هل تنجح مساعي الصلح بين الخليج وإيران؟
لا شك أن عداء الدولة الجار أشد فتكاً بالأنظمة والمجتمعات المجاورة، ولذلك كان العداء الإيراني ومشاريع هيمنته منذ فجر ثورة الخميني 1979، عاملاً مؤثراً في الأمن القومي لدول شبه الجزيرة العربية، بسعي النظام الكهنوتي الحاكم إلى بسط نفوذه وهيمنته على بقية دول الشرق الأوسط.
يقول الخميني: "كل ما نفتقده هو عصا موسى وسيف علي بن أبي طالب، وعزيمتهما الجبَّارة. وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي، فسنحصل على عصا موسى وسيف علي بن أبي طالب أيضًا"، فاعتمد الدستور الإيراني على العقيدة الطائفية (الشيعية - الإثنا عشرية - الجعفرية)، والعرقية الآرية (الفارسية)، في وضع محددات السياسة الداخلية والدولية للنظام الحاكم، ومنذ ثمانينات القرن الماضي وطهران تذهب في مخططها الاستعماري لتقوي نفوذها داخل الجماعات الشيعية في الوطن العربي، وتنشر عقيدتها الثورية (الطائفية - الآرية) في عمليات غزو فكري ممنهجة. بالرغم من أنها دائماً تتحدث عن حسن الجوار، الذي تقصد به الصمت على مشاريعها... أما مواجهة مشاريعها وعبثها بالهوية بفرز المجتمعات فلا يعده نظام الملالي سوى عداءً وليس حسن جوار بما في ذلك دول الخليج العربي.
ولأجل علاقات وديّه مع الدول يفترض أن تتخلى إيران عن ذلك التصدير وتوقف عمليات الغزو؛ لكن ذلك يبدو صعباً في ظل وجود رجال دولة يحكمون إيران إلى الأبد كما حدث مع الخميني ويحدث مع خامنئي ومروراً بالرجل التسعيني رئيس مجلس خبراء القيادة (أحمد جنتي 93 عاماً) فلا أمل بتعديل السياسة الخارجية في إيران؛ بالرغم من كل وعود من يوصفون بالإصلاحيين.
بادرة لحسن النية تلك التي قدمها الخليج بتسليم رسالة عبر وزير الخارجية الكويتي إلى المسؤولين الإيرانيين، وهو الانعكاس الذي انطبع على ارتباك السياسيين الإيرانيين حيث كان من المقرر أن يكتفي الشيخ صباح خالد الصباح بلقاء واحد مع وزير الخارجية والرئيس الإيراني، لكنه تم في لقاءين منفصلين، لأن الأول (جواد ظريف) كان يتلقى تعليمات جديدة من المرشد في الموضوع نفسه. روجت الصحافة الإيرانية في افتتاحياتها طوال الأسبوع أن الكويت تحاول التوسط بين الرياض وطهران، كعلاقات أحادية بين دول الخليج وإيران، وهذا غير صحيح؛ فالإعلام الإيراني - بمشاركة وسائل إعلام عربية - يحاول جاهداً خدمة الهدف الإيراني بالتعامل مع دول مجلس التعاون كسياسات منفردة حتى يسهل عليه تكسيرها دولة تلو أخرى. الرسالة التي تسلمتها إيران كانت من أجل حوار (خليجي - إيراني) يقوم على شروط تقوم مقدمته على عدم التدخل في الشؤون الخليجية، واحترام سيادة دول مجلس التعاون، واحترام كافة بنود مجلس الأمم المتحدة فيما يتعلق بالسياسة الدولية وسياسة الجوار، وبدون تحقيق ذلك من الصعب الحديث عن علاقة جيدة وجديدة بين دول الخليج وإيران.
صحيح أن عودة المياه بين طهران والرياض ستكون سبباً في عودة الأوضاع إلى طبيعتها مع بقية دول الخليج، لكن الخطر الداهم بشبه الجزيرة العربية يجعل الجميع في خندق واحد فهو ليس قرار الرياض وحدها بل قرار المنظومة العربية كلها والخليجية خاصة، والوقوف خلف السعودية الآن وبمشروعها لإيقاف المد الإيراني مصلحة تجمع كل الدول وليس واحدة دون أخرى. فتحركات إيران في البحرين واليمن والخلايا (النائمة - المستيقظة) في السعودية والكويت والإمارات وحتى سلطنة عُمان تجعل أمن منطقة شبه الجزيرة العربية في خطر ماحِق من الجارة في ضفة الخليج الأخرى.
في 24 يناير (كانون الثاني) نشر موقع "جماران" الناطق بالفارسية، مقابلة مع غلام علي رجائي، مستشار هاشمي رفسنجاني - الصندوق الأسود في إيران الذي توفي مؤخراً - تحدث فيها عن تقارب واسع بين رفسنجاني وملك السعودية الراحل عبد الله وتشكيل لجان لمناقشة كل الأمور السياسية والعالقة لكن أحمدي نجاد (الرئيس الإيراني السابق 2005 - 2013) ومن ورائه المرشد دمروا كل شيء، ولا تزال زيارة الأمير سلطان لـ "طهران" (1999م) حديث الدبلوماسيين الإيرانيين، فالزيارة التي استمرت خمسة أيام ناقشت معظم الملفات، وكانت العلاقة الإيرانية - السعودية (الخليجية) تظهر شيئاً من التحسن منذ بدء الثورة الخمينية لكن رجال الدولة في إيران (الطائفيين - الآريين) لا يرون علاجاً لأزماتهم الداخلية التي يفتعلها الفساد إلا بصناعة عدو قريب ليعلقوا عليه كل فشلهم داخلياً ويبرروا حروبهم وتمويلاتهم للجماعات الإرهابية خارجياً، ولم يجدوا غير السعودية التي تتمتع بثقل إقليمي عربي وإسلامي لتكون وجهتهم الرئيسية لاستهداف مكانتها ودورها التاريخي.
باعتقاد الكاتب أن الرسالة الخليجية ليست مرتبطة بفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، فالرسالة أُقرت في قمة قادة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة ديسمبر (كانون الثاني) وكانت نقاشاتها تمتد إلى ما قبل إعلان فوز ترامب، ومع ذلك ترى إيران نفسها مضطرة مع فوز ترامب - الذي يملك رؤية مخالفة لرؤية أوباما تجاه الدور الإيراني الإرهابي في الشرق الأوسط - فتحاول تحسين علاقات الجوار حتى لا تعيش في عزلة مجدداً مع المحيط إلى جانب كل دول العالم، كما تشير بذلك افتتاحية "همدلي" يوم 28 يناير (كانون الثاني) التي بدت متفائلة بتقارب جديد بين حكومة روحاني والرياض: "المهمّ هو أن لا تتصرف إيران بطريقة تُوحِي بتجاهل الدور السعودي في القضايا المهمَّة مثل سوريا والعراق". كما تقول الصحيفة الفارسية.
من الصعب الحديث عن حوار مستقبلي، قريب، بين دول الخليج العربي وبين إيران لكنه بكل تأكيد سيحدث وفي نهاية الطريق ستتوقف طهران عن مشاريعها الاستفزازية في منطقة شبه الجزيرة العربية، إما بطرق الضغط الدبلوماسية المُتبعة دولياً وتعود إلى رشدها، أو يبدو أن درس عاصفة الحزم وزيادة التقارب الخليجي - التركي يمثل رؤية واضحة لمستقبل نظام الملالي إضافة إلى التقارب الأكبر بين أنقرة وموسكو والرياض بجانب استهداف أردوغان لنفوذها في إفريقيا، ولعل مؤتمر "أستانة" الذي يثير حَنَق وغضب طهران، بداية جديدة لتحالفات قادمة تعزل إيران وميليشياتها عن المحيط الإقليمي وتنفضها من الخليج العربي.