• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مأساة مالي.. صوملة جديدة

مأساة مالي.. صوملة جديدة


لم يكد يصحو المسلمون من مآسيهم حتى ظهرت في الأفق مأساة جديدة يقود أوارها هذه المرة فرنسا، ربيبة الصليبية العالمية، التي لم تنس ماضيها الاستعماري البغيض، حيث تشن حرباً جديدة على دولة مالي بمباركة ومساندة من الأمم المتحدة، في عنوان جديد لحرب صليبية جديدة، وبأموال المسلمين.

فما زالت أياديها ملطخة بدماء الأبرياء في دول المغرب العربي وإفريقيا وغيرها، ثم هي اليوم تقود حرباً صليبية جديدة على بقعة جديدة من أراضي المسلمين في مالي المنكوبة. وحتى نستطيع فهم حقيقة الحرب الصليبية الجديدة على دولة جديدة من دول العالم الإسلامي، لا بد من توضيح بعض الحقائق التي قد يغيب بعضها عن كثير من الناس، من هذه المعطيات:

أولاً: مالي بين التاريخ والجغرافيا:

* جمهورية مالي: هي دولة إسلامية إفريقية تقع في غرب إفريقيا، وعاصمتها باماكو، وهي دولة غير ساحلية تحدها الجزائر شمالاً، والنيجر شرقاً، وبوركينا فاسو وساحل العاج في الجنوب، وغينيا من الغرب والجنوب، والسنغال وموريتانيا في الغرب. تزيد مساحتها على 1.240.000 كم²، ويبلغ عدد سكانها 14,533,511 مليون نسمة، حسب آخر الإحصاءات.

* تقع مالي في منطقة الساحل، يقصد بالساحل المنطقة الواقعة ما بين شمال مالي في المنتصف وجنوب الجزائر وشمال النيجر وشرق موريتانيا وجنوب ليبيا، وتلك المساحة تتجاوز أربعة ملايين كيلومتر مربع، ويتنوع سكان تلك المنطقة فتضم القومية الأمازيغية والطوارق وبعض القبائل العربية والقبائل الإفريقية، ويدينون بالإسلام.

* تتألف مالي من عدة قبائل: الماندي وتبلغ 50% (بامبارا، مالينكي، ساراكولي)، بيول 17%، والفولتيك 12%، وسونغاي 6%، طوارق وقبيلة مور 10%، آخرون 5%.

وتعتبر الفرنسية اللغة الرسمية، والبامبارا الأكثر استخداماً، نحو 80% من السكان.

* تبلغ نسبة المسلمين نحو 90%، ويبلغ النصارى نحو 1%، وهناك 9% ديانات إفريقية أخرى.

* نشأت في هذه المنطقة مملكة إسلامية عظيمة هي «مملكة مالي»، أو «إمبراطورية مالي»، التي تُعرف عند العامة ببلاد التكرور، وكانت تقع بين برنو شرقاً والمحيط الأطلسي غرباً وجبال البربر شمالاً، وكانت تُعد من أعظم ممالك السودان الإسلامية، حيث بلغت المملكة أقصى عظمتها وقوتها.

وكانت مملكة مالي من أغنى ممالك السودان الغربي وأقواها، وازدهارها كان يمثّل أعظم فترات التاريخ الإفريقي تطوّراً وتقدّماً، وحكامها كان لهم دور مهم في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، واشتهرت باسم مملكة مالي، كما عُرفت بمملكة الماندنجو.

والماندنجو، مؤسّسو مملكة مالي، كانوا من أكثر شعوب إفريقيا تحمّساً للإسلام، وقد اشتهر أن كنكن موسى، أشهر ملوك مالي، كان يبني مسجداً في كلّ مكان تدركه فيه الجمعة، وقد اقترن اتساع المملكة بالدعوة إلى الإسلام[1].

وأثناء أوجها، امتدت الإمبراطورية المالية من ساحل المحيط الأطلسي بالغرب إلى ما وراء تخوم منحنى نهر النيجر بالشرق، ومن حقول الذهب في غينيا بالجنوب إلى محطّ القوافل التجارية عبر الصحراء بالشمال. وكان إمبراطورها مانسا موسى قد حج لمكة عام 1324م عبر القاهرة، واستقبله المماليك في القاهرة بحفاوة بالغة، وقد انخفض سعر الذهب بالعالم إثر رحلة الحج تلك لكثرة ما وزع من ذهب على طول الرحلة، وفي هذه السنة أصبحت العاصمة تمبكتو بجنوب غرب نهر النيجر، مركز تجارة الذهب وتعليم الإسلام، وفي سنة 1500م امتد حكم مالي لمناطق بأعالي نهر النبجر[2].

* استولت فرنسا على مالي أثناء احتلالها شمال إفريقيا ‏أواخر القرن التاسع عشر، وجعلتها جزءاً من السودان الفرنسي. نالت السودان الفرنسية (سميت بعد ذلك باسم الجمهورية السودانية وهي ليست جمهورية السودان الحالية)، استقلالها في 22 سبتمبر 1960 مكونة مع السنغال اتحاد مالي، الذي ما لبث أن انحل عقده بعد عام في أعقاب انسحاب السنغال، فسمت الجمهورية السودانية نفسها باسم جمهورية مالي، وحكم البلاد موبيدو كايتا: ما بين 1960 إلى 1968.

* تنقسم مالي إلى ثلاثة أجزاء كل جزء تحكمه إحدى القبائل الثلاث، وهي: الطوارق ويبلغ عددهم نحو ربع السكان ينتشرون بالقرب من الصحراء الكبرى، ومناطقهم هي تمبكتو وكيدال وغاو الأمازيغ.

وقبائل البمبراو، ويبلغ عددهم ثلث عدد السكان، وينتشرون في بماكو وسيكاسو وسايغو وبقية المناطق الأخرى.

وقبيلة الهوتسو، وهم أقل من القبيلتين الأخريين تعداداً في مالي، وينتشرون في كاي.

* توجد في شمال مالي مدينة «تمبكتو»، وهي مدينة تاريخية إسلامية شهدت نهضة حضارية علمية إسلامية كبيرة، وهي تعد العاصمة الثقافية والتراثية لجمهورية مالي، وملتقى الحضارات والثقافات منذ مئات السنين، ومنارة العلم ومجمع العلماء، وتوجد بها أكبر كمية من المخطوطات في إفريقيا، وهي من أشهر المدن الإسلامية في القرن الثالث عشر، وملتقى القوافل البرية للقادمين من النيجر وليبيا، غير أن الحقبة الاستعمارية قد دمرتها، وحاولت طمس معالم الحضارة العربية الإسلامية فيها، في القرن السابع عشر، من خلال الرحلات الأوروبية، ليتعاقب عليها المستعمر الفرنسي الذي قاومته قبائل المنطقة من العرب الطوارق بقيادة المجاهد محمد على الأنصاري.

ثانياً: أطراف الصراع:

1- فرنسا:

* منطقة الساحل منطقة نفوذ فرنسي، حيث احتلت كل دولها تقريباً في فترات سابقة، وما زالت صاحبة القرار في هذه البلدان. ولقد مارست فرنسا أبشع همجية في التاريخ الحديث كله، فهي التي قتلت مليون وستمائة ألف جزائري عبر سنوات احتلالها الهمجي للجزائر من 5 يوليو 1830 حتى 1 نوفمبر 1954، ولم تكتف بذلك، بل حرق جنودها ومستوطنوها أرض الجزائر عندما أيقنوا أنهم مغادروها، كي لا ينتفع بها الجزائريون بعدهم؟!!

وهي التي ظلت تنهب خيرات إفريقيا حتى الرمق الأخير، وما زالت تسيطر على مناجم الماس والذهب والمعادن واليورانيوم في الدول الإفريقية، ثم تركتها في فترة الاستقلال الموهوم في ذيل الشعوب والأمم.. فأي مدنية وحضارة أصابت تلكم الشعوب من جرّاء سيطرة فرنسا عليهم لعشرات السنين؟!!

ثم هي التي هددت بعودة قواتها إلى الجزائر إذا فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية في انتخابات عام 1990، وقد ساعدت العسكر على تنحية جبهة الإنقاذ من الحكم؛ هذا غيض من فيض من ممارسات فرنسا الإرهابية التي لا تمت للإنسانية بصلة، ولم تنته عن هذه الممارسات الشنيعة حتى اليوم.

2 - أمريكا:

* توجد أطماع أمريكية في هذه المنطقة لعدة أسباب:

- وجود كثير من الثروات فيها، كالبترول والغاز والمعادن واليورانيوم الذي يشكل مع النيجر أكبر الاحتياطيات في العالم، وتهيمن عليه فرنسا ولا يستفيد منه أهلها.

- تسعى أمريكا منذ 2007م ليكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة التي فضلها البنتاغون لتنفيذ مشروعه بإقامة مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم» (AFRICOM)، ووقف رفض هذه الدول حجر عثرة أمام طموح أمريكا بإنشاء أكبر قاعدة عسكرية لها في إفريقيا في هذه المنطقة، خاصة الرئيس المالي المخلوع أمادو توماني توري، الذي اضطر القيادة الأمريكية إلى إدارة هذه القيادة - التي كان مخططاً لها أن تضم في حدود 3000 جندي وضابط - من قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة شتوتغارت الألمانية.

- محاصرة المد الإسلامي، خاصة بعد تمدد القاعدة في الصحراء الكبرى، وتمركزهم في شمال مالي.

* بعض التحليلات السياسية توضح أن هناك صراعاً خفياً بين فرنسا وأمريكا على الغنيمة، وتحاول فرنسا أن يكون لها قدم السبق، فالمنطقة ملك خالص لها، فمن المسلّم به وجود تنافس بين أمريكا وفرنسا للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية، والغنية بالثروات الطبيعية (المعادن والنفط واليورانيوم)، والتي هي في الأساس تابعة للنفوذ الفرنسي، لكن دخول أمريكا بقوة تحت دعوى مكافحة الإرهاب عجل من تدخل فرنسا.

3 - الانقلابيون الماليون:

* وقع أغرب انقلاب في باماكو في 21 مارس 2012م قام به أحد قادة الجيش ممن تدرب في أمريكا سابقاً النقيب «أمادو سانوغو»، حيث جاء الانقلاب قبل شهر واحد من موعد الانتخابات الرئاسية في البلاد، والتي كان محدداً لها أبريل 2012م، وأعلن وقتها الرئيس المالي المخلوع أمادو توماني توري عدم ترشحه فيها؛ لإتمامه المرحلة الثانية من الحكم، بموجب الدستور الذي لا يجيز له الترشح لفترة ثالثة، وهو له سابقة تحسب له في تسليم الحكم للمدنيين بعد إدارته البلاد لفترة انتقالية استمرت 14 شهراً بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس موسى تراوري، وقام بتسليم الحكم للرئيس ألفا عمر كوناري عقب انتخابات عام 1992م.

* هذه المنطقة منذ مدة وهي مسرح لعمل المخابرات الأجنبية عامة والأمريكية خاصة مع تزايد نمو القاعدة، فكيف يحدث هذا الانقلاب دون علم هذه الأجهزة، إلا إذا كانت هي من تقف وراءه؟

* الانقلاب حدث بلا أي أهداف أو أسباب معقولة، حيث كان السبب المعلن عدم استجابة الحكومة لمطالب الجيش بتسليح رفاقهم الذين يعانون هزائم متكررة في شمال البلاد في حربهم ضد الطوارق وأفراد القاعدة، مع علمهم استحالة ذلك للوضع الاقتصادي المتردي للبلاد، وكذلك لأن قوام الجيش المالي صغير للغاية ولا يتحمل أي مواجهة مع الطوارق أو القاعدة أو القوات الغربية.

فماذا فعلوا بعد الانقلاب؟ هل سلحوا رفاقهم؟ أم زادوا الطين بلة؟ وجروا البلاد والعباد إلى أتون حرب لن يسلم منها أحد، وستزيد من معاناة الماليين أضعافاً مضاعفة.

* قام الانقلابيون بتسليم السلطة إلى رئيس انتقالي هو «ديونكوندا تراوري» - رئيس البرلمان السابق الذي كان مرشحاً لانتخابات الرئاسة المقررة في أبريل 2012م - الذي جرى تنصيبه في 12 أبريل 2012م بمقتضى تسوية إفريقية وضغط فرنسي، جاء ذلك بعد أسبوعين من الانقلاب، وظل قائد الانقلاب النقيب «أمادو سانوغو» ورجاله أصحاب النفوذ في باماكو.

وتم اختيار «شيخ موديبو ديارا» رئيساً للوزراء، وهو عالم سابق في إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) ورئيس مايكروسوفت في إفريقيا، وقد تولى منصب رئيس الوزراء في أبريل الماضي، وهو زوج ابنة الرئيس السابق موسى تراوري الذي انقلب عليه أمادو توري في عام 1991م.

وديارا كان من المؤيدين للتدخل الأجنبي، حيث أعلن مراراً تأييده لتدخل قوة عسكرية دولية سريعة في شمال مالي، قبل أن يجبره العسكر على تقديم استقالته في ديسمبر الماضي، ثم تم تعيين «ديانغو سيسوكو» - الحائز على شهادة الدكتوراه في القانون، والذي كان يشغل منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية في نظام موسى تراوري - رئيساً للحكومة يوم الثلاثاء 11 ديسمبر.

4 - الطوارق:

* يتواجد الطوارق في منطقة الشمال التي تبلغ مساحتها أكثر من ثلثي مساحة مالي؛ وهي منطقة نفوذ كامل للطوارق، كما يوجد الطوارق في البلدان المجاورة موزعين على هذه الدول مشكلين عبئاً ثقيلاً وموروثاً استعمارياً نتيجة تقسيم البلدان وفق هوى المستعمر.. تشبه مشكلتهم إلى حد كبير مشكلة الأكراد في العراق وسورية وإيران وتركيا.

5 - الحركات الإسلامية الجهادية:

* وجود تمركز للجماعات المنتسبة للقاعدة في شمال مالي في مناطق الطوارق منذ فترة طويلة، ووجود تحالف بينهما يقوم على حماية المصالح والمنافع الشخصية لكلا الطرفين.

* الحركات الإسلامية الجهادية الموجودة في الشمال كثيرة ومختلفة ومتفرقة وبعضها مخترق، اللاعب الأكثر نشاطاً في المنطقة هو «حركة أنصار الدين» التي يعرّفها مؤسسوها بأنها «حركة شعبية جهادية»، وقد تعززت قوتها بانهيار نظام القذافي.. هذه الجماعة أسسها «إياد غالي»، وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل «الإيفوغاس» الطوارقية، قاد التمرد ضد الحكومة المالية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكان حينها قائداً قومياً أقرب إلى الفكر القومي الوطني منه إلى الفكر الإسلامي، وبعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق عام 1992، عمل قنصلاً عاماً لجمهورية مالي في جدة، لكن الرجل التزم في سنواته الأخيرة توجهاً دينياً، وتحولت رؤيته للعمل المسلح في أزواد من عمل نضالي تحرري إلى عمل جهادي ديني، ومع سقوط القذافي عاد «إياد غالي» إلى أزواد واتخذ من سلسلة جبال «أغارغار» مقراً له، وأسس تنظيمه الجديد، بعد أن تداعى إليه المئات من أبناء قبيلة الإيفوغاس التي ينتمي إليها، وبعض المنتمين لقبائل طوارقية أخرى، وقد بدا واضحاً أن «إياد غالي» استغل مكانته الاجتماعية وتوجهه الفكري في نشر دعوته بين السكان.

كما توجد «حركة الجهاد والتوحيد» في غرب إفريقيا، التي تأسست في أكتوبر عام 2011، ويقودها «سلطان ولد بادي»، إحدى شخصيات المجتمع العربي في أزواد، ومعه القائد الموريتاني السابق في القاعدة «حماد ولد محمد الخير» المكنى بـ «أبو القعقاع»، وإليهما انضم عشرات المقاتلين من أبناء القبائل العربية في شمال مالي، لتصبح الحركة بذلك واجهة للتيار الجهادي في المجموعات العربية بأزواد، تماماً كما شكلت «حركة أنصار الدين» الواجهة الجهادية داخل المجموعات الطوارقية.

وراء «جماعة أنصار الدين» الطوارقية، و«حركة الجهاد والتوحيد» العربية؛ يقف «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، الذي وصل إلى المنطقة عام 2003 على يد أمير كتيبة الملثمين «مختار بالمختار» الملقب بـ «بلعور»، ويعتبر أرسخ التنظيمات قدماً في الصحراء الكبرى عموماً ومنطقة أزواد خصوصاً، وقد تمكن من استقطاب الكثيرين، وينسب إليه البعض اختطاف القنصل الجزائري في بلدة غاو الخميس 5 أبريل 2012.

كما شكل مؤخراً كتيبة أطلق عليها «الموقعون بالدماء»، والتي أعلنت مسؤوليتها عن اختطاف مئات الرهائن في مصنع للغاز في آن أمناس بجنوب الجزائر، والتي انتهت نهاية مأساوية بقتل العشرات من الرهائن والخاطفين.

6 - دول الجوار:

* موقف دول الجوار - مثل الجزائر وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج والسنغال وغيرها- يثير كثيراً من التساؤلات؛ ففي حين أنهم أول من سيكوى بنيران الحرب، نجد أنهم يؤيدون التدخل العسكري في المنطقة، ولم نجد اعتراضاً من أيها، حتى دولة تونس رائدة الربيع العربي أيدت الهجمة الفرنسية على مالي.

فقد بدأت هجرات اللاجئين الماليين لبعض الدول المجاورة كموريتانيا، وقد تتفاقم المشاكل مما ينذر بوضع مأساوي لهذه الجموع التي ستنتقل عبر صحراء قاحلة.

أمر آخر متعلق بدول الجوار، وهو احتمال فرار كتائب جهادية إلى هذه الدول من جراء اشتداد المواجهة والقذف الجوي عليها، ما ينبئ بانتقال الفوضى إلى دول الجوار.

فما الذي يلجئ هذه الدول إلى اتخاذ هذا القرار؟ هل نار القاعدة أشد وطأة من نار الاحتلال واللاجئين؟ أم أن هناك تفاهمات سرية بينها وبين فرنسا؟!

ثالثاً: حقيقة ما يجري في مالي وفق المعطيات السابقة:

لم تنس فرنسا إرثها الاستعماري ووصياتها على دول المنطقة، فمنذ استقلال مالي الشكلي عام 1960م وهي تمارس كل أصناف الاستغلال والتدخل في هذه الدول، وهي تعمل كي تسيطر على عمل علاقات مع كل الأطراف من النظام الحاكم حتى الطوارق، فإعلان استقلال إقليم أزواد أبريل الماضي تم إعلانه من باريس، دون أي تعليق من الحكومة الفرنسية، كما تقوم فرنسا الاستعمارية باستغلال مقدرات هذه الدولة التي تعد من أفقر دول العالم رغم امتلاكها اليورانيوم بنسبة كبيرة ورغم وجود كثير من المعادن والثروات التي تستفيد منها فرنسا وحدها.

مع تصاعد الأحداث – التي هي صناعة غربية بامتياز – تخشى فرنسا على مناطق نفوذها في هذه المنطقة من القارة الإفريقية؛ في البداية أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان: إن التدخل العسكري في شمال مالي بات وشيكاً، وإن فرنسا لن تشارك في القتال ميدانياً، بل ستقدم مساعدات تقنية ولوجستية للقوة الإفريقية التي ستضم نحو 3300 جندي[3]، هذا في أكتوبر الماضي، ثم تغير الحال بعد استصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً رقم 2085 يسمح بنشر بعثة دعم دولية في مالي بقيادة إفريقية لفترة أولية مدﺗﻬا عام واحد، تقوم باتخاذ جميع التدابير اللازمة[4]، وذلك في ديسمبر الماضي، والخوف من التدخل الأمريكي المباشر للسيطرة على المنطقة؛ لذا سارعت فرنسا الاستعمارية منفردة بإعلان بدء العمليات العسكرية في مالي يوم الجمعة 11 يناير 2013م.

ومن ناحية أخرى، تسعى أمريكا للسيطرة على هذه المنطقة لتوسيع نفوذها واستغلال خيراتها، وكذلك لإقامة قاعدتها العسكرية أفريكوم، وقد رفضت هذه الدول - وخاصة مالي - إنشاء هذه القاعدة في المنطقة، كما أن أمريكا وفرنسا والغرب لهم أطماعهم وأهدافهم الخبيثة في وأد الحركات الإسلامية وحصار المد الإسلامي في الشمال الإفريقي، ووأد الإسلام ذاته، وتركيع بلاد المسلمين، ولا يتأتى لها ذلك إلا بغطاء دولي وإعلامي، وإعلانها الجاهز دوماً «الحرب على الإرهاب»، بمساعدة المتهورين من بني جلدتنا الذين يكررون الأخطاء، وهم يعلمون جيداً أن أمتنا في أضعف حالاتها وتسعى للخروج من شرنقة التبعية والتخلف بعد ثورات الربيع العربي ووصول بعض الأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم.

لذا سارت أمريكا في ثلاثة اتجاهات:

- حرّضت أحد قادة الجيش ممن تدرب في أمريكا سابقاً، النقيب «أمادو سانوغو»، على القيام بانقلاب عسكري غير مبرر على الإطلاق وبلا أهداف منطقية.

- في نفس الوقت تحرك الطوارق بعد أن تذكروا أن لهم مطالب بإقامة دولة في أرض الشمال التي يسيطرون عليها سيطرة تامة بلا أدنى تدخل من الحكومة؛ تحركوا للمطالبة بانفصال الشمال.

- هذا ما شجع بعض الجماعات المسلحة على إعلانهم إقامة دولة إسلامية.

وهذا لا يعد مبرراً على الإطلاق لمثل هذا التدخل الصليبي الذي يوضح أن هذه الدول لم ولن تتخلى عن سلوكها الاستعماري الصليبي.

التدخل العسكري في الدول تحت غطاء دولي وإعلامي وتبريري من البعض ينذر بصوملة جديدة لهذه المنطقة، فالدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا وفرنسا، لن تسعى لحل مشاكل مالي بقدر ما تسعى لإغراق هذه المنطقة في أتون صراعات لن تنتهي، حتى تصبح هي الملاذ والملجأ الذي يأوي إليه جميع الأطراف وحثه حتى يبقى لضمان الاستقرار الموهوم، وبالتالي تنجح هذه الدول في تحقيق مآربها.

والتدخل الأجنبي ونشر الفوضى الخلاقة هو السياسة الأمريكية التي وعدت بها دول العالم الإسلامي لنشر الصراعات والقلاقل والفوضى، والتي تنتهي بها مقومات الدول وتصبح الكيانات الموجودة في أضعف حالتها؛ لا تستطيع أن تقوم بنفسها وبالتالي تطلب الحماية والعون من هذه الدول الاستعمارية، كما ستتحول القوى والجيوش الموجودة في الدول إلى ميليشيات لا تستطيع أن تحمي حتى نفسها، والنتيجة دمار شامل وقتلى لا حصر لهم ولاجئون ومشتتون في صحراء جرداء، وتمضي فصول القصة بتفرقنا وغفلتنا وجهلنا وخيانة الكثيرين.

:: مجلة البيان العدد 308 ربيع الآخر 1434هـ، مارس 2013م.


 [1] د. الفاتح الشيخ يوسف، مظاهر الحضارة الإسلامية في الممالك الإفريقية، مجلة قراءات إفريقية، العدد 14 أكتوبر 2012م.

[2] موسوعة ويكيبيديا

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%85%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A .

[3] موقع (فرانس 24) - 18/10/2012م ،

 http://www.france24.com/ar

 

 [4] http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N12/660/65/PDF/N1266065.pdf?OpenElement.

 

 

أعلى