في سوريا.. لا إيران ترتدع ولا إسرائيل تتنازل
بدا التصعيد العسكري في سوريا اليوم السبت تطبيقا عمليا لمواقف سياسية برزت في الأشهر الماضية، رسم خلالها الكيان الصهيوني خطوطا حمراء للتواجد الإيراني في سوريا. فما انفك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحذر في الأشهر الأخيرة مما سماه "التموضع الإيراني في سوريا" دون أن يجد أذانا إيرانية مصغية.
وقال افي لسخاروف، المحلل السياسي الصهيوني، "في تقديري فإن التطورات التي جرت اليوم السبت هي فصل جديد في المرحلة التي بدأت قبل أشهر، حينما شرع رئيس الوزراء نتنياهو في التحذير من التواجد الإيراني الملموس في سوريا".
وأضاف "هناك حضور عسكري إيراني كبير في سوريا، وهذا معناه أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس هو صاحب القرار في سوريا، وإنما إيران". وتابع لسخاروف "ما جرى في سوريا، السبت، هو مؤشر واضح على مدى التأثير الإيراني في سوريا".
وكان نتنياهو أثار موضوع التواجد الإيراني في سوريا في لقاءات واتصالات عدة أجراها خلال الأشهر الماضية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي لقاءات مع مسؤولين أمريكيين وأوروبيين.
كما حذر أكثر من مسؤول سياسي وعسكري صهيوني في الأشهر الماضية من هذا التواجد الإيراني، الذي لا يبدو أن سوريا أو إيران أو روسيا تأبه له. وفي هذا الصدد قال أنطون شلحت، الخبير في الشؤون الصهيونية، "ما جرى، السبت، هو تصعيد غير مسبوق، ولكن من الواضح أن الطرف الإيراني لا يرتدع، وأن إسرائيل لا تتنازل عما تسميه خطوطها الحمراء بشأن التواجد الإيراني في سوريا".
وأضاف "هذا قد يؤدي إلى نقطة خطرة جدا، ولكنه لا يعني بالضرورة أن الطرفين معنيان بانفجار شامل، والدليل على ذلك هو طلب رئيس الوزراء نتنياهو من روسيا التدخل لدى سوريا". وتابع شلحت: "كيف ستتطور الأمور؟ هذا مرتبط بالوقائع الميدانية، ولكن من الواضح أن الطرفين تسلقا شجرة عالية ولا يعرفان كيفية النزول منها".
وحملت الأحداث التي جرت، السبت، تطورين جديدين، الأول هو إسقاط مقاتلة صهيونية من طراز (إف ـ 16)، والثاني مهاجمة الكيان الصهيوني بإعلان رسمي أهدافا إيرانية في سوريا. وفي هذا الصدد قال لسخاروف "إسقاط المقاتلة هو تطور جديد جدا وغير مسبوق منذ الثمانينيات، ولكن في نهاية الأمر فإن الطائرة سقطت في منطقة إسرائيلية، ولم يتم احتجاز الطيارين الإسرائيليين اللذين يعالجان في مستشفيات إسرائيلية".وأضاف "أعتقد أنه بالنسبة إلى إسرائيل فإن قصف المواقع السورية والإيرانية كان ردا كافيا، ولكن السؤال الكبير هو إلى أين تريد سوريا وإيران دفع الأمور؟".
وتابع لسخاروف "المفتاح بيد بشار الأسد، فهو يمكنه أن يكون أداة في اليد الإيرانية، ولكن إذا ما زال يعتبر نفسه رئيسا وأن القرار بيده، فأعتقد أنه يتعين عليه وقف المحاولات الإيرانية للسيطرة على سوريا".
ورأى لسخاروف أن بإمكان الكيان الصهيوني أن يحدد مصير الأسد، وقال "إسرائيل هي القوة الوحيدة في المنطقة القادرة على الوصول إلى الأسد في مقره، ولهذا فإن السؤال هو ما هي مصلحة الأسد في التصعيد مع إسرائيل؟ صراحة أنا لا أدري".
وكانت تل ابيب طلبت من روسيا التدخل لدى سوريا من اجل منع تصعيد محتمل في الأوضاع. ولكن شلحت استبعد أن تضحي روسيا بعلاقاتها مع سوريا وإيران من أجل الكيان الصهيوني، وقال "مصالح روسيا هي مع سوريا وإيران رغم اهتمامها بالعلاقة مع إسرائيل". وأضاف "بإمكان روسيا أن تمنح الحكومة الإسرائيلية ضمانات، ولكن هذا ليس ما تريده تل أبيب، وهو ما يبقي الوضع خطرا إذا ما أصرت على مطالبها".
ولا يتفق لسخاروف أو شلحت مع التقديرات التي تقول إن التحقيقات مع نتنياهو بشبهة الفساد قد تدفع إلى تصعيد عسكري أكبر مع إيران في سوريا. وقال شلحت "القول بأن الدخول في مثل هكذا مغامرة غير محسوبة من أجل التهرب من التحقيقات هو نوع من التبسيط للأمور، فقد تكون التحقيقات سببا في قائمة أسباب، ولكنها لن تكون السبب الوحيد".
وأضاف "علينا أن نتذكر أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتفق مع تقدير نتنياهو بشأن التواجد العسكري الإيراني في سوريا، في حين لم تتفق معه سابقا في توجيه ضربة عسكرية لإيران".
من ناحيته، قال لسخاروف "السياسة الوحيدة التي ينتهجها نتنياهو هي سياسة البقاء في السلطة، ولكن السؤال هو أنه إذا خاض حربا مع إيران فإلى أي مدى سيفيده ذلك؟ إن الفشل في أي حرب يعني انخفاضا كبيرا في شعبية رئيس الوزراء، وهذا آخر ما يحتاجه نتنياهو".
وأضاف لسخاروف "الحرب تعني صواريخ وقتلى ولجان تحقيق، وهذا بلا شك لن يفيد نتنياهو، وبالتالي القول بأنه يتهرب من تحقيقات بشبهة الفساد بالتوجه إلى حرب إنما يجافي الواقع".
وليس من الواضح إن كانت التطورات اليوم السبت ستؤسس لتصعيد. وقال شلحت "الآن، هذا هو سؤال المليون دولار ولا أحد يعرف إجابة عنه، فأي حدث صغير من الممكن أن يفجر الأمور حتى وإن كان الطرفان غير معنيين بالحرب".
أما لسخاروف فقال "أعتقد أنه لا مصلحة إيرانية أو سورية أو حتى لإسرائيل بالتصعيد، فإسرائيل تريد الهدوء، ولكن لا يوجد جزم في السياسة".