البيان/متابعانت: في زيارة اتسمت بتوترات سياسية لافتة، وصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى بروكسل، الأحد، في مهمة تهدف إلى دفع الأوروبيين نحو تسوية سريعة للحرب في أوكرانيا، وفق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي عاد إلى البيت الأبيض مصمماً على إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية وتقليص كلفة الانخراط الأميركي في النزاعات الخارجية. وقد شكّلت الزيارة اختباراً فعلياً للعلاقة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، الذين أبدوا قلقاً متزايداً من منهج ترمب الجديد في إدارة الحرب.
وسعى روبيو منذ اللحظة الأولى إلى طمأنة مسؤولي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، مؤكداً أن الخطة الأميركية لا تهدف إلى إضعاف كييف أو مكافأة موسكو. غير أن المخاوف الأوروبية تفاقمت بعد تداول معلومات حول منح ترمب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مهلة تنتهي في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، للقبول بالخطة الأميركية أو سحبها من الطاولة، وهو ما رأت فيه بروكسل أسلوباً أحاديّاً يهدد وحدة الموقف الغربي.
وتنظر العواصم الأوروبية بقلق إلى مقاربة ترمب القائمة على تقليص التورط الأميركي وإعادة توجيه الجهد الاستراتيجي نحو آسيا ومنافسة الصين، وهي مقاربة تُشعر الأوروبيين بأن ملفات الحرب تُدار فوق رؤوسهم بين واشنطن وموسكو وكييف. وعبّر مسؤولون أوروبيون عن خشيتهم من “سلام قسري” يجري ترتيبه خلف أبواب مغلقة، بما قد يعيد صياغة التوازنات الأمنية في القارة على حسابهم.
في المقابل، تبدو واشنطن أكثر إصراراً على الانتقال إلى مرحلة الحسم السياسي، معتبرة أن استمرار الحرب لم يعد قابلاً للاستدامة. ويرى فريق ترمب أن التفويض الدولي الضمني الذي تتمتع به الولايات المتحدة يمنحها مساحة واسعة لإدارة التفاوض المباشر مع موسكو، رغم تحذيرات داخل الكونغرس من أن تسوية متسرعة قد تزعزع ثقة الحلفاء وتفتح الباب أمام سباق تسلّح روسي جديد.
وكشفت زيارة روبيو، من منظور أوروبي، عمق الخلاف حول مفهوم الشراكة العابرة للأطلسي؛ فبينما ترغب أوروبا في دور مركزي بصياغة مستقبل الأمن القاري، تتعامل واشنطن مع التسوية باعتبارها ملفّاً تُحدده القوى الكبرى. ومع ضغط واشنطن المتزايد على كييف للقبول بتسوية “واقعية”، تزداد مخاوف بروكسل من تحمّل أعباء إعادة الإعمار والدعم المالي دون أن تكون شريكاً فعلياً في تحديد معادلة إنهاء الحرب.
وقبيل مغادرته إلى واشنطن، أكد روبيو التزام بلاده "الثابت" بأمن أوروبا وأوكرانيا، مشيراً إلى التوصل إلى “تفاهم أولي” حول إطار سلام محدّث يمكن أن يشكّل أساساً لإنهاء الحرب عند توافر الظروف السياسية. لكن تلك التطمينات لم تُبدّد المخاوف الأوروبية، بل عكست محاولة أميركية لربط الدعم الأمني الأوروبي بمسار التسوية المقترحة.
وتبرز الزيارة كعلامة فارقة تؤشر إلى أن الحرب في أوكرانيا تجاوزت بعدها العسكري، لتصبح ساحة لإعادة صياغة النظام الأمني الأوروبي ودور الولايات المتحدة فيه. فبينما ترى واشنطن أن لحظة الحسم قد حانت، تخشى أوروبا أن يُفرض عليها اتفاق يعيد توزيع موازين القوة في القارة دون أن تكون شريكاً في صياغته.