إيران.. الوجوه تختلف و القلوب سوداء
اتضحت سياسة دولة إيران بنظامها الثيوقراطي تجاه العرب، حيث أسست علاقاتها وتدخلاتها على مبادئ النظرية الصفرية التي لا تؤمن بالتعاون وحسن الجوار والاعتراف بالآخر، بل تعمل وفق هذه النظرية في العلاقات الدولية التي تفيد بأن بقاء طرف لن يكون إلا على حساب فناء طرفاً آخراً. ومثل هذه النظرية من المفترض أن تجد سبيل تطبيقاتها العملية فقط مع دولة الاحتلال الصهيوني وليس مع دول إسلامية، ولكن إيران تفتقر للعقلانية السياسية، التي يمارس فيها صانعو القرار سياساتهم المستوحاة من المدرسة الواقعية المغلفة بكهنوت الملالي، والتي تتنكر لمنظومة الأخلاق والمُثل، وخاصة في التعامل مع الجار العربي المسلم.
وبرغم أن إيران وصلت لاتفاق مع الغرب 5+1 حول ملفها النووي، إلا أنها تعاني من جملة أزمات داخلية تجعلها في أي لحظة عرضة للتفكك وقابلة للانفجار الداخلي، وقد يفسر ذلك سلوك إيران الخارجي مع الدول العربية، حيث تقيم علاقات وجسور تعاون ودعم مع جماعات من دون الدول Non-state actors وذلك بسبب عدم حصولها على رضاً وقبول ضمن النسق العربي الرسمي، فتسعى في محاولاتها التغطية على أزماتها الداخلية وتصدير مشاكلها إلى الخارج، وإلهاء وإضعاف الدول المجاورة من خلال الإيعاز لجماعاتها وأذرع امتداداتها الشيعية في الخارج بالتسبب في قلاقل وفتن داخل هذه الدول العربية.
لماذا يكرهون العرب؟
ما زالت هزائم وخسائر دولة الفرس أمام المسلمين تمثل محطة تاريخية لم يستطيعوا بمركباتهم السيكولوجية القفز عنها، معتبرين المسلمين غزاة وليسوا فاتحين. ويشهد التاريخ الحديث أنهم لم يتركوا فرصة إلا وهاجموا الدولة العثمانية ليناولوا من قوتها وزعامتها للأمة الإسلامية بخلفيتها السُنية، وقد تحالفت الدولة الصفوية مع كل أعداء المسلمين ضد مراكز الخلافة الإسلامية عبر عدة محطات تاريخية، فقد تحالفت مع الروس والانجليز، وكانت تضطهد السنة حتى تم قتل أكثر من مليون مسلم سني على يد الشاه إسماعيل الصفوي. وفي العقدين السابقين ساعدت إيران الولايات المتحدة الأمريكية لغزو أفغانستان والعراق لإسقاط الأنظمة السنية.
وتتخذ إيران من المملكة السعودية عدواً لها ومنافساً، حيث ترى إيران نفسها بأنها الأولى والأجدر بقيادة العالم الإسلامي. وما يؤكد ذلك تصريحات المرجع الديني الشيعي أحمد علم الهدى مرشد النظام الإيراني علي خامنئي حيث دعا لاعتبار مدينة "مشهد" الإيرانية لتكون قبلة المسلمين بدلا من مكة المكرمة. وفقط في عام 2007 نجحت جهود الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في إغلاق قبر "أبي لؤلؤة المجوسي" الذي قتل سيدنا عمر رضي الله عنه، حيث كان قد اتخذه الإيرانيون مزاراً ورمزً للاحترام والتقدير!
وقد حاول خامنئي أن يزرع بذور التفرقة بين أهل السنة عندما صرح بان عداء الشيعة مع السلفية وليس أهل السنة، كما صرح أيضا رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيراني بان الاستعمار هو الذي صنع الوهابية- السلفية، وأفصح عن مكنونات الموروث التاريخي الذي يؤمن به الإيرانيون حين بدا في لحظة انتشاء بالنصر خادعة حيث قال: "دول الخليج كلها ملك لنا"، وقبلها تصريحات كثيرة لقيادات إيرانية والتي اعتبرت البحرين المحافظة رقم 14 لجمهورية إيران .
وقد كشف المفكر الإيراني البارز البروفيسور بجامعة طهران "صادق زيبا كلام" في مقابلة إعلامية عن الأسباب التاريخية لكره العرب حيث قال: "يبدو أننا كإيرانيين لم ننس بعد هزيمتنا التاريخية أمام العرب ولم ننس القادسية بعد مرور 1400 عام عليها، فنخفي في أعماقنا ضغينة وحقداً دفينين تجاه العرب وكأنها نار تحت الرماد قد تتحول إلى لهيب كلما سنحت لها الفرصة".
واعتبر "صادق زيبا كلام" نظرة الإيرانيين تجاه العرب شاهداً آخر على عنصرية الإيرانيين، مضيفاً: "أعتقد أن الكثير من الإيرانيين يكرهون العرب، ولا فرق بين المتدين وغير المتدين في هذا المجال".
ويقول أيضا " إن الدوافع من وراء تأسيس مجمع اللغة الفارسية كانت طرد الكلمات والمصطلحات العربية من الفارسية، وهذا يدل على حقدنا تجاه العرب".
وقد اتضحت معالم هذا الكره والحقد في دراساتهم وأدبهم الفارسي، وكيف يرى الفارسي صورة العربي، حيث يراه رجعي همجي غامق البشرة وغبي ومتوحش وجاء غازياً مستخدماً الدين كوسيلة، ومن الملاحظ أن هناك تشابه قد يصل لحد التطابق بين الرواية اليهودية والإيرانية في تناول صورة العربي. ويتحدثون بتهكم وسخرية بأن الدول العربية نشأت منذ عقود بينما عُمر الدولة الإيرانية يمتد لأكثر من 2500 عاماً!
إيران من الداخل
انتشرت وتجذرت بعض العادات التي لا تمت للإسلام الحقيقي بصلة، فقد سيطر على المجتمع الإيراني ظواهر اجتماعية غريبة، فطغت ظاهرة "الزواج الأبيض" والذي يقترب لان يصبح عرف اجتماعي، وهو الذي لا يستند لأي ورق قانوني أو شرعي وهو أشبه بــ "المساكنة" الموجودة في دول الغرب، هذه الظاهرة سببها الجهل بشعائر الدين الحنيف وارتفاع تكاليف الزواج وعدم قدرة الدولة على حل هذه الأزمة. هذه الظاهرة تعمل على إحداث تشوهات كبيرة في المجتمع وتسرع في عملية تآكله من الداخل، الأمر الذي حذر منه السيد "سياوش شهريور" المدير العام للشئون الاجتماعية والثقافية في محافظة طهران.
كما أن إيران تتبوأ المركز الأول في المنطقة في انتشار وإدمان المخدرات، فوفق الإحصائيات الإيرانية الرسمية بلغت نسبة المدمنين أكثر من مليونين، وحسب نائب رئيس دائرة مكافحة المخدرات في إيران السيد "علي رضا جزيني" فإن بلاده تستهلك سنوياً 500 طن من المخدرات. وحسب إحصائيات إيرانية فان "3000 شخص فقدوا حياتهم بسبب سوء استعمال المخدرات، كان بينهم 230 امرأة".
وتعتبر إيران من الدول متعددة القوميات، وهذه نقطة ضعف لها لا قوة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأنها ببساطة لا تمنح الحريات اللازمة للتعايش السلمي والايجابي والتفاعل المثمر بين الجماعات والدولة، ولا تمنح حقوق لتلك الأقليات العرقية، بل تحرمهم وتضطهدهم وتفرض عليهم سياساتها القمعية، فحرمتهم من استعمال اللغة العربية بالقوة، وكما لا تألوا جهدا في "تفريس" تلك الأقليات المختلفة الثقافات واللغات. الأمر الذي حدا ببعض الجماعات المطالبة بالانفصال للخروج ضد الدولة الإيرانية عدة مرات وقاد إلى اشتباكات مع رجال الحرس الثوري الإسلامي كما فعل الأكراد. وقد كانت آخر هذه الاشتباكات والاحتجاجات ما شهدته مدينة "مهاباد" بولاية أذربيجان الغربية.
وملفاً هاماً أخراً يتمثل في ملف الاحواز، (المحرفة في الفارسية إلى خوزستان) و التي تبلغ مساحتها 375.000 ألف كيلو متر مربع ويتواجد فيها قرابة 8 مليون عربي، وقد تم احتلالها عام 1925 بمساعدة بريطانيا تحت ذريعة محاصرة المد السوفيتي الشيوعي. ورغم غنى هذه المنطقة بالنفط ومشتقاته إلا أنها تعتبر من أفقر المناطق، وأهلها يعانون سياسة الحصار والبطالة، وتجري فيها اكبر نسبة اعتقال سياسي وإعدام تحت تهمة "الإفساد في الأرض". إضافة إلى تضييقات أخرى تمارس على الطلاب العرب، حيث ألغت الحكومة الإيرانية جوازاتهم حتى لا يتنقلوا إلى الدول العربية، كما تنفي كثير من الشخصيات العربية البارزة إلى العراق وتجلب إلى الاحواز مزيداً من الفرس من أجل خلخلة وتغيير التركيبة السكانية التي ما زال يسيطر عليها العرب.
وما يجعل إيران في دائرة الخطر المستمر أن تلك الأقليات تجمعها الحدود مع دول أخرى من جهة، ومن جهة أخرى فان تلك الجماعات تدين بالولاء لتك الدول المجاورة أكثر مما تدين بالولاء لإيران. مما يجعلها تمثل تهديداً مستمراً لنظام الحكم في إيران.
فإيران التي تمتلك ثروة نفطية هائلة يعيش فيها ما يقارب 14 مليوناً تحت خط الفقر، كما تخطت نسبة البطالة حاجز الــ25% وخبراء اقتصاديون يقدرون نسبة التضخم بأكثر من 30%، الأمر الذي زاد في علو أصوات الذين ينادون بأولوية الملفات الداخلية على الملفات الخارجية، ويتساءلون عن جدوى صرف وتبديد مليارات الدولارات، واستعمال عوائد النفط في أمور الحرب ودعم الجماعات الخارجية التي أرهقت المواطن الإيراني الذي يعاني من تدني في جميع المستويات المعيشية، لدرجة جعلتهم يخرجون في مظاهرات رافعين شعارات مثل؛ " لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإيران".
وتقوم السلطات الإيرانية بحجب كثير من مواقع التواصل الاجتماعي وتفرض رقابة صارمة على كثير منها، لدرجة أن التخوف من التغير المفاجئ جعل القضاء الإيراني يقر بضرورة حظر تطبيقات "فايبر" و"تانغو" و "واتس أب" في مخالفة لما دعا إليه الرئيس روحاني مع بدء فترته الرئاسية وأثناء حملته الدعائية والانتخابية، من الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان وبدء فترة ديمقراطية جديدة، مما يجعل الشباب يتحايلون على هذه السياسات ويستخدمون برمجيات للالتفاف على الرقابة.
فالأحواز تتجاوز نسبة البطالة فيها حد الــ 20%، وتصل أيضا في بعض مدن هذا الإقليم إلى 40%، وقد انتفضت الاحواز ضد الدولة الإيرانية كثيراً من المرات أبرزها كان في 15-4-2005 حيث استمرت الانتفاضة شهرين، مارس الأمن الإيراني اشد سياسات البطش والتنكيل والقمع، وقتل العشرات وسجن المئات وهو ما تسبب في إدانة مؤسسات حقوقية كثيرة وإدانة منظمة "هيومان رايتس ووتش" والبرلمان الأوروبي. ويظل ملف الإعدام من الملفات التي تؤرق المجتمع الإيراني بأبعاده السياسية والأيدلوجية والطائفية، هذا الملف الذي يكشف سياسات إيران ووجهها الحقيقي.
روحاني وملف الإعدام: وعود وسياسة تأبى التغيير
مع وصول الرئيس حسن روحاني لسدة الحكم استمرت حالات الإعدام بل وزادت نسبتها على عكس ما وعد به في حملته الانتخابية، فمنذ وصوله تم إعدام 1900 شخص، وذلك حسب منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، وفي ظل وصول إيران لاتفاق مع الغرب حول الملف النووي تزداد حالات الإعدام والتعذيب والتنكيل وتأخذ منحاً تصاعدياً، وان هذه السياسة المأزومة تعكس حجم المأزق الذي يعيشه النظام.
وفي تقرير أصدرته منظمة حقوق الإنسان الإيرانية أفادت بأن السلطات نفذت حكم الإعدام ضد 1900 شخص منذ وصول حسن روحاني للسلطة في يونيو 2013، وأفاد التقرير بان نسبة الإعدامات زادت 40 % مقارنة بالعام الماضي.
وحسب تقرير "امنستي" منظمة العفو الدولية، فان "إيران تعدم بما يعادل 3 أشخاص كل يوم، وبذلك تتجاوز إيران العدد الإجمالي لعمليات الإعدام في البلاد التي سجلتها المنظمة العام الماضي". وهذه الظاهرة الخطيرة تحدث من خلال المحاكم القضائية التي لا تستند إلى الاستقلال والحياد، حيث المرجعية المذهبية لها السلطة العليا، الأمر الذي يلقي بظلاله على جماعات أهل السنة الذين يعتبروا خصوم يجب القضاء عليهم، ولم يشفع لهم شهر رمضان المبارك من الموت على مقاصل الدولة الفارسية.
وبرغم تصريحات روحاني البراقة وظهوره كــ "معتدل" ومتفهم لجميع الأوساط في إيران والجماعات المختلفة، فان حالة حقوق الإنسان ساءت أكثر من فترة نجاد، وزادت حركة الاحتجاجات والمظاهرات للمتضررين من جميع الفئات المختلفة، (مدرسين رجال قانون وصحافيون ومدونون و مسيحيون ويهود ودراويش وبهائيون وأكراد وأهل سنة وبلوش)، والتي تم اعتقال أعداد كبيرة منهم بشكل تعسفي، كما شهدت فترته تدخلات صارخة في شئون الدول الأخرى ( الحوثيون في اليمن ودعمهم عسكرياً و التورط في المستنقع السوري). وحسب سعيد بومدوحة نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية" "إن حصيلة الإعدامات مذهلة في إيران في النصف الأول من هذا العام وترسم صورة شريرة لأجهزة الدولة لقيامها بالقتل مع سبق الإصرار، ومن بين الذين أعدموا في إيران أيضا أفراداً من الأقليات العرقية والدينية أدينوا " بمحاربة الله" و "الفساد في الأرض" بمن في ذلك السجناء السياسيون الأكراد والسنة". وهذه التهم تلقى على من انتقل من المذهب الشيعي إلى المذهب السُني! كما تؤكد المنظمة برغم إنكار الحكومة الإيرانية أن هناك حالات إعدام تتم خارج نطاق القضاء الإيراني، وتفرض هذه الأحكام لتصرفات ما كان يجب اعتبارها من الجرائم أصلاً.
خاتمة
ما فتئت إيران تمد جسور الدعم للأقليات الشيعية في الدول السنية المحيطة وتغذيتها بمشاعر الحقد، متطلعة لمزيد من التمدد المذهبي، و من أجل تعزيز مصالحها في تلك الدول ومن اجل استغلال ذلك للتأثير على امن واستقرار تلك الدول، بتحريك تلك الأقليات في الوقت التي تشاءه، بينما لا تمارس الدول العربية هذه السياسات الغير أخلاقية، وعليه؛ على العرب المسلمين أن يمدوا كل صور الدعم للاقليات العربية وغير العربية في إيران، ومساعدتهم وتبني قضاياهم وهمومهم وتخصيص مساحات إعلامية أرحب وأوسع من اجل أن تكون لسان حال تلك الأقليات والمعبرة عن همومهم وآمالهم، وخاصة أن البيئة مناسبة جدا وكثيرا ما أرسلت هذه الأقليات مناشدات استغاثة للأنظمة العربية بضرورة التدخل وإنقاذهم من السياسة الإيرانية العنصرية.
تستطيع الدول العربية أن تقوم بهذا الدول أيضا من خلال جامعة الدول العربية والمؤسسات والهيئات الإسلامية الكثيرة. فللأسف الدول العربية لم تغطِ إعلامياً ما هو مطلوب منها بشأن الاحواز وكثير من العرب لا يعرفون بأنها عربية وتم احتلالها.
كما يجب توحيد السياسات الخليجية تجاه إيران، وأن لا تنفرد إيران بعلاقات ثنائية كما تفعل فرنسا مع تونس والمغرب والجزائر. ولا ضير بان تتعاون الدول العربية مع الأصوات الإيرانية العاقلة و الجهات الإيرانية المعارضة وان تستقطب الأصوات المناوئة للنظام الإيراني من اجل دعم المعارضة التي قد تطيح يوماً ما بالنظام من خلال قنبلة الأقليات الموقوتة والملفات التي تغلي على مرجل الأزمات المستعصية.