مقاصد الحج (ليشهدوا منافع لهم)
لم تكن الشعائر والعبادات الشرعية مجرد (طقوس تعبدية لا معنى لها)، أو (مجهولة
المعاني والأهداف) بإطلاق.
بل دلت النصوص الشرعية - وهو ما قرره علماء الفقه والقواعد والمقاصد - على أن
(الأحكام في الأصل معللة) وأنها (معقولة المعنى). أي أن الله تعالى تعبدنا بالشرائع
والأحكام (لحكم ومقاصد وأسرار وأهداف وعلل ومعان سامية عظيمة).
فكل أحكامه – تعالى – معللة، لكن قد يدرك العقل علتها (وهو الأصل) وقد يجهلها؛
فيختص تعالى بعلم علتها التعبدية. وهي مشروعة لكمال علمه وحكمته
}وَمَا
تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ
*
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا{.
فمما ذكره تعالى من أسرار تشريع الصلاة
}إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
*
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ{،
وعن الزكاة
}تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِم بِهَا{،
وعن الصوم
}لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ{،
وفي الحديث (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه
وشرابه)، وعن الجهاد
}وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ{،
وعن الحج قال تعالى
}فَمَن
فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ{،
وروى البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعاً (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته
أمه).
ولما كنا في هذه الأيام المباركة نشهد أيام الحج فلعل من المناسب أن أذكرَ بعضاَ من
مقاصد الحج خاصة، وهي كالتالي:
من مقاصد وأسرار الحج العظيمة:
}لِّيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ{،
وهي منافع مادية ومعنوية؛ فمن ذلك:
1) تربية النفس على الخضوع والتذلل لله، وبذل النفس والنفيس في أداء مناسك الحج
التي اشتملت على العبادات كلها (العقدية والبدنية والمالية).
2) تربية المسلم نفسه على معالي الأخلاق الكريمة: كعبادات وأخلاق الصبر والذكر
والبذل والتضحية والإيثار.
3) تعميق معاني العقيدة والعبودية لله تعالى لِمَا يشتمل عليه من معاني التوحيد
الخالص والتلبية والتهليل الدال على عظمته تعالى ووحدانيته.
4) تعميق معاني الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية، وتجسيد قوله تعالى:
}إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{،
}إِنَّ
هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ{،
وما ورد في الصحيح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم
وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر
والحمى).
فالحج أكبر تجمع ورابطة إسلامية، عالمية يجمع بين المسلمين من أقطار وجنسيات ومذاهب
وأعراق ولغات وقبائل ومناطق مختلفة.
وحيثما ذكر اسم الله في بلد ... عددت ذاك الحمى من ضمن أوطاني.
أبي الإسلام لا أب لي سواه … إذا افتخروا بقيس أو تميم.
يجمعهم الإيمان برب واحد ونبي واحد ودين واحد وقبلة واحدة ومقصد وهدف واحد (لبيك
اللهم لبيك...).
5) الحج فرصة كبيرة لاستثمار تجمع المسلمين وبركته الزمانية وإمكانية في الدعوة
والتعليم والنصح والتوجيه والإرشاد. وذلك لتميزه بالتقاء المسلمين من مشارق الأرض
ومغاربها. فكثيرون هم الذين عادوا إلى بلادهم بعد أداء منسك الحج بمزيد علم وهداية.
6) الحج فرصة كبيرة أيضا للمنافع المادية
}لِّيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ<)
لما يتوفر فيه من فرص التجارة والكسب الحلال.
دعوة أيها الأحبة للتأمل في هذه الأسرار والمعاني، وغيرها كثير مما لم يذكر في هذا
المختصر والعجالة وتنزيلها على واقعنا وتحدياتنا المختلفة. قال تعالى:
}وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا{،
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق
عليه.
نسأل الله أن يوفقنا للحج ويتقبله خالصاً لوجهه الكريم
ويحفظنا وإياكم والبلاد من كل سوء ومكروه.