• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 إيران تعمل بصمت في القارة السمراء

صورة تعبيرية


في حين كانت القارة الافريقية غائبة عن الأجندات السياسية العربية، فأنها ظلت حاضرة وبقوة في الاستراتيجية الإيرانية، التي استطاعت مطلع الالفية الجديدة أن تكلل جهودها، بعقد مؤتمر قمة في العاصمة الشيعية طهران، حظي بمشاركة ممثلين عن 40 دولة أفريقية، مما أعطى مؤشراً واضحاً على عمق العلاقات بين الجانبين، خصوصا إذا ما علمنا ان لطهران أكثر من 30 سفارة في القارة الإفريقية، مكنتها من الحصول على عضو مراقب في الاتحاد الافريقي.

نظرياً يبدو حصر النشاطات الإيرانية على الساحة الإفريقية أشبه بالبحث "عن ابرة في كوم من القش" لأن أشكال التعاون الاقتصادي والعسكري والثقافي خرجت من طورها الطبيعي وتحولت الى علاقات استراتيجية في بعض الاحيان، كما هو حال العلاقات الايرانية السودانية قبل قرار الرئيس السوداني "عمر البشير" الأخير، الذي جمد بموجبه الكثير من المؤسسات الشيعية بعد ضغوط عربية ودولية، لكن مستوى التعاون بين الجانين كان قد وصل الى مستوى العلاقات الاستراتيجية، حيث عرفت السودان أكبر هجمة شيعية خلال شهر العسل الذي استمر لسنوات طويلة بسبب التقاء مصالح الطرفين في سبيل مواجهة الحصار الغربي.

 وفي حين رفضت السودان الاذعان للضغوط الدولية، تمكنت إيران من الحصول على الكثير من الامتيازات داخل المجتمع السوداني ذات الأغلبية السنية، فانتشرت عشرات المؤسسات الثقافية الشيعية وأشهرها مركزين ثقافيين أحدهما في الخرطوم وآخر في أم درمان، ومعهد الامام جعفر الصادق للعلوم الدينية، بالإضافة لعشرات الجمعيات والمؤسسات التي تقدم المنح والمساعدات المباشرة، علاوة على المؤسسات الاقتصادية ذات الصبغة الدينية التي تستقطب عمال وموظفين بمواصفات معينة، وكانت مؤسسة إيران غاز أهم تلك المؤسسات قبل ان تبيع اصولها لشركة سودانية العام الماضي.

ولا تقل الساحة الجزائرية خطورة عن سابقتها، فتعتبر البلد العربي السني الوحيد الذي يدرج عاشوراء في خانة أيام العطل مدفوعة الأجر، كعيدي الفطر والأضحى، وهو ما يمثل انحيازا غير مبرراً وخدمة مجانية تقدمها الحكومة الجزائرية للشيعة، خصوصاً اذا ما علمنا ان شيعة الجزائر يصل عددهم  الى حوالي 300 الف نسمة، وهم أقلية مقارنة بعدد السكان ذات الاغلبية السنية الذي يصل الى حوالي 40 مليون.

ومن نافلة القول، ان التوجه نحو التشيع بات في تنام مطرد في دول غرب أفريقيا، حيث تحدثت تقارير مختلفة عن بلوغ عدد الشيعة هناك نحو 8 ملايين فرد، بعد أن كان وجودهم محدوداً للغاية في هذه المنطقة من العالم، وقد بدأت حركة التشيع تأخذ زخماً متزايداً خلال السنوات العشر الماضية، بصورة تبدو ممنهجة ومؤسسية، نتيجة الامتيازات التي حصلت عليها إيران هنا وهناك.

وعلى ضوء التحديات المختلفة التي تواجهها، سعت إيران بالتوازي مع نشر المذهب الشيعي الى التطلع لكسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها، فباتت مع مرور الوقت أكبر مصدري السلاح إلى السودان، وكان المحافظ نجاد  قد نجح في تصدير 4 ملايين طن من النفط إلى كينيا سنويا. وإستكمالاً لمسلسل الهروب من الحصار الدولي عليها عمدت على تنويع صادراتها النفطية، لتشمل الاقتصاديات النامية في أفريقيا، مستخدمة اسلوب الدخول من باب تقديم المساعدات الممثلة في بناء مشروعات البنية التحتية للطاقة وتجديد مصافي النفط، وبناء محطات توليد الكهرباء وتقديم خبراتها التكنولوجية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

وقد ساعدها هذا الاسلوب على تحسين علاقاتها مع دول افريقية عدة وقعت معها العديد من اتفاقيات التبادل التجاري، كصفقتها التجارية مع السنغال عام 2013، التي انشئت بموجبها مصنعاً للسيارات الايرانية هناك، مما أحداث رواجاً لسوق السيارات في الداخل الإيراني.

من ناحية أخرى تتجلى حالة التنافس الاقليمي، وتتشابه من حيث الادوات والأساليب المستخدمة في القارة الافريقية، فإيران كإسرائيل تسعى لتدعيم نفوذها فى دول حوض النيل، كما تذهب باتجاه الدول الافريقية الأكثر تأثيراً، لاسيما اثيوبيا وارتريا، والأخيرة فتحت أراضيها لإيران ومكنتها من إنشاء قاعدة عسكرية في الميناء الجنوبي لأراضيها. وهو ما يمكن اعتباره محاكاة للتجربة الاسرائيلية هناك، لكن يبدو واضحاً ان الهدف الايراني من وراء ذلك، محاولة فرض سيطرتها على الخليج العربي، من خلال استغلال وجودها في ارتريا، الذي مكنها من دعم الحوثيين في اليمن مؤخراً.

في سياق متصل، يبدو ان القارة الافريقية تمتلك الكثير من المحفزات التي أسالت اللعاب الإيراني،  فخام اليورانيوم القليل نسبياً في الاراضي الايرانية، والمتواجد بكثرة في العديد من الدول الافريقية، يمكنه أن يجنبها الرقابة والعقوبات الدولية المفروضة عليها، لأن احتياجات برنامجها النووي منه تفوق احتياطاتها، لذلك تشكل جمهورية النيجر محط أطماع إيران، كونها تعتبر رابع دولة على مستوى العالم من حيث المخزون الاحتياطي لخام اليورانيوم.

لذلك كان لتطور العلاقات الاقتصادية والعسكرية والثقافية، انعكاسات إيجابية على صعيد العلاقات السياسية الايرانية الافريقية، فحققت طهران غايتها على صعيد المنظمات الدولية، لأن الحضور السياسي الافريقي لم يكن إلا عوناً لها، أو على الأقل تضمن عدم تصويت تلك الدول ضدها، لأن مجموع الدول الافريقية تمثل أكثر من ربع مقاعد الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبالرغم من تغلغلها السرطاني عبر القنوات الشرعية، إلا انها لا تدخر جهدا في استخدام القوة الخشنة في بعض المواقف، فما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية وقناة الجزيرة القطرية الاثنين الماضي 23/2، حول نشاطات المخابرات الايرانية في جنوب إفريقيا وعلاقاتها بمجموعات ارهابية ومنظمات متطرفة محلية تعود لعام 2010، يؤكد بما لا يقبل التأويل، ان القارة الافريقية وثرواتها وموقعها جعلا منها مرتعاً لأجهزة المخابرات الايرانية. لأن هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه، فكانت نيجيريا والسنغال قد شهدت أحداث مشابهة في أوقات سابقة، فالأولى شهدت حدثين منفصلين لتحركات المخابرات الايرانية التي قامت بتهريب كميات من الكوكايين داخل حاوية لقطع غيار السيارات عام 2010 وقيل حينها ان علي أكبر طبطبائي قائد وحدة إفريقيا،  كان قد لجأ الى السفارة الايرانية في لاجوس، واستطاع الخروج من نيجيريا على طائرة وزير الخارجية الايراني أثناء زيارته المفاجأة لها.

بينما الثانية كانت عام 2013 بعد اعتقال السلطات النيجيرية لخلية تربطها علاقة بالمخابرات الايرانية كانت تحاول الوصول لأهداف أمريكية وإسرائيلية هناك، أما السنغال فكانت ومازالت محل اهتمام ايراني بعد قطع العلاقات معها، فعملت الأخيرة على تقديم كافة الاغراءات الاقتصادية لتحويل المزاج السياسي لتلك الدولة الافريقية التي استجابت تحت ضغط  المال وإغراءات الاقتصاد.

في ضوء هذا التحرك الايراني الدءوي على الساحة الافريقية مع استمرار حالة الغيبوبة العربية، يمكننا القول ان الرؤية العربية لأمنها القومي التي تتوقف عند حماية النظام السياسي من الانهيار والحفاظ عند الحد الأدنى على تأمين الحدود المباشرة مع جيرانها، فأن الرؤية الإيرانية تبدو مغايرة تماماً، وتشبه الى حد بعيد اسلوب الدول الاستعمارية التي لا تألو جهداً في البحث عن كل متطلبات أمنها القومي، وفي نفس الوقت الضغط على خاصرة أعداءها. كما ان الجهود الايرانية في القارة الافريقية يمكن قراءتها في سياق تبادل الادوار مع اسرائيل بهدف تطويق المنطقة العربية وعزلها عن محيطها الافريقي وابتزازها الواضح، من خلال نفوذها في منطقة حوض النيل.

أعلى