تهميش الأحواز في الإعلام العربي
في أحيان كثيرة لا يتم طرح القضايا السياسية إعلامياً حسب استحقاقاتها أو عدالتها أو حجم تضحيات أصحابها؛ بل على العكس من ذلك لأن المصالح السياسية من شأنها أن تُغيبَ قضايا وتظهرَ أخرى ليست ذات أهمية على الساحة الإعلامية التي تتحرك وَفْقاً لأجندات سياسية. والأمر لم يعد مقتصراً على الإعلام الرسمي فقط لأن الفضائيات الحرة أو الخاصة لم تعد تختلف كثيراً عما يُعرف بالإعلام الرسمي، ولذلك غُيبت قضايا عربية وأضحت في عالم النسيان ولم يعد المواطن العربي يعرف شيئاً عن أرضه وإخوته من عرب الأحواز المحتل منذ عام 1925م.
ما يتجاهله الإعلام العربي ويدير له ظهره هو إقليم عربي يحتل المركز الرابع عالمياً من حيث احتياطيُ النفط والغاز، وثروات ضخمة تستولي عليها إيران وتحرم نحوَ 10 مليون إنسان عربي أحوازي من أبسط حقوقهم في أرضهم الخصبة ومياه نهر الكارون وثروتهم النفطية التي تُسرَق أمام أعينهم وتباع في أسواق النفط العالمية، بينما يعم الفقر والبطالة بينهم ويُمنعون من أبسط حقوقهم الإنسانية، ولا تتورع الحكومة الإيرانية عن التنكيل بهم، وقمع نحو خمسة عشر انتفاضة أشعلها أهل الأحواز للمطالبة بحقوقهم الإنسانية والسياسية.
التهميش الإعلامي العربي ينسجم مع الطمس الإيراني لقضية هذا الشعب المُحتل الذي لو قُدِّر له الحصولُ على الدعم والمساندة الإعلامية والسياسية، لتحوَّل إلى سد منيع أمام تجاوزات إيران وتغولها على العالم العربي، فطرْح قضية الأحواز إعلامياً والاهتمام بها كمختلف القضايا العربية الأخرى، يمكن أن يُشكل عامل ردع لإيران وإجهاض لمشاريع نفوذها في العالم السُني؛ لأن تأثير عرب الأحواز على الشعوب غير الفارسية كبير، نظراً لأن الجمهورية الإيرانية تضم قوميات عدة لها خلافات عميقة مع الدولة الفارسية التي تضطهد الجميع.
الثورات التي قدمها شعب الأحواز وما زال على مدار 90 عاماً من الاحتلال الإيراني، تؤكد قدرته على مواجهة آلة القمع الإيرانية التي استخدمت كل أشكال التعذيب والقتل والإعدامات السياسية، لكنها مع ذلك فشلت في تحريك ضمير الإعلام العربي الذي تكون بعض فضائياته مضطرة في بعض الأحيان لذكرهم في ثواني معدودة كنوع من رفع العتب أو لسد الفراغ أو لكسر حالة الملل في بعض نشراتها الإخبارية.
الملاحظ أن إعلامنا العربي يقلد أنظمتنا في كل شيء حتى ما يُوصف بالإعلام الحر، فإذا كانت النظم العربية تلعب دوراً دفاعياً خالصاً ولا تُفكر في استغلال طاقاتها وتحويل دفاعها إلى هجوم إلا في قت الشدة، فإن الإعلام العربي يسير على النهج نفسه، فلا يلقي بالاً لقضية الشعب العربي الأحوازي الذي بإمكانه أن يلعب دور رأس الحربة في الصراع السُني الشيعي، وهو أمر بدأت بعض مؤسساتنا الإعلامية تفهمه في ظل اتساع رقعة المواجهة مع إيران، وإن كان الأمر قد جاء متأخراً بعد "خراب مالطة" لكنَّ إعلامنا يعمل دوماً وَفقْاً للمثل القائل: أن تأتيَ متأخراً خير من أن لا تأتيَ أبداً.
إن نجاح الجمهورية الإيرانية في محاربة عرب الأحواز والتعتيم على قضيتهم وتغيبهم عن كل الساحات الإعلامية والسياسية المحلية منها والإقليمية وحتى الدولية، لم يكن نتاج جهد إيراني خالص، لأن الفضاء الإعلامي المفتوح لم يعد يفرق بين ما هو محلي وما هو عالمي، وهو ما يدلل على أن عزوف الإعلام العربي عن واحدة من أهم قضاياه ساعد إيران في تحقيق غاياتها ومكنها من حرمان عرب الأحواز من التحدث بلغتهم وممارسة ثقاتهم العربية وحرمانهم أيضاً من ممارسة شعائرهم الدينية في العاصمة طهران أسوة بغيرهم من القوميات وأصحاب الديانات الأخرى، فإذا كانت مصالح الدولة الفارسية تقتضي محاربة عرب الأحواز بشقيهم السُني والشيعي؛ فما هي مصلحة المؤسسات الإعلامية العربية من تهميش القضية الأحوازية؟
لا أفهم معنى التهميش الإعلامي العربي لقضيتنا العادلة في الأحواز المحتلة، إلا لثلاثة أسباب: الأول نقص في المهنية، والثاني نقص في الرؤية الإستراتيجية، أما الثالث فهو اتفاق غير معلن سببه الخوف من غضب إيران!
وبالإشارة إلى أسباب النقص في المهنية وغياب الرؤية الإستراتيجية حدث ولا حرج، فالإعلام الإيراني يخصص الكثير من الفضائيات والمواقع الإلكترونية للعالم العربي، وبحسب مرجع شيعي لبناني لموقع للجزيرة نت يُدعى "محمد علي الحسيني" فإنه ثمة ثلاث فضائيات هي: "اللؤلؤة – والمسيرة - ونبأ" تبث بلسان عربي وبتمويل إيراني تهدف إلى إحداث فتنه مذهبية في البحرين واليمن والسعودية على التوالي، فضلاً عن فضائيات إيرانية تبث باللغة العربية، أشهرها قناة العالم، علاوة على عشرات المواقع الإلكترونية... في المقابل لا توجد أي فضائية عربية موجهة لإيران أو على الأقل تركز اهتماماتها على عرب الأحواز وقضاياهم، في الوقت الذي يلعب فيه الإعلام الإيراني دوراً فاعلاً في العالم العربي ويعتبَر أصحاب المذهب الشيعي في بلادنا امتداداً للجمهورية الإيرانية بهدف كسب ولائهم وتحريكهم وفقاً لمصالحة.
أما السبب غير المُعلن بدافع الخوف من إزعاج إيران، فإلى حد كبير ظل محكوماً بالإرث التاريخي للعلاقات العربية الإيرانية، فالأخيرة تعتبر قضية الأحواز خطاً أحمر، وشاه إيران السابق "محمد رضا بهلوي" لعب دور شرطي المنطقة حتى عام 1979م، وكان يحظى بعلاقة طيبة مع الغرب، وكافة الدول العربية لم تكن مستقلة قبل الاحتلال الإيراني للأحواز عام 1925م، وربما شأن إمارة الأحواز هو شأن الجزر الإماراتية الثلاث، مع مراعاة صغر حجم الجزر وخلوها من السكان.
تلا ذلك تصاعد حالة التوتر العربي الإيراني مع صعود نظام الخميني الذي لم يوفر أي فرصة إلا وأقدم عليها للتدخل في شؤون العالم الإسلامي، وظلت إيران تمثل عقدة وهاجساً كبيراً للعالم العربي، حتى أن جزءاً ليس بقليل من النظم العربية اتجه لبناء علاقات تعاونٍ وتحالفٍ مع إيران، وهو ما أدى إلى نجاحها في كسب الكثير من الجولات على حساب العالم العربي، حينها أدمن الإعلام العربي دور الدفاع ومن ثم تهميش واحدة من أهم قضايا الأمة العربية.
التهميش الإعلامي غير المبرر لقضية الأحواز في ظل المواجهة المحتدمة مع إيران في العراق وسوريا واليمن، يؤكد على أن التقاعس الإعلامي قد تجاوز حد التواطؤ؛ لأن الأحداث التي فرضت نفسها على العالم العربي كانت كفيلة بفتح قضية عرب الأحواز والاهتمام بها إعلامياً، فإذا كانت إيران قد نجحت في التعتيم الإعلامي على الأحواز وحولتها إلى مجرد شيء من التاريخ الذي يرفض الإعلام العربي قراءته، فإن الأمر الآن بات أكثر إلحاحاً، لأن الحصول على المعلومات وجمعها وتحليلها للرأي العام العربي لم يعد صعباً في ظل التطور الكبير والسهولة في الحصول على المعلومة.
كما أن عدة منظمات دولية وبرلمانات أوروبية لا تُخفي تعاونها مع عرب الأحواز، وتسمح لهم دول أوروبية بتنظيم مؤتمرات سنوية تُعبِّر عن تطلعاتهم السياسية، هذا فضلاً عن طلب بعض المنظمات الدولية اعتراف دولة عربية واحده باستقلال الأحواز لتكون بداية لاعتراف تلك المنظمات الدولية بالأحواز كدولة مستقلة، ومن ثم لم يعد مبرراً من إعلامنا العربي أن يلعب دور النعامة واضعاً رأسه في الرمال.