كيف يسيطر الحرس الثوري على اقتصاد إيران؟
بترقب ذي شجون ينظر الإيرانيون إلى اقتصاد بلادهم حالمين باقتصاد قوي حر، لكنَّ ذلك
يبدو مستحيلاً في ظل وجود إمبراطورية الحرس الثوري ومؤسساته الاقتصادية العملاقة
عبر مؤسسة "خاتم الأنبياء" التي تسيطر على أكثر من 815 مؤسسة تجارية شبه حكومية
ومساهمة في كل المجالات من الإبرة حتى النفط والذهب، إلى جانب رجال الدين الذين
يتحكمون بالاقتصاد في البلاد. وإذا قارنَّا رجال الدين الحاليين بنظام الشاه
فسنلاحظ أن الحكام السابقين كانوا "نشالين" مقابل هوامير الفساد الحاليين في النظام
الإيراني.
تتشكل "قوات حرس الثورة الإسلامية" (بالفارسية: سپاه پاسداران انقلاب إسلامی) من
قوات برية وبحرية وجوية، كما لها السيطرة على كل الأسلحة الاستراتيجية لإيران،
ويقدر عدد أفرادها بـ 120 ألفاً قوات نظامية وقرابة 500 ألف جنود احتياط. وهذا
التنظيم الميليشياتي الذي يعمل خارج وزارة الدفاع الإيرانية هو عبارة عن قوة
اقتصادية ضخمة في إيران؛ إذ تتحكم بقرابة 20 – 40% من الاقتصاد. فهو يقوم ببناء
مستشفيات خاصة متخصصة ويعمل في تصنيع السيارات والسكك الحديدة وشركات المقاولات
واستخراج النفط والمعادن، وشركات الطيران والتجارة البحرية العابرة للقارات، وهو
مسؤول أيضاً عن كبرى عمليات المخدرات وتجارة الأسلحة بين الدول والتنظيمات المتمردة
والنظامية منذ فجر الثورة.
يعاني الاقتصاد بفعل "الحرس الثوري" الذي يستحوذ على أكبر المؤسسات الاستثمارية في
البلاد، بحجج محاربة التغول الغربي للسيطرة على الاستثمارات القادمة والتصدير
للخارج. من ناحية أخرى لا يدفع الحرس الثوري "ضريبة" بينما تُفرض الضرائب على بقية
الشركات، بواقع فارق التكلفة والبيع؛ لذلك حتى الاتفاق النووي من الناحية
الاقتصادية يتلاشى في ظل مركزية القرار غير معروف التوجه وغياب الرؤية الحقيقة
للاستثمار الذي يصارع نفسه في ظل استحواذ الحرس الثوري.
الاستثمار:
خلال سنوات قبل دخول حسن روحاني السلك السياسي كشفت لجنة الخبراء الاقتصاديين
المقرَّبة من الرجل الوضعَ المزري في تقرير لها قائلة: "على الرغم من أن الطاقة
والإمكانيات الكامنة للاقتصاد الإيراني تضع هذا البلد في الرتبة الـ 20 في العالم؛
إلا أن القوة الفعلية تهبطه إلى المرتبة الـ 70"، بينما يأتي تصنيف إيران في
الاقتصاد الحر في المرتبة 146 في أدنى الدول الذي رصد 164 منها عبر العالم. لذلك
تحتجب الشركات الاستثمارية من الانتقال إلى إيران والعمل في ظل بيئة غير منافسة
وتحكم وسيطرة من قبل رجال الدين وقوات الحرس الثوري. بالرغم أن قانون الاستثمار
(صادر عام 2002) يغري المستثمرين؛ فهو يقدم ملكية وتأشيرة لثلاث سنوات ويعطي
إمكانية الخروج بالعملة الأجنبية إذا ما أراد رجل الأعمال إخلاء تجارته؛ إلا أن
إيران لديها تاريخ طويل من تغيير القوانين على الطاير، أو ببساطة تجاهلها عندما
يلائم أغراض المنشآت التابعة للحرس الثوري. وفي محاولة لطمأنة المستثمرين، وضمانات
العمل تعهدت الحكومة بدفع تعويضات لأية استثمارات[1]
في المشاريع التي يتم تأميمها أو مصادرتها، على الرغم من عدم معرفة كم نسبة ذلك
التعويض، فلذلك كان الوضع سيئاً مانعاً لأي انتعاش قادم من الخارج بسبب الحرس
الثوري.
وليس الحرس الثوري وحده المتسبب في انهيار الاقتصاد الإيراني، فإلى جانب ذلك:
البرنامج النووي الإيراني الذي کلف الاقتصاد الإيراني ما يساوي کلفة الحرب
(العراقية ـ الإيرانية) عشر مرات، ورغم أن البرنامج استمر لسنوات طويلة تجرع خلالها
المواطن الإيراني الويل والثبور؛ إلا أن الحرس الثوري وافق على الاتفاق النووي الذي
يوقف عمل البرنامج؛ خوفاً من ثورة شعبية ورفضاً لدفع "الضريبة" للحكومة الإيرانية،
فكان روحاني وفريقه قد وضعوا خيارين للحرس الثوري "دفع الضريبة" أو "الموافقة على
الاتفاق النووي".
وكذلك التدخلات الإيرانية واسعة النطاق في دول المنطقة، فمليارات الدولارات التي
تؤخذ من عرق المواطن الإيراني يتوسع بها النظام الكهنوتي في الخارج في الشرق الأوسط
وحتى شمال إفريقيا إضافة إلى أمريكا اللاتينية.
الحالة الاقتصادية في إيران:
ارتفاع معدل التضخم ليصل إلى 30%، وفقاً لأرقام البنك المركزي الإيراني، و35% وفقاً
لخبراء وأساتذة اقتصاد إيرانيين، و42% وفقاً لتصريحات صدرت عن الرئيس الإيراني[2].
ورافق ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 13% وفقاً لبعض الإحصاءات التي تعكس وجهة النظر
الرسمية، بفعل تراجع الاستثمارات الحكومية والخاصة بصورة أساسية. وإن كان متوسط
معدل البطالة في العالم يصل إلى 9.7% وفي المنطقة 6.95%، فإن خبراء اقتصاديين
إيرانيين يتحدثون عن معدل يتجاوز 25% في وقت يجب فيه أن ينخفض إلى 7%[3].
وطبقاً لصندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الإيراني يكاد يكون خاضعاً بالكامل
لسيطرة جهات سياسية فاعلة. وتستهلك عشرون ألف شركة عامة 65% من الميزانية الوطنية
وتتولى 80% من الصادرات، هذا فضلاً عن 50% من التجارة الداخلية. وتبلغ حصة البنوك
المملوكة للدولة في السوق نحو 85%. في ظل غياب شبه كامل لأي نظام مصرفي في إيران.
المؤسسات المتحكمة بالاقتصاد الإيراني:
في عام 2009 سيطر الحرس الثوري على الاتصالات في إيران وأصبح مالكها الوحيد
والحصري، فكما في بقية تصنيفات البنية التحتية في البلاد تستثمر مؤسسة "خاتم
الأنبياء"؛ وهذه المؤسسة التي تحمل اسماً دنياً ليست جمعية خيرية بل منظمة
استثمارية بمليارات الدولارات. وقد تمكنت من تقوية نفوذها بشكل قوي خصوصاً بعد
تأسيسها نهاية 1980 في عملية إعادة بناء البلد بعد الحرب بين إيران والعراق.
إلى جانب ذلك فإن الحرس الثوري الإيراني ليس الوحيد المسيطر على الاقتصاد الإيراني
وإن كان الأكثر ظهوراً وبروزاً لكن رجال الدين يديرون مؤسسات استثمارية بشكل مباشر
عبر جمعيات وتنظيمات تُظهر في الحقيقة أنها خيرية لتدير مؤسسات وشركات وعقارات
بمليارات الدولارات. وتعتقد دول إن (80%) من الاقتصاد الإيراني[4]
يخضع للحرس الثوري ورجال الدين الذين يشكلون جبهةً واحدة يمكن وصفها بـ "بيت
الإمام" لكن ذلك في الوقت نفسه لا يمنع التنافس المحموم بين رجال الدين على نهب
وتسوية العامة بالأرض.
وهناك مؤسسة دينية أخرى تحت اسم "ستاد" تم تأسيسها بعد وفاة آية الله الخميني عام
1989 كـَ "مركز لتطبيق أوامر الإمام" بـ 90 مليار دولار، بحسب وكالة الأنباء
رويترز. وكانت أساساً عبارة عن مؤسسة لتنظيم شؤون العقارات التي كان يملكها
المهاجرون وأنصار الشاه بهدف مساعدة الفقراء والمساكين. ومنذ ذلك الحين أصبحت
"ستاد" من أكبر المؤسسات المؤثرة وهي تابعة مباشرة للمرشد الأعلى في إيران علي
خامنئي.
ومن بين أهم جوانب الضعف الذي يكتنف الاقتصاد الإيراني وجود شبكة غير رسمية تعرف
باسم "بونيادس" (الجمعيات) تتحكم في جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية. ولا تخضع هذه
التنظيمات للمراقبة الرسمية باعتبار أن أهم الزعماء السياسيين أو المسؤولين
السابقين والحاليين في الحكومة هم الذين يشرفون عليها. فهي تتمتع بإعفاء حقيقي من
الضرائب والجمارك وبأفضلية الاستفادة من القروض والتبادلات الأجنبية علاوة على
الحماية القانونية من منافسة القطاع الخاص لها. وبفضل هذه المزايا، تمكنت بعض
الجمعيات (بونيادس) من إقامة احتكارات حقيقية في مجال الاستيراد والتوزيع لعدد كبير
من السلع، كما يقال إنها تشكل من 33 إلى 40% من صافي الناتج القومي الإيراني[5].
أخيراً لن يستطيع الإيرانيون الحصول على اقتصاد مستقر في المستقبل القريب أو
المستقبل البعيد، كما حدث منذ الثورة الخمينية، ما دام لم يكبح جماح الحرس الثوري
ومؤسسة رجال الدين الذين يتلبسون بعباءات الرُهبان، ويعيثون بالمجتمع الإيراني
فساداً ويسيطرون على أموالهم ومعيشتهم ليكنزوها لأنفسهم.
___
[1]
Iran Prepares to Lure Foreign Investors After Nuclear Deal- nytimes /21/8/2015م
http://ow.ly/EvDj30b0xaS
[2] روحاني آمار تورم و نرخ رشد را اعلام کرد ، خبرآنلاين.
http://www.khabaronline.ir/detail/312494/Politics/government
[3] مركز الجزيرة للدراسات: النووي الإيراني: أرباح اتفاق جنيف وتكاليفه 13 ديسمبر
2013م
[4] تقديرات للخارجية الألمانية يمكن زيارة (توماس كولمان)
http://ow.ly/D5wF30b0xhx
[5] إيران: الأدوار الاقتصادية والسياسية لمجموعات البنياد (معهد الإمام الشيرازي -
واشنطن)
http://www.siironline.org/alabwab/monawat(28)/135.htm