حلب والاستيطان الإيراني.. خطورته وأبعاده
لا تتوقعون أن إسقاط حلب هو انتصار لإيران، بل هو سقوط لكل دول العالم أمام صمود
الأبطال لأعوام يدافعون عن منازلهم وأهليهم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون
إسقاط حلب انتهاءً للحرب ضد "الاحتلال" والاستبداد والجرائم النكراء لإيران
ومرتزقتها من الميليشيات الشيعية، الذين يسقطون في كل شيء أخلاقياً وسياسياً
ودولياً، فهؤلاء القتلة الطائفيون أخطر من تنظيم الدولة بل أخطر من أي ميليشيات
مأجورة عرفها التاريخ.
بعدما حدث في حلب، وزهو الإيرانيين بتحقيق جزء من طموحهم الدموي، ورغبة روسيا في
الخروج بعيداً عن أراضي سوريا بعد ظهورها بمظهر القوي العائد بعد 25 عاماً من
انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهور موسكو بمظهر القوي المسيطر على الأوضاع
والسياسات... تخسر إيران مجدداً، فالمجتمع الدولي يبدو مقتنعاً بضرورة عودة
العقوبات كما ستكون عذراً ملحاً لـ "ترامب" لإعادة التفاوض في الاتفاق النووي إن لم
يكن إلغاءه، وهذه دعوة مفتوحة لتحرك الإيرانيين ضد الكهنوت.
ستعمل الميليشيات الشيعية ضد روسيا وقد تهاجم ما تبقى من قواتها في سوريا، كما حدث
مع الأمريكيين في العراق، في وقت ستعبث في التركيبة السكانية السورية، وسيتمدد
الاستيطان ليصل لكل حي وعمارة سكنية في سورية. المستوطنون الإيرانيون يشترون مباني
شوارع بأكملها في دمشق وحمص ويحتلون حلب، بينما يقوم النظام الأسدي المجرم بتوثيقها
في ملكية الأفغاني والإيراني أو الشيعي الباكستاني أو من السنغال. عجباً كيف تحولت
حاضرة الشام إلى ملتقى لقاذورات "بلاد فارس" بعد أن كانت سورنا العربي الأول ضد
تمددهم وانتشارهم. حي "السيدة زينب" والذي كان طوال قرون يلهج بالعروبة أصبحت
"الفارسية" لغة السكان، لقد وضع الإيرانيون سكاناً غير سكانه واشتروا معظم مباني
الحي لمرتزقتهم فتغري السوري كثرة المال المدفوع أو يخشى من التهديدات المتواصلة
ليرحل مشرداً يبحث عن ملجأ يبيت وعائلته بعد أن تحول الاحتلال الإيراني لسوريا إلى
استيطان دائم، يفرض سياسة الأرض المحروقة ثم يعيد بناءها لمستوطنيه.
حدث ذلك في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، فقد غير الإيرانيون ديموغرافيا الدولة
العربية؛ مئات الآلاف – وهناك تقارير تتحدث عن ملايين - من الأفغان والباكستانيين
وأقليات أخرى موجودون في بلادها من الشيعة إلى العراق، وقام النظام الطائفي منذ
2004م وحتى الآن بتجنيسهم، حتى بتزويجهم بعراقيات، وما أكثر الأحاديث العراقية
اليوم عن الزواج من نساء قتلى ميليشياتهم العراقيين؛ وتُعاد الكرَّة مجدداً في
سوريا، وقبلها في الثمانينات والتسعينات في الجنوب اللبناني. نحن أمام جيوش من
المستوطنين القتلة ترسلهم إيران إلى البلدان العربية وتجد لهم مناصرين وأحباء،
يغيرون الديمغرافيا لتغيير سياسات الدول، كما يعبثون باقتصاداتها ويدمرون حضارتها.
يقوم النظام الإيراني بالوصاية على الأسد وما تبقى من نظامه. مذكرات حسن همداني
(قائد الحرس الثوري الذي قتل في حلب) التي صدرت مؤخراً بعنوان یغام ماهی ها (رسائل
الأسماك)، أشارت بشكل واضح إلى تحكم إيران بسوريا وإدارتها كواحدة من محافظاتها،
يقول همداني: "في 2013م أحكم الإرهابيون (الثوار السوريون) الخناق على دمشق وعلى
نظام بشار الأسد وبدأ الأسد يفكر في ملجأ للعائلة ومكان للجوء سياسي، حتى أبلغته
بفتح مخازن الجيش وتسليح العامة، وهو ما أنقذ نظامه"، وتحدث عن تجنيد آلاف العلويين
بعد دورات طائفية وتسليحية لارتكاب المجازر بالسوريين.
و (طوال عامي2015 - 2016) أعلنت تلك الميليشيات من أبناء أقليته الشيعية العلوية عن
مشاريع في المدن السورية "تنظيم المدن" في دمشق وحمص – خصوصاً - لتشمل الزبداني
والغوطة الشرقية وفي وادي بردى حيث الأكثرية (السُنية) في عمليات تطهير عرقي
واستيطان محتلين من المذهب الشيعي سواء من العرب أو الآسيويين، بعد أن دمرت
البراميل المتفجرة المباني ودفنت أصحابها تحت الركام، وارتكبت المجازر في أبشع
صورها الكيماوية والنارية بينما بقية أهاليها إما مشردون بين الضياع والخارج أو تحت
التعذيب في السجون الأسدية. إنه تدمير منهجي ومخطط وتهجير إجباري للسكان وأصحاب
الحق. وعندما هدأت حمص والقصير والغوطة من المعارك وأراد أصحاب المنازل العودة إلى
ديارهم منعتهم الميليشيات الشيعية واختطفت معظمهم، وأحلّت مكانهم طائفيين بوثائق
رسمية، أبشع من أي سلطة احتلال وأقذر من بقايا نظام يرتكب بشاعات الاستيطان والقتل
والتدمير من أجل نفسه.
إن نظام الأسد ينفذ مشروعاً مكتملاً من التطهير العرقي والاحلال السكاني والتغيير
الديموغرافي بتمديد رقعة الاستيطان والاحتلال بهدف تمكين دولة أجنبية وميليشياتها
من السيطرة على حقوق وممتلكات ومقدرات الشعب السوري، وانتزاع حقه في تقرير من يسوسه
ويحكمه في إطار مشروع الهيمنة الإقليمي الاستراتيجي يستخدم جميع الوسائل لإرسال
الرسائل الهمجية والكارثية إلى دول الخليج ودول المنطقة العربية. هي الذهنية
الإيرانية المكرسة استراتيجياً في الوقت الراهن لإحلال سوريا إيرانية بدلاً من
سورية الجمهورية العربية، لتتحول الدولة التي كانت جزءً من سياسات العرب وتحولاته
إلى محافظة إيرانية كما تحولت العراق وأصبحت.
إن مشروع إحلال السكان في العقلية الإيرانية لا يعني فقط سوريا أو العراق، بل هي
استراتيجية مستمرة، عضوية في كل تحركاتها باتجاه تصدير الثورة وحماية أتباعها
وأنصارها، واليوم كما الاستيطان في بلاد الشام يصبح مستقبلاً في دول الخليج العربي
واليمن ومصر وحتى الجزائر والسودان وجيبوتي، هو استهداف أوسع وأشمل وأعمق فبعد عقود
من احتلالها جزر الإمارات ما زلت تدفع بمستوطنين جدد إليها مع عام 2016م، وما تزال
تستثمر في أوجاعنا وتفككنا لتحول دولنا العربية إلى كنتونات ضعيفة تمزقها
الاضطرابات وتشعلها الطائفية.
لن ينجح الإيرانيون في تحقيق حلمهم، وستنهار استراتيجيتهم وتتقزم طموحاتهم، ولن يقف
ظلم أعوانهم وجور ميليشياتهم حائلاً أمام استمرار الأبطال السوريين في الدفاع عن
حقوقهم وهويتهم، بل هوية كل عربي حر يؤمن بحضارته ودينة ومعتقداته، ولن ينعم النظام
الإيراني بتحقيق أبسط طموحاته وفق سياسة الإبادة العرقية - القومية الانتقامية ضد
العرب، كما لن تندمل جراح كل بلد عربي اكتوى بنيران (الفُرس) وستبقى لعنة تطارد
تاريخ إيران القومي، ومحدداً من محددات أي نظام عربي قادم كان في سوريا أو العراق،
لا أشباه الأنظمة ذات العنترية القومية التي تتمسح بأحذية المحتلين والمستوطنين،
والأمل مُعلق في بلاد الحرمين وأصحاب المشروع النضالي الإسلامي المحمدي في الشعوب
والأنظمة العربية والإسلامية، وبدون وجود رادع فالدور القادم عليها، وحتى وإن حدث
كل ذلك فلن تهنأ إيران ولا مستوطنوها في البلاد العربية وستتدافع الشعوب عن
مقدراتها حتى بالحجارة فالصهاينة في فلسطين والإيرانيون الطائفيون في بقية البلدان
ذات السياسات وذات المنهج.