• - الموافق2025/10/16م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
انتصار لترامب – ولكنه بداية النهاية لنتنياهو

لم يكن ذلك اليوم يوم احتفالٍ حقيقي لنتنياهو، الذي لا يستحقّ امتنان أحد. إذ لم يكن في حسبانه أن يُفضي به الأمر إلى أن يطلق حليفه المفترض، دونالد ترامب، خطة سلامٍ قد تتضمّن ضمنيًا نهاية لمستقبل نتنياهو

المصدر: الإندبندنت

المقالة افتتاحية الثلاثاء 14 أكتوبر

 

إن "الحدث الأهم في هذا اليوم التاريخي" هو إطلاق سراح الرهائن، وليس خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أو "الأداء المتملق" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لكن ذلك لا يعني الانتقاص من الدور الشخصي الذي أدّاه الرئيس ترامب في الدبلوماسية المباشرة، وهو دور كان حاسمًا في تحقيق وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن، وتبادل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وبعث الأمل في سلامٍ أوسع. غير أن التأكيد على هذه الحقيقة يبدو ضروريًا في لحظةٍ تهيمن فيها الانفعالات، وتختلط فيها الأجواء بالمبالغة والمديح المفرط.

من حق الرئيس الأمريكي أن يعيش ما وُصف على نطاق واسع بأنه جولة انتصار، غير أن شيئًا من التوازن مطلوب أيضًا إزاء ما يُعدّ في أحسن الأحوال اليومَ الأول من بداية نهاية صراعٍ استمر لعقود طويلة.

ولعلّ من المفارقة أن هذه الحرب كان يمكن أن تنتهي قبل أكثر من عام لو كان السيد نتنياهو أراد فعلاً ذلك، ولو أن الرئيس جو بايدن مارس عليه الضغط الكافي لوقفها. لكنّ الذي أجبر الحكومة الإسرائيلية على التراجع لم يكن بايدن، بل ترامب، وهو ما أضفى مسحة من السخرية على أجواء الحفاوة التي عمّت قاعة الكنيست في ذلك اليوم. فبينما كان بايدن يكرر دائمًا أنه يدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا، فإن دعم ترامب لإسرائيل مشروطٌ بامتثالها لما تمليه المصالح الأمريكية.

في الحقيقة، لم يكن ذلك اليوم يوم احتفالٍ حقيقي لنتنياهو، الذي لا يستحقّ امتنان أحد. إذ لم يكن في حسبانه أن يُفضي به الأمر إلى أن يطلق حليفه المفترض، دونالد ترامب، خطة سلامٍ قد تتضمّن ضمنيًا نهاية لمستقبل نتنياهو وقد تمهّد في نهاية المطاف لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

ومن منظورٍ سياسي بحت، فإن استمرار الحرب ضدّ حركة حماس التي اتخذت في الواقع شكل قصفٍ وتجويعٍ ممنهجٍ للمدنيين الفلسطينيين كان ليخدم مصلحة نتنياهو الشخصية، ويُجنّبه العودة إلى قاعات المحاكم الإسرائيلية لمواجهة تهم الفساد. ولهذا السبب تحديدًا تعرّض اسمه لصيحات الاستهجان في ساحة الرهائن عندما حاول المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف أن يمنحه بعض الفضل في إنهاء العمليات العسكرية.

إلى حدٍّ كبير، فإن خطة السلام التي يفرضها ترامب اليوم على إسرائيل هي نتيجة مباشرة لأخطاء نتنياهو الكارثية. فقد أصبحت إسرائيل في عزلة دبلوماسية خانقة، وبات سلوكها الحربي غير مقبول حتى لدى دول الخليج التي كانت تتعامل معها سابقًا، ما اضطر الرئيس الأمريكي إلى أن يأمر نتنياهو بالتوقف. وقد غلّف ترامب تلك الحقيقة بشيءٍ من الدعابة، إلا أن رسالته لأعضاء الكنيست والوزراء كانت واضحة: الولايات المتحدة هي صاحبة القرار، ومصالح إسرائيل باتت تابعة للاستراتيجية الأمريكية الأوسع في المنطقة، حتى وإن توافقت هذه المرة مع تلك المصالح.

لقد أصبحت إسرائيل، بسبب عزلتها عن حلفائها الغربيين التقليديين، أقرب من أي وقتٍ مضى إلى وضع أشبه بـ"الحماية الأمريكية"؛ وضعٌ يضمن بقاءها، لكنه لا يضمن استمرار توسعها أو دوام حالة الحرب.

ولئن كان أحد أسلاف ترامب، الرئيس جورج بوش الأب، قد اشتكى ذات مرة من مشكلة الرؤية المستقبلية، فإن ترامب رغم نزعاته الاستعراضية لا يُعرف أيضًا بخطاباته ذات النزعة المثالية أو البلاغة الأخلاقية الرفيعة. ومع ذلك، فقد نجح، في الفقرات الأكثر انضباطًا من خطابه، في رسم صورةٍ لمنطقةٍ يسودها الهدوء والازدهار، تقودها القوى الإقليمية الكبرى: تركيا، والسعودية، وإسرائيل، ولكن تحت المظلة الأمريكية.

وكما في مشاريعه العقارية، كذلك في خططه السياسية، يفضل دونالد ترامب المشاريع الكبيرة والعظيمة. وكما يحرص على التوضيح، فإن ما أنجزه يتجاوز مجرد صفقة تبادل أسرى تتبعها هدنة قصيرة. فالأمر لا يتعلق بإنهاء الحرب فحسب كما صرّح على متن طائرته الرئاسية أثناء عبورها الأطلسي بل هو مشروع سلام شامل يسعى إلى تحقيق اعترافٍ متبادل بين إسرائيل وجميع جيرانها عبر توسيع اتفاقات إبراهام، وإرساء حلٍّ ضمنيٍّ يقوم على وجود دولتين، إلى جانب إعادة إعمار قطاع غزة.

ومع ذلك، فإن كلّ ذلك يفترض نجاح خطة ترامب حيث أخفقت مبادراتٌ كثيرة من قبله، وهو أمرٌ بعيدٌ عن أن يكون مضمونًا. فكم من اتفاقيات سلامٍ في الشرق الأوسط بدأت بدايةً واعدة ثم تبخّرت سريعًا.

وقد يكون هذا المسعى أيضًا مجرّد فجرٍ كاذب، إذ ما زالت قضايا جوهرية عديدة عالقة، وعلى رأسها مسألة نزع سلاح حماس. ويذهب ترامب إلى حدّ القول بإمكانية انضمام إيران إلى العملية السياسية، مقتنعًا بأنّ طهران رغم قصف منشأتها النووية ورغم عدائها التاريخي لـالشيطان الأكبر ترغب في صفقة، وهو يرى نفسه الرجل القادر على إبرامها.

حتى الآن، ما حققه الرئيس ترامب ولو جزئيًا وبشيءٍ من الحظ، وبفضل حالة الإنهاك التي أصابت الطرفين كافٍ لأن ينال التقدير والثناء. غير أنّ من المرجح أن يشهد المستقبل القريب خيباتٍ وانتكاساتٍ وربما جولاتٍ جديدة من العنف. ولرجلٍ يتّسم بعدم الصبر مثل ترامب، سيكون عليه أن يتقبل حقيقة أن مهمته في صناعة السلام لم تكتمل بعد، وربما حينها فقط ستبدو الأوصاف الفخمة التي يطلقها أنصاره أكثر صدقًا وإقناعًا.

أعلى