• - الموافق2025/09/15م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء قصف مقر حماس في الدوحة؟

أحدث العدوان الإسرائيلي الأخير على قطر تحولًا عسكريًا غير متوقع في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد جهودًا حثيثة لإعادة تشكيلها. فما هي أهداف إسرائيل من هذا العدوان وما هي تداعياته المحتملة؟


في تطور مفاجئ في الأسبوع الماضي، قامت طائرات جيش الكيان الصهيوني بقصف مقرات سكنية يقيم فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية في الدوحة، ومن بينها المقر السكني لقائد حماس في غزة الدكتور خليل الحية.

وقد أعلنت حركة حماس مقتل خمسة من أعضائها في غارة جوية صهيونية على العاصمة القطرية، لكنها أكدت أن محاولة اغتيال فريقها التفاوضي باءت بالفشل.

وأضافت حماس في بيانها، أن فريق التفاوض اجتمع لمناقشة أحدث مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، عندما شن الكيان هجوماً جوياً مباغتاً بهدف اغتيال وفد حماس التفاوضي في الدوحة.

أما قطر فقد أعلنت مقتل شرطي قطري في الهجوم، كما أصيب عدد من الضباط القطريين كما ورد على لسان رئيس وزرائها.

وفي بيان لها، أدانت قطر الهجوم الصهيوني، ووصفته بأنه جبان وانتهاك صارخ للقانون الدولي.

والمثير في الأمر أن في ليلة الضربة الصهيونية كان رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن مجتمعا مع قائد حماس خليل الحية كما يقول موقع "cnn" الأمريكي.

ووفق لما قاله للموقع، فقد كانت الولايات المتحدة قد طرحت للتو اقتراحا جديدا لوقف إطلاق النار من شأنه أن ينهي الحرب الدائرة منذ قرابة عامين في غزة. وكان محمد بن عبد الرحمن يضغط على الحية لقبوله.

وبمضي تقرير الموقع الأمريكي فيذكر، أنه قد وقع على عاتق قطر تحويل الاقتراح إلى اتفاق. واستمرت المكالمة بين فريقي التفاوض القطري والصهيوني حتى الساعة الخامسة صباحا. وكانت حماس قد وعدت بالرد على المفاوضين القطريين بعد 12 ساعة.

وبعد هذه الملابسات العديدة حول الضربة، تثار أسئلة: هل نجحت العملية في تحقيق أهدافها بالنسبة للكيان الصهيوني؟ ما دور الولايات المتحدة في هذه الضربة؟ هل صحيح أنها لم تكن على علم بهذه العملية؟  وأخيرًا، هل سيتأثر الدور القطري في المفاوضات؟

للإجابة على هذه الأسئلة، يلزمنا معرفة أهداف الكيان الصهيوني من توجيه هذه الضربة، وما تحقق منها وما لم يتحقق، ثم نعرج إلى الموقف الأمريكي من العملية الصهيونية، وفي النهاية نختم بمستقبل المفاوضات بين حماس والكيان في الدوحة.

الأهداف الصهيونية من تلك الضربة

تبرز تصريحات رئيس وزراء دولة الكيان بعد هذه الضربة جانبًا من أهدافها.

كان أول تصريح رسمي لبنيامين نتنياهو بعد قصف الطائرات الصهيونية على مقر حماس في الدوحة التي وقعت يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025، ففي بيان صادر عن مكتبه في نفس اليوم، أكد نتنياهو أن العملية التي نفذت اليوم ضد كبار قادة حماس "الإرهابيين" على حد زعمه كانت عملية "إسرائيلية" مستقلة بالكامل.

 

وفي تقرير لصحيفة نيويورك تايمز يكشف أن السبب الأساسي للضربة: إحباط الكيان من فشل الحرب في غزة، واستهداف قيادات حماس بالخارج لتعويض الفشل، فجاءت الضربة لإرباك وفد حماس السياسي

وزعم البيان أن الدولة العبرية بادرت إليها، وهي التي نفذتها، وهي أيضًا تتحمل المسؤولية الكاملة عنها. وأضاف البيان أن قيادة حماس تتحمل المسؤولية المباشرة عن ارتكاب مجزرة السابع من أكتوبر وإدارة الحرب ضد الكيان.

هذا البيان يُعتبر الأول زمنيا، وتوالت بعده تصريحات نتانياهو.

ففي وقت لاحق من اليوم نفسه، أدلى نتنياهو بتصريح إضافي أكثر تفصيلاً في مقابلة صحفية، قائلا: "استهدفنا قادة حماس بالدوحة في نفس المكان الذي احتفلوا فيه بعملية 7 أكتوبر، وحين توفرت فرصة لتصفية قادة الحركة أمرتُ بتنفيذ المهمة، وقد نفذ سلاح الجو العملية بشكل جيد .. قتل قادة حماس يعني حماية مستقبل أجيالنا القادمة، والضربة التي نُفذت في الدوحة جاءت بعد تبني الحركة لهجوم راموت.

أما في الأيام اللاحقة، فقد أصدر نتنياهو تصريحات أخرى، مثل تحذيره لقطر يوم 10 سبتمبر عبر منشور على إكس: "أقول لقطر ولجميع الدول التي تحمي الإرهابيين: إما أن تطردهم أو تحاكموهم، لأن إذا لم تفعلوا، فسنفعل نحن"، والملاحظ في هذا البيان بالذات أن نتنياهو قد وجهه باللغة الإنجليزية وهو أسلوب غير معتاد منه.

ثم صدر تصريح آخر له يوم 13 سبتمبر حول أن "التخلص من قادة حماس في قطر سيزيل العقبة أمام إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب".

هذه التصريحات الصادرة من صانع القرار الأساسي في الدولة الصهيونية، توضح أن السبب الرئيس في هذه العملية هو اغتيال قيادة حماس السياسية، والتي تدير المفاوضات بينها وبين الكيان.

وفي تقرير لصحيفة نيويورك تايمز يكشف أن السبب الأساسي للضربة: إحباط الكيان من فشل الحرب في غزة، واستهداف قيادات حماس بالخارج لتعويض الفشل، فجاءت الضربة لإرباك وفد حماس السياسي، والتأثير على قدرتهم على التفاوض والإعلام والتنسيق الخارجي.

وهنا الأسئلة المحيرة: أسئلة الزمان والمكان.

فسؤال زمان العملية، يضع أهداف تلك العملية على المحك، فكلام نتانياهو أنه كان عازما على قتلهم منذ يوم السابع من اكتوبر ٢٠٢٣، حيث احتفلوا بطوفان الأقصى، ويتحجج نتانياهو أنه جاءته الفرصة في قتلهم فلم يتردد.

أي أنه تركهم لمدة سنتين لم يجد فيها فرصة لقتلهم!!

هناك من يرى أن نتانياهو كان عازمًا بالفعل على قتلهم منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، فالرجل هدد قادة حماس في الدوحة مراراً، مثلا في نوفمبر 2023 عندما قال إن "الموساد سيصل إلى أي مكان" لتصفية المسؤولين عن الهجوم، فالكيان وفق هذا المنطق طيلة السنتين الماضيتين، كان منشغلا بالنسبة لسلم أولوياته، لأنه كان يركز جهوده العسكرية في غزة، حيث قتل قادة مثل محمد الضيف ويحيى السنوار، قبل النظر في عمليات خارجية بعيدة المدى.

فالعملية في الدوحة تطلبت تخطيطًا معقدًا، ولم تكن ممكنة فوراً بسبب الالتزامات العسكرية في غزة ولبنان وإيران.

ولكن توقيت الضربة لا ينفي أنه قد جاء أيضًا بعد فشل مفاوضات أمريكية-قطرية، وقد تكون محاولة لتعزيز صورته كزعيم قوي أمام اليمين الصهيوني بشقيه السياسي والديني، خاصة مع وزيرين متطرفين مثل بن غفير وسموتريتش يضغطان للتصعيد.

أما سؤال المكان، فلماذا قطر بالذات؟ فقادة حماس السياسيين كانوا يتنقلون بين مصر وتركيا أيضًا، فهل لأن قطر كانت مقرهم الرئيسي والأكثر استقرارًا؟

يبدو أن اختيار الصهاينة لقطر لم يكن عشوائياً، بل مدروساً لتحقيق أهداف محددة، فاختيار الدوحة بدلا من القاهرة أو إستانبول، يعود إلى مزيج من العوامل الاستراتيجية، الاستخباراتية، والسياسية:

·                    فاستراتيجيًا، هو توجيه ضربة حاسمة لحماس والمفاوضات معا، فقطر

تستضيف القيادة السياسية لحماس منذ 2012، بطلب أمريكي-إسرائيلي لتسهيل الوساطة في المفاوضات، وتوفر لهم حماية دبلوماسية ومالية. هذا الأمر جعل الدوحة ما يعرف بالمركز العصبي للقرارات السياسية لحماس، حيث يعقدون اجتماعاتهم الرئيسية.

في المقابل، زيارات قادة حماس إلى مصر وتركيا كانت مؤقتة لأغراض مفاوضات أو لقاءات، لكنها لم تكن مقرا دائما يتيح فرصة مشابهة لضربة الدوحة من الناحية الاستراتيجية.

·                    أما استخباراتيًا، فالضربة حدثت أثناء اجتماع معروف للقادة في مجمع سكني

قطري، بعد تلقي إسرائيل معلومات استخباراتية ادعوا أنها كانت دقيقة عن موقعهم.

وهذا التجمع لم يحدث بنفس الشكل في مصر أو تركيا مؤخرا، حيث كانت زياراتهم أكثر سرية أو تحت حراسة أمنية مشددة، أو كانت تقتصر على عدد محدود من أعضاء المكتب السياسي لحماس، كما أن مصر وتركيا حذرتا حماس مسبقاً من ضربة محتملة في قطر قبل أسابيع منها وفق رواية صحيفة ذا وول ستريت جورنال الأمريكية، مما يشير إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية ركزت على الدوحة كهدف أسهل.

·                    أما سياسيًا، فإن اختيار قطر بدلاً من مصر أو تركيا هو الأقل تكلفة سياسيا،

ويتجنب تصعيداً مع دول لها علاقات أقوى مع الكيان أو الغرب. فمصر مرتبطة بمعاهدة سلام أخرجتها رسميا من الصراع، وتركيا لها نفوذ إقليمي واسع وعضو في الناتو، بينما قطر تواجه انتقادات دولية بدعمها لحماس، مما جعل الضربة أقل تكلفة دبلوماسية نسبيا، رغم غضب قطر ووصفها ما حدث بأنه إرهاب دولة.

الدور الأمريكي

هل أجل الكيان الصهيوني إخطار الولايات المتحدة بالضربة حتى دقائق قليلة لتجنب إبلاغ قطر مسبقا، مما قد يعرض العملية للخطر، وأنه لم يكن هناك اتصال مباشر بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل التنفيذ، وفق ما نقلته رويترز؟

وفي هذا الاتجاه أيضًا، تنقل صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال دان كاين، أنه قد أبلغ الإدارة الأمريكية بعد بدء العملية، وأخطرت الولايات المتحدة قطر بعد 10 دقائق من وقوع الضربة.

بينما نقل موقع إكسيوس الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين، وصفهما للعملية بأنها إشعار عسكري قصير دون تنسيق أو موافقة من واشنطن، ويؤكدان على أن الكيان أكد أنها "عملية مستقلة تماما" بناء على طلب أمريكي سابق بعدم مشاركته.

ونقلت ال"بي بي سي" تصريحًا للرئيس ترامب عبر عن غضبه، قائلاً إنه غير سعيد من كل جانب، ووصف الضربة بأنها لا تخدم أهداف "إسرائيل" أو أمريكا.

وقد انتقدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفت، قصف قطر، وهي حسب ما تقول: "دولة سيادية وحليفة تعمل على الوساطة"، لكنها لم تدِن استهداف قادة حماس خارجيًا.

ولكن حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة لم تكن تعلم بالضربة فقطـ، ولكنها كانت محرضة عليها، والدلائل على هذا التوجه الأمريكي له عدة روافد:

·                    الأول إنذار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد 7 سبتمبر (أي قبل

الضربة بيومين فقط)، ووصفه بالإنذار الأخير لحماس لقبول اقتراحه لصفقة إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة، وفي منشور على منصة Truth Social، قال ترامب: "الإسرائيليون" قد قبلوا شروطي. حان الوقت لأن تقبل حماس أيضاً. لقد حذرت حماس من عواقب عدم القبول. هذا إنذاري الأخير، لن يكون هناك آخر.

·                    الأمر الثاني الذي يدل على أن أمريكا كانت محرضة على الضربة، هي تواجد

قاعدة العيديد الأمريكية في قطر، والتي يتواجد فيها أحدث أنظمة الدفاع الجوي والقادرة على استكشاف الطائرات الشبحية ومنها "إف 35" والتي قامت بالهجوم، كذلك تعطل أنظمة الدفاع الجوي القطرية الحديثة وعدم قدرتها على التنبؤ وكأن تعطيلها جاء عمدا.

·                    الأمر الثالث الذي يعزز التحريض الأمريكي على الضربة، هو ما ذكرته بعض

وسائل الإعلام المقربة من حماس، من أن امريكا قد أخطرت قطر بضرورة ترك وفد حماس الإقامة في الفندق الذي تجري فيه المفاوضات، قبل الضربة الصهيونية.

وفي أول بيان لحماس عقب الضربة، اتهمت الولايات المتحدة بالمسؤولية المشتركة، مدعية أن الاقتراح الأمريكي كان خدعة لجذب الوفد إلى الاجتماع.

كما أن مجلة اتلانتك الأميركية ذكرت في مقال نشرته المجلة يوم 11 سبتمبر، أن عدم نجاح الضربة الصهيونية على قطر في تحقيق أهدافها زاد من إحباط ترامب، فالمجلة لم تقل إن الضربة نفسها، بل عدم نجاحها في قتل القادة قد زاد من إحباط ترامب.

إن موضوع ضرب الكيان لمقر حماس في الدوحة ليس عشوائيا، فالكيان يدرك جيدا أنه لو حتى قتل قيادات حماس سيظهر لها قادة آخرين، فلم يكن هذا هدفه فقط من العملية، بل كان الهدف الأساسي هو إنهاء الوسيط القطري ومن ورائه التركي، والإبقاء فقط على الوسيط المصري، لأن الكيان يعلم أن مواقف الحكومة المصرية شديدة البراجماتية أكثر من قطر وتركيا، وأنها تتحرك وفق مصالحها فقط، وأنه من السهل على التحالف الأمريكي الصهيوني الضغط والتأثير في الموقف المصري وابتزازه، وسيتم ابتزاز حماس عن طريقهم .. خاصة أن حماس لن تجد إلا غيرهم كوساطة لإنهاء القتال كما تريد.

أعلى