"خيرت فيلدزر".. إرهابي متطرف في صورة برلماني سياسي!
مجددًا؛ يعود اسم النائب اليميني المتطرف "خيرت فيلدزر" إلى واجهة الأحداث، في إطار حلقة جديدة من حلقات عداء اليمين المتطرف للإسلام، والوصول لحد التطاول على المقدسات والرموز الإسلامية، والذي يأتي في مقدمتها سيد الخلق محمد "صلى الله عليه وسلم"، دون الاكتراث بمشاعر المسلمين في أرجاء العالم، ودون محاسبة لمثل هذه التصرفات التي تحمل ازدراءً للدين الإسلامي. فـ "فيلدزر"، الذي أراد أن يجني شهرةً من وراء التطاول على سيدنا محمد، أعلن في 29 ديسمبر الماضي، عن تنظيمه لمسابقةً للرسومٍ المسيئة للنبي محمد، يتبارى خلالها المتسابقون عبر الإساءة لسيد البشرية جمعاء، وقد خلّف هذا الإعلان عن المسابقة مشاعر غضب كبيرة لدى المسلمين وإساءة بالغة للدين الإسلامي الحنيف. فمن هو "خيرت فيلدزر"؟، ولماذا كل هذا الحقد تجاه الإسلام ونبيه الكريم؟
في مدينة فينلو الهولندية؛ لا أحد يجهل قصة ذلك الطفل "خيرت فيلدرز" الذي كان أطفال آخرون يضربونه باستمرار، لا لشئ سوى لأن والدته تنحدر من أندونيسيا وملامحه مختلفة عن ملاحمهم بعض الشيء، وعلى عكس أسرته المتدينة بالمسيحية الكاثوليكية، ترك "فيلدرز" الكنيسة في مقتبل عمره وأعلن إلحاده، لكنه في نفس الوقت مازال يعتز بـ"التاريخ المسيحي اليهودي الذي بُنِيَ عليه المجتمع الأوروبي" ـ على حد وصفه، بعد إنهائه للدراسة الثانوية ذهب للعمل في إسرائيل، حيث فيها عامين، كان لذلك أثر كبير في تشكيل وعيه السياسي على نحو معين، وما يزال حتى الآن يعبر عن إعجابه بالكيان الصهيوني وعلاقته بعدد من قياداته، بعد عودته بفترة عمل "فيلدرز" ككاتب خطابات لصالح الحزب الليبرالي المحافظ "حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" أو الـ "VVD"، ثم أصبح لاحقًا في منصب مساعد برلماني لزعيم الحزب "فريتس بولكستاين" من 1990 إلى 1998، ولكن بسبب الخلافات حول موقف الحزب بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ترك الحزب في 2004، ليشرع لاحقًا حزبه الخاص ذي الطابع اليميني المتطرف، حزب "من أجل الحرية"، الذي أنشأه عام 2006، وفي أول انتخابات عامة خاضها الحزب عام 2006 حصل على 9 مقاعد فقط من أصل 150، وفي انتخابات 2010 حصل على 24 مقعدًا، وسرعان ما حظى الحزب بخسارة في انتخابات 2012 بحصوله على 15 مقعدًا فقط، لكن في انتخابات 2017 استعاد جزءًا من عافيته بحصوله على 20 مقعدًا، محتلاً بذلك المركز الثاني بعد الحزب الحاكم "الشعب من أجل الحرية والديمقراطية"، ليتقدم بذلك لأول مرة على أحزاب عريقة في الحياة السياسية الهولندية، مثل "المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي" و"العمال" و"الخضر".
هذه النتيجة سمحت لـ"فيلدرز" أن يتولي منصب زعيم المعارضة في البرلمان، مما سمح له بالظهور أكثر تحت دائرة الضوء، بالرغم من كونه نائبًا في البرلمان منذ عام 1998، لكنه لم يكن يحظى بالظهور الإعلامي ذاته، أما حزب "من أجل الحرية" ـ وكما يفعل زعيمه المتطرف ـ فإنه يتبنى كل الأفكار اليمينية والعنصرية، والتي من أهمها سياسات شيطنة الآخر، ونشر خطاب الكراهية، والترويج بلا حياء لفكرة مفادها أن هناك بشرًا أدنى إنسانيًا من غيرهم، كما دعى الحكومة الهولندية إلى إنهاء تمويل الدول النامية ومشاريع التنمية المستدامة والابتكار مقابل دعم أكبر لميزانية الشرطة والدفاع عن الحدود ضد موجات الهجرة واللجوء، كما يجاهر "فيلدرز" على الملأ دائمًا بحربه المفتوحة على ما يسميه "أسلمة هولندا"، ويطالب بإغلاق المساجد، كما سبق له وأن شبّه القرآن الكريم بكتاب "كفاحي" للزعيم النازي "أدولف هتلر"، وقد صرح مرارًا للصحف ووكالات الأنباء بأنه لو كان القرار بيده لأغلق حدود بلاده أمام ما أسماه "الغزو الإسلامي الناجم عن تدفق مئات آلاف المهاجرين إلى أوروبا"، ومعتبرًا أنه لو وصل ذات يوم إلى رئاسة الوزراء فسيكون قراره الأول هو منع دخول المسلمين القادمين من بلدان إسلامية إلى هولندا، وكذلك منع النساء من إرتداء الحجاب في المؤسسات والشوارع.
يركز "فيلدرز" على الأنشطة المناهضة للإسلام خلال السنوات الأخيرة بشكل مستمر، ففي عام 2006 كتب الفيلم القصير المناهض للإسلام "فتنة"، وفيه يحاول أن يدّعي زورًا وجود تأثير للإسلام والقرآن على انتشار الإرهاب، ومن خلال التزييف يسعى للربط بين أفكار العنف والتكفير والإرهاب والآيات القرآنية التي تتردد في كل المساجد والبيوت الإسلامية، وفي عام 2008 بث "فيلدرز" هذا الفيلم على شبكة الإنترنت. وفي مايو 2015؛ أعلن "فيلدرز" للمرة الأولى عن إجراء مسابقة للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول "صلى الله عليه وسلم"، وأعلن عن منح جائزة قدرها 10 آلاف دولار أمريكي للفائز، وقد جرى تسليم الجائزة في مدينة دالاس الأمريكية، وهو ما أثار مشكلة كبرى في مكان تنظيم الحفل، حيث أطلق رجلان النار على رجال الأمن خارج القاعة، وحدثت إصابات، قبل أن تقوم الشرطة بقتل الرجلين، وفي يونيو 2018؛ عاد "فيلدرز" ليعلن من داخل البرلمان الهولندي عن أنه سينظم المسابقة مجددًا، وذكر أنه سيمنح جائزة قدرها 5000 يورو مقدمة من "متبرع يخفي اسمه"، قبل أن يقرر إلغاء المسابقة، وحاول أن يستدر تعاطف اليمين المتطرف عندما قال في بيان له: "من أجل تجنب خطر سقوط ضحايا للعنف الإسلامي، قررت عدم المضي قدمًا بمسابقة الرسوم"، وذلك بحجة أنه تلقى تهديدات حال الاستمرار في المسابقة، قبل أن يعود مجددًا قبل أيام قليلة للإعلان عن تنظيمه لهذه المسابقة داخل مقر البرلمان الهولندي بلاهاي، متذرعًا بأنها تأتي في إطار حرية التعبير.
يعدّ المجتمع الهولندي من أكثر المجتمعات الأوروبية استضافة للمسلمين والعرب، لا سيما من دول المغرب العربي، وهو ما يعني أن إثارة مشاعر هذه الجاليات يمكن أن يفض وئام المجتمع المتماسك في هولندا التي لطالما تفاخرت بتقاليدها العريقة القائمة على الوئام السياسي والتسامح والتنوع الثقافي، وسبق لـ "فيلدرز" أن تهجم على الجالية المغاربية واصفًا أفرادها بـ "الرعاع المغاربة"، وقد خضع "فيلدرز" مرتين للمحاكمة القضائية، الأولى في عام 2011، ولكن المحكمة قامت بتبرئته من تهمة إثارة الكراهية والتمييز ضد المسلمين، واعتبرت المحكمة أن تصريحاته المعادية للمسلمين جزءًا من نقاش سياسي حول علاقة المجتمع الهولندي بالإسلام، أما الثانية فكانت في عام 2016 حيث أدانته محكمة في أمستردام بارتكاب جريمة الحض على الكراهية، على خلفية ترديده هتافات مناهضة للمواطنين الهولنديين من أصل مغربي، عندما أعلن بعد الانتخابات البلدية في مارس 2014 أنه يريد "مغاربة أقل في هولندا"، لكن الحكم القضائي الذي صدر بحقه لم يمنعه من الترشح للبرلمان مرة أخرى، ولم يحرمه من حقوقه النيابية، بل يعتقد مراقبون أن هذا الحكم والدعاية الإعلامية اليمينية لـ "فيلدرز" قد ساهمت في زيادة شعبيته، وتصرفات "فيلدرز" المستفزة تثير قلق السلطات في هولندا بصفة مستمرة، كما أن الدولة الهولندية تؤمن حماية شخصية له على مدار الساعة منذ عام 2004.
أراؤه اليمينية المتطرفة لا تقتصر على الداخل الهولندي فحسب، فقد صرح سابقًا بأن الأردن ينبغي أن يكون اسمه فلسطين، وأن يكون وطنًا بديلًا للفلسطينيين، معتبرًا أن "إسرائيل تستحق مكانة خاصة لدى الحكومة الهولندية لأنها تقاتل من أجل القدس نيابة عنها"، مطالبًا بلاده بنقل سفارتها إلى القدس، وقد ردت الحكومة الأردنية على ذلك بوصفها تصريحات فيلدرز بأنها "ترديد وصدى صوت لليمين الإسرائيلي". إن أمثال "فيلدرز" من الشعبويين اليمينيين من الساسة ورجال البرلمانات ما هم إلا متطرفين وإرهابيين لكن في صورة رجال دولة، يتذرعون بالحق في حرية التعبير، ويتجمًلون بالشعارات القومية، من أجل كسب ودّ الفئات المذبذبة والتي تميل إلى التطرف، في حين أن هؤلاء الساسة أشد خطرًا وأكثر فتكًا بمجتمعاتهم من الإرهاب ذاته.