الدكتور محمد نبيل غنايم ، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة
القاهرة ، ولد بمدينة أبي كبير بمحافظة الشرقية سنة 1940م ، وحفظ القرآن الكريم في
سن مبكرة بكتاب القرية، والتحق بالأزهر الشريف.
ثم حصل على درجة الماجستير في أطروحة بعنوان " المُزَني وأثره في الفقه الشافعي"
وحصل على درجة الدكتوراه في " مدارس مصر الفقهية في القرن الثالث الهجري .. دراسة
فقهية مقارنة " .
نرحب بضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور/ محمد نبيل غنايم الأستاذ بكلية دار العلوم
جامعة القاهرة.
أهلا بكم وسهلا
البيان:
كتب في مدخل الكلية: "اللغة العربية تموت في كل مكان وتحيا في دار العلوم" فما مدى
صحة العبارة ؟
اللغة
العربية موجودة وتحيا في كل مكان بفضل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لأن
الله تعالى جعلهما بلسان عربي مبين .
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ } (الحجر:9) ، والله سبحانه يحفظ لغة القرآن كذلك، لأن في حفظ
أحدهما حفظ للآخر.
ولكن دار العلوم أسهمت وما زالت تسهم في ذلك بفضل الله تعالى الذي سخرها ثم بفضل
أساتذتها الأفاضل الذين عرفوا بالذود عن حياض اللغة ، والإسهام في إثرائها
بالمقررات الدراسية الجادة التي يتعلمها الطلاب، ومن المعروف أن دار العلوم تولي
عناية خاصة بعلوم اللغة العربية والشعر والأدب ، وكذلك علوم القرآن والشريعة
الإسلامية. {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ } (الشعراء:192-195)
البيان: يواجه المسلمون في الغرب تصاعد الخوف المرضي من لإسلام (الإسلاموفوبيا)،
مما جعل البعض يميل للعزلة والسلبية، وأحيانا ردود فعل عنيفة، والبعض الآخر يتميع
ويذوب في تلك المجتمعات. فبماذا تنصح المسلمين في الغرب؟
أنصحهم بما نصح الله تعالى ورسولة صلى الله عليه وسلم والأمة الإسلامية كلها بقوله
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى
صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم ٍ43 وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ
تُسْأَلُونَ} (الزخرف: 43-44) ، {وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ
اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِإِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ
النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران:103).
فعليهم بالاتحاد والاستمساك بشرع الله عز وجل ، والحذر الحذر من التفرق والتميع
والتنازع، كيلا يفشلوا وتذهب ريحهم، وعليهم بالصبر على الأذى الذي يلاقونه.
البيان: لبعض العلماء موقف صارم من مسألة حوار الأديان وأنها استدراج للمسلمين،
فإلى ما يستندون ، وما الفرق بين حوار الأديان ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ؟
يستندون إلى قوله تعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ
وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ
الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ
مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (البقرة:120).
والفرق كبير بين الحوار الذي ينشد الحق ويسعى إليه بالتفاهم والإذعان إلى الحق
وبين الجدال الذي نهانا الله تعالى عنه لما فيه من ترويج للباطل ودفاع عنه فلا يجوز
السقوط فيه والانجذاب إليه.
وقد بينت ذلك في الجزء الأول من كتاب "قضايا فقهية معاصرة ... دراسة فقهية
اجتماعية" ، فالغرب هو الذي يسعى لإقامة الحوار مع المسلمين بحجة تحقيق التقارب بين
الأديان والتفاهم بين الشعوب ، لكنه يهدف من وراء ذلك إلى مسخ الهوية الإسلامية
وفرض العولمة ، فعلى المسلمين أن ينتبهوا .
البيان: لو طلبت منك أن تعطينا بعض النماذج للأقلام التي كتبت في فقه النوازل ماذا
تقول؟ وبماذا ترد على المزاعم بأن الشريعة أنزلت لفترة زمنية انتهت، وهي لا تناسب
العصر؟
في هذا الشأن أرشح كتب الونشريسي
(1)
في نوازل المالكية في المغرب وكتب الفاضل ابن عاشور
(2)
وكتب الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي في قضايا معاصرة .
كما كتبت المجامع الفقهية مئات البحوث والدراسات في هذا الخصوص، مما يدل على مرونة
الشريعة الإسلامية وملائمتها للفطرة وقدرتها على بيان الحل لكل نازلة وكيف لا تكون
كذلك وهي الشريعة الخاتمة والعامة للعالمين؟
البيان: ما هي رؤيتك لمستقبل البحث العلمي بأقسام الشريعة الإسلامية بالجامعات
العربية؟
البحث العلمي بأقسام الشريعة الإسلامية في الجامعات العربية نشط ويلبي حاجات الأمة
ويبحث في قضايا الأقليات ويعالج النوازل والمستجدات ؛ لذا فمستقبله طيب –إن شاء
الله- وتوجهه جيد خاصة في مجال مقاصد الشريعة وقضايا العصر، وأدوات البحث الحديثة
تسهم بشكل فعال في تنشيط الحركة العلمية.
البيان: كيف تنظرون إلى القول بتدريس مناهج ما يعرف بالتربية الجنسية للبالغين ؟
إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كافيان لتحقيق الوعي الشرعي المناسب
للبالغين ، أما ما ينادي به بعض المخالفين الذين يحادون المنهج الرباني خارج
القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة التي لا ينطق صاحبها عليه الصلاة والسلام
عن الهوى ، فهو عبث يقود إلى انتشار الفواحش وينتج وأولاد السفاح وأولاد الشوارع
الذين يكبرون وفي نفوسهم نزعة الانتقام من المجتمع الذي سهل وجودهم بتوفير مناخ
الزنى ، والسكوت على انتشاره.
البيان:
أبدى بعض الأساتذة بكلية دار العلوم استغرابهم منتقدين حصول أحد الكتاب على جائزة
الدولة التقديرية ، رغم آرائه المتطرفة وتهجمه على الدين الإسلامي ، فكيف تنظر إلى
هذا المسلك ؟
أساتذة دار العلوم على حق فيما ذهبوا إليه في هذا الأمر، وكل من عنده حس إسلامي
يؤيدهم ، والجائزة ذهبت لمن لا يستحقها وكانت في غير موضعها ، وإذا كانت للباطل
ساعة فإن الحق غالب إلى قيام الساعة ،
قال الله
تعالي
{بَلْ نَقْذِفُ
بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ
مِمَّا تَصِفُونَ }
( الأنبياء:
18)
بعض طلاب العلم الشرعي ينفرون من دراسة الفقة على المذاهب، بحجة نبذ التعصب،
ويقولون نحن ننطلق من الدليل الشرعي ، فهل ترى هذه الدعوى صالحة للتطبيق عمليًا؟
هذه دعوى باطلة، فالمذهبية حق والخلاف تنمية والتعددية رحمة، ولا معنى لقولهم إلا
الجمود والتضييق ، ولماذا يرتبط الخلاف بالتعصب ؟ لم لا يرتبط بالرحمة والاجتهاد
والبحث عن الحق والتعاون على البر والتقوى كما كان لقول أئمتنا : رأينا صواب يحتمل
الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ، ولماذا نطالب بالتعددية في كل الأمور وننبذها
في الفقه، مع أنه الأهم؟
البيان: بعض الآباء أو المربين يعتمدون وسيلة ضرب الأطفال بدوافع تعليمية أو
تربوية، فهل تراها وسيلة مجدية تربويًا وتعليميًا؟
نعم قد يكون الضرب هو العلاج والدواء لبعض العادات السيئة وإلا ما شرعه الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمور هامة وخطيرة كالصلاة والعلاقات الأسرية ، ولكن
يجب أن يكون الضرب في حدود معينة وبطريقة معينة حتى لا يؤدي إلى آثار أسوأ من
الفوائد ، وفي هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم تعليم لنا عن الكيفية تجنبا للظلم
والأذى ، وحتى يؤتي الثمرة التربوية المرجوة منه.
البيان: هل تؤيد عرض المشاهد الصارخة في الإعلام ؟ (مثل مذابح الكيان الصهيوني
بفلسطين)
نعم أؤيد عرضها ، لعلها تستنهض الهمم وتثير فينا النخوة والنجدة نحو إخواننا
المؤمنين في فلسطين أو غيرها من البلاد الإسلامية التي اغتصبت أراضيها وانتهكت
حرمات الناس فيها وأريقت دماؤهم في الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم.
البيان: تشرفت بكم المجلة سعادة الدكتور وتتمنى لكم دوام التوفيق والسداد
آمين وإياكم ... وجزاكم الله خيرا وأحسن إليكم
(1)
أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي: هو الإمام حافظ
المذهب المالكي ، حبر تلمسان و فاس ، حجة المغاربة على الأقاليم أبو العباس أحمد بن
يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي التلمساني الأصل والمنشأ الفاسي الدار
والمدفن ، ولد حوالي سنة 834 هـ / 1430 م بقرية من قرى ونشريس بناحية بجاية ( الشرق
الجزائري ).
(2) الفاضل ابن عاشور: هو الشيخ محمد الفاضل بن محمد الطاهر بن الصادق عاشور، ولد
في مدينة تونس يوم 2 شوال سنة 1327 هـ ، تربى في أحد بيوت الدين والعلم، توفي يوم
12 صفر 1390 هـ . أحد أبرز علماء الدين الذين عرفتهم تونس في القرن العشرين.