي وملتزم جدًّا، وكنت مع الله وأنا في الخامسة من عمري»، يعني أنه كان مُلهَمًا من ذلك الزمان.

الصحفية: إلهام يا صاحب الجلالة؟

الملك: نعم، إلهامات!

الصحفية: من أي شيء؟ وممَّن؟

الملك: آه أتعجب منكم؛ لأنكم لا تعرفون شيئًا حول هذا الموضوع، الكل يعلم ويعرف ما كنت أرى من رؤيا، فإني كنت أُلْهَم في رؤياي، وكانت إرهاصات في أوائل عمري، عندما كان عمري خمس سنوات.

والثانية في السادسة من عمري؛ ففي الأولى رأيت الإمام الحُجَّة، الشخص الذي على أساس مذهبنا غائب، وسوف يأتي ويُنقذ العالم، وذلك عندما حدثت لي حادثة، ووقعت عليَّ صخرة، فحال الإمام -عليه السلام- بيني وبين الصخرة، وإني رأيته بعيني لا في الرؤيا، وأنا الوحيد ممن رآه»[33].

وهذا المنهج مِن قِبَل الحكام وأصحاب السلطات، مع المذاهب والخرافات، أكَّده البرقعي، فقال: «وكل مذهب لا يستطيع أن يروّج لأيّ شيء من الخرافات إلا من خلال الاتصال بالدولة أو الملك، فالصوفية والبابية والشيخية، كلها كانت ربطت نفسها بالدولة والملك، وكان الملك ينسب نفسه للشيعة والتشيع، مخادعةً للناس ويجاريهم في خرافاتهم»[34].


 


[1] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (255-256).

[2] سوانح الأيام، البرقعي، (ص256).

[3] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (279-289).

[4] سوانح الأيام، البرقعي، (ص290).

[5] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (293-294).

[6] سوانح الأيام، البرقعي، (295-296).

[7] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (297-298).

[8] سوانح الأيام، البرقعي، (ص299).

[9] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص97).

[10] سوانح الأيام، البرقعي، (ص97).

[11] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص99).

[12] سوانح الأيام، البرقعي، (ص99).

[13] سوانح الأيام، البرقعي، (ص193).

[14] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص291).

[15] سوانح الأيام، البرقعي، (96-97).

[16] سوانح الأيام، البرقعي، (ص101).

[17] سوانح الأيام، البرقعي، (ص235).

[18] سوانح الأيام، البرقعي، (ص236).

[19] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (100-101).

[20] سوانح الأيام، البرقعي، (ص101).

[21] سوانح الأيام، البرقعي، (ص102).

[22] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).

[23] سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).

[24] سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).

[25] سوانح الأيام، البرقعي، (ص104).

[26] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص102).

[27] سوانح الأيام، البرقعي، (ص103).

[28] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص109).

[29] سوانح الأيام، البرقعي، (ص109).

[30] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (109-110).

[31] سوانح الأيام، البرقعي، (ص117).

[32] سوانح الأيام، البرقعي، (109-110).

[33] سوانح الأيام، البرقعي، (77-78)، هامش رقم (1)، نقلها المحقق من كتاب: قصص المستبدين، محمد الشيرازي، (ص34)، نقلًا عن صحيفة (أوريانا فالاجي).

[34] سوانح الأيام، البرقعي، (ص77).

 

أعلى