• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل الصراع في الشرق الأوسط

تتمثل أهمية هذه المنطقة في محورين شديدي الأهمية؛ وجود الغاز والنفط في أعماق مياهها، ثم كونها ممرًّا لإمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا


دخلت منطقة شرق البحر المتوسط في الآونة الأخيرة ضمن بُؤَر الصراع الذي تعدَّى دائرته الإقليمية، ليتصاعد إلى نزاع دولي تتَّخذه قوًى إقليمية وعالمية أداةً لمحاولة فَرْض أجندتها الخارجية.

ويبدو ظاهريًّا أن هذا الصراع يتمحور حول التنافس على موارد شرق البحر المتوسط الحيوية وثرواتها الطبيعية، فضلاً عن التنافس حول إمدادات البترول والغاز، باعتبار أن هذه المنطقة تمثل أبرز نقاط عبور من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي.

ولكن ما يدور في تلك المنطقة حقيقةً هو صراع استراتيجي بين قوًى إقليمية لديها طموحٌ، تحاول الولوج في النظام الدولي ونادي القُوى العظمى، ودولٍ كبرى تريد أن تحافظ على هيمنتها العالمية باعتبار شرق المتوسط مجالاً حيويًّا للعديد من المنافسين واللاعبين الدوليين والإقليميين.

لذلك من الأهمية بمكان رَصْد هذا الصراع، وإدراك أبعاده المحلية والإقليمية والدولية؛ حيث يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على مستقبل الأمة الإسلامية؛ فمنطقة شرق البحر المتوسط تُطل على شواطئها دولٌ إسلامية ينازعها على ثرواتها دولٌ مُعادية للأمة ومشروعها للصعود واستعادة دورها العالمي.

الأهمية الاستراتيجية لمنطقة شرق المتوسط

شرق المتوسط، هذا المصطلح يُطلقه الجغرافيون على المنطقة الشرقية من البحر المتوسط والتي يحدّها جنوبًا الشواطئ المصرية، وفي شرقها فلسطين والكيان الصهيوني ولبنان وسوريا، وفي وسطها تقع قبرص واليونان، بينما توجد تركيا في شمال المنطقة، ولكلٍّ من هذه الدول منطقتها الاقتصادية البحرية الخاصة بها.

تتمثل أهمية هذه المنطقة في محورين شديدي الأهمية؛ وجود الغاز والنفط في أعماق مياهها، ثم كونها ممرًّا لإمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا.

في عام 2010م، نشرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية دراسةً تفيد بأن منطقة شرق المتوسط -والتي يصفها البعض بكنز علي بابا-، بها ثروة هائلة من النفط والغاز الطبيعي تُقدّر بحوالي 10 تريليونات[1] متر مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط، تراوح قيمتها ما بين 700 مليار دولار و3 تريليونات دولار على حسب أسعار الخام المتغيرة، وهو رقم غير ثابت مع اختلاف تقديرات الاحتياطي بين وجهات التقدير الدولية، ولكنَّه بالعموم متوسط الحجم يُقارب خُمس الاحتياطي الروسي الأكبر عالميًّا، والذي يبلغ50 تريليون، وثلث الاحتياطي الإيراني والذي يُقدَّر بـ33 تريليون، وأقل من احتياطي قطر والذي يبلغ 23 تريليون، ويعادل تقريبًا الاحتياطي لكل من أمريكا والسعودية، والذي يُقدّر بقرابة 8-9 تريليونات متر مكعب. إلا أن الحقول المُكتَشفة والتي يتم العمل بها شرق المتوسط تُقدّر بـ 2 تريليون متر مكعب من الغاز.

ولكنَّ أهمية غاز شرق المتوسط لا تكمن فقط في كميته، ولكن في قُرْبه من المناطق الأكثر حاجةً واستهلاكًا له، وهو الاتحاد الأوروبي الذي استورد 400 مليار متر مكعب عام 2018م.

وعند النظر إلى الدول التي تطل على شرق المتوسط وتجاور حقول الغاز نجد أن أهمها:

   مصر؛ حيث يوجد أمام شواطئها حقلان ضخمان؛ حقل ظهر: والذي يبعد 150 كم عن السواحل المصرية ويبلغ احتياطيه ما يقرب من 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ثم حقل أتول ويقع شمال دمياط البحرية، ويقدر حجم الاحتياطي بهذا الحقل بنصف احتياطي حقل ظهر من الغاز.

  قطاع غزة؛ حيث يوجد حقل مارين، والذي يقع في المياه الإقليمية للقطاع، ويبعد عن الساحل 35 كم، ويُقدّر حجم احتياطي الغاز الطبيعي به تقريبًا بنفس إنتاج حقل أتول المصري من الغاز الطبيعي.

 فلسطين المحتلة مِن قِبَل الدولة الصهيونية: حيث يوجد أمام شواطئها ثلاثة حقول وهي:

حقل تمار الذي يقع على مسافة 90 كم متر من الساحل قبالة حيفا، ويُقدر المخزون بذلك الحقل بـ10 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتم اكتشافه عام 2009م. وحقل تانين: والذي يقع غرب حيفا ويبعد عن الساحل بمقدار 120 كم تقريبًا، وتشير التقديرات إلى أنه يحتوي على احتياطي من الغاز الطبيعي يُقدّر بـ1.2 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وأخيرًا حقل ليفياثان وهو يبعد عن الساحل بمقدار 130 كم، وتشير التقديرات إلى أنه يحتوي على احتياطي من الغاز الطبيعي يُقدّر بـ535 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

   قبرص: منذ عام 2011م، جرت عدة اكتشافات ضخمة للغاز في السواحل أمام قبرص، وكان أبرزها حقل أفروديت، ثم حقل كاليبسو الذي يجري استخراج ما يقرب من 6- 8 تريليونات قدم مكعبة من الغاز، وأخيرًا ما تم الإعلان عنه منذ شهرين في بئر كرونوس، الذي يحتوي على 2.5 تريليون قدم مكعّبة من الغاز، مع بحث احتمال زيادة التقديرات بنسبة كبيرة بوساطة بئر استكشافية أخرى في المنطقة.

   لبنان: بموجب الاتفاقية الأخيرة مع الكيان الصهيوني، والذي تم فيه إعطاء لبنان حقل قانا مقابل حقل كاريش للكيان، وتم تقدير مخزون الغاز الطبيعي في قانا بـ25 تريليون قدم مربعة، لكن الكيان الصهيوني شكَّك كثيرًا في وجود مخزون للغاز بهذه الأرقام، على أساس أنه حتى الآن لم تَجْر أيّ عملية للاستكشاف أو الحفر، بينما حقل كاريش الذي تنازلت عنه لبنان للكيان الصهيوني تُقدّر احتياطات الغاز المؤكدة فيه بين 1.5 تريليون إلى 2 تريليون قدم مكعب.

   تركيا واليونان: تفتقر كل من الدولتين إلى موارد الطاقة من غاز وبترول في البحر المتوسط، ولذلك شرعت كلٌّ من الدولتين في إجراءات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط مؤخرًا عندما احتدم الصراع على الحدود البحرية.

وعند مقارنة حقول غاز شرق المتوسط ببعضها من حيث الحجم، يُعدّ حقل «ظُهر» المصري الأكبر بسعة تبلغ 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، يليه ليفياثان بـ22 تريليون، وتمار بـ11 تريليونات، وكلاهما يخضعان لإدارة الكيان الصهيوني، ثم أفروديت 8 تريليونات، وكاليبسو من 6 إلى 8 تريليونات، والحقلان موجودان أمام الساحل القبرصي.

تفجر الصراع

من المفترض ومن الطبيعي أنه لا توجد مشكلة في ذلك؛ لأنه يحق لكل دولة من هذه الدول أن تضخ الغاز الذي يوجد داخل حدودها البحرية، والتي جرى تحديدها وفق القانون الدولي للبحار، والذي يحدد القواعد التي يتم على أساسها رسم تلك الحدود، ومن المفترض أن تتبعه الدول التي تطل على مسطحات مائية مشتركة مع دول أخرى، وبالتالي فإن أغلب دول تلك المنطقة والتي تفتقر لمصادر الطاقة من الغاز الطبيعي والنفط، والتي كانت في السابق تعتمد على استيراد تلك المصادر، أصبحت تنظر إلى الموارد المكتشفة مؤخرًا في منطقة شرق المتوسط على أنها بارقة الأمل وطوق النجاة الذي سيمُكّنها من المساعدة تحقيق أهداف عديدة، مثل المضي قدمًا نحو تحقيق التنمية الاقتصادية عن طريق تقليل الواردات من مصادر الطاقة، ثم تصديره في مرحلة لاحقة.

ولكن بدلاً من هذا وجدنًا صراعًا متفجرًا على تلك الموارد؛ فماذا وراء تفجُّره؟

هناك عاملان كان لهما دور خطير في توليد ذلك الصراع: بُعد محلّي وآخر دوليّ إقليمي.

تتمثل الأبعاد المحلية في الصراع بين دول شرق المتوسط في ثلاث قضايا رئيسة: الحدود البحرية، وخطوط إمداد الغاز لأوروبا، ثم الإرث القديم المتجدد في النزاعات البينية.

الحدود البحرية

تختلف نظرة كل دولة لحدودها البحرية.

ففي الماضي لم تهتم دول شرق المتوسط بتحديد تلك الحدود؛ لأنه في تلك الأزمنة لم تبرز أهمية الغاز الطبيعي كمصدر للوقود للمصانع والتدفئة وغيره، ولكن الأمر أخذ منحًى جديدًا عندما برزت الحاجة إليه؛ خاصةً في أوروبا التي تفتقر لمصادر الطاقة بصفة عامة، وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا بصفة خاصة، وهنا بدأت الدول المطلة على البحر المتوسط في الاهتمام المتزايد بمصادر الطاقة واكتشافها في أراضيها، وبدأت شركات الاستكشاف العملاقة في الاتصال بالحكومات المعنية لإبرام اتفاقات التنقيب والبحث في حدود هذه الدول البحرية والبرية، خاصةً في العشرين سنة الأخيرة.    

وهنا سارعت كل دولة مطلة على شرق المتوسط لتحديد حدودها البحرية، والتي تستطيع من خلالها استغلال تلك الثروات المكتشفة داخل حدودها، ولكن هناك قانون دولي للبحار يحدد القواعد التي يتم على أساسها رَسْم تلك الحدود، ومن المفترض أن تتبعه الدول، وهنا تكمن مشكلة دولة مثل تركيا التي ترفض هذا القانون، وتعتبر تلك القواعد مُجْحِفَة لها، وبالتالي رفضت التوقيع والموافقة على هذا القانون. 

يُفرّق القانون البحري الدولي سواء كان قانون البحار الدولي الأول الصادر في عام 1958م، وقانون البحار الدولي الثاني الصادر في عام 1960م بين أمرين: بين المياه الإقليمية لكل دولة والتي يحددها بمقدار 200 ميل بحري؛ أي 370 كيلومترًا، وبين الجرف القاري الذي يعتبر الامتداد الطبيعي لليابسة داخل البحار والمحيطات، وهو بالنسبة لأيّ دولة ساحلية قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء البحر الإقليمي، وللدولة الساحلية حقوق سيادية على جرفها القاري، وتستفيد من موارده الطبيعية غير الحية كالنفط والغاز والمعادن.

ولكن إذا كان الجرف القاري للدولة أكبر من حدودها البحرية والتي حددها القانون ب 200 ميل بحري، عندها فإن القانون البحار الدولي الثالث الصادر في عام 1982م، يحدد مسافة الجرف القاري في هذه الحالة بـ350 ميلاً بحريًّا.

ومن هنا منبع الخلاف على الحدود البحرية بين تركيا واليونان، خاصةً في بحر إيجة الفاصل بين اليونان وتركيا، فقد رفضت تركيا التوقيع على قانون البحار الثالث؛ بسبب جزر بحر إيجة الاثنتي عشرة؛ لأن هذه الجزر وفق هذا القانون ستعتبر امتدادًا للجرف القاري اليوناني، ولهذا لا يحق لتركيا البحث عن الغاز فيه إلا بموافقة يونانية، وبما أن تطبيق قانون البحار ينصّ على احترام كل الدول المُوقِّعة لكل مواده، فلما كانت تركيا ليست مُوقّعة، فلا يمكن تطبيق هذا القانون عليها؛ وهذا ما يقوله الحقوقيون الأتراك.

وعندما بدأت السفن التركية في التنقيب عن الغاز داخل هذه المياه، اعتبرتها اليونان تعديًا على مياهها وبالتالي سيادتها، بينما تقول تركيا -وعلى لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو-: إن الجزر البعيدة عن البَرّ والقريبة من تركيا ليس لها جرف قاري، وصعّدت أكثر من لهجتها على لسان نائب الرئيس التركي حين قال: «إن أنقرة ستمزق الخرائط التي رُسمت لسجننا داخل البر».

وسارعت الحكومة التركية إلى تقرير الأمر الواقع بعقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا، بينما في المقابل تحركت اليونان تجاه مصر، فتم التوقيع على اتفاقية ثلاثية بين اليونان ومصر وقبرص، لترسيم الحدود البحرية بينهم وإهمال المطالب التركية.

خطوط إمداد الغاز

في عام 2019م، اتفقت حكومات أوروبية مع الكيان الصهيوني على المضي قدمًا في المشروع المعروف باسم (ايست-ميد)، أو مشروع شرق المتوسط الذي تبلغ تكلفته نحو ستة مليارات دولار، وكان من المتوقع أن تبلغ طاقته المبدئية عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويًّا. ويمتد الخط من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية مرورًا بجزيرة كريت اليونانية إلى البر اليوناني الرئيسي وصولاً لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا، ووقَّع وزراء الطاقة من الدول الثلاث على الاتفاق في أثينا بعدها بعام أي في سنة 2020م.

وقد جرت مشاورات بين الدول الثلاث وبين الحكومة المصرية، على أن يصبح غاز حقل «ظُهر» المصري -في نهاية المطاف- جزءًا من هذا الخط.

وبعدها دأبت الحكومة اليونانية على وصف مشروع (إيست-ميد) باستمرار على أنه حصن ضد استفزازات تركيا؛ حيث كان من المقرر أن يتم مد الأنبوب (إيست-ميد) عبر المنطقة البحرية شرقي كريت والتي ترى الاتفاقية الموقعة بين ليبيا وتركيا أنها تقع تحت السيطرة التركية.

ولكن كانت دائمًا هناك شكوك كثيرة تحيط بجدوى هذا المشروع؛ نظرًا لتكلفته العالية والتي تبلغ عشرة مليارات يورو، وبخلاف التمويل فقد أثار بعض الخبراء في أوروبا نظرية أن الغاز الطبيعي المسال المشحون في الناقلات، أكثر مرونة بكثير من الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب، الذي يكون عُرضة للتعطيل، أو الخلافات السياسية، أو حتى التخريب.

وتوقف الحديث عن خط (إيست-ميد) مؤقتًا في أعقاب انتشار فيروس كورونا؛ حتى جاءت الضربة الأمريكية للمشروع عندما أعلنت إدارة بايدن عن وقف دعهما للمشروع في بداية هذا العام، وقالت وسائل إعلام يونانية: إن أمريكا ترى أن مشروع (إيست-ميد) مصدر رئيسي للتوتر ويزعزع استقرار المنطقة من خلال وضع تركيا ودول المنطقة في خلافات.

ومع توقف الحديث عن خط (إيست-ميد)، ظهر مشروع في الأفق يتحدث عن أنبوب ينقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي واحتمال المصري عبر تركيا إلى أوروبا، وخلال زيارة رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ لتركيا في مارس 2022م، كان من أهم القضايا المطروحة على الأجندة موضوع مشروع خط الأنابيب الذي يهدف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عن طريق تركيا.

ويرى تقرير صادر سنة 2021م عن لجنة من المتخصصين الإسرائيليين شكّلتها حكومة الكيان الصهيوني تحت مظلة ثماني وزارات مَعنية بشأن الطاقة والغاز والاقتصاد، يرى أن مد أنبوب للغاز من إسرائيل إلى ميناء جيهان في مرسين جنوب تركيا لنقله بعد ذلك إلى أوروبا هو الاقتراح الأسهل والأقل كلفة؛ إذ إن كلفته تقدر بنحو 2.5 مليار دولار فقط.

لكنَّ مشكلة المشروع أنّ هذا الخط يجب أن يمر بالمياه الإقليمية لقبرص، ومع استمرار الخلاف السياسي بين تركيا وقبرص، فإنه من غير المتوقع أن يحظى هذا المشروع بموافقة قبرص.

لكن تركيا طرحت من خلال عدد من الرسائل السياسية السرية إلى إسرائيل وواشنطن فكرة فصل الخلافات السياسية بين قبرص وتركيا عن مشاريع التعاون في الطاقة بين دول المنطقة، وذلك من خلال إسناد مشاريع الطاقة إلى شركات دولية عالمية لا تتبع لقبرص أو تركيا، في محاولة من أنقرة لتسهيل تنفيذ هذا المشروع.

الصراع بين دول شرق المتوسط

أما ما يتعلق بالنزاعات البينية، فليس الموضوع سهلاً خاصةً أن منها ما يتعلق بأصل وجود هذه الدول كالصراع العربي الإسرائيلي، أو ما يتعلق بصراع تاريخي وقومي وديني كالصراع بين تركيا واليونان وقبرص، أو حتى ما يتعلق بالصراع على الهيمنة والنفوذ الإقليمي وصراع المحاور في المنطقة.

حرب أوكرانيا ودور جديد لغاز المتوسط

ظل البحر المتوسط لعقود طويلة مجالاً حيويًّا مهمًّا للمصالح الأمريكية في العالم، وقد عبرت الاستراتيجية الأمريكية عن تلك الأهمية بوجود بحري قويّ في هذا البحر يتمثل في الأسطول السادس الأمريكي الذي كان حريصًا على أن يكون الأسطول الأقوى في مياه المتوسط، ويفوق أي قوة أخرى في تلك المنطقة.

ومنبع الاهتمام الأمريكي بذلك البحر يأتي باعتباره ممرًّا أوروبيًّا تجاريًّا وعسكريًّا من غرب المتوسط إلى شرقه، وممرًّا تجاريًّا للعرب في الاتجاه المعاكس، ثم ممرّ اللاجئين الأفارقة والآسيويين والعرب إلى أوروبا.

وتزايد الاهتمام بهذه المنطقة بالتحديد، ونعني بها شرق المتوسط، مع ظهور التنافس على استخراج الغاز، والحديث عن نقله إلى أوروبا، وما تبع ذلك من إطلاق التهديدات سواء بإبرام التحالفات أو إرسال السفن العسكرية مِن قبل دول شرق المتوسط، وكلها بلا استثناء دول حليفة للولايات المتحدة.

ولكن سرعان ما اتهمت تركيا الغرب باتخاذ قضية غاز شرق المتوسط تَكأةً للحيلولة دون صعود القوة التركية عالميًّا مرة أخرى؛ حيث قالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة: «لا الدمى ولا أولئك الذين يُمسكون بخيوطهم لن يتمكنوا من منعنا من تأكيد حقوقنا في البحر الأبيض المتوسط»، مضيفًا: «ليس علينا أن نطلب من أيّ شخص الإذن أو المصادقة».

ثم جاءت حرب أوكرانيا في فبراير من هذا العام، لتبدأ لُعبة عضّ الأصابع بين روسيا والغرب؛ حيث تتصاعد حدة أزمة الطاقة في أوروبا مع تراجع إمدادات الغاز الروسي.

وأصبحت الأولوية وعلى رأس أجندة إدارة بايدن هي انتهاز فرصة الغزو الروسي لأوكرانيا لتحجيم الدور الروسي العالمي المتنامي.

ولذلك كان المسعى الأمريكي لتحويل النزاع في شرق المتوسط من أزمة بين حلفاء واشنطن، إلى فرصة تساهم في تلك الأولوية الأمريكية التي تتمثل في حصار روسيا.

وعليه جاء التحرك الأمريكي في شرق المتوسط على مستويين:

الأول إرضاء تركيا بإعلان تخلي الولايات المتحدة عن خط غاز (إيست-ميد)، وسحب الدعم المالي والسياسي له؛ فالإدارة الأمريكية بحاجة ماسّة إلى الأتراك الذين لهم دور مؤثر في الحرب الأوكرانية، ولجذبهم بعيدًا عن الروس، وخاصةً أن أردوغان يُجيد اللعبة المزدوجة ليقتنص مكاسب من طرفي الصراع. 

أما المحور الثاني للاستراتيجية الأمريكية فهي دَمْج دول المنطقة جميعها، في مشروع خط الغاز الذي سينقل غاز المنطقة إلى أوروبا عبر تركيا؛ لتعويض نقص إمداد الغاز الروسي إلى أوروبا.

ولعل زيارة الرئيس الأمريكي بايدن لشرم الشيخ ولقاءه بالمصريين للضغط في هذا الاتجاه.


 


[1] التريليون يساوي ألف مليار.

 

 


أعلى