هدنة لا إنسانية وكيان لا إنساني
وافقت
المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني على وقفٍ لإطلاق النار لأكثر من مرَّة خلال
الأسبوع الجاري بطلبٍ من الأمم المتحدة وبدافع إنساني، فحمل وقف إطلاق النار اسم
"هدنة إنسانية".
وتعني
الهدنة الإنسانية أن تقوم كافة الأطراف المتحاربة بوقف إطلاق النار بشكلٍ مؤقتٍ ريثما
يتم التوصّل إلى اتفاق هدنةٍ دائمٍ، وذلك من أجل السماح للمدنيين من كافة الأطراف بقضاء
حاجياتهم الإنسانية الضرورية، فضلاً عن السماح لأطقم الإسعاف والطوارئ والدفاع
المدني بانتشال أشلاء وجثث القتلى من تحت الركام في المناطق التي تعرَّضت للهدم، أو
القيام ببعض الترتيبات والإصلاحات في شبكات المياه والكهرباء وغيرها في مناطق
النزاع.
والحقيقة
أن مصطلح "الهدنة الإنسانية" لا ينطبق على دولة الاحتلال الصهيوني،
لأنها دولة أو كيان احتـلالـــي إحـلالـــي استيطانـي مجــــرد من الإنسانية بشكل
كامل، وقائم على الفكر الإرهابي المتغلغل في العقلية الصهيونية والمستمد من
التوراة التي كتبها مؤلفوها ومن بروتوكولات حاخامات صهيون التي تقضي بنشر الفساد
والرذيلة في العالم.
الكيان
الصهيوني مجردٌ من أدنى مبادئ الإنسانية، وذلك بحكم
الواقع المُعاش من ناحية، وبحكم القوانين والأعراف والمواثيق الدولية من ناحية
أخرى، إذ إن تصرفات الكيان الصهيوني هي جرائم حرب ضد الإنسانية وفق مبادئ القانون
الدولي الإنساني.
منذ
تأسيسها عام 1948م، قامت دولة الاحتلال والإرهاب بتشريد ثلثي الشعب الفلسطيني خارج
أرضه، هذا بجانب تنفيذ جملة من المجازر البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية بحق
من رفض الخروج من أرضه، وطوال ستة عقود ماضية؛ قامت دولة الاحتلال بتنفيذ عددٍ آخر
من المجازر سواء داخل فلسطين أم خارجها في مصر ولبنان وغيرها.
أما
في هذه الآونة، وفي غمرة العدوان الصهيوني الغاشم على
قطاع غزة، لم تستطع دولة الاحتلال الرد على ضربات المقاومة الصاروخية وعملياته
البطولية داخل الأراضي المحتلة؛ فلم تحترم قوانين وأخلاقيات الحروب المتعارف عليها
والمتوجب الالتزام بها لدى جيوش العالم، ولم تلتزم بمدونات السلوك التي تضبط
تصرفات الجيوش، فقامت بارتكاب مجازر بشعة ضد الإنسانية في قطاع غزة، حيث طالت
صواريخها النساء والأطفال والشباب والشيوخ، هذا بجانب اقتلاع الشجر وهدم الحجر.
لقد
استهدف المدنيين الأبرياء العُزَّل بكافة أنواع السلاح المتقدم جواً وبراً وبحراً،
وألقت عليهم الصواريخ والقنابل التي تزن ألف كجم، فأي إنسانية هذه!
وعندما
وافقت دولة الاحتلال على "الهدنة الإنسانية" اشترطت عدم عودة النازحين
من حي الشجاعية أو بيت حانون إلى منازلهم التي هُدمت غالبيتها، وقامت الآليات
الصهيونية بإطلاق النار عليهم، ثم اخترقت الهدنة الثانية ثم ألغتها، وهذا يعزز
مسلمات "عدم إنسانية" الاحتلال الصهيوني، ولعل مرد هذا الموقف أن دولة
الاحتلال أرادت إعلان الهدنة من جانبها دون تأثير مباشر من المجتمع الدولي من
جانب، وأنها لا تلقي أي اعتبارٍ لمقررات أو مقترحات المجتمع الدولي.
لقد
أدَّت اللاإنسانية الصهيونية خلال ثلاثة أسابيع إلى ارتقاء نحو 1700 شهيد، وجرح نحو
8000 مواطناً، وهدم 3640 بناية (بيوت، مساجد، مستشفيات، محلات تجارية)، حيث قامت
قوات الاحتلال خلال الفترة المذكورة بشنِّ 5455 غارة جوية، فضلاً عن إطلاق أكثر من
30 ألف قذيفة من المدفعية على رؤوس المواطنين ومنازلهم.
علَّق
رئيس وزراء الاحتلال اليميني الإرهابي المتطرف "بنيامين نتانياهو" على استهداف
المدنيين وقتلهم وتشريدهم بالقول "نحاول استهداف الأهداف العسكرية وللأسف هناك
ضحايا من المدنيين نأسف لسقوطهم ولا نسعى لاستهدافهم"، وهذا التصريح بدوره
يكشف عن مدى استخفاف قيادة الاحتلال بالدم الفلسطيني، وهو ما يعني أيضاً أن قيادة الكيان
الصهيوني إرهابية وحاقدة لمبادئ الإنسانية.
كل
هذه التصرفات بحق الإنسانية في غزة لم تحرِّك في المجتمع الدولي ساكناً، ولم يُتخذ
حتى اللحظة أي موقفٍ واضحٍ تجاه ارتكاب جرائم الحرب ضد الإنسانية سوى هذا الموقف
الهزيل المتمثل في الهدنة اللاإنسانية، وهو ما يعزز فكرة أن الأمم المتحدة يقودها
مجموعة من البلطجية والدمويين وتجار الحروب والإرهاب والمافيا تحت رعاية الصهيونية
والإمبريالية العالمية، حيث تأسس على أنقاض عصبة الأمم التي تقاسمت خيرات العالم
والعالم العربي إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة بعض الدول الغنية.
من
المسلم به أن المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة التي تسيطر على الأمم المتحدة
ومن يسير في فلكها منحازون بشكل كامل لصالح الاحتلال الصهيوني، وهو ما يعني أن
"وقف إطلاق النار" أو "الهدنة الإنسانية" لم تتم إلا مراعاة
لمصالح الكيان الصهيوني وليس للوضع الإنساني الفلسطيني الذي تضرر بشكل كبيرٍ جداً
جرَّاء القصف الصهيوني المتواصل على غزة.
حاولت
الأمم المتحدة ومن خلفها الولايات المتحدة من التقدم بهذه الهدنة من أجل إظهار دولة
الإرهاب الصهيوني على أنها دولة إنسانية ديمقراطية ومحبة للحرية والسلام، كما
يروِّج الإعلام الصهيوني الدولي بشبكاته وقنواته المتعددة الذي تسيطر عليه رجالات
المال والإعلام، وكما يعمل عناصر السلك الدبلوماسي الصهيوني في غالبية اماكن
تواجدهم.
كان
من الأجدر بالمجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن أن يدع العنصرية ولو لمرة واحدة، وأن
يصدر قراراً يلزم الكيان الصهيوني بوقف عدوانه الوحشي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل،
ولكن الحرب الصليبية ضد الإسلام لم تضع أوزارها بعد!!