أهل السُنة في المؤسسات التعليمية الإيرانية
يتجلى التمييز العنصري في أبشع صوره حين يتعلق الأمر بسُنة إيران وحقوقهم في التعليم بمراحله المختلفة، فتتغلب النزعة الفارسية الممزوجة بالمذهب الشيعي على أي اعتبارات أخرى، حينها تتحول حقوق المواطنة بالنسبة للسُنة إلى مجرد وصف، فيقال عنهم مواطنين إيرانيين، وما هم بذلك، لأن عشرات الآلاف منهم تُحرم من حقوقها في التعليم، بتهمة اعتناقهم للمذهب السُني.
لا تختلف قضية تعليم السُنة في إيران مع مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وربما تزداد خطورة عن غيرها، لأنها تشكل جزءاً مهماً من عصب الأمن القومي الإيراني الذي يحرص النظام الفارسي على استقراره بكل الوسائل الممكنة، دون مراعاة طبيعة التركيبة السكانية ذات التنوع العرقي والمذهبي، لذلك يبدو التمييز العنصري واضح في المدارس والجامعات الإيرانية بين ما هو مواطن شيعي وآخر سُني، ويزداد الأمر سوءاً في المناهج العلمية، ما يجعل التركيز على طبيعة المناهج العلمية وأسلوب إدارة المدارس، أمر جدير بالاهتمام، لأن كل من المناهج العلمية وأسلوب الحكومة الإيرانية في إدارة المدارس والجامعات يعطي صورة أكثر وضوحاً لموقف سُنة إيران من العملية التعليمية.
إذا كان الدستور الإيراني في مادته الثانية عشرة قد نص على تولي وزارة التربية والتعليم مسئولية تعليم منهاج الفقه الإسلامي والتربية الدينية في المناطق التي يسكنها أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى، طبقاً لمذاهبهم الفقهية المختلفة. كما أن المادة التي تليها تُعطي الحق للأقليات الدينية في تدريس المقررات الدينية الخاصة بهم، تحت إشراف نفس الوزارة، فإن ما يحدث في الواقع مخالف تماماً لما جاء في الدستور.
وتبدأ تلك المخالفات جلياً خلال المرحلة الابتدائية، حيث عملية الغزو الفكري وتزوير التاريخ، فيتم طرح العهدين العباسي والأموي من باب السخرية والاستخفاف بالخلفاء، بينما يصاحب ذلك الكثير من التمجيد والغلو في الحديث عن رجال وأئمة الشيعة، حينها يصل التلميذ إلى مرحلة الثانوية العامة ويكون قد حفظ أسماء أئمة الشيعة الأثنى عشر باعتبارهم معصومين من الخطأ، بينما لا تكاد تجد أحداً من الطلبة يحفظ أسماء الخلفاء الراشدين، ناهيك عن تشجيع الطلبة على حفظ الكثير من خطب ودروس لأئمة الشيعة التي تطعن وتشوه عقائد أهل السُنة، حتى الأناشيد المقررة على طلبة المراحل الابتدائية والمتوسطة لا تخلو من تشويه أهل السُنة، علاوة على استخدام مسميات من شأنها التقليل من أهمية الأماكن المقدسة لدى المسلمين، كتمجيد مزاراتهم وتقديسها وإطلاق عليها مسمى حرم.
أما كُتب التاريخ فهي أكثر تركيزاً على الجمع بين القومية الفارسية والفكر الشيعي، حيث تُظهر أهل السُنة بصورة المتآمرين على المشروع العلوي، ولا تتورع عن نقد تصرفاتهم واجتزاء الروايات والنصوص التي تظهر النزعة الفارسية بمعزل عن القوميات الأخرى. وتظهر تلك النزعة الفارسية بشكل أكثر وضوحاً في كتاب "التعليمات الاجتماعية" للصف الخامس الابتدائي، الذي يقدم للطالب تاريخ إيران منذ بداية حياة الرسول حتى الخلافة العباسية، وحينما يأتي على ذكر الفُرس يصورهم كأبطال يدافعون عن رسالتهم الأخلاقية ضد العرب الظالمين الذين اغتصبوا حق آل البيت في الحصول على الخلافة منذ عهد الأمويين وحتى الخلافة العباسية.
بالموازاة مع هذا التشويه للتاريخ العربي والإسلامي الذي تقدمه المدارس الإيرانية للطلاب في مراحلهم التعليمية المختلفة، لا تجد وزارة التربية والتعليم أي غضاضة في قتل اللغات غير الفارسية والقضاء على الهوية العربية، فيقول الصحفي الأحوازي "رمضان الصعيدي" لموقع "ميدل إيست آي" "تصور أن يكون لديك أطفال لغتهم الأولى في المنزل هي العربية، ثم إنهم حين يذهبون إلى المدرسة الابتدائية يتعلمون كل شيء باللغة الفارسية".
وتؤكد مصادر صحفية والكثير من الكتاب الأحوازيين، على أن طلاب المدارس الإيرانية لا يتلقون درساً واحداً باللغة العربية، حتى وصولهم إلى المستوى المتوسط، حينها تكون أعمارهم قد بلغت الثالثة عشرة، مما يفقدهم لغتهم العربية، وهو ما يدفع الكثيرين من الأحوازيين إلى البحث عن وسائل مختلفة للتغلب على ذلك، كاستئجار خدمات المعلمين الخصوصيين لتعليم أطفالهم للغتهم وثقافتهم العربية سراً، لأن انكشاف أمر تلك العائلات للسلطات الإيرانية سيعرضها لعقوبات وتهم لا حصر لها.
ترتب على تلك الممارسات وجود أزمة هوية لدى السكان العرب، ولم تعد الغالبية العظمى منهم يمتلكون القدرة على إجادة اللغتين العربية وكذلك الفارسية، حيث يؤكد تقرير نشرته مجلة المعرفة في 31 مايو الماضي، على أن منطقة الأحواز تشهد انخفاضاً متواصل في المستوى الدراسي، بحيث أصبحت على أثره في المركز الثالث والعشرين بين المحافظات الإيرانية. كما أن ارتفاع نسب التسرب في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية هو الأعلى بين المحافظات الأخرى، وما يؤكد ذلك هو ارتفاع نسب الأمية بين النساء العربيات اللواتي تقع أعمارهن بين 45 ـ 70 عاماً، حيث تصل إلى 90% وبين سائر الشرائح النسائية تبلغ 60 ـ70% كما ترتفع أيضاً نسب الأمية بين الرجال.
ذلك الواقع المرير الذي يفرض نفسه على أهل السنة، لا تتوقف مخرجاته فقط عند تزوير تاريخهم وتجاهل هويتهم وثقافتهم ومحو لغتهم، ولا يتوقف أيضاً عند ارتفاع نسبة الأمية بين صفوفهم، بل يمتد ليضرب حضورهم في الجامعات الإيرانية، حيث تؤكد دراسة حديثة نُشرت على موقع "الراصد" الذي يهتم بأهل السنة، أجريت على طلاب جامعة طهران "أن حوالي 63% طلابها ينتمون إلى الأصل الفارسي، 2.16% إلى أصل تركي، 5.9% إلى أصل كردي، 7.3% إلى أصل لري، 6.3% إلى أصل كيلاكي، 6.2% إلى أصل مازندراني، بينما يختفي تماماً الطلاب ذوو الأصول العربية في تلك الجامعة، وذلك يؤكد على صحة التقارير التي تشير إلى تعيين الحكومة الإيرانية لمشرفين تربويين داخل المدارس والجامعات الإيرانية لمراقبة تلاميذ وطلاب السُنة، ومنعهم من الانتساب إلى الجامعات بحجة انتماءهم للمذهب السني.
هذه الأرقام تعزز من الحديث عن عملية تفريس المجتمع الإيراني الذي يرفض الاعتراف بحقوق الأقليات الأخرى وثقافاتها المختلفة، ولعل المفارقة المثيرة للدهشة في هذا الصدد هي أن الحكومة الإيرانية تعمل في الكثير من الأحيان على منع دور النشر السنية من المشاركة في المعارض الرسمية، ففي عام 2013 على سبيل المثال لا الحصر تم منع داري نشر تابعتين للسُنة من المشاركة في الدورة الخامسة والعشرين لمعرض طهران الدولي للكتاب.
لكن بالرغم من هذه الممارسات المجحفة والمستمرة بحق سُنة إيران في التعليم كغيرهم من الأقليات الأخرى، إلا أن بعض الإحصائيات تؤكد على تزايد طلاب المدارس من السنة في معظم المحافظات على نظرائهم من الطلاب الشيعة، وخصوصاً في المدارس التي تتبع لمحافظات تتميز بنسب كبيرة من الأقليات القومية أو الأثنية، حيث وصلت نسبهم عام 2014، إلى 50% في المرحلة الابتدائية، وترتفع النسبة لتصل إلى 70% في المدارس التابعة لمحافظة أذربيجان الإيرانية، وذلك وفقاً لخبير إيراني في الشؤون الدينية يدعى "ناصر الرفيعي" الذي وصف هذا الأمر بالخطير جداً وأرجعه إلى ميول سُنة إيران إلى كثرة الإنجاب وتعدد الزوجات.
لذلك تبقى حظوظ السُنة من العملية التعليمية في إيران عند حدها الأدنى، ليس فقط لأسباب ترجع إلى الصراع الأيديولوجي الديني، بل تتجاوزه في الكثير من الأحيان، ليصل الأمر إلى الجمع بين الأيديولوجية الدينية والقومية أو العرقية، لأن الملاحظ هنا أن عملية تزوير تاريخ أهل السُنة يصاحبه طمس هويتهم الثقافية وفي نفس الوقت محاولة القضاء على اللغة العربية، وهو أمر يحدث بشكل أو بأخر مع الأقليات الأخرى.