• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حرب أوكرانيا.. نتائج كارثية للإمبريالية الغربية

كان الهدف من الحرب الأوكرانية: محاصرة روسيا، وتضييق الخناق عليها، والقضاء على التحالف الوثيق بينها وبين الصين


يعتقد النظام السياسي الأوكراني أن مصير هذه الحرب قد يكون معلقًا لأسباب جيوساسية أكثر من أيّ شيء آخر؛ فحالة اليأس التي دبَّت في هذا النظام، وجعلته يتنقل بين العواصم الأوروبية طمعًا في الدعم؛ تؤكد أن واشنطن أضحت أقلّ اهتمامًا بتحقيق إنجاز يُحْسَب لأوكرانيا، ولا يُعْرَف إذا كان الموقف الأمريكي الهزيل أصبح متأثرًا بالأزمة الاقتصادية والصراع المتفاقم بين الجمهوريين والديمقراطيين، أو بسبب تراخي الأطراف الأوروبية بشأن استمرار دعم هذه المعركة مع روسيا التي تقابل ذلك بالمزيد من وسائل الصمود مثل تعزيز تحالف «بريكس» الاقتصادي.

ورغم ترويج الصحافة الأمريكية والغربية لحالة صمود أوكرانية في المواجهة؛ بهدف استعادة ماريوبول وبيرديانسك وغيرها من المدن للوصول إلى شبه جزيرة القرم؛ إلا أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي كان يُشكِّك دائمًا في قدرة أوكرانيا على حَسْم هذه المعركة لصالحها.

تقول الرواية الأوكرانية: إن معركة دونيتسك تسبّبت بخسائر كبيرة لكلا الجانبين، لذلك عمدت روسيا على تعزيز حصونها العسكرية، وزيادة دفاعاتها في شمال شبه جزيرة القرم منذ شهور، تجنبًا لمحاولة الجيش الأوكراني تحقيق اختراق في الجبهة الروسية الجنوبية بين شبه جزيرة القرم والبر الرئيسي الروسي.

يرفض الرئيس الأوكراني زيلينسكي الاستماع للمشورة الغربية بفك الاشتباك في باخموت وتجنُّب المزيد من الخسائر، فهو يرى أن هذه المعركة تساهم في تركيز كبير للقوات الروسية هناك على حساب مناطق أخرى يمكن أن تَستغلها القوات الأوكرانية لتحقيق اختراق.

ورغم أن أوكرانيا تحاول تكثيف وجودها في نطاق الاشتباكات التي تتَّخذ شكل هلال يمتد على مسافة مئات الكيلو مترات في محاولة لتحقيق اختراق؛ إلا أن بعض المحللين العسكريين يُشكّكون في قدرة كييف على ذلك، فهي لا تمتلك ما يكفي من ترسانة عسكرية ودبابات لتحقيق هذا الإنجاز.

لذلك لدى النخب الأوكرانية قناعة بأن مصير هذه الحرب مُعلّق بمجهود إقليميّ، وهذا الأمر قد يدفع باتجاه تململ الداعمين والتوجه نحو محادثات سياسية برغبة أمريكية. عبَّر عن ذلك نائبة رئيس الوزراء الأوكرانية السابقة، إيفانا كليمبوش-تسينتسادزي، التي قالت: «إنها شعرت بأنه يوجد شكّ باستمرار الدعم المالي الأمريكي لأوكرانيا بعد هذه السنة المالية».

تلقَّت كييف الكثير من الوعود قبل الدخول في المواجهة مع روسيا، لكنَّها اليوم حبيسة السياسات الأمريكية المرتبطة بالتحديات الداخلية؛ فهي لم تستطع الحصول على الدعم الكافي لمواصلة الحرب، أو الحصول على عضوية الناتو، واكتفت واشنطن بوعود باهتة مرتبطة بالضمانات الأمنية.

كان الهدف من الحرب الأوكرانية: محاصرة روسيا، وتضييق الخناق عليها، والقضاء على التحالف الوثيق بينها وبين الصين.. لكنَّ الأزمة تتمثل في أن روسيا استطاعت فرض معادلة جديدة أربكت حسابات واشنطن؛ تتمثل في تعزيز الثقة في العلاقة بين موسكو وأنقرة من خلال اتفاقية الحبوب، وكذلك نجحت في استمرار مبادلاتها التجارية مع الهند والصين، وهذا الأمر أدَّى إلى زيادة الثقة في مشروع «بريكس» بديلًا عن مؤسسات الرأسمالية الدولية التي تقودها واشنطن.

حاولت واشنطن أيضًا إنعاش مكاسب الحرب؛ من خلال تعزيز قوة الناتو تهديدًا لروسيا، لكن هذه الحرب أكدت أن موسكو استغلت هذه المواجهة، وعملت على إطالة أمدها لاختبار جدية واشنطن ومصداقيتها أمام حلفائها الأوروبيين، فقد أظهرت الأزمة فشل الناتو في سرعة الاستجابة للأزمة وتوفير دعم مسلح لأوكرانيا بذرائع نقص التمويل، بالإضافة إلى تململ المواقف الأوروبية خلال الأزمة.

في المقابل فرضت موسكو خيارًا قاسيًا على أوكرانيا في حال أرادت الدخول في مفاوضات قبيل إقرار الموازنة الأمريكية؛ فعندما ضمَّت روسيا مقاطعات خيرسون ودونيتسك ولوهانسك وغيرها من المدن الأوكرانية بصورة رسمية وضعت تحديات ستفشل أي مفاوضات سياسية يمكن إقرارها للعودة إلى المربع الأول. الأمر الآخر الذي يمكن أن يكون أكثر تأثيرًا في مجريات الحرب هو الضعف الملحوظ مِن قِبَل الناخب الأمريكي لدعم صانع القرار السياسي للاستمرار في هذه الحرب، لذلك يمكن أن تكون نتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024م عاملاً مؤثرًا في مستقبل الحرب.

تَطرح بعض النُّخَب الأوروبية والأمريكية إمكانية التوصل لاتفاقية وقف إطلاق النار، والتي يمكن أن تؤدي إلى انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، مع وجود حلّ سياسي يمكن أن ترعاه الأمم المتحدة في دونباس وشبه جزيرة القرم، على أن تتلقى كييف تعويضات عن خسائرها في هذه الحرب من الأصول الروسية المُصَادَرَة، في حين أن هذا السيناريو قد تؤيده رُؤًى غربية لإيقاف الاستنزاف المالي الحاصل للاقتصاد الأوروبي، إلا أن أوكرانيا قد ترفضه.

لقد قدّمت بعض الحلول الجزئية التي تدخَّلت فيها تركيا (مثل: صفقة تصدير الحبوب، ومقايضة السجناء، وتبادل رفات القتلى،...) إغراءات بشأن إيجاد حل سياسي للأزمة، لكن هناك ثلاثة مبررات تجعل الحلول السياسية غير واقعية في أوكرانيا؛ أولها أن الحرب الأوكرانية أخذت طابعًا رمزيًّا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومصير وجوده في السلطة، وكذلك فإن هذه الحرب عزَّزت العلاقة بين تحالف اقتصادي وسياسي عالمي جديد كانت واشنطن تتوقع أن تُضْعفه الحرب، وهو تحالف «بريكس»، بالإضافة إلى أن واشنطن تنظر لهذه المعركة على أنها مصيرية للقضاء على التحالف الروسي الصيني، ولا يمكن أيضًا تجاهل الاتصال التاريخي والديني والعرقي الذي يُعدّ أحد أهم مُحفّزات الهجوم الروسي على أوكرانيا.

 


أعلى