• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إبادة الروهينغا في بورما... حرب متعددة المستويات

إبادة الروهينغا في بورما... حرب متعددة المستويات

يلعب الموقع الجيوسياسي المهم لبورما/ ميانمار في "القارة الصفراء" دوراً رئيسياً في تحديد مستويات الصراع المحلية، والإقليمية، والدولية، ضمن تقاطعات سياسية، واقتصادية، تَتَعزز في ضوء خريطة ديموغرافية لمنطقةٍ تتشكلُ أغلبها من البوذية في الصين، والهندوسية في الهند، مقابل أقلية مسلمة، ونصرانية، تتناثر في عدة دول، من بينها بورما.

خريطة الصراع الطائفي:

تُسهمُ تلكَ المعادلة شديدة التعقيد في تغذية الصراع الطائفي والعرقي الموجَّه ضد مسلمي بورما داخلياً، في إقليم أراكان، الأمر الذي دفع هذه "الدولة المنعزلة" إلى إهمال بيانات الإدانة، والتنديد، والتهديد بالعقوبات، وفرضها، من قِبَل المجتمع الدولي، لأنها تدرك التوازنات القائمة على مختلف المستويات، وأنَّ ثمة حدوداً لعمليات الضغط الموجهةُ إليها في ملف "حقوق الإنسان"، الذي يُدَوَّلُ عادةً لغايات التوظيف السياسي، وتحقيق المصالح الاقتصادية.

جاء موقع بورما ذاتُ الأغلبية البوذية بين عِملاقين آسيويين، هما الهند في الشمال الغربي، والصين في الشمال الشرقي، لتبدو مساحتُها بينهما كدولة مجهريةٍ، علاوةً على عدد سكانها البالغ 60 مليون نسمة، حسب إحصاء عام 2010م، وتشترك تلك الدولة في حدودها مع بنغلاديش، ولاوس، وتايلاند، وسواحلُها تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي.

ويغذي الصراع الطائفي والعرقي في دول جوار بورما حملةَ الإبادة الجماعية ضد مسلميها (الروهينغا)؛ إذ إن فتح هذا الملف على المستوى الإقليمي، واستخدامَه "ورقةً للمساومةِ"، سينعكسُ سلباً على الجميع؛ فالصين – وهي حليف وثيق لبورما – تخوضُ صراعاً ضد مسلمي الإيغور الذين يتركزون في منطقة تركستان الشرقية، وتشهد الهند أحداث عنف طائفي ضد المسلمين، وبدرجة أقل ضد النصارى، لاسيما من قبل المتعصبين الهندوس.

وفي جنوب تايلاند يعاني المسلمون من عنف مفرط من قبل قوات الأمن، ارتفعت وتيرته بعد عام 2004م، وتشير التقديرات إلى أن عدد القتلى في الأقاليم التايلاندية الجنوبية بلغ منذ ذلك التاريخ وحتى الآن قرابة 470 مسلماً، وفي لاوس يعتبر وجود المسلمين ضئيل جداً إذ يصل إلى 0.01%، ولا يشكلون أي تهديد للأغلبية البوذية الحاكمة هناك، وأخيراً فإن بنغلاديش تعيشُ أيضاً اضطراباتٍ عرقيةً، وطائفيةً، وسياسيةً، وحكومتها غير معنيةٌ بمسلمي الإقليم.

خطوط المصالح الاقتصادية:

تعتبر بورما دولةً زراعيةً، إلا أنها تمتلكُ احتياطياتٍ كُبرى من النفط والغاز، علاوة على ثروة معدنية تشمل الزنك والرصاص والصفيح والفضة وبعضَ الأحجار الكريمة مثل الياقوت والصفير، ويعتبر الخشب البورمي من أجود أنواع الخشب الذي يُصدر إلى العالم.

ومع توجه أغلب البورميين للعمل في القطاع الزراعي، فإن قطاع التعدين والطاقة، يُشغلهُ البورميون بنسبة ضئيلةٍ تصل إلى 1%، مقابل استحواذ الأجانب على هذا القطاع، بينما استولت الصين على حصة الأسد، إلى جانب شركات عملاقة عالمية تتنافس على استخراج الغاز، ومن أهمها شيفرون، ويونوكال الأمريكيتان، والفرنسية توتال، وبمعدل أقل، تعمل شركات من دول كالهند، وتايلاند، وماليزيا، في قطاع الطاقة في بورما، وثمة استثمارات لبعض الدول العربية، في قطاعي الاتصالات، والسياحة، تصل إلى عدة مليارات.

ورغم امتلاك تايلاند لاحتياطيات من الغاز تؤمِّن لها حاجتها المحلية لتوليد الكهرباء، إلا أن بانكوك لا تجدُ بديلاً عن يانغون (عاصمة بورما) لتوفير إمدادات من الغاز لسد النقص الذي يصل إلى 40%، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغاز التايلاندي يواجهُ طلباً متزايداً[1].

في ديسمبر 2005 وقَّعت مؤسسة البترول الوطنية الصينية "بتروشاينا" اتفاقاً مع الحكومة البورمية لشراء الغاز الطبيعي لمدة تزيد عن 30 سنة، وفي نوفمبر 2008، اتفقت الصين وبورما على بناء خط أنابيب نفط بتكلفة 1.5 بليون دولار، وخط أنابيب غاز طبيعي بتكلفة 1.04 دولار. وفي مارس 2009 وقعت الصين وبورما اتفاقية لبناء خط أنابيب غاز طبيعي، وفي يونيو 2009 وقعتا على اتفاقية لبناء خط أنابيب نفط خام[2].

وتُساعد هذه الخطوط بكين في تفريغ ناقلاتها النفطية القادمة من إيران، والسودان، في خليج البنغال، لا سيما أن الصين ليس لها منفذ غربي على المحيط الهندي، فتوفر لها بذلك تلك الخطوط تأمين النفط إلى مقاطعتها "يونان"، مقابل دفعها لرسوم النقل فقط.

وبحسب صحيفة "ميانمار تايمز" الإنجليزية، فإن صادرات الغاز الطبيعي، تؤمن ليانغون 170 مليون دولار أمريكي شهرياً، بمعدل مقداره 1.6 مليار قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي المصدَّرة إلى تايلاند والصين، وذلك استناداً إلى بيانات وزارة الطاقة البورمية[3].

ولا يقتصر التنافس العالمي على النفط والغاز البورميين، وإنما أيضاً التنافس على خشب التيك ومنتجات أخرى متعلقة بالغابات، وعلى الأحجار الكريمة ومنتجات النسيج والزراعة.

وثمة مشاريع أخرى تطمح إليها بعض الدول، حيث ناقشت "زعيمة المعارضة" البورمية أون سان سو تشي[4]، في أول زيارة لها إلى الصين، مع المسؤولين في بكين المشروعَ الإستراتيجي لمد خط قطار سريع يربط بين البلدين، بتكلفة تقدَّر بنحو عشرين مليار دولار.

ومن بكين إلى موسكو؛ حيث وقعت روسيا في عام 2015م اتفاقاً مع بورما لبناء محطة كهربائية نووية، وسبق لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن زار يانغون، وناقش معها التعاون العسكري، بينما أقر مجلس الشعب البورمي مشروع قانون يهدف إلى تحسين العلاقات العسكرية مع روسيا، ويشمل ذلك التعاونَ في مجال المعلومات العسكرية والبيانات الإلكترونية، والتي تنطوي على برنامج لتدريب ضباط المخابرات. يشار إلى أن روسيا اقترحت في عام 2007 بناءَ مفاعل نووي في بورما وتدريبَ الخبراء لتشغيله، لكن هذا الاقتراح لم يناقَش في حينه[5].

سطوة الجغرافيا:

رغمَ أن النظام البورمي ليس يساريّاً، ولم يأخذ أي جرعات أيديولوجية من الماويين الصينيين، أو من حليف بكين في موسكو، إلا أن الصين وروسيا، تقفانِ سدًّا منيعاً أمام أي مشروع قرار يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن الدولي لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في تلك البلاد، باستخدام حق النقض "الفيتو"، كما حدث وبأداء مزدوج عام 2007م[6].

وتتمسك بكين بعلاقة قوية مع بورما[7] لأسباب متعددة الأغراض، من بينها اقتصادية، واستراتيجية. ويعتبر عامل الجغرافيا من حيث موقعُ بورما ذا سطوة عالية التأثير على الصين، التي تسعى حثيثاً إلى ترسيخ وجودها في يانغون، كي تجد لها متنفَّس على المحيط الهادي، ودول جوار بورما.

وتعدُ الصين حليفاً وثيقاً لبورما، وهي أهم مورد للأسلحة إلى يانغون، حيث صدرت إليها منذ عام 1989م طائراتٍ مقاتلةً ومدرعات وسفناً بحرية وقامت بتدريب الجيش البورمي والقوات الجوية وأفراد البحرية.

ويوفر وصول الصين إلى الموانئ في بورما والمنشآت البحرية منفذاً استراتيجياً في خليج البنغال، وفي منطقة المحيط الهندي، وجنوب شرق آسيا على نطاق أوسع، وهو ما يجعل بكين في موضع قوةٍ أمام نيودلهي، التي تنازعها حدودياً، وتنافسها إقليمياً على الصُّعد (السياسية - العسكرية - الاقتصادية)؛ فمن شأن النفوذ الصيني في بورما أن يمتعها بقدرات لمراقبة النشاطات العسكرية في الهند، بما في ذلك التجارب الصاروخية.

وفي ظل تنامي قوة بكين داخل بورما، غيرت الهند من سياساتها المناهضة لجارتها البوذية، "بمقدار 180 درجة"، بحسب وصف شاشي ثارور، وزير خارجية الهند الأسبق؛ فذهبت نيودلهي إلى  "منع عمليات المقاومة التي كانت تزداد بأساً عبر الحدود انطلاقاً من أراضيها"، كما "قامت بإرضاء الجنرالات عن طريق توفير مساعدة عسكرية ودعم استخباراتي في معاركهم التي لا تنتهي ضد الثوار داخل بورما وانتقلت الهند من دعم الديمقراطية إلى مساعدة وتمكين النظام العسكري"[8].

يثير النفوذ الصيني مخاوف نيودلهي، ليس لأسباب اقتصادية وسياسية فحسب، وإنما لأسباب أمنية؛ حيث تدعم بكين عدة مجموعات مسلحة تسعى إلى الانفصال عن الهند، وقيام دولة مستقلة، ومنها المجلس الوطني الاشتراكي لناجالاند (مجموعة نصرانية)، الذي ينشطُ في ولاية مانيبور الهندية، وسكان تلك المنطقة يشبهون البورميين أكثر من الهنود[9].

والخلاف بين البلدين الآسيويين الجارين ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، وإنما يعود إلى عام 1962، في أثناء الحرب الحدودية بين البلدين، والذي يعد أول اشتباك صريح بين الطرفين عندما هاجمت الصين الحدود الشمالية للهند، وهو خط الحدود القائم حاليا بين القطاع الشرقي، الذي أطلق عليها اسم "خط ماكماهون"؛ فالخلاف الدولي بين الدولتين نشب بسبب مطالبة الصين بمقاطعتين تقعان في شمالي غرب الهند على أنها أرض صينية، وتقع أولى هاتين المنطقتين في شمال شرق مقاطعة جامو وكشمير، بينما تقع ثاني المنطقتين المختلف عليهما بين البلدين، في منطقة جبال "الهمالايا" الفاصلة بين الهند ومقاطعة التبت الصينية[10].

أين دور أمريكا؟

توظف أمريكا الملف المتعلق بحقوق الإنسان، ومن ضمنه الإبادة بحق مسلمي بورما، في سياق الصراع السياسي مع التنين الصيني؛ فواشنطن - التي دأبت على إصدار بيانات الإدانة، وتصدير التصريحات النارية - فتحت أبواب البيت الأبيض لاستقبال الرئيس البورمي (ثين سين)، في مايو 2013، إذ التقى أوباما ثين في مكتبه البيضاوي، غير مكترثٍ بالضجيج القادم من النافذة؛ حيث منظمات حقوق الإنسان - ومنها جمعيات الروهينغا - تستنكر الزيارة، في وقفةٍ احتجاجية أمام البيت الأبيض.

ما يهم واشنطن، هو ما قامت بهِ هيلاري كلينتون حين كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة، عندما التقت ثين في نيويورك، وقالت له: الولايات المتحدة تقوم هكذا بخطوة إضافية في تطبيع علاقاتها التجارية مع يانغون[11]. وكي لا تتخلى الولايات المتحدة عن دورها كراعٍ للديمقراطية، لم يفت وزير خارجيتها جون كيري أن يصف "إصلاحات بورما بالرائعة"!، مع تحفظهِ قليلا بأنها "منقوصة"[12].

يعتبرُ ملف بورما بشكل عام مهماً لدى واشنطن، لأنه يمكِّنها من المناورةِ أمام الصين، ويتيح لها مواجهةَ بكين في الملف الأكثر حساسية بالنسبة لها، وهو "حقوق الإنسان"؛ حيث كثيراً ما يُلقى اللوم على الحليف، باعتبار أنه الداعم لحالة الاستبداد، أو الضامن لاستمرارها، وهو ما عملت عليه واشنطن في يانغون في مواجهة بكين، علاوة على تحقيق مصالح اقتصادية أخرى.

وضمن مناورات واشنطن، يمثل هذا الملف ورقة ضغط توجَّه إلى بكين، في النزاع الدائر حول بحر الصيني الجنوبي، والجزر المتنازَع عليها، كما يوفر لها دعم وإسناد حليفها الهندي في جنوب شرق آسيا. إن أمريكا – باختصار - تبحث عن موطئ قدم إضافي لها في جنوب شرق آسيا، ومسألة "الانتهاكات وحقوق الإنسان" هي مِشجب لا أكثر، تعلق عليهِ أسباب تدخلها في تلك المنطقة.

ويبدو أن هذه الورقة قد سقطت من يد واشنطن الآن؛ بعد أن استُهلكت في التوظيف السياسي، وأصبحت "المعارضة" في الحكم، وتقلدت زعيمتها سو تشي منصباً في وزارة الخارجية، لتعود أمريكا إلى حلبة المنافسة الاقتصادية، وتعزيز دورها، كي تقتسم ما أمكن من الكعكة البورمية، وفي سبيل ذلك "قامت الولايات المتحدة بإسقاط الديون عن دولة بورما، وسمحت لكبريات الشركات التجارية الأمريكية بالتبادل التجاري، وفتحت الباب أمام المستثمرين اﻷمريكيين لفتح مزيد من الملفات التجارية الضخمة، وهو ما يعني مزيداً من اﻻنفتاح على بورما، ومزيداً من الدعم اﻻقتصادي الأمريكي للحكومة المركزية، في خطوة اعتبرها بعض المحللين مكافأة لميانمار على جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة بحق أقلية الروهينغا"[13].

"الموساد" يدرب الاستخبارات البورمية:

تزامن إنشاء دولة الاحتلال الصهيوني مع انفصال بورما عن الهند في عام 1948م، كما أن كلا الكيانين، قاما بدعمٍ من بريطانيا، وسجل التاريخ وقوف يانغون مع الاحتلال الصهيوني في عدوانه، وأن هنالك علاقات أمنية وعسكرية بينهما، كان آخرها العام الماضي عندما أبرم الجيش البورمي صفقة لشراء ست سفن إسرائيلية من طراز (سوبر ديبورا).

وبحسب تقرير نشرته المجلة العسكرية البريطانية "جينز انتيلجنس ريفيو" فإن جهاز الاستخبارات الصهيوني الخارجي "الموساد" أجرى تدريبات لجهاز المخابرات البورمي، و"قدم له مساعدات بطرق مختلفة"، من بينها تدريب فرق حراسة الشخصيات ووحدات القمع، حيث تعود العلاقات بين الجانبين إلى عام 1954م[14].

 وتُرجع دراسات أخرى العلاقات بين الاحتلال الصهيوني وبورما إلى عام 1958، عندما زودت حكومة الكيان الصهيوني القوات المسلحة هناك بـ 30 مقاتلة من طراز (سبايت فاير) كما دربت الطيارين البورميين وقتها على قيادة تلك المقاتلات، وبعد فترة من فتور العلاقات بين البلدين، تجددت هذه العلاقات في أعقاب وصول الجيش البورمي إلى السلطة عام 1988 عبر انقلاب عسكري، ووقتها طلب مساعدة الدولة الصهيونية، التي أرسلت في أغسطس 1989 سفينتين مكدستين بالسلاح، تتضمن صواريخ مضادة للدبابات وآلاف القنابل، بينما تزعم دولة الاحتلال أن جميع الأسلحة التي أرسلت إلى الجيش البورمي وقتها، كانت قد استولت عليها إبان حرب لبنان عام 1982[15].

ومما يسجلهُ التاريخ في عداء بورما للمسلمين خارج نطاق كيانها في جنوب شرق آسيا، موقفها من الاحتلال الصهيوني، عندما عارض رئيس وزراء بورما "أو نو" قيام مصر بإغلاق قناة السويس في وجه السفن الصهيونية، كما حاول أن يقنع منظمي مؤتمر دول عدم الانحياز بدعوة "إسرائيل" لحضوره، إلا أن محاولاته باءت بالفشل مقابل جهود مصر حينذاك، وفي ضوء هذه المواقف رفضت القاهرة أن تدخل يانغون كوسيط في الصراع العربي الصهيوني، وفي مؤتمر عدم الانحياز في بلغراد في 1961، لم يؤيد أو نو قراراً يدين الكيان الصهيوني. وقد صرح أنه "لكون بلاده صديقة للكيان الصهيوني، فإنه لا يمكن أن يقبل الفقرة العدائية في القرار"[16].

ختاماً:

وفي ضوء هذه الخطوط التي رسمناها حول مستويات الصراع في بورما، داخلياً، وإقليمياً، وعالمياً، وضمن مناخات المصالح الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، تضيعُ حقوق الروهينغا، وتصبحُ الإبادة بحقهم "حرباً طائفيةً"، و "نزاعاً داخلياً"، علماً أن إقليم أراكان المسلم، لا تنشط بهِ جماعات مسلحة متمردة، إثنيةً كانت، أو إسلامية، من الروهينغا، مقابل انتشار المنظمات البورمية البوذية المتطرفة، ومنها ميليشيا 969، والتي تعمل على سياسات التطهير العرقي لجعل تلك البلاد خاليةً من المسلمين، بالقتلِ، والتهجير.

ومأساة الروهينغا، ليست وحيدة في "القارة الصفراء"، إلا أن أقربها في التطبيق ما حدثَ لمسلمي كمبوديا من أقلية "التشام"، حينما ركز عسكر كمبوديا على إبادتهم، فقتلوا منهم نصف مليون مسلم، والسبب في ذلك حسب عيسى عثمان، وهو باحث في مركز التوثيق في كامبوديا: «أن الخمير الحمر اعتبروهم عدوّهم الرئيس وكانت خطّتهم أن يبيدوهم جميعاً لأنّهم برزوا مختلفين: عبدوا إلهاً مختلفاً، وطعموا غذاءً مختلفاً، كما أنّ أسماءهم ولغتهم مختلفة؛ أي أنّهم كانوا يعيشون بأساسيّات وقواعد مختلفة. وحيث إنّ الخمير الحمر أرادوا المساواة بين الجميع، ولمّا اعتنق التشام الإسلام لم يظهر أنّهم متساوون، لذا عوقِبوا»[17].

سبب الاختلاف الذي اتُّخذَ ذريعةَ للإبادة في كبموديا – المدعومة آنذاك من الصين – يعادُ إنتاجهُ في أراكان، إذ يقول القنصل العام لبورما في هونج كونج مينت أونج في عام 2009 في رسالة وجهها إلى الصحف المحلية وإلى نظرائه من الدبلوماسيين الموجودين في المقاطعة الصينية: "إن الروهينغا أقلية قبيحة كما الغيلان، وإنهم لا يتشاركون ذات البشرة الناعمة والجميلة للجماعات العرقية البورمية الأخرى"، وذلك بحسب إيشان ثارور محرر الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الذي أضافَ نقلاً عن مينت أونج قوله: إن الروهينغا ليسوا من شعب ميانمار، ولا يشكلون إحدى المجموعات العرقية في ميانمار. إنهم دخلاء حسبما يرى، ولا يستحقون حقوق المواطنة"[18].


 ملف الاقليات


[1]  يشار إلى أن تايلاند استوردت من قطر 90 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال في أول شحنة لها ضمن عقد مدته 20 عاماً، تم بموجته الاتفاق على استيراد بانكوك من الدوحة 2 مليون طن سنوياً. (وكالة رويترز، 8 يناير 2015).

[2]  للمزيد: موسوعة المعرفة على الإنترنت  http://www.marefa.org ، خط أنابيب صينو- بورما.

[3]  انظر: Myanmar Times، Govt earns US$170 million monthly from gas exports، تاريخ النشر:  15 يونيو، 2015.

[4]  أون سان سو تشي تعتبر زعيمة المعارضة البورمية، وحائزة على جائزة نوبل للسلام، وتحسب فعلياً على الغرب، وتقلدت مؤخراً حقيبة وزارة الخارجية البورمية، وبعد زيارة سو تشي للصين، أثار "الدالاي لاما" تساؤلات "عن صمت البوذية سو تشي حيال أزمة المهاجرين في جنوب شرق آسيا، وفي مقدمهم أقلية الروهينغا المسلمة في بورما التي تتعرض للاضطهاد"، وكل هذه التساؤلات وغيرها، لا تغير في واقع الأمر شيئاً، فسو تشي تدرك حدود المساحة التي تتحرك بها داخلياً، وإقليمياً، وتلتزم الصمت حيال مسلمي الروهينغا، ولا تقر بوجود أي إبادة جماعية لهم، أو تعرضهم لاضطهاد.

[5]  انظر: Myanmar Times، Myanmar and Russia boost nuclear cooperation، 3 أبريل، 2015.

[6]  لا يقف الصراع عند حدود بورما، المستعصية إلى الآن على الخرق من قبل خصوم بكين، وإنما تمتد خيوط اللعبة الجيوسياسية لتشمل دولاً أخرى في جنوب شرق آسيا، كتايوان التي تعدها بكين خطاً أحمر لا تسمح بالمساس به، علاوة على الخلافات حول بحر الصين الجنوبي، مع كوريا الجنوبية، واليابان، وفيتنام، والفلبين.

[7]  يشار إلى أن بورما استقلت عن الهند في العام 1948م، لتكون أول دولة غير شيوعية تعترفُ بها الصين بعد تأسيسها في عام 1949م.

[8]   للمزيد: http://economictimes.indiatimes.com India took 180-degree turn in Myanmar policy: Shashi Tharoor، 28 مارس  2016.

[9]  تمتلك الصين أيضاً أوراق ضغط إضافية حيث إن إثنية صينية تقطن في منطقة كوكانغ بولاية شان البورمية توالي بكين، وتنتمي لها ثقافياً ولغوياً ودينياً، وتتعامل باليوان الصيني، وفي تلك المنطقة البورمية مليشيات انفصالية منها "جيش استقلال دولة شان"، و "جيش التحالف الوطني الديمقراطي"، و "جيش دولة وا (Va) المتحدة"، الأمر الذي يجعل من بكين قوة مؤثرة لا يمكن تجاوزها داخلياً وإقليمياً.

[10]  للمزيد: موقع دوت مصر، http://www.dotmsr.com /، "التبت".. تاريخ من النزاع بين الهند والصين.

 [11] انظر: بي بي سي النسخة العربية، http://www.bbc.com/، واشنطن ترفع حظر استيراد السلع من بورما.

[12]  صحيفة الشرق الأوسط، واشنطن تعتبر الإصلاحات في ميانمار «رائعة.. لكن منقوصة»، 10 اكتوبر 2013 العدد 12735.

[13]  للمزيد: http://www.almassaepress.com ، لماذا صمتت أمريكا عن التطهير العرقي لمسلمي بورما؟.

[14]  انظر: صحيفة الغد الأردنية، مقال: إسرائيل وبورما، برهوم جرايسي، 16 أكتوبر 2007.

[15]  انظر: موقع إرم الإخباري،   http://www.eremnews.com ،  السلاح الإسرائيلي يعزز دكتاتورية النظام الحاكم في ميانمار.

[16] للمزيد: http://www.marefa.org /، العلاقات المصرية البورمية.

[17]  للمزيد: across Asia are under siege—and their persecution fuels fundamentalists، مجلة تايم، 10 مارس 2003.

[18]  للمزيد: صحيفة الاتحاد الإماراتية، مقال أزمة «الروهينجا».. نكران مأساة!، إيشان ثارور، 25 مايو 2015.

 

أعلى