خلافات السياسيين الإيرانيين لا تتضمن "العرب"
منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية في إيران، والكثير من العرب يتحدثون بشكل يقيني أن هذا الرجل المحسوب على التيار الإصلاحي امتداد الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني.
وقد أغرى كثيرين المقالُ الذي كتبه جواد ظريف وزير الخارجية في نيويورك تايمز وصحيفة الشرق الأوسط السعودية عن علاقات مثالية تربط إيران بجوارها الإقليمي، وعن تلك الزيارات الخجولة التي تبعثها الدبلوماسية الإيرانية إلى الدول العربية في محاولة لكسب الود من الخليجيين.
على هذا الوقع السريع للخطى الإيرانية كان وقع سريع أيضاً لـ "تصدير الثورة"؛ فكانت الأسلحة تصل على هيئة دفعات متتالية إلى "الحوثيين" في اليمن، وكانت كتائب الموت التابعة للحرس الثوري تذهب لقتل الشعب السوري، بينما كان "قاسم سليماني" بشكل أسرع يقترب من الحدود السعودية الشمالية من ناحية العراق، كانت إيران ترسل الأسلحة والقتلة لكل مُدننا العربية، وفي الآن نفسه كانت قوات "الباسيج" تلاحق الناشطين العرب في "الأحواز".
حين كانت كل تلك الجلبة تحدث في الوطن العربي كانت أدوات إيران وأذرعها تتحرك في البلدان العربية؛ فأسقط الحوثيون صنعاء في سبتمبر 2014م، ومعظم الأصوات داخل إيران كانت فخورة بما يفعله الحوثيون، وقالوا وقتها: أسقطنا العاصمة العربية الرابعة. حتى إن ممثل الولي الفقيه في الحرس الثوري (علي سعيدي) قال في يونيو الماضي: إن حدود الدولة الإيرانية يمتد على حدود الثورة الإسلامية إلى باب المندب والبحر الأبيض المتوسط.
ترى إيران أن الشرق الأوسط (ذا الأغلبية السنية) هم فقط يفقسون تنظيم "داعش" الذي يعتنق المذهب "الوهابي" كما يقول "سعيدي".
لا يُتوقع أبداً أن تكون سياسة "روحاني" تجاه الشرق الأوسط تنحاز عن هذه الرؤية الاستراتيجية لإيران النظام، حتى وإن حاول ذلك فسيصطدم بالدستور الإيراني؛ حيث تستمد الجمهورية في إيران مشروعيتها الدستورية من ولاية الفقيه ذاته؛ فقد نصت المادة الخامسة من الدستور على ما يلي: "فـي زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة فـي الجمهورية الإسلامية الإيرانية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير". وتنص مقدمة الدستور في ما يخص القرارات السياسية والقانونية وكل ما إليها على أنه: "من المحتم والضروري جداً الإشراف التام والدقيق عليه من قبل علماء المسلمين المتصفين بالعدالة والتقوى والالتزام (الفقهاء العدول)".
فمن الملاحَظ أن الدستور يصف الولي الفقيه بإمام الأمة، ومجلس علمائه "الشيعة" بعلماء المسلمين (جميعاً)، إضافة إلى ذلك تنص مقدمة الدستور على أن "دستور جمهورية إيران الإسلامية يعكس أهداف الأمة الإسلامية، وهو تأكيد لماهية الثورة الإسلامية الإيرانية العظيمة"، ويقوم "الولي الفقيه" بتعيين وعزل: رئيس الجمهورية، وأياً من أعضاء الحكومة، وفقهاء مجلس صيانة الدستور، وأعلى مسؤول فـي السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ورئيس أركان القيادة المشتركة، والقائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي". ولا يخضع الحرس الثوري لأي جهة حكومية بما فيها مؤسسة الجيش إلا لسلطة "الولي الفقيه"، وتنص ديباجة الدستور على أن الحرس الثوري والجيش لا يكتفون بحماية الحدود والبلاد: "بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد فـي سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي فـي العالم".
لذلك فخلافاتهم تختص بالسياسة الإيرانية وحدها، بمعنى آخر يريد بعضهم تغليف تدخلاتهم بابتسامة لا تظهر خلالها الأنياب.
فالتدخُّل في بلدان المسلمين ليست سياسة مُتعلقة بشخص، بل هي روح الدولة القومية الإيرانية، التوسعية التي تلعن أمهات المؤمنين وتُعلي من أحد المنجمين الشُعراء ويدعى "فردوسي" الذي بحسب تنجيمه ستعود الدولة الساسانية إلى غزو "العرب المتوحشين".
فالمعركة ستطول مع النظام الإيراني حتى يسقط نظام الولي الفقيه، ويقوم نظام جديد يؤمن بالجوار حقيقة، ويبعد خرافات فردوسي وجنون "الشيعة" جانباً ويحكم كنظام يؤسس لخدمة مجتمعه فقط.